نفت الصين يوم الخميس 24 فبراير/شباط دعمَها الهجوم العسكري الروسي في أوكرانيا في إطار النهج الحذر الذي تتبعه في تعاملها مع حربٍ توقّع عديدٌ من المحللين الصينيين قبل أيام قليلة أنها لن تحدث، كما رصدت ذلك صحيفة The Washington Post الأمريكية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينغ: "أنا واثقة أن روسيا لن تسعد بسماع التلميحات الأمريكية بأن روسيا تحظى بدعم الصين في هذه العملية. فنحن لن نفعل مثل أمريكا ونمنح أوكرانيا كمية كبيرة من العتاد العسكري. وروسيا بدورها دولة قوية لا تحتاج إلى الصين أو دول أخرى لدعمها عسكرياً". وأضافت هوا أن "الصين لم ترغب في رؤية ما يحدث في أوكرانيا اليوم".
الحرب على أوكرانيا "أكبر اختبار" للعلاقات الروسية الصينية
في الوقت نفسه، أشارت هوا في تصريحاتها إلى أن "حلف الناتو يدين للصين بالدم" بسبب قصف الطائرات الحربية الأمريكية للسفارة الصينية في يوغوسلافيا عام 1999. وربما كان طرح هذه الواقعة محاولة لإثارة العداء للولايات المتحدة، على خلفية الهجمات الروسية على أوكرانيا. وهي لا تزال جرحاً مؤلماً لكثيرين في الصين الذين يشككون في التفسير الرسمي للناتو بأنها كانت حادثة غير مقصودة تسببت فيها خرائط قديمة. ومساء يوم الخميس، تصدر هاشتاغ بهذا التصريح موقع التواصل الاجتماعي الصيني Weibo، حيث بلغ عدد مشاهداته 460 مليون مشاهدة.
تقول "واشنطن بوست" إن الحرب الروسية على أوكرانيا أكبر اختبار حتى الآن للشراكة الناشئة بين موسكو وبكين، التي ظهرت علامات مؤخراً على تطورها من ما اعتبره كثيرون "زواج مصلحة" إلى ما يشبه تحالف رسمي.
وقد أعربت الصين مؤخراً عن دعمها "مخاوف روسيا الأمنية المشروعة" لكنها وازنت ذلك بدعوات لضبط النفس والمفاوضات، وهو النهج نفسه الذي اتبعته الصين خلال غزو القرم عام 2014.
ورغم الدعم الظاهري المتبادل بين البلدين، بدا أن الصين قد تفاجأت بإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء عملية عسكرية. وبعد دقائق من الإعلان، قال ممثل الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، أمام اجتماع مجلس الأمن: "نرى أن باب الحل السلمي للوضع في أوكرانيا ليس مغلقاً بالكامل، ولا ينبغي أن يكون كذلك".
هل تفاجأت الصين بالفعل من الهجوم الروسي على أوكرانيا؟
من جهته، أشار يون صن، مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون، إلى أن دائرة السياسة الصينية بدت "مصدومة" من التصعيد المفاجئ للقتال بعد "دعمها للنظرية القائلة بأن بوتين يستعرض قوته فقط وأن الاستخبارات الأمريكية كانت غير دقيقة مثلما كانت أيام غزو العراق".
على سبيل المثال، قال ما بين، خبير الشؤون الروسية في جامعة فودان في شنغهاي، لصحيفة Yicai الصينية في مقابلة يوم الثلاثاء 22 فبراير/شباط، إن الكرة في ملعب أوكرانيا وإنه "لن تندلع حرب" لأن روسيا لا تزال تفضل الحل الدبلوماسي.
