بعد أشهر على حشد القوات الروسية على حدود أوكرانيا، صاحبتها حرب إعلامية متبادلة بين الطرفين، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فجر الخميس 24 فبراير/شباط 2022، بدء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا وتحديداً بإقليم دونباس (شرقي البلاد)، في وقت قال فيه وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا في تغريدة على تويتر إن روسيا بدأت غزواً واسع النطاق لأوكرانيا، وتستهدف المدن بضربات جوية وبرية. فما سيناريوهات حرب روسيا على أوكرانيا المطروحة على الطاولة، وإلى أين ستصل الأمور؟
ما سيناريوهات حرب روسيا على أوكرانيا؟
منذ وقَّع بوتين الإثنين، 21 فبراير/شباط، مرسوماً يعترف باستقلال دونيتسك ولوغانسك، وهما منطقتان انفصاليتان تقعان في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، ازدادت المخاوف من أن الخطوة التالية لموسكو ستكون إرسال قوات إلى تلك المناطق، ومن ثم إعلان ضمها إلى روسيا، وهو السيناريو الذي نفذه بوتين في شبه جزيرة القرم عام 2014.
وأولى خطوات ذلك هي ما حدثت صباح الخميس، فقد أعلن الرئيس الروسي عن بدء عملية عسكرية في دونباس، وقال إن "مجمل تطورات الأحداث وتحليل المعلومات يُظهر أن المواجهة بين روسيا والقوى القومية في أوكرانيا لا مفر منها، إنها مسألة وقت"، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.
لكن على ما يبدو أن القوات الروسية لن تتوقف عند إقليم دونباس؛ إذ تستهدف الضربات العسكرية والقصف الروسي منذ صباح الخميس عدة مناطق في أوكرانيا وحتى العاصمة كييف، في حين تقول الحكومة الأوكرانية إن القوات الروسية بدأت عملية عسكرية للسيطرة على مدينة خاركيف شمال شرقي البلاد. وفيما يلي سيناريوهات الحرب الروسية المتوقعة في أوكرانيا بعد بدء غزوها.
1- احتلال دونيتسك ولوغانسك بالكامل والتوسع غرباً
السيناريو الأول هو ما يتحقق بالفعل الآن؛ إذ تفعل روسيا ما كانت تفعله ببساطة في الخفاء لمدة سبع سنوات: إرسال قوات إلى دونيتسك ولوغانسك، وهي مناطق انفصالية في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، إما لتوسيع حدودها غرباً بعد الاعتراف بهما على أنهما دولتان مستقلتان عن أوكرانيا، كما فعلت روسيا بعد إرسال قوات إلى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان جورجيتان، في عام 2008.
وتُقدّر مساحة إقليم دونباس إجمالاً بنحو 52.3 ألف كيلومتر مربع، ويسيطر الانفصاليون في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك على نحو ثلث مساحة الإقليم فقط، بينما تسيطر القوات الأوكرانية على الثلثين الباقيين، ويتواجه الطرفان على طول خط التَّماس داخل الإقليم، وهو يمثل خط وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه عام 2015 على أساس اتفاقيات مينسك.
في عام 2019، وقع فلاديمير بوتين مرسوماً يمنح سكان دونيتسك ولوغانسك فرصة للحصول على جواز سفر روسي من خلال إجراء مبسط. بحلول يناير/كانون الثاني 2020، كان أكثر من 720.000 قد فعلوا ذلك. والآن يتم تصنيف هؤلاء الأشخاص رسمياً على أنهم "مواطنون روس مقيمون في دونباس"، مما له عواقب متعددة منها إمكانية ضم الإقليم لروسيا. ويمنحهم هذا الوضع الحق في المطالبة بمدفوعات الضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية الروسية، ويسهل عليهم العمل في روسيا.
وأقرت الجمهوريتان الانفصاليتان في منطقة الدونباس اللغة الروسية كلغة رسمية في عام 2020. ومنذ ذلك الحين، أوقفت المدارس المحلية تدريس اللغة الأوكرانية والتاريخ الأوكراني. واختفت اللغة الأوكرانية من المجال العام ومن الوثائق الرسمية ومن وسائل الإعلام. ومنذ نحو عامين، بدأت الأعلام الروسية تحل محل أعلام المنطقتين في المباني الإدارية المحلية والشوارع والميادين.
2- الاستيلاء على 300 كيلو جنوب أوكرانيا لربط روسيا بشبه جزيرة القرم برياً
السيناريو الثاني، والذي تمت مناقشته على نطاق واسع في السنوات الأخيرة لدى أجهزة المخابرات الغربية، كما تنقل مجلة الإيكونومست البريطانية في تقرير سابق، هو أن روسيا قد تسعى إلى إنشاء جسر بري إلى شبه جزيرة القرم، المنطقة التي ضمتها إليها في عام 2014. وسيتطلب ذلك الاستيلاء على 300 كيلومتر من الأراضي على طول بحر آزوف الأوكراني.
وسيؤدي ذلك إلى توسيع السيطرة الروسية في منطقة تعرف باسم نوفوروسيا، أو روسيا الجديدة، وهي جزء تاريخي من الإمبراطورية الروسية على طول البحر الأسود، وتقول مجلة economist إنه سيكون لتلك المنطقة ميزة ملموسة أكثر في التخفيف من نقص المياه في شبه جزيرة القرم.
