في الوقت الذي يتابع فيه العالم الغزو الروسي لأوكرانيا بقلق بالغ، تشعر تايوان بالخطر من أن تقدم الصين على شن هجوم خاطف لضم الجزيرة المستقلة، فماذا تقول الصين؟ وهل هذا احتمال وارد بالفعل؟
كان الأوكرانيون والروس والعالم أجمع قد استيقظوا الخميس 24 فبراير/شباط على وقع الحرب في أوكرانيا، بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء عملية عسكرية في دونباس، لكن سير العمليات الحربية يشير إلى أن الهدف العسكري لروسيا لا يتوقف عند حدود الإقليم الانفصالي، فالهجوم الروسي يطال جميع الأراضي الأوكرانية وصولاً إلى العاصمة كييف.
الهجوم الروسي على أوكرانيا له تداعيات سلبية هائلة لن تتوقف عند حدود الدولتين، بل تتعداها إلى القارة الأوروبية ككل وسيتأثر جميع سكان الكوكب بتلك التداعيات سواء الاقتصادية أو الجيوسياسية، فالنفط ارتفعت أسعاره إلى ما فوق 105 دولارات للبرميل وكذلك ارتفعت أسعار القمح، كرد فعل مباشر على بدء الهجوم الروسي.
تايوان ترفع درجة الاستعداد العسكري
وإذا كانت الأزمة الأوكرانية هي التهديد الأكبر على الأمن في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فإن تأثير تلك الأزمة انعكس بشكل مباشر على أزمة تبدو متشابهة وهي أزمة تايوان، التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، ويقول الرئيس الصيني شي جين بينغ إن بكين ستعيد الجزيرة إلى السيادة الصينية بالقوة إن لزم الأمر.
إذ كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن لا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول، إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وخلال السنوات القليلة الماضية بدأت الصين تصعيد لهجتها فيما يتعلق بتايوان وبدأت تجري تدريبات عسكرية وطلعات جوية مكثفة تخترق المجال الجوي للجزيرة واتخاذ خطوات عدوانية تجاه أي دولة تقيم علاقات من أي نوع مع تايوان.
وقبل أن تندلع الحرب في أوكرانيا بالفعل، أعلنت الحكومة التايوانية أنها تتابع عن كثب الموقف في المضيق الفاصل بينها وبين الصين، وتكثف استعدادها للرد على مجريات الأمور في أوكرانيا.
وقال المكتب الرئاسي في تايوان، الأسبوع الماضي، إن الجيش يواصل تعزيز عمليات الاستطلاع والمراقبة، مضيفاً أن السلام والاستقرار الإقليمي "مسؤولية مشتركة بين كل الأطراف".
"كل الوحدات العسكرية مستمرة في متابعة الوضع في أوكرانيا والتحركات في مضيق تايوان عن كثب ومستمرة في تعزيز الاستطلاعات والمراقبة المشتركة وتزيد تدريجياً من مستوى الاستعداد القتالي رداً على العلامات والتهديدات المختلفة، وذلك للرد بفاعلية على المواقف المختلفة".
وشكلت رئيسة تايوان تساي إنغ-وين مجموعة عمل ضمن مجلس الأمن القومي لتايوان لمتابعة الأزمة الأوكرانية، وبعد أن أعلن بوتين الإثنين 21 فبراير/شباط الاعتراف بالمنطقتين الانفصاليتين في دونباس، زاد القلق بشكل واضح في أروقة الحكومة التايوانية، وانعكس ذلك في تصريحات تساي نفسها.
فعلى الرغم من قول تساي إن هناك اختلافات جوهرية بين تايوان وأوكرانيا من حيث الجغرافيا السياسية والجغرافيا التقليدية وسلاسل التوريد العالمية، فإنها أضافت أنه "في مواجهة القوى الأجنبية التي تنوي استغلال الموقف في أوكرانيا والتأثير على معنويات المجتمع التايواني، لابدَّ أن تقوي جميع الوحدات الحكومية استعدادها لمنع حرب المفاهيم والمعلومات التي تنشرها القوى الأجنبية والمتواطئين معهم على الساحة المحلية"، بحسب تقرير لموقع يوراكتيف.
