"الجيش الروسي يهاجم مفاعل تشرنوبيل النووي" أثار هذا الخبر مخاوف جدية من حدوث كارثة نووية في أوكرانيا أسوأ من كارثة تشيرنوبيل التي كادت تتسبب في فناء أوروبا في منتصف التسعينيات، حيث تصاعدت التحذيرات من أن من تؤدي الحرب روسية على أوكرانيا لكارثة تهدد العالم أجمع.
وكانت الرئاسة الأوكرانية، قد أعلنت أن الجيش الروسي أحكم سيطرته على محطة تشيرنوبل النووية، في أول أيام حربه على أوكرانيا.
وسبق أن قال سفير أوكرانيا في المملكة المتحدة فاديم بريستايكو في ديسمبر/كانون الأول 2021، إن أي هجوم روسي على بلاده يمكن أن يؤدي إلى كوارث نووية مثل تشيرنوبيل.
وأضاف: "نحن في المرتبة الثانية من حيث العدد في المحطات النووية، بعد فرنسا. لذا إذا حدث أي شيء، تذكر كارثة تشيرنوبيل التي وقعت في أوكرانيا منتصف الثمانينات".
مليونا أوكراني تضرروا من كارثة تشيرنوبيل
وكان انفجار قلب مفاعل تشيرنوبيل أسوأ كارثة نووية في العالم، حيث حدث ارتفاع في الطاقة في المفاعل رقم أربعة في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في عام 1986، وانفجر، وأرسلت مواد مشعة على مساحة شاسعة.
كان الانفجار الذي وقع في تشيرنوبيل، التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفييتي، حادثًا ناتجاً عن عيوب في تصميم المفاعل وخطأ بشري في المصنع، ولم يكن نتيجة أي عمل عسكري.
في أوكرانيا وحدها، يُقدر أن ما يقرب من مليوني شخص كانوا ضحايا بطريقة ما للكارثة، الناجمة عن خفض التكاليف والإهمال. تدفع الحكومة الأوكرانية الثمن اليوم: كتعويض لأسر ما لا يقل عن 35000 شخص ماتوا من السرطانات المرتبطة بتشيرنوبيل. في أنحاء أوكرانيا وروسيا البيضاء وروسيا، تصل تقديرات الوفيات إلى مئات الآلاف، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة Kyiv Post الأوكرانية.
وبعد أكثر من ثلاثة عقود من كارثة تشيرنوبيل- كادت تؤدي لفناء أوروبا- ما زال على الأوكرانيين التعايش مع محطات الطاقة النووية كجزء من المناظر الطبيعية لبلدهم، حيث يعمل لديهم 15 مفاعلاً نووياً ضخماً في أربع محطات لتوفير الكهرباء لبلدانهم ومدنهم.
أوكرانيا من أهم دول العالم من حيث الاعتماد على الطاقة النووية
وتعتمد أوكرانيا على الطاقة النووية السلمية إلى حد كبير، واحتلت في عام 2016 المرتبة السابعة في العالم بمجال القدرات النووية السلمية، في عام 2019، كان ما لا يقل عن 55% من الكهرباء الأوكرانية تأتي من الطاقة النووية، ولدى أوكرانيا أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا.
وشركة Turboatom الأوكرانية من بين أكبر عشر شركات لبناء التوربينات في العالم، منها توربينات محطات الطاقة النووية.
وخططت الحكومة الأوكرانية لبناء 11 مفاعلاً جديداً بحلول عام 2030، وهو ما سيضاعف تقريباً المقدار الحالي من قدرة الطاقة النووية.
بصفة عامة ورثت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي قدرة علمية وتكنولوجية وصناعية قوية في المجال النووي.
ولكن الفوضى والفساد اللذين تعاني منهما البلاد منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، انتقلا لبرنامجها النووي، حيث عانى هذا القطاع النووي في أوكرانيا من العديد من فضائح الفساد في مجال لا يحتمل مثل هذه الممارسات.
ولكنها من الأسوأ في مجال الأمن النووي
المفاعلات النووية في أوكرانيا غير آمنة، فهي عرضة للصدمات الخارجية والتخريب الداخلي وتهديدات الأمن السيبراني والإرهاب، وفقاً لأوجه القصور التي تم تحديدها في تقييمات الخبراء.
