بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، دول البلطيق تتساءل: هل دورنا هو التالي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/26 الساعة 15:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/26 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
هل تكون دول البلطيق الهدف التالي لبوتين بعد أوكرانيا؟ (جنود ليتوانيون في تدريبات عسكرية مع الناتو) 2020/ Getty

يخشى القادة الغربيون أن يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذرائع نفسها التي أطلقها قبل الهجوم على أوكرانيا، لمهاجمة دول البلطيق أيضاً، حيث وصف بوتين أوكرانيا بـ"البلد الزائف الذي نشأ في أوائل القرن العشرين"؛ وجيشها بـ"المعادٍ يهدد حدود روسيا"؛ وأن حكومتها "تضطهد الأقليات الناطقة بالروسية اضطهاداً ممنهجاً". فهل تكون دول البلطيق التالية على أهداف بوتين؟

هل تكون دول البلطيق الهدف التالي لبوتين بعد أوكرانيا؟

بعد ساعات من بدء القوات الروسية هجومها على المواقع الأوكرانية، نادت دول البلطيق، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وخمس دول أخرى في وسط وشرق أوروبا بتطبيق المادة 4 من المعاهدة التأسيسية للناتو، وهي عبارة عن آلية تلجأ إليها الدول الأعضاء لعقد قمة أزمة حين يكون أمنها في خطر. 

ومع تقدم الدبابات والقوات الروسية إلى كييف، يراود الحلف شعور بالقلق من الخطوة التالية لبوتين. إذ هددت وزارة الخارجية الروسية فنلندا والسويد يوم الخميس 24 فبراير/شباط بـ"عواقب عسكرية وسياسية وخيمة" في حال انضمامهما إلى الناتو.

على أن دول البلطيق تبدو مهددة أكثر من غيرها، كما تقرير لصحيفة The Times البريطانية، فالوحدات الروسية المتمركزة الآن في بيلاروسيا تعرض دول البلطيق لخطر حصارها من الغرب والجنوب والشرق، لتصبح فجوة سوالكي البالغ طول ممرها 105 كم بين ليتوانيا وبولندا "الجسر البري" الوحيد بينها وبين بقية دول الناتو.

خارطة دول البلطيق وتظهر مقاطعة "كالينينغراد" الروسية وفجوة سوالكي التي تعتبر نقطة ضعف الناتو- عربي بوست

وتشعر دول البلطيق بالقلق من قدرة روسيا على عزلها عن بقية أوروبا عبر هذه الفجوة سوالكي، والتي يُنظر إليها على أنها واحدة من أكثر نقاط الناتو ضعفاً، كما يقول تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، حيث يقع إلى الغرب من هذه المنطقة مقاطعة كالينينغراد الروسية المسلحة بكثافة؛ والتي تعتبر رأس حربة روسيا في خاصرة الناتو.

وعلى المستوى الأيديولوجي، فدول البلطيق رغم أنها دول ديمقراطية حديثة ومندمجة بدرجة كبيرة في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، فقربها من أوكرانيا وعلاقاتها المشحونة أيضاً مع روسيا خلال القرن الماضي يمكن أن تزود الكرملين بالذرائع اللازمة للحرب.

وقال إيريك نيليس كروس (54 عاماً)، الرئيس السابق للاستخبارات الإستونية الذي يشغل الآن منصب عضو في برلمان البلاد: "من الواضح أن بوتين يختلق هذه التبريرات التاريخية في طريق تقدمه. وحتى موقفه من أوكرانيا تغير بشكل كبير على مر السنين، من أوكرانيا الدولة الجارة الصالحة، ودولة مستقلة ذات سيادة لها الحق في الانضمام إلى أي حلف تريده، إلى" أوكرانيا التي لا وجود لها ولا حق لها في السيادة".

في قلب الصراع.. دول البلطيق مهددة بالحصار الروسي 

بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم لها في عام 2014، توجست دول البلطيق إستونيا ولاتفيا وليتوانيا من أن تلاقي المصير نفسه بعد أن تمتعت باستقلالها عن الاتحاد السوفييتي لأكثر من ثلاثة عقود.