كيف ردَّت الصين؟
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ، قالت الأربعاء إن المقارنات بين القضيتين الأوكرانية والتايوانية غير مناسبة، وأشارت إلى أنه بعد ظهور الأزمة الأوكرانية، بدأ الكثيرون يذكرون تايوان باستمرار، لكن هؤلاء الناس يفتقرون حتى إلى الحد الأدنى من الفهم لقضية تايوان.
وأكدت تشون أن قضية تايوان نشأت نتيجة للحرب الأهلية والمواجهة السياسية، لكن سيادة الدولة الصينية ووحدة أراضيها لم يتم تقسيمهما ولا يمكن تقسيمهما، وهذا هو الوضع الراهن لقضية تايوان.
"تايوان في الحقيقة ليست أوكرانيا، لقد كانت تايوان على الدوام جزءاً لا يتجزأ من أراضي الصين، وهذه حقيقة تاريخية وقانونية لا جدال فيها". وأشارت هوا تشين ينغ إلى أن مبدأ "الصين الواحدة" هو معيار مقبول للعلاقات الدولية، وأن السلام في الجزيرة يعتمد على التطور السلمي للعلاقات بين بكين وتايبيه، وليس على استمالة تايوان لقوى خارجية على أمل بيع أسلحة أو تقديم الدعم العسكري. ولخصت بالقول إن "استقلال تايوان طريق لا يؤدي إلى أي مكان، ولا ينبغي أن يسيء أحد فهمه أو تقديره".
لكن حقيقة الأمر هي أن المقارنات بين أوكرانيا وتايوان لم تأتِ فقط على لسان المسؤولين في الجزيرة ذات الحكم الذاتي، إذ كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نفسه قد حذر الأسبوع الماضي، أثناء خطاب له أمام البرلمان، من أن فشل أوروبا في منع غزو روسيا لأوكرانيا سيشجع الصين على أن تفعل الأمر نفسه في تايوان.
كما أن تلك المقارنات بين أزمتَي أوكرانيا وتايوان حاضرة بشكل لافت في التحليلات السياسية في الغرب والشرق على السواء، وازدادت وتيرتها مع دخول الأزمة الأوكرانية مراحلها الساخنة ومن ثم اشتعال الحرب بالفعل ودخول القوات الروسية إلى الأراضي الأوكرانية، دون أن يكون للتهديدات الغربية بفرض عقوبات اقتصادية أي تأثير على قرار الرئيس الروسي.
أين تقف الصين من الغزو الروسي لأوكرانيا؟
يعتبر هذا السؤال هو لب القضية الآن بالنسبة لمسألة تايوان من جهة ولتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا بالنسبة للنظام العالمي الحالي بشكل عام. فإذا ما دعمت الصين روسيا بشكل واضح ومباشر، سيكون ذلك نفاقاً واضحاً من بكين، التي ترفع شعار عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى في وجه أمريكا والغرب طوال الوقت.
وتتركز أسئلة الصحفيين وتحليلات المحللين والخبراء حول هذه النقطة تحديداً، خصوصاً منذ اعتراف بوتين باستقلال دونيتسك ولوغانسك، ثم ازدادت حدة بعد بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا.
فبعد أن أعلنت الدول الغربية فرض عقوبات على روسيا بسبب الاعتراف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين وقبل أن يبدأ الغزو، واجهت هوا تشون ينغ، الأربعاء، عاصفة من الأسئلة تركزت حول ما إذا كانت بكين ستفرض عقوبات على موسكو.
لكن الرد كان مباشراً، وهو أن الصين تعارض أي عقوبات أحادية الجانب، وتابعت: "تسأل عما إذا كانت الصين ستفرض عقوبات على روسيا؟ من الواضح أنك لا تفهم سياسة الحكومة الصينية بما فيه الكفاية… الصين تعارض دائماً العقوبات غير القانونية من جانب واحد"، بحسب تقرير لوكالة سبوتنيك الروسية.
"منذ عام 2011، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا أكثر من 100 مرة، لكن يمكننا التفكير بهدوء أو مناقشة ما إذا كانت العقوبات الأمريكية قد حلت المشكلة؟ هل تغير العالم للأفضل بسبب العقوبات الأمريكية؟ هل ستحل المشكلات في أوكرانيا لأن العقوبات الأمريكية ضد روسيا، هل يصبح الأمن في أوروبا أكثر موثوقية بسبب العقوبات الأمريكية ضد روسيا؟".
