القوة العسكرية الروسية الغاشمة على النمط الستاليني وليس الأسلوب والأمريكي قد تكون وسيلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحسم الحرب بعدما صمد الجيش الأوكراني حتى الآن بشكل فاجأ المراقبين في الحرب الروسية على أوكرانيا.
فعندما حشدت روسيا حوالي 200 ألف جندي حول أوكرانيا، توقع العديد من المراقبين -وعلى ما يبدو الرئيس فلاديمير بوتين نفسه- أن القوات الروسية ستدخل فوراً لكييف وأن القتال سينتهي بسرعة. بدلاً من ذلك، بعد سبعة أيام من الحرب، يبدو أن ما بدأ يتكشف هو سوء تقدير روسي بشأن التكتيكات ومدى صعوبة قتال الأوكرانيين.
إذ لم يتم الاستيلاء على أي مدن كبرى وتوقف هجوم روسي أولي تجاه العاصمة كييف، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
بوتين يحارب على الطريقة الأمريكية
منذ بدايتها كانت الحرب الروسية الأوكرانية مليئة بالمفاجآت العسكرية، لم تكن المفاجأة فقط في الصمود الأوكراني ولكن في استراتيجية وتكتيكات الجيش الروسي في هذه الحرب التي تختلف عن عقيدته العسكرية التقليدية.
فروسيا قوة برية كانت تمتلك (وما زالت بشكل جزئي) أكبر جيش بري في التاريخ، وهي عادة قوة غاشمة ومدمرة ولكنها غير كفؤة، تؤدي عملياتها العسكرية لسقوط خسائر كبيرة في صفوفها وصفوف أعدائها على السواء.
في الوقت الحالي لدى روسيا (حتى بعد تراجع أعداد قواتها إثر انهيار الاتحاد السوفييتي)، أكبر قوة دبابات في العالم تعادل ما يقرب من ضعف عدد الدبابات الأمريكية، ولديها جيش يقارب المليون جندي ونحو خُمس قطع المدفعية في العالم وسلاح طيران يعد الثاني بعد الولايات المتحدة، ورغم أن كفاءته تطورت منذ نهاية الحرب الباردة لكنه أقل كفاءة من نظرائه من الدول الغربية الكبرى.
قامت عقيدة الجيش الروسي في العهدين القيصري والسوفييتي على تنفيذ هجمات برية واسعة النطاق ولكنها ليست سريعة عادة، تستهدف اجتياح خطوط القوات المعادية وليس مجرد اختراقها وتدمير المدن إذا قاومت عبر قصف مدفعي ومن الدبابات بشكل أساسي إضافة للطائرات.
ولكن في الحرب الأوكرانية الحالية بدا الهجوم العسكري الروسي أقرب للنمط الغربي لاسيما الأمريكي والإسرائيلي، الذي يقوم على اختراق صفوف العدو وتدمير مراكز قيادته، مع استخدام ذخيرة عالية الدقة، تقلل الإصابات المدنية، ولكن في الأغلب غالية الثمن وليست واسعة التدمير.
ألمانيا نجحت في هذا الأسلوب مع فرنسا وإسرائيل مع مصر
تعود جذور هذا النمط إلى أسلوب الحرب الخاطفة الذي استخدمته ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية واجتاحت به فرنسا.
يقوم هذا الأسلوب على سرعة التحرك عبر التعاون بين الأسلحة المدرعات والمشاة والطيران لاجتياح خطوط العدو عبر ثغرات تكتيكية بسرعة تصدمه دون تدميرها بالضرورة بل محاصرتها واجتياز نقاط المقاومة حتى لو لم تسقط وصولاً لقطع إمدادات العدو ومواصلاته ومحاصرته والقفز إلى مراكز قيادته للاستيلاء عليها وبالتالي انهيار معنوياته وإمكانية استسلامه دون تدمير لكامل قواته.
أبرز مثال لهذا النمط من الحرب نفذته ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية مع فرنسا التي كانت تمتلك واحداً من أكبر وأقوى جيوش العالم (لم يكن هناك فرق يذكر في أعداد القطع العسكرية بين البلدين).