وفي اليوم نفسه، حين حذرت الصين مواطنيها في أوكرانيا من تدهور الوضع، ولم تطلب منهم مغادرة البلاد. وخلال الفترة التي سبقت إعلان بوتين، دأبت الصين على تحميل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مسؤولية إثارة الحرب، متجاهلة تحذيرات البيت الأبيض من نية الكرملين للغزو.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية "هوا"، يوم الأربعاء 23 فبراير/شباط: "السؤال المهم هنا ما الدور الذي ساهمت به الولايات المتحدة، المسؤولة عن التوترات الحالية المحيطة بأوكرانيا. أن يستمر أحدهم في صبّ الزيت على النار ثم يتهم الآخرين بعدم بذل قصارى جهدهم لإخماد هذه النيران سلوك غير مسؤول وغير أخلاقي بالمرة".
ونفت هوا أيضاً التلميحات بأن الصين قد تلتزم بالعقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة على روسيا، مشيرة إلى موقف الصين الثابت والمعارض لاستخدام العقوبات التي تُفرض خارج مداولات الأمم المتحدة.
وتقول "واشنطن بوست" إن دعم الصين لروسيا لم يرقَ إلى مستوى الموافقة المباشرة على عمل عسكري. فقد أكد وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، مطلع هذا الأسبوع أنه من الضروري احترام سيادة جميع الدول، مضيفاً أن "أوكرانيا ليست استثناءً".
وهذا الموقف المتردد يأتي في وقت تزداد فيه قوة التحالف الاستراتيجي بين موسكو وبكين، المبني في المقام الأول على شعور "الازدراء" الذي يجمعهما للولايات المتحدة والنظام العالمي الذي يقوده الغرب.
وقد سارع المعلقون "المتشددون" في الصين إلى تفسير هجوم بوتين يوم الخميس بأنه جاء نتيجة استفزاز من الولايات المتحدة. وقال فو تشيانشاو، المحلل العسكري، لصحيفة Shanghai Observer القومية: "تفاقُم الموقف إلى خطوة اليوم يرجع إلى التصعيد المستمر. لقد قالت روسيا بالفعل مرات عديدة إنها ستسحب قواتها، لكن أمريكا لم تتوقف عن الترويج لأجواء الحرب".
أين تقف الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا؟
ترفع الصين دوماً شعار "عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى" في وجه أمريكا والغرب طوال الوقت، وبالتالي إذا ما دعمت الصين روسيا بشكل واضح ومباشر، سيكون ذلك "نفاقاً" واضحاً من بكين.
وبعد أن أعلنت الدول الغربية فرض عقوبات على روسيا بسبب الاعتراف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين وقبل أن يبدأ الغزو، واجهت هوا تشون ينغ، الأربعاء، عاصفة من الأسئلة تركزت حول ما إذا كانت بكين ستدعم فرض عقوبات على موسكو.
لكن الرد كان مباشراً، وهو أن الصين تعارض أي عقوبات أحادية الجانب، وتابعت: "تسأل عما إذا كانت الصين ستفرض عقوبات على روسيا؟ من الواضح أنك لا تفهم سياسة الحكومة الصينية بما فيه الكفاية.. الصين تعارض دائماً العقوبات غير القانونية من جانب واحد"، بحسب تقرير لوكالة سبوتنيك الروسية.
وأضافت: "منذ عام 2011، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا أكثر من 100 مرة، لكن يمكننا التفكير بهدوء أو مناقشة ما إذا كانت العقوبات الأمريكية قد حلت المشكلة؟ هل تغير العالم للأفضل بسبب العقوبات الأمريكية؟ هل ستحل المشكلات في أوكرانيا لأن العقوبات الأمريكية ضد روسيا، هل يصبح الأمن في أوروبا أكثر موثوقية بسبب العقوبات الأمريكية ضد روسيا؟".
وأعربت الدبلوماسية عن أملها في أن تنظر الأطراف المعنية بجدية في ذلك، مضيفة أنه "ينبغي بذل الجهود لحل القضية من خلال الحوار والمشاورات. إن موقف الصين بشأن القضية الأوكرانية ثابت ولا يتغير، وإن موقفها من هذه القضية يتفق مع الموقف الثابت منذ فترة طويلة بتعزيز الحوار والتشاور لحل القضايا الإقليمية الساخنة. لا يزال هناك أمل في حل سلمي للأزمة الأوكرانية على الرغم من التصعيد المستمر للتوترات".
