جاءت خطة الاتحاد الأوروبي لتزويد أوكرانيا بمقاتلات، لتمثل ذروة التعاون العسكري الأوروبي في مواجهة روسيا، ولكن الخطة يبدو أنها مهددة بالانهيار وإحراج المفوضية الأوروبية التي أعلنت عن الخطة.
وأعلن جوزيب بوريل، السياسي الإسباني الذي يشغل منصب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، في 27 فبراير/شباط، أن الكتلة ستوفر الأموال لأوكرانيا للحصول على طائرات مقاتلة من دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي، دون أن يذكر هذه الدول، وسارع المسؤولون الأوكرانيون بتأكيد أنباء الصفقة.
يأتي الإعلان عن هذا التبرع الإثنين 28 فبراير/شباط 2022 في الوقت الذي اصطفت فيه الدول الأوروبية، للإعلان عن حزم أسلحة جديدة لأوكرانيا، من الصواريخ المضادة للدروع والصواريخ المضادة للطائرات، إلى المدفعية والإمدادات الطبية.
قال شخص مطلع على المحادثات بخصوص الطائرات المقاتلة، إن المناقشات لا تزال جارية. وأضاف أن أي طائرات سيتم توفيرها مباشرة من قِبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولن يتم تمويلها من خلال الترتيب الذي أعلن في وقت سابق، للاتحاد الأوروبي لتمويل شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا بقيمة 450 مليون يورو.
وإزاء التفوق الجوي الروسي الساحق الذي دمر الطيران الحربي الأوكراني والمطارات في اليوم الأول للحرب، فإنه من غير المتوقع أن تلعب هذه الطائرات دوراً في تغيير شكل المعركة، ويبدو أن الهدف العام هو زيادة الضغط على موسكو وليس الدخول في قتال جوي حقاً.
ما هي الطائرات المرشحة لأن تكون ضمن تبرع الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا؟
تقوم الدول الأوروبية بتشغيل وتصنيع بعض من أفضل الطائرات المقاتلة في العالم، وضمنها Eurofighter Typhoon وRafale وSaab Gripen.
ولكن أوكرانيا وطياريها لا يمتلكون دراية بالمقاتلات الأوروبية أو الأمريكية ، سواء كانت طائرات رافال أو تايفون أو إف-16، والوقت قصير جدًا لتدريبهم. إذا لم يتمكن الأوكرانيون من الطيران بها، فسيكونون بحاجة إلى طيارين غربيين لتشغيل ومحاربة الطائرات الروسية. وهذا يعني حرفياً إعلان الحرب على روسيا والتي من الواضح أنه ستكون لها تداعيات مدمرة.
لذا، فإن الخيار الوحيد هو تزويدهم بالطائرات التي يمكن تشغيلها من قِبل أوكرانيا، أي طائرات مماثلة لما لديها، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
ولم يحدد بوريل نوع الطائرات التي ستتجه إلى أوكرانيا. ومع ذلك، قال إنها ستكون من أنواع يستخدمهما سلاح الجو الأوكراني بالفعل.
أوضح خبير لم يرغب في الكشف عن هويته، أن الاتحاد الأوروبي لن يجهز أوكرانيا بطائرات مقاتلة غربية، لأن البلاد ليس لديها الوقت لتدريب طياريها على طائرات جديدة. إن تزويدهم بالمقاتلات التي قدموها بالفعل هو أسرع طريقة لدفعهم إلى الانطلاق.
وقال بوريل أيضاً، إن أوكرانيا أبلغت الاتحاد الأوروبي "أنها بحاجة إلى نوع الطائرات المقاتلة التي يستطيع الجيش الأوكراني تشغيلها، وبعض الدول الأعضاء لديها هذا النوع من الطائرات".
وتتكون أساطيل الطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية الأوكرانية من طائرات MiG-29 Fulcrums وSu-27 Flankers، وكلاهما صممه الاتحاد السوفييتي. لا يتم استخدام Su-27 من قِبل أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي.