ولكن تسللت القوات الألمانية في واحدة من أكثر معارك التاريخ في التخطيط العسكري عبر غابة الأردين التي لم يحصنها الفرنسيون ظنا أنها مستحيلة العبور ليحاصروا الجيشين الفرنسي والبريطاني، في بلجيكا وشمال فرنسا متوجهين لباريس نفسها متجنبين خوض حرب عنيفة مع قوات الحلفاء في شمال فرنسا وبلجيكا والأهم متجنبين خوض حرب خنادق دموية مع خط ماغينو الدفاعي الفرنسي، منعاً لتكرار مآسي الحرب العالمية الأولى.
النتيجة كانت استسلام فرنسا وجلاء بريطانيا من أوروبا رغم أن جيشي البلدين لم يدمر بالكامل.
وبنفس الطريقة خاضت إسرائيل حروبها مع العرب، وبدا ذلك واضحاً في الثغرة التي فتحها الجيش الإسرائيلي، خلال حرب العبور (حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973) في صفوف القوات المصرية بين الجيشين الثاني والثالث والتي كشفتها طائرات الاستطلاع الأمريكية لإسرائيل، واستغلتها لتسلل قواتها عبر قناة السويس، لتهاجم الاحتياطات المصرية التي تكن كافية لصدها، وليقوم الجيش الإسرائيلي بمحاصرة الجيش الثالث الذي كان مسؤولاً عن الجبهة الجنوبية، ودمرت إسرائيل خطوط إمداده وكذلك بطاريات صواريخ الدفاع الجوي المصرية التي كانت تحمي الجيش المصري من التفوق الجوي الإسرائيلي، ما سمح لتل أبيب بإدخال طائراتها للمعركة بعدما كانت الصواريخ المصرية قد حيدت الطيران الإسرائيلي في بداية الحرب.
ولكن النازيين فشلوا في تطبيقه مع السوفييت، لماذا؟
ولكن الحرب الخاطفة لا تنجح بالضرورة في كل المعارك، خاصة إذا حاربت في مساحات شاسعة وواجهت عدواً مصمماً على القتال، ولديه قدر مناسب من اللامركزية وحلول لو جزئية لمشكلات التموين والاتصالات
ففي الغزو الألماني للاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية (أكبر جبهة في التاريخ)، فشل النازيون في الاستفادة من الحرب الخاطفة بسبب ضخامة مساحة الاتحاد السوفييتي، ووفرة إمداداته، وقدرته على تعويض خسائره وصرامة النظام الشيوعي الذي منع الاستسلام والأهم أن عمليات الاختراق والالتفاف الألمانية في أراضي الاتحاد السوفييتي الواسعة خلقت مشاكل لخطوط إمداد الألمان.
الحرب الخاطفة تحتاج لقدرات خاصة، هل تتوفر لدى الروس؟
وهذا يبدو ما يواجه بوتين في الحرب الروسية على أوكرانيا، على الأقل في الوقت الحالي.
فالحرب الخاطفة أو السريعة القائمة على اختراق خطوط العدو تتطلب جيشاً كفؤاً لديه قدرات عالية على التعاون بين الأسلحة وأنظمة اتصالات وتموين ولوجستيات متطورة، وقدرة من اللامركزية والأهم ضباط ذوي تدريب رفيع مع ترك مساحة لهم للارتجال والتحرك دون أوامر.
خلال الحرب العالمية الثانية كان جزءاً من عقيدة الجيش الألماني أن يكون القادة الميدانيون قادرين على الارتجال حتى لو كان في الأمر قدر من مخالفة الأوامر.
وفي حرب العبور 1973، خالف القائد الإسرائيلي الدموي إرئيل شارون الأوامر مراراً، وخاصة خلال تنفيذه العملية التي أدت إلى الثغرة.
