رغم التعاطف العربي الشعبي اللافت مع محنة الشعب الأوكراني، فإن الحماسة الأوروبية ضد الغزو الروسي، والاستقبال الحافل للاجئين الأوكرانيين أثارا انتقادات لما اُعتبر قدر من عنصرية التعامل مع الأزمات واللاجئين والتي بدت واضحة من معاملة اللاجئين الأوكرانيين مقارنة بأقرانهم السوريين.
وأبدت دول أوروبا الشرقية تحديداً ترحاباً محموداً باللاجئين الأوكرانيين الذين بدأوا النزوح إثر الغزو الروسي لبلادهم، ولكن هذه الدول تحديداً، كانت أكثر الدول الأوروبية رفضاً للاجئين السوريين الذين فروا من نظام بشار الأسد وروسيا داعِمته التي تهاجم اليوم أوكرانيا.
وقامت كثير من دول أوروبا الشرقية تحديداً ومعها اليونان أحياناً، بتنفيذ ممارسات لا إنسانية ضد اللاجئين السوريين وغيرهم من القادمين من دول مثل العراق وأفغانستان.
ورغم أن الجاني يكاد يكون واحداً في الأزمتين الأوكرانية والسورية، فإن رد الفعل الغربي جاء مختلفاً، رغم أن معاناة الشعب السوري كانت أضعاف الشعب الأوكراني، إذ لا يخفى على أحدٍ من حجم الخسائر والقصف، أن ما تعرض له الشعب السوري الذي فقد مئات الآلاف من الضحايا، يفوق بكثيرٍ ما تعرض له الأوكرانيون الذين مازالت خسائرهم في حدود العشرات، حتى ولو مازالت الحرب في بدايتها.
وأعلن الاتحاد الأوروبي عن دعم دول أوروبا الشرقية لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، وفتح الباب لهم لدخول أراضي الاتحاد الأوروبي، دون حتى تقديم طلب لجوء، مع تأكيد المسؤولين الأوروبيين هوية أوكرانيا الأوروبية.
ولكن الأكثر استفزازاً أن بعض المعلقين الغربيين في معرض تبريرهم لضرورة الترحاب باللاجئين الأوكرانيين، أكدوا أن هؤلاء لاجئون أوروبيون شقر وبيض ليسوا مثل لاجئي الشرق الأوسط.
في المقابل، فإنه إضافة إلى التعاطف العربي الحالي مع اللاجئين الأوكرانيين، فلقد استقبلت الدول العربية اللاجئين الأوروبيين الهاربين من الهجمات النازية خلال الحرب العالمية واللاجئين الأرمن الهاربين من تركيا، وكذلك اللاجئين الشركس والمسلمين الهاربين من روسيا.
وبطبيعة الحال فإن الدول العربية على رغم مشكلاتها الجسيمة هي أكبر مستضيف للاجئين الفلسطينيين والسوريين، حتى إنهم يمثلون شطراً كبيراً من السكان في بلد مثل لبنان والأردن، كما أن تركيا أكبر مستضيف في العالم للاجئين السوريين.
ولكن عنصرية التعامل مع الأزمات واللاجئين ليست جديدة، فهناك تاريخ أوروبي طويل من العنصرية الإنسانية إذا صح التعبير.
وتشير بعض الدراسات الأكاديمية الإعلامية إلى أنه في الأزمات والكوارث، تولي وسائل الإعلام الغربية اهتماماً لمقتل كل شخص ينتمي لأوروبا الغربية أو الولايات المتحدة يعادل نحو أربعة أو خمسة من أوروبا الشرقية، وتسعة من الشرق الأوسط ونحو 12 آسيوياً، أما إفريقيا فالعدد قد يكون بالعشرات.