من يُفترض من الدول الأوروبية أن يزود أوكرانيا بالطائرات؟
يشير هذا إلى أنه قد تمت مناقشة نقل الطائرات المقاتلة MiG-29. لا يزال لدى كل من بولندا وسلوفاكيا وبلغاريا أنواع مختلفة من Fulcrum في أساطيلها. يمكن نقل هذه الطائرات المقاتلة بسهولة وتشغيلها.
من الممكن أيضاً أن تكون لدى بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين طائرات مقاتلة مماثلة غير موجودة في الخدمة. على الرغم من أن القدرات التشغيلية لهذه الطائرات قد لا تكون في أفضل حالة، فإنه لا يزال من الممكن استخدامها كمصدر لقطع الغيار.
رومانيا وكرواتيا، وكلتاهما عضو في الناتو، تعملان على طرازات MiG-21 القديمة والمحسنة بشكل كبير، ولا تقوم أوكرانيا حالياً بتشغيل MiG-21.
ومع ذلك، تقدم الشركات الأوكرانية خدمات صيانة لطائرات ميغ 21 من البلدان الأخرى. وبالتالي قد تستطيع التعامل مع هذه الطائرات العتيقة، ولكن هذا احتمال منخفض للغاية، وأقل كثيراً من احتمال نقل MiG-29s. يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للمخزون البولندي القديم لمقاتلات Su-22، ولكن إذا استمرت المعركة، فقد تصبح هذه الأنواع من الطائرات أكثر جاذبية.
لا تزال بلغاريا تشغّل طائرات هجوم أرضي من طراز Su-25 Frogfoot، والتي تُستخدم أيضاً في أوكرانيا، وهي ضرورية في أثناء النزاع لمهاجمة طوابير المدرعات الروسية.
ألكسندر كراوس، المستشار السياسي لأعضاء Renew Europe وهي "مجموعة سياسية مؤيدة لأوروبا في البرلمان الأوروبي"، غرد يوم 28 فبراير/شباط، بأن هذه الطائرات "ستطير بسماء أوكرانيا في غضون ساعة".
وبالمثل، قال دبلوماسي أوروبي لمايكل بيرنباوم من صحيفة "واشنطن بوست"، إن أوكرانيا تستعد للحصول على طائرات روسية الصنع من بلغاريا وسلوفاكيا وبولندا. هذا يشير إلى أنه سيتم تسليم MiG-29s، وكذلك ربما Su-25s، قريباً.
لماذا انهارت الخطة؟
ولكن انهارت الصفقة المقترحة بتزويد الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا بمقاتلات للتصدي للغزو الروسي، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة Politico الأمريكية.
فعلى مدار 48 ساعة مربكة، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه توسط في ترتيب للدول الأعضاء للسماح للطيارين الأوكرانيين بالبدء في تحليق طائراتهم المقاتلة الروسية المستخدمة.
ولكن سرعان ما نفت هذه الدول وجود أي صفقة من هذا القبيل حتى عندما أعلنت كييف عن وصول وشيك لهذه الطائرات.
كان إعلان رئيس الأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن طائرات مقاتلة في طريقها، قد بدا كأنه يغيّر قواعد اللعبة بالنسبة للمساعدة العسكرية الأوروبية. ولكن بوريل اضطر إلى التراجع عن تصريحه إلى حد ما بحلول يوم الإثنين، معترفاً بأن أي تحويلات لن تأتي من الاتحاد الأوروبي نفسه، بل سيتم التبرع بها "بشكل ثنائي" من قِبل دول الاتحاد الأوروبي الفردية.
بعد فترة وجيزة، أخبر مسؤول حكومي أوكراني صحيفة Politico، بأن بلادهم أرسلت طيارين إلى بولندا لتلقي الطائرات، وأعلن البرلمان الأوكراني أن الطائرات القادمة ستأتي من سلوفاكيا وبلغاريا وبولندا، وستكون في طريقها قريباً.
لكن بعد أيام، قالت بلغاريا وسلوفاكيا إنه لا يوجد اتفاق لإرسال مقاتلات إلى كييف، وقال الرئيس البولندي أندريه دودا، الذي ظهر في قاعدة جوية بولندية إلى جانب الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ، إنه لن تحلّق أي طائرات إلى أوكرانيا في أي وقت قريب.