وتاريخياً لم تكن كل هذه السمات السابقة متوفرة لروسيا، فالجيش الروسي كان جيشاً ضخماً وبيروقراطياً، ولا مساحة فيه للاجتهاد، ولديه مشاكل تاريخية في اللوجستيات وسرعة التحرك، وآلياته العسكرية كثيرة العدد وذات قدرات تدميرية ولكنها مشهورة بأعطالها ومشكلاتها الفنية.
كما أن روسيا تاريخياً بلد أقل في مستوى التعليم من الدول الغربية ما جعل مستوى الجنود والقادة والميدانيين أقل من نظرائهم الغربيين، ولكنها في المقابل، تميزت بنخب قليلة من القادة العسكريين والمخططين والمبدعين القليلي العديد، ولكنهم كانوا بارعين في التخطيط الاستراتيجي (أي أن الفجوات بين المستويات بالجيش الروسي تاريخياً أعلى من نظرائهم الألمان والغربيين والإسرائيليين، فلدى الروس عادة نخب تضاهي النخب الغربية لكن المستوى العام للمؤسسات أقل).
ولكن كان يعتقد أن التطور في الجيش الروسي قد جعله أقرب للمستوى الغربي وسمح له بالقدرة على خوض هذا النمط من الحروب التي تفضل الآلة الإعلامية الغربية وصفها بالذكية.
وبالفعل، منذ بداية الحرب بدا أن روسيا تنتهج الأسلوب الغربي في الحرب، فقد نفذ الجيش الروسي العديد من الإنزالات الجوية في مطارات قرب كييف، وكذلك في الجنوب مثل أوديسا وغيرها، (وهو أمر اشتهر به الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية والجيش الأمريكي والإسرائيلي وليس الجيش الروسي).
واخترق الجيش الروسي خطوط الجيش الأوكراني دون أن يدمر كتائبه محاولاً التوغل شرق وجنوب ووسط البلاد عبر هجوم بري من الشامل وآخر من الجنوب بهدف إسقاط كييف وعدد من المدن الرئيسية، ولكن دون عملية تدمير واسعة للبلاد ولا جيشها.
فبصرف النظر عن الدعاية الغربية والأوكرانية، فإن حجم التدمير والقتل في الحرب حتى الآن ليس كبيراً إذا وُضع في الاعتبار ضخامة الجيش الروسي وتاريخه الدموي.
لماذا لجأ بوتين لهذا الأسلوب في الحرب الروسية على أوكرانيا رغم عدم خبرة قواته به؟
من الواضح أن بوتين كان يتوقع انهيار الحكومة الأوكرانية ولم يكن يريد خسائر كبيرة تلحق بالروس منعاً للسخط الشعبي الداخلي.
كما أن بوتين على الأرجح لم يكن يريد سقوط أعداد كبيرة من الضحايا الأوكرانيين، عبر ضرب المدن بشكل واسع النطاق حتى لا يكتسب عداء كل الشعب الأوكراني الذي يراهن أن جزء منه قد يؤيد الروس أو يقف بالحد الأدنى على الحياد، ما يسهل تنفيذ مخططه الذي قد يشمل تنصيب حكومة بديلة أو ضم مناطق من أوكرانيا لروسيا.
بل إنه في الأغلب لم يكن يريد إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الأوكراني مصوراً أن عدو روسيا الوحيد هو حكومة كييف الموالية للغرب والميليشيات القومية الأوكرانية التي يتهمها بأنها نازية.
ومما يؤكد ذلك دعوة القيادة الروسية موسكو للجيش الأوكراني لتولي زمام الأمور والتفاوض مع موسكو.
لماذا تعثر الجيش الروسي في تنفيذ الحرب الذكية؟
ولكن من الواضح أن الأمر لم يجر كما خطط الروس ليس فقط بسبب مشكلات لدى الجيش الروسي ولكن لضخامة مساحة أوكرانيا، وصلابة المقاومة الأوكرانية والمزاج الشعبي الذي أصبح أكثر عداء لموسكو.
