تتجه أنظار الملايين حول العالم إلى تطورات الحرب الروسية الأوكرانية ومحاولات الجيش الروسي والانفصاليين السيطرة على مناطق جديدة، وكذلك احتلال العاصمة كييف، ولكن إلى أي مدى قد تطول هذه الحرب؟ وهل تتحول المعركة في أوكرانيا إلى حرب عصابات طويلة الأمد؟
هل تتحول المواجهة في أوكرانيا إلى حرب عصابات؟
يقول تقرير لصحيفة The Times البريطانية، إنه حتى إذا نجح الروس في احتلال العاصمة الأوكرانية كييف وغيرها من مدن أوكرانيا، وحاولوا فرض سيطرتهم عليها، فقد تجد القوات الروسية نفسها متورطةً في حرب عصابات في المناطق الحضرية، ضد عدوٍّ "جيد التسليح ويستند إلى دوافع متحمسة للقتال".
والمواطنون الأوكرانيون الذين لا يملك بعضهم لقتال القوات الروسية ومركباتها العسكرية سوى القنابل الحارقة لن يُرهبوا قوةً متقدمة في القتال وعالية التسليح، مثل الجيش الروسي وقواته الخاصة، إلا أن تاريخ حروب العصابات وحروب التمرد تدلُّنا على أن قوات المقاومة إذا تزوَّدت بتسليح جيد وإمدادات مستمرة من حكومات أجنبية متعاطفة معها، فإنها قادرة على التصدي لقوات الغزو، حتى إن كانت قوات دولة عسكرية عظمى مثل روسيا، تصدياً فعالاً، بل وحتى هزيمتها في بعض الأحيان.
ولذلك الزعم سوابق عديدة تؤيده:
1- المقاتلون الأفغان، الذين زوَّدتهم الاستخبارات الباكستانية ووكاله الاستخبارات المركزية الأمريكية بالأسلحة لدعم قتالهم لقوات الاحتلال الروسية في أفغانستان مدة 9 سنوات في الثمانينيات، ونجحوا في طرد الروس من البلاد في نهاية المطاف.
2- أذاقت طالبان قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة الأمريكي مذاق الذلَّ نفسه على مدار 20 عاماً في أفغانستان.
3- تكبدت قوات الاحتلال الأمريكي التي هزمت الجيش العراقي في عام 2003 خسائر فادحة على مدى سنوات من حرب العصابات، التي شنَّتها المقاومة العراقية وجنود سابقون في الجيش العراقي وتنظيمات مسلحة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
حرب العصابات في أوكرانيا.. ما الأمر الذي يتوقف على تحول المواجهة لذلك؟
أما عن حرب العصابات في أوكرانيا أو حرب المدن التي قد يشنها الشعب الأوكراني على القوات الروسية، فإن استمرارها وشدتها ونجاحها من عدمه يتوقف على كميات الأسلحة التي يتلقاها الأوكرانيون، ومهارات التنظيم والقيادة التي لا غنى عنها لحملةٍ فعالة وطويلة، بالإضافة إلى درجة الوحشية التي قد يواجهها المواطنون المسلحون من القوات الغازية، كما تقول "التايمز".
يبلغ عدد سكان كييف نحو 2.8 مليون نسمة، وقد حثَّت حكومة كييف جميع الذكور الأوكرانيين في سن القتال على تقلُّد السلاح ومواجهة القوات الروسية، وكل ذلك كفيل بأن يجعل بلوغ بوتين مطامعه في السيطرة العاصمة وبقية البلاد غايةً عسيرة.
بالإضافة إلى ذلك، اكتسب آلاف الجنود الأوكرانيين خبرة ثماني سنوات من القتال في محاربة الانفصاليين الروس، الذين كانوا يحظون بدعم من قوات سبيتسناز الخاصة، التي أرسلها الكرملين إلى شرق أوكرانيا. وقد تعلم هؤلاء الجنود فنون التنظيم العسكرية ومهارات القتال غير النظامية، ويمكنهم نقلها إلى جيش من المواطنين.
وقد أنشأت أوكرانيا بالفعل أكثر من 150 كتيبة دفاع عن الأقاليم تنتشر في عموم البلاد، ومع أنها تفتقر إلى الجنود النظاميين والعتاد الجيد، فإنها قادرة إن أُحسن استخدامها على إشعال مقاومة مسلحة في مواجهة القوات الروسية.