وهذه الدول ما زال يسكنها عدد ليس بالقليل من السكان الناطقين بالروسية، وهذا ما يجعل من هذه المنطقة بؤرة قابلة للانفجار في أي لحظة، خصوصاً عندما تتقاطر قوات من حلف شمال الأطلسي (الناتو) في كل لحظة تشعر فيها أن الدب الروسي يتململ في حوض بحر البلطيق.

وخلال السنوات الأخيرة، كثفت دول البلطيق من استعداداتها وجهوزيتها العسكرية بدعم من الناتو، تحسباً لأي تدخل محتمل من القوات الروسية، حيث تجري المناورات العسكرية بانتظام على الأراضي الليتوانية قرب الحدود.

ولا يقتصر الأمر في التأهب والجاهزية لدى القوات المسلحة فقط، ولا حتى باستدعاء الشباب من سن 19 سنة إلى التجنيد الإجباري، بل إن التوعية والتعبئة النفسية تكاد تطال كل السكان بمن فيهم الأطفال في المدارس، وذلك بنشر الكتب والنشرات التحذيرية والتثقيفية في حال حدوث أي تحرك روسي.

من جانبها تنشط روسيا طول السنوات العشر الماضية في بث دعاية تحريضية نشطة عبر وسائل إعلامها الموجهة إلى الأقلية الروسية في ليتوانيا، حيث يبلغ عدد السكان الناطقين بالروسية هناك نحو 7% من إجمالي عدد السكان، فيما يشكل الناطقون بالروسية ما نسبته 40% من سكان لاتفيا.

وفيما تم استيعاب الأقلية الروسية في ليتوانيا ودمجها في الحياة بشكل عام، فإن صعوبة كبيرة تواجه الروس اللاتفيين في الاندماج بشكل اعتيادي، فمعظم الروس هناك لا يتقنون اللغة اللاتفية أصلاً، وهذا يقف عائقاً أمام تجنيسهم، فتجد أكثرهم من فئة "البدون" الذين لا يحملون الجنسية اللاتفية، ويبلغ عددهم 300 ألف على أقل تقدير. وعلى الرغم من أن 40% من اللاتفيين يتحدثون بالروسية، فإنها لغة غير معترف بها في البلاد، ناهيك عن المعوقات الجسيمة التي تضعها الدولة أمام فتح مدارس للروس هناك.

القوات الليتوانية مع القوات الأخرى من دول البلطيق والناتو تشارك في التدريبات في حرب المدن خلال تمرين السيف الحديدي في بلدة وهمية بالقرب من بابراد ، ليتوانيا، ديسمبر ، 2016. رويترز

وعلى الخريطة، تبدو دول البلطيق وكأنها مطوّقة روسياً من مختلف الجهات، ولا مجال أمامها سوى البحر، وقد لا تساعدها مساحاتها الجغرافية وديمغرافيتها الصغيرة كثيراً في مواجهة روسيا التي تبدو أمامها لقمة سائغة: (إستونيا: 45.339 كيلومتراً مربعاً و1.3 مليون نسمة. لاتفيا: 64.589 كيلومتراً مربعاً و1.9 مليون نسمة. ليتوانيا: 65.300 كيلومتر مربّع و2.9 مليون نسمة). 

ويقول المسؤولون في دول البلطيق إن "روسيا كانت انتهازية" ومستعدة لتحدي أوروبا والناتو وتهديد أمن الدول الثلاث، وإنه إذا نجحت روسيا في أوكرانيا، فإن ذلك سيشجعها على زيادة الضغط على دول البلطيق خلال السنوات المقبلة. 

في الوقت نفسه يسارع حلفاء الناتو إلى طمأنة دول البلطيق، وقد أرسل الحلفاء مؤخراً قوات إضافية إلى المنطقة كجزء من ثلاث مجموعات قتالية متعددة الجنسيات قوامها حوالي ألف فرد في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. ولدى الولايات المتحدة أيضاً كتيبة متناوبة في ليتوانيا وأرسلت تعزيزات إلى قاعدتها في بولندا، لكن لا تزال دول البلطيق تبحث عن المزيد. 

ولذلك، تسعى الدول الثلاث لزيادة الإنفاق الدفاعي فيما بينها، وتطالب واشنطن بوجود دائم للقوات الأمريكية، وتعزيزات أكبر الناتو في المنطقة. ويعمل الناتو بالفعل على زيادة أعداد قواته تدريجياً في أوروبا الشرقية رغم الغضب الروسي، لكنه لا يزال بعيداً عن مضاهاة قوة روسيا في مناطقها الغربية.