إضافة بطبيعة الحال إلى الدعم السياسي والإعلامي الغربي، وكذلك الدعم العسكري الذي كان نوعياً فركز على تقديم أسلحة خفيفة تمكن الجيش الأوكراني من التحصن بالمدن ولم يحاول صانع القرار الأمني الغربي جعل القوات الأوكرانية تواجه روسيا في حرب مفتوحة محسومة سلفاً.
تظهر مدينة خاركيف تحديداً فشل الرهان الروسي على حرب خاطفة تعتمد على حياد أو تأييد جزء من الشعب الأوكراني.
هذه المدينة تعد ثاني أكبر مدن البلاد وتقع على بعد نحو 50 كيلومتراً من الحدود الروسية ونحو نصف سكانها يتحدثون الروسية، وكانت من المدن المؤيدة للرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانكوفيتش الموالي لموسكو وقامت بها احتجاجات على عزله عام 2014، وجرت محاولات لإشعال تمرد موالٍ لروسيا بها في ذلك الوقت.
ومنذ أول أيام الحرب، جرت محاولة روسية لدخول خاركيف بدون قوة غاشمة، وقيل إن علم روسيا رفع على برلمانها المحلي في اليوم الأول للحرب، ولكن المدينة صمدت لفترة طويلة بالنسبة لقربها من الحدود الروسي وأن جزءاً من سكانها يفترض أنه مؤيد لروسيا.
فبعد سنوات من الأجواء المعادية لروسيا بعد ضمها القرم، بدا أن التأييد لموسكو يتضاءل حتى في المناطق التي تعتبر معاقل الثقافة الروسية في أوكرانيا.
كما حشدت كييف المدنيين وسلّحتهم، وهاجم جيشها قوافل وخطوط إمداد روسية، تاركاً أدلة بالفيديو على احتراق المركبات الروسية والجنود القتلى.
سبب نجاح الأوكرانيين في ذلك أن توغل الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانية دون القضاء على جيوب المقاومة أدى إلى استطالة خطوط الإمدادات وصعوبة الدفاع عنها.
وبدا أن روسيا تخوض شكلاً من أشكال الحرب الهجينة، تحيد قوتها الجبارة، إذ يعترض المدنيون الأوكرانيون بأجسادهم المدرعات الروسية واضعين الجنود الروس في مأزق، وكأنهم يواجهون احتجاجاً مدنياً في بعض المناطق بينما الجيش الأوكراني يقصف مدرعاتهم في مناطق أخرى بالطائرات المسيرة وصواريخ غافلين.
هل يتحول بوتين إلى الأسلوب الستاليني؟
لكن الحرب كانت تتغير بالفعل بسرعة أمس الإثنين، وفي نهاية المطاف، من المرجح أن بوتين لم يلتزم بالآلية التي حاول تنفيذها عبر تطبيق عملية جراحية محدودة لإسقاط النظام، بل قد يلجأ للأسلوب الروسي التقليدي في الحرب الثقيلة عالية التدمير، الذي يمكن وصفه بالأسلوب الستاليني.
ويشير سجل المسار الروسي في الحرب الأهلية السورية، وجهودها القاسية لسحق النزعة الانفصالية في منطقة الشيشان الروسية، إلى احتمال تنفيذ موسكو في أوكرانيا حملة وحشية بشكل متزايد في المستقبل، حسب تقرير لصحيفة The New York Times.
فلن يقبل بوتين الهزيمة أمام شعبه والعالم أو تعثر حملته لمجرد رغبته في تجنب غضب الأوكرانيين أو الغرب.
وظهرت علامات على ذلك أمس الإثنين في خاركيف عندما قصفت روسيا منطقة سكنية، حيث وردت أنباء عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، وهو هجوم ربما اشتمل على ذخائر عنقودية، وهي محظورة من قبل العديد من الدول، ولكن ليس روسيا أو أوكرانيا.
وقال دوجلاس لوت، وهو ملازم أول أمريكي سابق وسفير لدى الناتو: "نحن فقط في أيام افتتاح هذه الحرب، وبوتين لديه الكثير من الأوراق للعبها". "من السابق لأوانه أن تكون قادراً على تحقيق النصر، وهناك الكثير من القدرات الروسية التي لم يتم توظيفها بعد".