كما لوحظ أن مقدار الاهتمام بضحايا الأزمات والكوارث مرتبط بالنظام السياسي والثقافي الذي ينتمي له المتضررون أكثر من عدد الضحايا أو مدى فداحتها، فعلى سبيل المثال تهتم وسائل الإعلام الغربية بأي مشكلة تمس كوريا الجنوبية بينما لم تسترعِ المجاعة التي أصابت كوريا الشمالية في التسعينيات والتي تقول بعض التقديرات إن ضحاياها يَصلون إلى مليون شخص، انتباه وسائل الإعلام الغربية إلا من قبيل تركيز الانتقادات على النظام الحاكم في بيونغ يانغ.
ذروة عنصرية التعامل مع الأزمات واللاجئين تظهر في فلسطين
تظهر عنصرية التعامل مع الأزمات واللاجئين واضحة ليس فقط في الحالة السورية، بل في الحالة الفلسطينية، فرغم تعرض الشعب الفلسطيني لعدوان إسرائيلي متواصل أكثر شراسة من الحرب الروسية على أوكرانيا وأدى إلى طرد أغلب الفلسطينيين من أرضهم، فإن كثيراً من دول الغرب وعلى رأسها دول أوروبا الشرقية، تدعم العدوان الإسرائيلي أو تتغاضى عنه أو تقلل في أحسن الأحوال من جرائمه.
كما أن هناك أمثلة واضحة لأزمات متزامنة في التوقيت وحجم الضحايا ولكن تعاطفت الدول الغربية بشكل كبير مع إحدى الأزمات، لأن ضحاياها أوروبيون، بينما تجاهلت تقريباً أزمات أخرى لأن ضحايا غير أوروبيين.
أشهر المذابح المتزامنة والمشابهة التي ظهرت فيها عنصرية التعامل مع الأزمات لدى الغرب
الجمهوريات السوفييتية.. من حق دول البلطيق الاستقلال وليس أذربيجان
في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات ومع بدء تداعي الاتحاد السوفييتي إثر فشل سياسة البيريسترويكا والغلاسنوست، بدأت حركات استقلالية تظهر في العديد من الجمهوريات السوفييتية، أبرزها في جمهوريات البلطيق الثلاث إستوانيا وليتوانيا ولاتفيا، إضافة إلى جمهورية أذربيجان السوفييتية الواقعة في القوقاز ذات الأغلبية المسلمة، ولكن رد فعل الغرب كان مختلفاً تماماً تجاه عمليات موسكو لقمع هذه الحركات.
فعندما وقعت أحداث يناير/كانون الثاني الليتوانية، التي يشار إليها عادةً باسم الأحد الدامي بين 11 و13 يناير/كانون الثاني 1991، في أعقاب قانون إعادة تأسيس دولة ليتوانيا الذي كان بمثابة إعلان للاستقلال عن الاتحاد السوفييتي، حدث تدخل عسكري سوفييتي أدى لقتل 14 مدنياً وإصابة أكثر من 140.
أكد وزير الدفاع السوفييتي ديمتري يازوف ووزير الداخلية بوريس بوغو ورئيس الدولة (السكرتير العام للحزب الشيوعي) ميخائيل غورباتشوف، أنه لم يصدر أحد في موسكو أوامر باستخدام القوة، وزعم بوجو على التلفزيون الوطني أن المتظاهرين فتحوا النار أولاً.
سارعت العديد من الدول الغربية بالتحرك، فناشدت حكومة النرويج الأمم المتحدة التدخل. وأعربت حكومة بولندا عن تضامنها مع شعب ليتوانيا، واستنكرت تصرفات الجيش السوفييتي.
ندد الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت "جورج إتش بوش" بالحادث، لكنه حرص بشكل خاص على عدم انتقاد غورباتشوف مباشرة، وبدلاً من ذلك وجّه ملاحظاته إلى "القادة السوفييت عامة؛ خوفاً من رد فعل سوفييتي يعرقل التحضير الأمريكي للحرب ضد العراق بعد غزو صدام حسين للكويت.
كما اعترفت آيسلندا باستقلال ليتوانيا بعد الأحداث، التي لعبت دوراً في أن تستقل جمهوريات البلطيق الثلاث ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا عن موسكو قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان الاهتمام الغربي بالجمهوريات الثلاث سبباً في توفير حماية معنوية لها من التدخل السوفييتي.