ومن الجدير بالذكر أن أوكرانيا أقرت في يوليو/تموز من العام الماضي قانوناً يسمى "قانون أُسس المقاومة الوطنية"، ويتضمن تنظيماً قانونياً للمقاومة العسكرية في البلاد، وكان الهدف منه ألا ينهمك آلاف المواطنين المتحمسين في حرب عصابات على عدوهم دون أي هيكل منظم أو خاضع للرقابة، وتوجيه المواطنين إلى تدابير كفيلة بإلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو وإجباره على وقف هجومه.
كما وجه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، العام الماضي، المواطنين بالاستعداد لحرب عصابات تركز على "العسكرة الشاملة" لسكان البلاد، وتعتمد على مفهوم "حرب شعبية" تخوضها قوات "المقاومة الشعبية" جنباً إلى جنب مع وحدات الجيش النظامي.
هكذا تجهِّز أوكرانيا شعبها لحرب عصابات مع روسيا
وكانت صحيفة The New York Times الأمريكية قد نشرت تقريراً في ديسمبر/كانون الأول الماضي، يرصد تدريبات للمدنيين الأوكرانيين على القتال استعداداً لحرب عصابات في حالة وقوع الغزو لبلادهم وتعرض الجيش النظامي للهزيمة أمام القوات الروسية.
التدريبات كانت تحاكي معارك شوارع في العاصمة الأوكرانية كييف، في حال تعرضها للغزو الروسي. وتقول أنستازيا بلوشيتسكا، وهي شابة تبلغ من العمر 25 عاماً للصحيفة الأمريكية، إن "الناس الذين استعدوا لن يهلعوا إذا حلَّت بهم الحرب الحقيقية".
وأقامت الحكومة الأوكرانية على مدار الفترة الماضية برامج تدريب لمواطنيها، قالت إنها جزء من خطة الدفاع الاستراتيجية عن البلاد، في حال أقدمت روسيا على غزوها المحتمل لأوكرانيا، وترمي إلى تعزيز المقاومة المدنية القادرة على الاستمرار في القتال إذا وقعت الهزيمة بالجيش الأوكراني.
وتقول نيويورك تايمز، إن أوكرانيا استخلصت دروساً من حروب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان خلال العقدين الماضيين، عندما تمكَّن المقاتلون من الاستمرار في المقاومة في مواجهة القوة النارية الأمريكية الأشد تفوقاً بفارق كبير.
تتماشى الحكومة الأوكرانية مع تقاليد متَّبعة لدى الاستراتيجيات العسكرية في دول الشمال الأوروبي والسويسري لعقود من الزمن، غير أن هذا التقليد تشتد أهميته ومكانته حتى يصبح أقرب إلى عقيدة عسكرية في أوروبا الشرقية. فالدول، مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، عادة ما تدفعها التهديدات الروسية إلى انتهاج برامج تشجِّع على امتلاك بعض المدنيين للأسلحة والتدريب الرسمي على المقاومة في حال وقوع احتلال للبلاد.
وكانت كتائب المتطوعين العمودَ الفقري لقوة أوكرانيا في الشرق في عام 2014، عندما شهدت البلاد المعارك الأولى ضد الانفصاليين الموالين لروسيا، وكان الجيش الأوكراني وقتها في حالة من الفوضى.
كما تعول الحكومة الأوكرانية على مجموعات شبه عسكرية وميليشيات لصد الجيش الروسي ومحاولات غزوه للعاصمة كييف، ويقول الأوكرانيون إن الهدف ليس أن تصبح القوة الأوكرانية ندّاً لثقل الجيش الروسي أو التغلب عليه، فهو أمر يكاد يستحيل فعلياً على أي حال، لكن الهدف هو إعداد قوةٍ قادرة على عرقلة الاحتلال ومقاومته لجعل تكلفة الغزو ثقيلة عليه.
وتشير استطلاعات الرأي في أوكرانيا إلى نوعٍ من الدعم العام لهذه الجهود. فقد أظهر استطلاع للرأي أجري الخريف الماضي أن 24% من الأوكرانيين يقولون إنهم سيقاومون "بأي أداة متاحة في أيديهم" روسيا، وقال 39% من الرجال المشاركين في الاستطلاع إنهم سيقاومون بالسلاح. وقد اعتاد الأوكرانيون نشر صور سيلفي على وسائل التواصل الاجتماعي وهم يحملون البنادق.