وتحرز محطات الطاقة النووية الأوكرانية (NPPs) نتائج سيئة في مجال الأمن وتفشل في تلبية بعض متطلبات السلامة المهمة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. في محطة خملنيتسكي للطاقة النووية، ستستمر الإضافة المخطط لها لمفاعلين إضافيين (توفرهما شركة مثيرة للجدل مرتبطة بالكرملين)، على الرغم من المخاوف القوية للخبراء.
وسجلت أوكرانيا نقاطاً ضعيفة في مؤشر الأمان لعام 2018 الذي نشرته منظمة مبادرة التهديد النووي، حيث نالت 70 نقطة من أصل 100 نقطة، مما جعلها تحتل المرتبة الـ30 من بين 45 دولة تم فهرستها، حسب في تقرير صحيفة Kyiv Post.
ووجد تقييم شامل للسلامة لجميع محطات الطاقة النووية الأوكرانية في عام 2010 من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمفوضية الأوروبية، أن المصانع الأوكرانية كانت غير متوافقة مع 22 من أصل 194 من متطلبات السلامة الحيوية. وشملت المناطق الضعيفة "النظر في الحوادث الشديدة، ومقاومة الهزات الزلزالية، واكتمال تحليل السلامة الحتمية، ورصد ما بعد الحادث".
وسبق أن حذر المركز البيئي الوطني لأوكرانيا، أو NECU، ومنظمات غير حكومية أوكرانية أخرى من أن تسعة مفاعلات نووية أوكرانية تعمل حالياً بعد انتهاء عمرها الآمن، على أساس تصاريح تمديد مدى الحياة لمدة 10 سنوات الممنوحة بعد تقييم وصفوه بأنه "معيب بشدة".
وفي عام 2019، في مقاطعة خملنيتسكي، رفع العلماء والخبراء والناشطون أصواتهم احتجاجاً على خطة لتشغيل مفاعلين جديدين قالوا إن بهما عيوباً خطيرة ومعروفة تتعلق بالسلامة ولا يفيان بمعايير السلامة الحديثة، والتي تم تبنيها على نطاق واسع بعد الدروس المستفادة من كارثة فوكوشيما في اليابان قبل ثماني سنوات.
ماذا سيحدث للمفاعلات النووية الأوكرانية إذا هاجمت روسيا البلاد؟
رغم أن إسرائيل سبق أن هاجمت منشآت أسلحة نووية سورية وعراقية، وقصف العراق مفاعلين في بوشهر بإيران خلال حرب الثمانينيات. لكن في تلك الحالات، كانت المنشآت النووية لا تزال قيد الإنشاء.
ولكن احتمال تعرض مفاعل نووي نشط ولديه قلب مليء بالمواد المشعة للهجوم قد يشكل سيناريو كارثياً، إذا عدنا بالذاكرة لكارثة تشيرنوبيل، فلولا جهود الاتحاد السوفييتي بإمكانياته الجبارة فإن انفجار قلب المفاعل كان يمكن أن يؤدي لفناء الحياة في أجزاء كبيرة من أوروبا.
فالمفاعلات النووية قد تمثل خطراً مخيفاً، إذا تعرض للتدمير أو التخريب، إذ يمكن أن تصبح هذه المنشآت فعلياً ألغاماً إشعاعية، حسبما ورد في تقرير لشبكة " Project Syndicate" الإعلامية غير الربحية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها.
وستكون موسكو نفسها ضحية للغبار المشع الذي تحركه الرياح، فالإشاعات لا تعرف الحدود وروسيا هي أقرب دولة لأوكرانيا.
ويتضاعف الخطر جراء المشكلات الفنية الخاصة بالأمن في المفاعلات النووية الأوكرانية التي سبق الإشارة لها والدمار البشري والبيئي الذي سيحدث جراء أي حرب.
المشكلة أن محطات الطاقة عامة تعتبر أهدافاً شائعة في النزاعات الحديثة، لأن تدميرها يعيق قدرة الدولة على الاستمرار في القتال. لكن المفاعلات النووية ليست مثل مصادر الطاقة الأخرى، فهي تحتوي على كميات هائلة من المواد المشعة، والتي يمكن إطلاقها بأي عدد من الطرق.
يمكن للقصف الجوي أو نيران المدفعية، على سبيل المثال، مثل تدمير مبنى احتواء المفاعل أو قطع خطوط التبريد الحيوية التي تحافظ على ثبات درجة حرارة قلب المفاعل.