وأضاف: "نحن ندعم الأوكرانيين بالمساعدات الإنسانية، ومع ذلك، لن نرسل أي طائرات إلى المجال الجوي الأوكراني".
بالنسبة لسلوفاكيا فإن أسطولها الصغير من طائرات MiG-29، وهي الطائرات المقاتلة الوحيدة في البلاد، وتتم خدمتها من قِبل الفنيين الروس بموجب عقد، مما يجعل عملية بيعها صعبة.
وتشارك الحكومة السلوفاكية أيضاً في محادثات مع بولندا لتوفير الحماية للمجال الجوي السلوفاكي، وحتى يتم التوصل إلى هذه الصفقة، فإنها تحتاج إلى طائرات MiG-29 الخاصة بها.
ورداً على سؤال في مقابلة مع إحدى الصحف السلوفاكية، عما إذا كانت البلاد ستنقل طائراتها من طراز ميغ إلى أوكرانيا، قال وزير الدفاع ياروسلاف ناد: "هناك فرصة نظرية، لكني لا أعرف متى سنتوصل إلى اتفاق مع البولنديين، عندما سيتمكن البولنديون من البدء في حماية مجالنا الجوي. والشيء الثاني، ماذا سيحدث بأوكرانيا في غضون أسبوعين، ثلاثة أسابيع؟ وبعد شهرين؟ لا أعلم".
في خطوة تهدف على الأرجح إلى زيادة الضغط على أوروبا للتحرك، غرد البرلمان الأوكراني، يوم الإثنين، بأن أوروبا ترسل 70 طائرة مقاتلة إلى أوكرانيا، من ضمنها 28 طائرة من طراز ميغ 29 من بولندا، و12 من سلوفاكيا، و16 من بلغاريا، إلى جانب 14 طائرة من طراز Su- 25s من بلغاريا.
ولكن مع إغلاق الممرات الجوية المؤدية إلى كييف بسبب الأسلحة الروسية المضادة للطائرات والطائرات المقاتلة، بدأت القوى الأمريكية والأوروبية في دفع الأسلحة إلى البلاد عن طريق البر.
كانت بولندا وإستونيا ولاتفيا من أوائل الذين تحركوا، فأرسلت الذخيرة وأسلحة جافلين المضادة للدروع، والوقود والإمدادات الطبية إلى الحدود الأوكرانية؛ لتسليمها إلى القوات الأوكرانية.
وانضمت فنلندا، وتعهدت بتقديم 2500 بندقية هجومية وذخيرة و1500 سلاح مضاد للدبابات و70 ألف حزمة تموينية لأوكرانيا. تستعد السويد أيضاً لحزمة كبيرة من الأسلحة والمساعدات، وأعلنت عن التسليم المرتقب لـ135.000 حصة ميدانية و5000 خوذة ودروع واقية و5000 سلاح مضاد للدبابات.
جاءت إحدى أكبر المفاجآت في التاريخ السياسي الأوروبي الحديث، عندما أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، أنه سيرسل 1000 سلاح مضاد للدبابات و500 صاروخ ستينغر إلى أوكرانيا، في مخالفة للسياسة الألمانية بعد الحرب والمتمثلة في منع نقل الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة. كما تعهد بضخ 100 مليار دولار في الحال بالجيش الألماني.
ولكن هذا الدعم الأوروبي الواسع لأوكرانيا قد يكون مختلفاً عن مسألة إرسال طائرات أوروبية إلى البلاد، فهذا أكثر استفزازاً لموسكو من الأسلحة الخفيفة، وإذا سقطت أي طائرة أو أسقطت طائرة روسية فسيشار بشكل واضح إلى مصدرها الأصلي.
الأهم أنه في ضوء التفوق الجوي الروسي الساحق، وفي ظل حاجة دول أوروبا الشرقية نفسها لهذه الطائرات لحماية نفسها، لا يبدو أن فوائد هذه الخطوة تستحق مثل هذا الاستفزاز لروسيا.