بعد فرض الولايات المتحدة حظراً على واردات النفط والغاز الروسية، أصبحت شركة معادن عملاقة هي الوحيدة تقريباً التي لم تطَلها بعد العقوبات الغربية، فما قصة تلك الشركة؟
صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية رصدت الإجابة في تقرير لها بعنوان "هذه الشركة الروسية العملاقة المتخصصة في المعادن قد تكون كبيرة للغاية على أن تطالها العقوبات"، رصد طبيعة عمل الشركة وأسباب تردد الغرب في استهدافها بالعقوبات بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
كانت الدول الغربية، بقيادة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة، قد بدأت في استهداف روسيا بالعقوبات الاقتصادية والرياضية وحتى الفنية لتواجه موسكو شبح العزلة التامة، منذ بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا الخميس 24 فبراير/ شباط الماضي.
وتواصلت تلك العقوبات حتى فرض الرئيس الأمريكي جو بايدن حظراً على واردات النفط والغاز الروسية على الرغم من الرفض الأوروبي لذلك القرار، الذي تسبب في ارتفاعات قياسية في أسعار النفط والغاز العالمية.
أين توجد تلك الشركة الروسية العملاقة؟
من قاعدتها الموجودة في معسكر اعتقال سوفييتي سابق -أو ما يعرف باللغة الروسية بـ"الجولاج"- يقع في المنطقة القطبية الشمالية، تنقب شركة نوريلسك نيكل الروسية عن كمية كبيرة من معدنين ضروريين لوسائل النقل الأكثر مراعاة للبيئة ورقائق الحاسوب.
حتى الآن، لم تفرض الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات على الشركة، أو على رئيسها التنفيذي الأوليغارشي، مما يسلط الضوء على المعضلة التي يقول بعض المحللين إن الحكومات الغربية تواجهها في إطار سعيها لمعاقبة روسيا بدون الإضرار بقدرة هذه الحكومات على الحصول على السلع والمستلزمات الأساسية.
وتعد هذه الشركة مسؤولة عن حوالي 5% من الإنتاج العالمي السنوي للنيكل، الذي يعد مكوناً رئيسياً من مكونات بطاريات السيارات الكهربائية، وحوالي 40% من البلاديوم، الذي يُستخدم في المحولات الحفازة وأشباه الموصلات. كذلك توفر الشركة، التي تعرف باسم نورنيكل، معادن انتقال الطاقة أيضاً، مثل الكوبالت والنحاس.
قفزت أسعار هذه المعادن منذ الهجوم الروسي في أوكرانيا، في خضم مخاوف من أن العقوبات الغربية أو الصعوبات اللوجستية النابعة من الصراع، يمكن أن تؤدي إلى التضييق على الإمدادات. في يوم الإثنين 7 مارس/آذار، ارتفع سعر النيكل بحوالي 40% في بورصة لندن للمعادن، وارتفع هذا العام حتى الآن بنسبة 93%. فيما ارتفع البلاديوم بحوالي 73% حتى الآن.
وبرغم ارتفاع أسعار المعادن، انخفض سهم الشركة -مثل شركات السلع الأساسية الروسية الأخرى- وبلغت نسبة انخفاضه هذا العام حتى الآن 17%. والأرجح أن الانخفاض سيكون أشد؛ نظراً إلى أن التداول في الأسهم المسجلة في بورصة موسكو عُلق منذ أيام؛ لأنها بدأت في الانخفاض. والسبت 6 مارس/آذار، خفضت مؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني ديون شركة نورنيكل إلى حالة غير المرغوب فيها؛ مما يعكس زيادة صعوبة البيئة المالية في روسيا، وضعف المرونة المالية لشركات السلع الأساسية الروسية.
هل من بديل مناسب لمعادن الشركة الروسية؟
وتقول شركات غربية عديدة إنها تبحث عن تنويع إمداداتها بعيداً عن شركة نورنيكل. يعكس ذلك الأمر اتجاهاً بين سلع أساسية متعددة، بما في ذلك النفط والصلب؛ نظراً إلى أن المشترين الغربيين يبتعدون عن الموردين الروس في خضم مخاوف بأنهم قد تطالهم مطرقة العقوبات أو قد يواجهون ببساطة مشكلات في إخراج المنتجات من روسيا.
قال متحدث باسم نورنيكل إن شركة التعدين ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها لعملائها وشركائها وموظفيها، فيما رفض فلاديمير بوتانين، الرئيس التنفيذي لشركة نورنيكل، الذي يملك كذلك 31% من أسهم الشركة، إجراء مقابلة مع صحيفة The Wall Street Journal لمناقشة الأمر.
بحسب صحيفة The Wall Street Journal، فإن العقوبات الغربية المفروضة رداً على الصراع الحالي تجنبت بدرجة كبيرة حتى الآن فرض عقوبات على الشركات التي تزود الغرب بالنفط والغاز والسلع الأساسية الأخرى. وليس هناك الكثير من الشركات التي تعد حيوية في أسواق السلع الأساسية الكبيرة مثلما هو الحال مع شركة نورنيكل، ولا سيما على صعيد معدن البلاديوم.