مذبحة يناير الأسود في باكو شهدت مقتل 10 أضعاف ضحايا ليتوانيا
قبل نحو عام من أحداث ليتوانيا، شهدت أذربيجان مذبحة راح ضحيتها نحو 132 محتجاً دون رد فعل يذكر من الغرب كما حدث مع ليتوانيا رغم أن المذبحة الأذربيجانية ضحاياها أكثر من عشرة أضعاف ضحايا مذبحة ليتوانيا.
ففي نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، كانت الحركة الاستقلالية في أذربيجان من أنشط الحركات بالجمهوريات السوفييتية مدفوعة بعمليات التطهير العرقي التي بدأها الأرمن خلال نهاية العهد السوفييتي ضد الأذربيجانيين في إقليم ناغورنو كارباخ ذي الأغلبية الأرمينية والذي أعلن الانفصال عن أذربيجان.
بحلول خريف عام 1989، بدت الجبهة الشعبية الأذربيجانية المعارضة مؤهلة للاستيلاء على السلطة من الحزب الشيوعي الأذربيجاني.
بلغت الاضطرابات ذروتها في مواجهة عنيفة عندما قتلت القوات السوفييتية 132 متظاهراً قومياً في باكو عاصمة أذربيجان في 20 يناير/كانون الثاني 1990، والذي يعرف بـ"يناير الأسود" أو السبت الأسود.
بدأت الأحداث إثر رفض الأذربيجانيين قرار المحكمة العليا الأرمينية ضم إقليم ناغورنو كارباخ لأرمينيا التي كانت تعتبر أكثر الجمهوريات السوفييتية ولاءً لموسكو.
تطورت الاحتجاجات للمطالبة بالاستقلال، وفي 18 يناير/كانون الثاني 1990، دعت الجبهة الشعبية أنصارها إلى تحصين طرق الوصول الرئيسية إلى باكو باستخدام مئات السيارات والشاحنات والحافلات. في اليوم التالي، أخلت السلطات السوفييتية ممثليها والمسؤولين المحليين، ونقلتهم إلى مواقع قيادة عسكرية في ضواحي المدينة حيث كان وزير الدفاع السوفييتي ديمتري يازوف ووزير الداخلية فاديم باكاتين متمركزَين.
زعم الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي ميخائيل غورباتشوف ووزير الدفاع ديمتري يازوف، أن القانون العسكري ضروري لإحباط جهود حركة الاستقلال الأذربيجانية الرامية إلى الإطاحة بالحكومة الأذربيجانية السوفييتية.
كان المرسوم الذي فرض هذا القانون يتعارض مع الإجراءات القانونية السارية في ذلك الوقت.
في وقت متأخر من ليل 19 يناير/كانون الثاني 1990، وبعد هدم محطة التلفزيون المركزية وقطع خطوط الهاتف والراديو من قبل القوات الخاصة السوفييتية، دخل 26 ألف جندي سوفييتي باكو، وحطموا الحواجز من أجل سحق الجبهة الشعبية، وادعى ميخائيل غورباتشوف أن مسلحين من الجبهة الوطنية الأذربيجانية فتحوا النار على الجنود السوفييت.
ومع ذلك، لم تجد النتائج التي توصلت إليها منظمة الدرع غير الحكومية ومقرها موسكو، أي دليل على "مقاتلين مسلحين تابعين للجبهة الشعبية الأذربيجانية"، والتي تم استخدامها كدافع لسحق السكان المدنيين.
هاجمت القوات المتظاهرين وأطلقت النار على الحشود، واستمر إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام.
رصدت منظمة الدرع المستقلة المكونة من مجموعة من المحامين والضباط الاحتياط، انتهاكات حقوق الإنسان من الجيش السوفييتي خلال عملياته العسكرية، وخلصت إلى أنه شن حرباً على المدنيين وطالبت بفتح تحقيق جنائي ضده.