سيكون مثل هذا "الاستيلاء المحدود" على الأراضي في حدود قدرات القوات التي يتم حشدها حالياً في غرب روسيا، لكن الأمر الأقل وضوحاً هو ما إذا كانت ستخدم أهداف الكرملين الحربية. فإذا كان هدف روسيا هو منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو أو التعاون مع الحلف، فمن غير المرجح أن يؤدي تعزيز السيطرة على منطقة دونباس أو قطعة أرض صغيرة في جنوب أوكرانيا إلى ركوع الحكومة في كييف لبوتين. وهو ما يحيلنا إلى السيناريو الثالث.
3- احتلال العاصمة الأوكرانية كييف بالكامل وإسقاط النظام
السيناريو الثالث المطروح، هو تغيير الحكومة في كييف بالقوة بعد احتلال العاصمة بالكامل، كما فعلت أمريكا في أفغانستان والعراق. وبعد أن يتم التخلص من الحكومة الحالية وسلطات الدولة، سيتم استبدالها بأشخاص موالين لموسكو (ومملوكين لها)، وهذا السيناريو هو "قطع الرأس".
وقد تلجأ روسيا إلى فرض تكاليف باهظة على أوكرانيا، سواء من خلال تدمير قواتها المسلحة أو تدمير بنيتها التحتية الحيوية، أو احتلال مساحات كبيرة من أراضيها، حتى يوافق قادتها على قطع علاقاتهم مع الغرب، وبالتالي منعها من الانضمام لحلف "الناتو"، وبالطبع جميع هذه السيناريوهات يتطلب حرباً كبيرة.
وحول ذلك يقول تحليل سابق لصحيفة The Guardian البريطانية إنه إذا سمحت بيلاروسيا لروسيا بالهجوم من أراضيها، فيمكن الاقتراب من العاصمة الأوكرانية كييف من الغرب وتطويقها. وتتواجد قوات روسية بالفعل على الأراضي البيلاروسية بعد أن أجرى البلدان تدريبات عسكرية مشتركة خلال الأسابيع الماضية، كما تنشر روسيا على عدة نقاط حدودية بين أوكرانيا وبيلاروسيا أنظمة صاروخية دفاعية.
وبحسب الغارديان، يتعيَّن على روسيا أن تقرر كيفية التعامل مع المدن الأوكرانية، وخاصة كييف، التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، ولكن أيضاً مع خاركيف في الشمال الشرقي، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 1.5 مليون نسمة. وتضيف الصحيفة البريطانية أن حرب المدن قد تكون صعبة على موسكو؛ بسبب خشيتها من فاتورة أضرار كبيرة.
وتشير التكهنات الغربية حول خطط روسيا، المستندة جزئياً إلى التسريبات الظاهرة التي نُشرت في صحيفة بيلد الألمانية الشهر الماضي، إلى أن الكرملين سيحاصر مدينة خاركيف وفي نهاية المطاف العاصمة كييف، وسيقطع الإمدادات عنها، على أمل أن تستلم القوات الأوكرانية في النهاية على طريقة الحروب في العصور الوسطى.
ويقول محللون غربيون إن تطويق كييف ليس بالأمر السهل، تقع النقاط الرئيسية للمدينة، بما في ذلك القصر الرئاسي، إلى الغرب من نهر دنيبر الذي يسهل الدفاع عنه، والذي يمتد إلى الحدود مع بيلاروسيا. وبالتالي فإن أبسط طريقة لعبور النهر هي العبور في منطقة آمنة، من بيلاروسيا في الشمال. وسيتطلب ذلك دعم مينسك، وهو أمر محتمل للغاية بالنظر إلى التقارب الأخير مع موسكو.
وحتى لو لم يفعل بوتين ذلك، فإن وجود حامية عسكرية روسية دائمة في بيلاروسيا ستكون له مزايا للكرملين، كتهديد محتمل ليس فقط لأوكرانيا ولكن لدول البلطيق في الشمال؛ حيث يقول المحللون الغربيون إن ذلك سيخلق قاعدة عسكرية كبيرة من شأنها أن تمنح روسيا هيمنة جوية على الجناح الشرقي لحلف الناتو.
4- حرب استنزاف طويلة الأمد حتى تركيع النظام الأوكراني
السيناريو الرابع، هو الاستمرار في إنهاك النظام الأوكراني لفترة أطول وتدمير البنية التحتية دون اكتساح البلاد بشكل كامل، وذلك عبر الاعتماد بشكل كبير على استخدام أسلحة "المواجهة" لتخفيف خسائر القوات على الأرض بأكبر شكل ممكن، ومحاكاة حرب الناتو الجوية ضد صربيا في عام 1999؛ إذ إن الضربات التي تشنها قاذفات الصواريخ الروسية ستحدث دماراً كبيراً. ويمكن استكمال هذه المهمة بمزيد من الأسلحة الجديدة، مثل الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأوكرانية مثل تلك التي عطلت شبكة الكهرباء في البلاد في عامي 2015 و 2016.
ومن شأن معاقبة أوكرانيا وتركيعها بهذه الطريقة أن يخفض الخسائر بالنسبة لموسكو. ويمكن لروسيا تخفيف الضغط صعوداً وهبوطاً بمرور الوقت، يتخلل ذلك فترات توقف لتكرار أو تصعيد المطالب.
لكن المشكلة هي أن حملات القصف هذه تميل إلى أن تستمر لفترة أطول وتثبت أنها أصعب مما تبدو عليه في البداية، كما يشير إلى ذلك الباحث كير جايلز من مؤسسة تشاتام هاوس في لندن، وإذا اندلعت الحرب، فمن المرجح أن تكون ضربات المواجهة مقدمة ومرافقة لحرب برية بدلاً من أن تكون بديلاً عنها.