فالعقيدة العسكرية الروسية تجاه الاستيلاء على المدن عملية قاتمة وقاتلة في نفس الوقت، وتفضل استخدام المدفعية الثقيلة والصواريخ والقنابل لترويع المدنيين ودفعهم للفرار، بينما تقتل المدافعين وتدمير البنية التحتية والاتصالات المحلية قبل التقدم على الأرض.
وقال لوت: "لم تحشد روسيا بعد قدرتها العسكرية بطريقة فعالة".
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى أمس الإثنين، كانت تقارير الاستخبارات الأمريكية تشير إلى أن روسيا أدخلت فقط نحو ثلث المئتي ألف جندي الذين حشدتهم حول أوكرانيا.
وقد تتخلى روسيا سريعاً عن الحرب التي تراعي مشاعر مشاهدي التلفزيون ومقاطع فيديوهات اليوتيوب.
فالعقيدة الروسية المتمثلة في إطلاق النار الجماعي كانت واضحة في الشيشان، وهناك احتمال أن تمارسها روسيا ضد سكان المدن الأوكرانية، وهذا سيؤدي إلى إطلاق نيران جماعية ضد المراكز السكانية"، حسب لوت.
ونقلت صحيفة The New York Times عن مسؤول رفيع في البنتاغون أنه رغم مقاومة الأوكرانيين الإبداعية، فإن الهجوم الروسي في أيامه الأولى، ومن المرجح أن يتعلم القادة الروس من إخفاقاتهم وسيتكيفون، كما فعلت القوات الروسية في سوريا. وقال المسؤولون الأمريكيون إنهم يخشون أن تصعّد روسيا الآن القصف الصاروخي والجوي للمدن مع سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.
يقول العديد من الخبراء إن بوتين بدا وكأنه أخطأ في التقدير بافتراض أن توجيه ضربة سريعة إلى كييف يمكن أن تزيح حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وأن الأوكرانيين سيظلون غير مبالين إلى حد كبير بالغزو الروسي وسوف يبحثون عن أمنهم الشخصي. وهذا يفسر، كما يرى بعض الخبراء، سبب تدخل روسيا باستخفاف، محاولةً على ما يبدو الحد من الخسائر في صفوف المدنيين.
وقال ماتيو بوليغ، الخبير في الحرب الروسية في "تشاتام هاوس"، إن موسكو بدت مقيدة بشكل ملحوظ في استخدامها للقوة، بل وحتى خرقاء في الأيام الأولى.
وأضاف: "كانوا يدفعون ثمن خطابهم بأن هذه كانت حرباً دفاعية ضد الفاشيين والنازيين الجدد، وأنها لا تستهدف الشعب الأوكراني". لكن الآن "لدينا كرملين غاضب، ولم نر بعد ما تخبئه روسيا".
وقال إن العالم "بدأ يرى المرحلة الثانية، حيث يدخلون بالمدفعية الثقيلة والقوات البرية، كما يفعلون في خاركيف وماريوبول".
وأوضح بوليغ: "أخشى أن تكون هذه هي البداية حقًا". "يمكننا أن نشهد غزواً إضافياً بقوات أكثر خبرة، مع المزيد من القوات، وعدد أقل من الأنظمة الموجهة بدقة، والمزيد من الاستنزاف، والمزيد من القصف المكثف والمزيد من الضحايا".
فخلال سعيهم للسيطرة على كييف بسرعة، بناءً على "افتراضات معيبة بشكل رهيب بشأن أوكرانيا"، لم يستخدم الروس الكثير من قوتهم وقدراتهم القتالية ولكن النتيجة لم تكن كما كانت يتوقعون في الأيام الأولى من الحرب"، حسب مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في" CNA"، وهو معهد أمريكي لأبحاث الدفاع.
وأضاف: "مع ذلك، نحن فقط في بداية هذه الحرب، والكثير من التفاؤل المبتهج بشأن الطريقة التي مرّت بها الأيام الأولى يتجاهل حقيقة أن الأسوأ بالنسبة للأوكرانيين لم يأتي بعد".