لم يتم تسجيل أي إدانة، من قبل المجتمع الغربي لمذبحة أذربيجان، ولكن هناك بعض التغطية الإخبارية من قبل وسائل الإعلام الدولية.
سيراليون حرب الاثني عشر عاماً التي عاصرت مذابح يوغسلافيا
تعد الحرب الأهلية في سيراليون (1991-2002)، وما شهدتها من جرائم إبادة جماعية نموذجاً واضحاً على عنصرية التعامل مع الأزمات لدى الغرب.
بدأت الحرب الأهلية في سيراليون في 23 مارس/آذار 1991، عندما تدخلت الجبهة الثورية المتحدة، بدعم من القوات الخاصة التابعة لتشارلز تايلور زعيم الجبهة الوطنية في دولة ليبيريا المجاورة لسيراليون للإطاحة بحكومتها. واستمرت الحرب الأهلية الناتجة عن ذلك 11 عاماً، وخلفت أكثر من 50 ألف قتيل.
عندما ظهر واضحاً فشل مهمة بعثة الأمم المتحدة التي شكلت في عام 1999، أعلنت المملكة المتحدة عزمها على التدخل في المستعمرة السابقة وعضو الكومنولث؛ في محاولة لدعم الحكومة الضعيفة للرئيس أحمد تيجان كبه. بمساعدة من تفويض الأمم المتحدة المتجدد والدعم الجوي الغيني، هزمت عملية Palliser البريطانية أخيراً الجبهة الثورية المتحدة، وسيطرت على العاصمة فريتاون. في 18 يناير/كانون الثاني 2002، وأعلن الرئيس أحمد تيجان انتهاء الحرب الأهلية في سيراليون.
خلال الحرب الأهلية في سيراليون، تم ارتكاب العديد من الفظائع، من ضمنها الاغتصاب والتشويه والقتل الجماعي؛ مما تسبب في محاكمة العديد من الجناة بالمحاكم الجنائية الدولية، وإنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة.
تزامنت الحرب الأهلية في سيراليون مع الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك (1992-1995)، والحرب الصربية على إقليم كوسوفو ذي الأغلبية الألبانية المسلمة والتي بدأت منذ فبراير/شباط 1998 إلى يونيو/حزيران 1999، ولكن استغرق الأمر من الغرب عشر سنوات لكي يتدخل في سيراليون، وبطبيعة الحال استغرق وقتاً أقصر ليوقف المذابح الصربية في البوسنة وكوسوفو.
في الواقع، أشار كثيرون إلى أن الفظائع في سيراليون كانت أسوأ مما شوهد في كوسوفو، حيث بلغ عدد القتلى في سيراليون 25 ضعف عدد الذين قتلوا في كوسوفو، ونصف المئة ألف شخص الذين قتلوا في البوسنة (أغلبهم من المسلمين).
تمييز بين المسلمين والكروات
وحتى في حروب يوغسلافيا السابقة، يشير كثيرون إلى أن الغرب تدخل لأن الصرب كانوا متمردين على النظام الغربي، وكان حلفاء بشكل أو بآخر للروس، إضافة إلى أن الغرب ترك المسلمين في البوسنة لفترةٍ ضحية لهجمات الصرب دون تحرك، بل تورطت القوات الهولندية العاملة ضمن القوات الأممية في ترك الصرب يذبحون المسلمين في مجزرة سربرينيتسا التي تعتبر أسوأ مذبحة تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بينما كان الغرب أكثر سرعة في دعم سلوفينيا الكاثوليكية أولى الجمهوريات التي استقلت عن يوغسلافيا وكذلك الكروات.
وفي يوليو/تموز 2014، قضت محكمة هولندية بمسؤولة هولندا عن قتل ما يربو على 300 شخص من المسلمين البوسنيين في بلدة سربرينيتسا بالبوسنة والهرسك في يوليو/تموز عام 1995.
وكان الرجال والصبية القتلى من بين خمسة آلاف بوسني، معظمهم من النساء والأطفال، يحتمون بكتيبة هولندية تابعة لقوات حفظ السلام الأممية.