لكن الواقع هو أن روسيا هاجمت أوكرانيا بالفعل، ورغم ذلك أحجمت بكين عن إدانة ذلك الهجوم، بينما قالت تايوان إنها ستنضم "للدول الديمقراطية في معاقبة روسيا لغزوها أوكرانيا"، وهذا يعني أن الصين وتايوان ليستا "دولة واحدة" كما تردد بكين، فماذا يعني ذلك للخطوات الصينية على المدى القصير؟
المتابع لتصريحات الرئيس الروسي الخاصة بالأزمة الأوكرانية طوال الأسابيع الماضية يرى بوضوح أن التاريخ كان حاضراً بقوة في التمهيد للقرارات التي اتخذتها موسكو، وبالتالي فإن حديث الصين عن أن تايوان جزء لا يتجزأ منها وأن سبب الأزمة هو الحرب الأهلية يشبه إلى حد ما المنطق الروسي، بحسب محللين غربيين تحدثوا إلى مجلة Newsweek الأمريكية.
وحتى إذا ما كانت اختلافات شكلية بين طبيعة العلاقة بين أوكرانيا وروسيا من جهة وبين الصين وتايوان من جهة أخرى، فإن طبيعة الأزمتين تحمل قدراً لا يستهان به من التشابه، وبالتالي فإن تأثير الغزو الروسي، إن تم وتحققت أهداف بوتين كاملة، سيكون ضخماً ومباشراً على قرار نظيره الصيني شي جين بينغ فيما يتعلق بتايوان.
والمقصود بالطبيعة المتشابهة لبعض جوانب الأزمتين هو أن روسيا تريد بالأساس منع حلف الناتو من ضم أوكرانيا، وبالتالي تهديد حدودها مباشرة، والصين تريد أيضاً أن تبعد قوات الناتو بزعامة أمريكا عن محيطها الإقليمي، فالأزمتان تتعلقان بنظام عالمي تقوده وتهيمن عليه واشنطن وترفضه موسكو وبكين وتتحديانه وتريان الوقت مناسباً للتخلص منه.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى جاهداً إلى منع التحالف بين بوتين وشي، لكن الواضح من مسار الأزمة الأوكرانية هو أن تلك الجهود الأمريكية قد فشلت فشلاً ذريعاً، وأصبحت المواجهة بين أمريكا والصين وروسيا أمراً واقعاً، وهذا ما يجعل تايوان وأوكرانيا أزمتين متشابهتين في طبيعتيهما، كما تقول "نيوزويك".
وفي هذا السياق يرى الخبراء الغربيون أن الصين ستؤيد روسيا دبلوماسياً، وربما اقتصادياً، بعد غزو أوكرانيا، وهو ما يزيد تدهور علاقات بكين المتصدعة بالفعل مع الغرب، حتى وإن لم تقدم الصين دعماً عسكرياً لروسيا. إذ كان موقف الخارجية الصينية المتكرر هو اتهام الولايات المتحدة "بنشر معلومات كاذبة" وإثارة التوترات، وحث واشنطن على احترام المطالب الأمنية التي تقدمت بها روسيا والاستجابة لها.
وقد أظهرت الصين بالفعل أنها صديق يعول عليه، فلم تنضم إلى الإدانة الغربية لروسيا بعد بدء الهجوم على أوكرانيا، وكانت الصين الدولة الوحيدة التي صوَّتت بلا إلى جانب روسيا في الشهر الماضي، في محاولة فاشلة لمنع مجلس الأمن الدولي من الاجتماع بطلب من الولايات المتحدة لمناقشة الحشود العسكرية الروسية قرب حدود أوكرانيا.