وأعربت الدبلوماسية عن أملها في أن تنظر الأطراف المعنية بجدية في ذلك، مضيفة أنه "ينبغي بذل الجهود لحل القضية من خلال الحوار والمشاورات. إن موقف الصين بشأن القضية الأوكرانية ثابت ولا يتغير، وإن موقفها من هذه القضية يتفق مع الموقف الثابت منذ فترة طويلة بتعزيز الحوار والتشاور لحل القضايا الإقليمية الساخنة. لا يزال هناك أمل في حل سلمي للأزمة الأوكرانية على الرغم من التصعيد المستمر للتوترات".
لكن الواقع هو أن روسيا هاجمت أوكرانيا بالفعل، ورغم ذلك أحجمت بكين عن إدانة ذلك الهجوم، بينما قالت تايوان إنها ستنضم "للدول الديمقراطية في معاقبة روسيا لغزوها أوكرانيا"، وهذا يعني أن الصين وتايوان ليستا "دولة واحدة" كما تردد بكين، فماذا يعني ذلك للخطوات الصينية على المدى القصير؟
تايوان وأوكرانيا متشابهتان على أرض الواقع
المتابع لتصريحات الرئيس الروسي الخاصة بالأزمة الأوكرانية طوال الأسابيع الماضية يرى بوضوح أن التاريخ كان حاضراً بقوة في التمهيد للقرارات التي اتخذتها موسكو، وبالتالي فإن حديث الصين عن أن تايوان جزء لا يتجزأ منها وأن سبب الأزمة هو الحرب الأهلية يشبه إلى حد ما المنطق الروسي، بحسب محللين غربيين تحدثوا إلى مجلة Newsweek الأمريكية.
وحتى إذا ما كانت اختلافات شكلية بين طبيعة العلاقة بين أوكرانيا وروسيا من جهة وبين الصين وتايوان من جهة أخرى، فإن طبيعة الأزمتين تحمل قدراً لا يستهان به من التشابه، وبالتالي فإن تأثير الغزو الروسي، إن تم وتحققت أهداف بوتين كاملة، سيكون ضخماً ومباشراً على قرار نظيره الصيني شي جين بينغ فيما يتعلق بتايوان.
والمقصود بالطبيعة المتشابهة لبعض جوانب الأزمتين هو أن روسيا تريد بالأساس منع حلف الناتو من ضم أوكرانيا، وبالتالي تهديد حدودها مباشرة، والصين تريد أيضاً أن تبعد قوات الناتو بزعامة أمريكا عن محيطها الإقليمي، فالأزمتان تتعلقان بنظام عالمي تقوده وتهيمن عليه واشنطن وترفضه موسكو وبكين وتتحديانه وتريان الوقت مناسباً للتخلص منه.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى جاهداً إلى منع التحالف بين بوتين وشي، لكن الواضح من مسار الأزمة الأوكرانية هو أن تلك الجهود الأمريكية قد فشلت فشلاً ذريعاً، وأصبحت المواجهة بين أمريكا والصين وروسيا أمراً واقعاً، وهذا ما يجعل تايوان وأوكرانيا أزمتين متشابهتين في طبيعتهما.
وفي هذا السياق يرى خبراء أن الصين ستؤيد روسيا دبلوماسياً، وربما اقتصادياً، بعد غزو أوكرانيا، وهو ما يزيد تدهور علاقات بكين المتصدعة بالفعل مع الغرب، حتى وإن لم تقدم الصين دعماً عسكرياً لروسيا. إذ كان موقف الخارجية الصينية المتكرر هو اتهام الولايات المتحدة "بنشر معلومات كاذبة" وإثارة التوترات، وحث واشنطن على احترام المطالب الأمنية التي تقدمت بها روسيا والاستجابة لها.
وقد أظهرت الصين بالفعل أنها صديق يعول عليه، فلم تنضم إلى الإدانة الغربية لروسيا بعد بدء الهجوم على أوكرانيا، وكانت الصين الدولة الوحيدة التي صوَّتت بلا إلى جانب روسيا في الشهر الماضي، في محاولة فاشلة لمنع مجلس الأمن الدولي من الاجتماع بطلب من الولايات المتحدة لمناقشة الحشود العسكرية الروسية قرب حدود أوكرانيا.