قالت غابرييل راندلشوفر، العضو المنتدب لجمعية مجموعة البلاتين الدولية للمعادن، وهي مجموعة تجارية يضم أعضاؤها مشترين وموردين لمعدن البلاديوم: "إذا كان لدينا عقوبات ولا نستطيع الحصول على البلاديوم، فعليك أن تتوقع تعطلاً عالمياً". وأضافت: "في اللحظة الحالية، تبحث جميع الشركات عمن [يمدها بهذا المعدن]، ويجب عليهم ذلك".
تأتي شركة Outokumpu Oyj من بين الشركات التي تبحث عن إمدادات بديلة لمعدن النيكل، وهي واحدة من أكبر مصنعي الصلب غير القابل للصدأ. قالت الشركة الفنلندية إن ما بين 6% و7% تقريباً من معدن النيكل يأتي من شركة نورنيكل، بينما تأتي النسبة المتبقية من الصلب المعاد تدويره. وقالت متحدثة باسم الشركة: "بالنظر إلى الموقف في أوكرانيا، فإننا نبحث عن بدائل للإمدادات الروسية من النيكل".
وفي غضون ذلك، قالت شركة BASF SE الألمانية إنها سوف تستوفي ما نُصّ عليه في العقود الحالية مع نورنيكل، لكنها لن تسعى إلى الدخول في أعمال تجارية جديدة مع الشركة الروسية. ووصفت الشركة العملاقة المتخصصة في الصناعات الكيميائية شركة نورنيكل بأنها مورِّدٌ مهمٌ للنيكل والكوبالت من أجل إنتاجها من المواد الكاثودية، بجانب أنها مصدر لمعدني البلاديوم والبلاتينيوم.
هل تواجه صناعة الصلب زلزالاً بالفعل؟
وفي يوم الجمعة 4 مارس/آذار، تلقى المسؤول التنفيذي البريطاني في صناعات الصلب، بيتر ديفيز، رسالة بريد إلكتروني من مصنع صلب بولندي يستثمر فيه، تقول إنهم كانوا عاجزين عن شراء النيكل في خضم المشكلات المرتبطة بالصراع في أوكرانيا. قالت الشركة في الرسالة: "توقعوا زلزالاً في صناعة الصلب".
وتُستشعر الانعكاسات في أرجاء الصناعات التي تعتمد في المعتاد على السلع الأساسية الروسية؛ إذ امتنعت مصافي النفط عن شراء النفط الروسي، وذلك وفقاً للتجار والمسؤولين التنفيذيين في صناعات النفط. على سبيل المثال، تقول شركتا تكرير النفط السويدية Preem AB والفنلندية Neste Oyj، إنهما أوقفتا مشتريات النفط الروسي وتخططان لأن تستبدل به الخام القادم من شمال أوروبا.
وفي المقابل، وجدت شركة Severstal PAO، وهي واحدة من أكبر شركات الصلب الروسية، صعوبةً في بيع إنتاجها من الصلب بمجرد أن دخلت القوات الروسية أوكرانيا، وذلك وفقاً لأحد الأشخاص المطلعين على المسألة. وأضاف أن المشترين المحتملين كانوا قلقين بشأن العقوبات الممكنة. ويبدو أن حدسه قد صدق في حالة شركة Severstal، التي طالت مطرقة العقوبات الغربية الإثنين 7 مارس/آذار مالكَ أكثر أسهمها، أليكسي مورداشوف.
المحللون يرون أن أسعار السوق للمعادن التي تنتجها نورنيكل تعكس مخاوف مماثلة. قال أندرو ميتشل، مدير البحوث المتخصصة في معدن النيكل لدى شركة استشارات الطاقة Wood Mackenzie: "إنه يساعد في جعل الأسواق مضطربة، الجميع يبحثون عنه ويقولون إنهم إذا أخرجوا النيكل (الذي تنتجه نورنيكل) من السوق، فسوف يكون ذلك هائلاً".
كذلك يقول المحللون إن إنتاج نورنيكل مهم؛ لأن الطلب على النيكل يُتوقع أن ينمو في خضم الشعبية المتزايدة للسيارات الكهربائية. واجه النيكل أكبر عجز في الإمدادات أكثر من أي معدن غير نبيل آخر في العام الماضي نسبةً إلى حجم السوق، وبنسبة بلغت حوالي 6%، وذلك وفقاً للمحللين في شركة BMO.
من المعروف أن الشركة الروسية تنقب في واحدة من المدن الواقعة في أقصى شمال الكرة الأرضية، وهي مدينة نوريلسك، التي كانت مستعمرة عقابية سابقة. واكتسبت مدينة نوريلسك سمعةً لنفسها بأنها واحدة من أقذر المدن في الكوكب بسبب التلوث المرتبط بالتعدين والمصافي. في عام 2020، تسرب حوالي 45 طناً من وقود الطائرات إلى التربة من خط أنابيب تملكه شركة نورنيكل. وأعقب ذلك تسرب 20 ألف طن من وقود الديزل من خزان مؤقت في إحدى منشآتها في نفس العام.
توفر المنطقة كذلك للشركة بعضاً من أفضل الرواسب المعدنية في العالم، التي يُنقَّب عنها على بُعد يصل إلى 5 آلاف قدم تحت القشرة الصقيعية. قال ميتشل، من شركة استشارات الطاقة Wood Mackenzie: "إنها لا تزال على الأرجح أعظم كتلة مواد خام في العالم".