الأوكرانيون قد يواجهون مشكلة في الإمدادات والذخائر قريباً
عاد جاك واتلينغ، الخبير في الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مؤسسة أبحاث دفاعية، من أوكرانيا قبل 12 يوماً ويقول إنه يتوقع المزيد من الضغوط من القوات الروسية في الأيام المقبلة. "لدى الروس الكثير من القوات في أوكرانيا، ومع استمرارهم في التقدم بوتيرة ثابتة، يمكنهم العمل بطريقة مشتركة، وليس باستخدام طوابير الدبابات المعزولة، وسوف يطبقون مستوى أعلى بكثير من القوة النارية".
يقول المحللون إنهم يتوقعون أن تعمل القوات الروسية على توسيع سيطرتها على الجيوب الانفصالية الموالية لروسيا في دونيتسك ولوهانسك في شرق أوكرانيا، والاستيلاء على جسر بري إلى شبه جزيرة القرم في الجنوب، مع دفع القوات من الشمال لمحاولة تطويق الجيش الأوكراني الرئيسي شرق نهر دنيبر، إنهم يحاولون محاصرة ماريوبول والاستيلاء على خاركيف.
يقول الخبراء إن هذا التطويق من شأنه أن يقطع الجزء الأكبر من القوات الأوكرانية عن كييف وعن سهولة إعادة الإمداد، ما يحد من استدامة المقاومة الأوكرانية المنظمة، ومن المرجح أن الخبراء الغربيين الذين ساهموا في تأهيل الجيش الأوكراني ركزوا على توجيه وحداته المقاتلة نحو العمل كقوة غير مركزية تستطيع القتال دون دعم الجيش الرئيسي وفي ظل نقص في الإمدادات، وأحد المؤشرات على ذلك الاهتمام بالأسلحة الخفيفة ووحدات القوات الخاصة إلى جانب الوحدات شبه العسكرية العقائدية والمتطوعين المدنيين.
ولكن يظل مشكلة نقص الإمدادات خطر يواجه الجيش الأوكراني بشكل أكبر من مشكلة الإمدادات التي ظهرت في الجيش الروسي خلال الأيام الأولى للحرب.
والآن تتحرك القوات الروسية بثبات نحو كييف من ثلاثة محاور لمحاولة تطويقها.
يتوقع الخبراء أن الجيش الأوكراني سيبدأ في مواجهة مشكلة نفاد الذخيرة في غضون أسبوع، وستنفد صواريخ ستينغر المضادة للطائرات وجافلين المضادة للدبابات.
وحالياً، ترسل الدول الأعضاء في الناتو والاتحاد الأوروبي الذخيرة وصواريخ ستينغر وجافلين إلى غرب أوكرانيا من بولندا، العضو في الناتو، عبر حدود لا تزال مفتوحة. بل إن الاتحاد الأوروبي، ولأول مرة، يعد بسداد ما يصل إلى 450 مليون يورو للدول الأعضاء مقابل شراء وتوريد أسلحة ومعدات مثل السترات الواقية من الرصاص والخوذات إلى أوكرانيا.
وقال واتلينغ إنه إذا قام الروس بحصار المدن ومنع توريد السلاح عبر حدود أوكرانيا الغربية، فسيكون من الصعب إيصال هذه الإمدادات إلى المدافعين الأوكرانيين. وقال إن طائرات الهليكوبتر الروسية بدأت في تشغيل رحلات اعتراض بالقرب من الحدود البولندية، ومن المرجح أن يتحرك المزيد من القوات من بيلاروسيا لقطع طرق الإمداد عن بولندا، خاصة إذا دخلت القوات البيلاروسية الحرب.
لماذا يظل الروس قادرين على حسم حروب المدن أكثر من الأمريكيين؟
على العكس من الأمريكيين، كانوا الروس في العهدين السوفيتي والقيصري، وفي كذلك عهد بوتين أكثر قدرة على هزيمة حرب المدن عبر قدر هائل من الوحشية والتدمير غير مقيدين بالخوف من التغطية الإعلامية والانتقادات الداخلية التي توجد في الغرب.