"أوكرانيا تقاتل من أجلنا أيضاً"

من جهته، أشار أليكسي نافالني، زعيم المعارضة الروسية (45 عاماً)، خلال محاكمته بتهمة اختلاس مزعومة، إلى أن بوتين يمكنه بسهولة فرض منطقه الغريب نفسه على البلدان المجاورة الأخرى.

وكتب نافالني على تويتر: "استبدِل "أوكرانيا" في خطابه بـ"كازاخستان" و"بيلاروسيا" و"دول البلطيق" و"أذربيجان" و"أوزبكستان" وغيرها، وحتى "فنلندا". وفكر في المحطة التالية التي قد يأخذه قطار الفكر الجيوسياسي لهذا الجد المسن إليها.

وهذا قد يفسر شعور دول البلطيق بأن مصيرها ربما يكون مرتبطاً بمصير أوكرانيا، لدرجة أن وزراء خارجية الدول الثلاث كانوا في كييف حتى حين ضربت الصواريخ الروسية الأولى المدينة صباح يوم الخميس 24 فبراير/شباط. وقال غابريليوس لاندسبيرغيس (40 عاماً)، وزير خارجية ليتوانيا، خلال القصف الأوّلي: "أوكرانيا تقاتل لا من أجل أوكرانيا وحدها وإنما من أجلنا في المنطقة وأوروبا وجميع بلدان العالم الديمقراطي".

مواطنون في إستونيا يحتجون على الحرب الروسية على جارتهم أوكرانيا، 24 فبراير 2022/ رويترز

وبعد هذا التصريح بساعات، أعلنت حكومة لاندسبيرغيس حالة الطوارئ، جزئياً لمساعدتها في التعامل مع الهجمات الإلكترونية الروسية والمعلومات المضللة، وبدأت بعدها في تعزيز قوات حرس حدودها. وأوقفت إستونيا تراخيص البث لأربع قنوات تلفزيونية روسية اتهمتها بتعريض أمنها القومي للخطر. واتخذت لاتفيا إجراءات مماثلة وحظرت ليتوانيا ست محطات روسية.

وشهدت شوارع عواصم دول البلطيق دعماً قوياً لأوكرانيا وتضاعفاً في مشاعر العداء لروسيا، حيث أعلنت العديد من سلاسل المتاجر الكبرى مقاطعتها للمنتجات الروسية.

واحتج عدة آلاف، مساء يوم الخميس، على الهجوم الروسي أمام السفارة الروسية في العاصمة الليتوانية فيلنيوس. وقال توماس فيتوتاس راسكيفيسيوس، عضو البرلمان عن الحزب الليبرالي الذي شارك في حمل علم لأوكرانيا في شوارع المدينة: "أرى أنه اختيار بين الشرق والغرب. إذا سقطت أوكرانيا، فالدور سيأتي علينا في محاولة بوتين الدامية للقضاء على الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي".

ما هي دول البلطيق؟

تسمى أيضاً الدول البَلْطيّة أو بلدان البلطيق، وهو مصطلح جيوسياسي يُستخدم عادة للإشارة إلى ثلاث دول ذات سيادة في أوروبا الشمالية على الساحل الشرقي لبحر البلطيق: إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا. ولهذه الدول المتجاورة نفس الظروف المناخية والثقافات والتقاليد، وتعتبر دولة إستونيا من أكثر الدول تقدماً فيما بينها، وعاصمتها تالين، وريغا عاصمة لاتفيا، وفيلنيوس عاصمة ليتوانيا.

ولا تشكل هذه الدول الثلاث اتحادا ًرسمياً، لكنها تتشارك في التعاون الحكومي الدولي والبرلماني فيما بينها، ومن أبرز مجالات التعاون بين الدول الثلاث هي السياسة الخارجية والأمنية والدفاع والطاقة والنقل.

كانت جميع دول البلطيق ذات يوم ضمن جمهوريات الاتحاد السوفييتي، لكنها أصبحت الآن في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، وكذلك حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ومنطقة اليورو، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين الأعوام (2011 و2015).

تحميل المزيد