وتحتاج المفاعلات النووية لاستمرار الكثير من الأنشطة الحساسة مثل التبريد والتي يمكن مجرد توقفها أن يسبب كارثة كبيرة.
كما يمكن لهجوم إلكتروني (كما هددت روسيا) أن يقطع عمليات المحطة، وكذلك تعطيل الطاقة خارج الموقع التي تعتمد عليها المحطات النووية لمواصلة عملها.
كارثة نووية مدمرة إذا ذاب قلب المفاعل
في حالة ذوبان قلب المفاعل وهي الكارثة الأكبر، فإن الغازات المتفجرة أو الحطام المشع ستخرج من هيكل الاحتواء. وبمجرد وصولها إلى الغلاف الجوي، ستستقر النفايات السائلة على مدى آلاف الأميال، وستلوث العناصر المشعة شديدة السمية المناظر الطبيعية الحضرية والريفية. ويمكن أن يتسبب الوقود النووي المستهلك في مزيد من الدمار إذا تم إشعال النيران في برك التخزين.
سيعتمد حجم العواقب الصحية لمثل هذا التساقط النووي على عدد السكان المعرضين له ومدى سمية العناصر المشعة.
إذا فشلت أوكرانيا في احتواء الكارثة كما فعل الاتحاد السوفييتي مع تشيرنوبيل فإن الخطر قد يمتد لمساحات كبيرة من العالم، ففي كارثة تشيرنوبيل حذر العلماء السوفييت قيادة بلادهم من أنه في حال عدم التحرك بسرعة فقد تفنى الحياة في مساحات كبيرة من أوروبا، وقد تصل الآثار التدميرية للشرق الأوسط.
المشكلة أن أوكرانيا لا تمتلك إمكانيات الاتحاد السوفييتي أو اليابان
للحد من امتصاص الإشعاع الذي استقر على الأرض بعد تشيرنوبيل، اضطرت السلطات السوفييتية إلى نقل مئات الآلاف من الأشخاص ومنع استخدام مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والغابات لعقود.
في مفاعل تشيرنوبيل وحوله، تم نشر 600 ألف شخص لتنظيف الموقع. وقام المهندسون ببناء "تابوت" عملاق فوق مبنى المفاعل لاحتواء المزيد من الإطلاقات الإشعاعية.
وعانى ملايين الأشخاص من صدمات نفسية وحصل سبعة ملايين على تعويضات اجتماعية. في النهاية، بلغت الخسائر الاقتصادية مئات المليارات من الدولارات.
لا تزال اليابان تحصي مئات المليارات التي ستكلفها كارثة فوكوشيما عام 2011، ولم يطلق هذا الحادث سوى عُشر الإشعاع الذي أحدثه تشيرنوبيل، معظمه ذهب إلى المحيط.
قد تؤدي الحرب إلى زيادة هذه المخاطر، لأن مشغلي المفاعلات الذين قد يخففون من تداعيات أي كارثة سيكونون أكثر عرضة للفرار خوفاً من إطلاق النار عليهم أو قصفهم. وإذا كان المفاعل في وسط ساحة معركة فوضوية، فقد لا يكون هناك أي من المستجيبين الأوائل الذي يحتاجهم أي مفاعل لاحتواء الكارثة، وسيكون السكان غير المطلعين الذين يسمعون شائعات يتجولون- ويصابون بالذعر- في المناطق الملوثة.
بعد صمت المدافع، ستكون أوكرانيا مثقلة بالآثار طويلة الأمد التي ستنجم عن أي حادث نووي، علماً بأن ضعف البلاد الاقتصادي والفوضى الموجودة أصلاً تجعلها غير قادرة على التعامل مع الأزمة كالاتحاد السوفييتي واليابان.
وكما أوضحت كارثة تشيرنوبيل، فإن أوكرانيا لن تكون وحدها المتضررة. إذ لا تراعي الانبعاثات الإشعاعية الحدود الوطنية، وسيجعل قرب روسيا منها بالوعة لرواسب الهباء الجوي المشعة، حسب وصف شبكة " Project Syndicate".
ظهرت مخاوف بشأن ضعف أوكرانيا النووي في عام 2014 عندما غزت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها. ولأنها تشعر بالقلق من أن يؤدي المزيد من الصراع إلى هجوم على مفاعل، ناشدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قمة الأمن النووي للمساعدة في تعزيز أمن برنامج كييف النووي.