كما أن روسيا باعتبارها دولة غير ديمقراطية وشديدة التعصب قومياً، جيشها تقليدياً أكثر قدرة على تحمل العبء المعنوي للخسارة البشرية في صفوفه في ظل ضعف الرأي العام والرقابة على وسائل الإعلام التي تمنع وصول صوت الأمهات الثكلى للجمهور المحلي.
موسكو تعثرت في بداية الحرب السورية، والنتيجة أصبحت أكثر وحشية
لم تمنع البدايات السيئة في الصراعات السابقة روسيا من الانتصار، وكان ثمنها وحشياً في كثير من الأحيان.
في سوريا، واجه الروس نكسات مبكرة، ما أدى إلى تنبؤات بسقوطهم في مستنقع. ومع ذلك فقد تكيفوا باستخدام الصواريخ والقوة الجوية والمدفعية بينما قاتل حلفاؤهم من الميليشيات الشيعية الموالية لإيران وقوات الأسد في الغالب على الأرض.
ومنذ عام 2015 حتى نهاية عام 2017، قُدرت إحصاءات بأن الغارات الجوية الروسية قتلت ما لا يقل عن 5700 مدني، ربعهم من الأطفال، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كانت الحربان اللتين شنتهما روسيا في الشيشان وحشيتين بشكل خاص، حيث دمرت العاصمة غروزني، وساعدت في منح بوتين، رئيس الوزراء الجديد في ذلك الوقت، سمعة الصرامة، حيث قُتل الآلاف قبل أن تستعيد روسيا سيطرتها وتضع شيشانياً موالياً للكرملين في زمام الأمور.
حتى هذه اللحظة، يبدو أن روسيا كانت مقيدة في أوكرانيا بسبب الاعتقاد بأنهم "لا يستطيعون تحويل كييف إلى غروزني ويتوقع بعد ذلك أن يحكم البلاد أو يجعلوها موالية هم"، حسبما قال السيد واتلينغ. "لكننا الآن نرى الكرملين يوافق على أعمال العنف المفرطة ، بدءاً من خاركيف".
هل يتعاطف المواطنون الروس مع أولاد عمومتهم الأوكرانيين؟
تثير هذه الاستراتيجية أيضاً مسألة الروح المعنوية ، بين القوات الروسية والجمهور الروسي.
قال إيان بوند، مدير السياسة الخارجية لمركز الإصلاح الأوروبي: "يعتمد الكثير على مدى قسوة استعداد الروس لتحملها". "لا يمكنهم فرض الرقابة على كل شيء، لذا فإن التعامل بوحشية مع الأوكرانيين الذين يشعر العديد من الروس بوجود صلة معهم قد لا يكون ناجحًا سياسياً لبوتين".
ولكن في المقابل، فإن الحصار الغربي على روسيا وتصوير موسكو للأوكرانيين المدافعين عن أرضهم كعملاء للغرب، من شأنه تقليل التعاطف الشعبي الروسي مع أولاد عمومتهم الأوكرانيين، خاصة أن الإعلام الروسي يقدمهم كخونة للأخوة السلافية التي تجمع البلدين عبر رغبتهم في الانضمام لأعداء موسكو في الناتو والاتحاد الأوروبي.
وقال كورتيس إم سكاباروتي، وهو جنرال أمريكي متقاعد وقائد أعلى سابق لقوات الحلفاء في أوروبا، إن الجنود الأوكرانيين "لا يمكنهم مضاهاة الوحدات الروسية، لكن يتعين عليهم البقاء على قيد الحياة والانتقال إلى التمرد، بينما سيكون على الروس تعزيز المكاسب والسيطرة على دولة كبيرة ذات سكان معادين. ستشير الأيام القليلة القادمة إلى كيفية حدوث ذلك. إذا أصبح الأمر صعباً، فسيصبح الروس قساة".