قرية بولندية صغيرة تسبب قلقاً كبيراً لروسيا، لدرجة أن سكانها يخشون أن يتعرضوا لقصف مدمر في بداية أي هجوم روسي على أوكرانيا، وذلك بسبب القاعدة الأمريكية في بولندا التي توجد بهذه القرية، والتي تحوي أسلحة تراها موسكو أنها قد تغير موازين القوة بالمنطقة.
ويحرس جنود بولنديون السياج الخارجي للمنشأة التي تستضيفها القرية وتخيف روسيا، وهي منشأة عسكرية أمريكية شديدة الحساسية، ومن المتوقع أن تدخل مرحلة التشغيل هذا العام، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
وتصر واشنطن على أنها ستساعد في الدفاع عن أوروبا والولايات المتحدة من الصواريخ الباليستية التي تطلقها دول تصفها واشنطن بالمارقة مثل إيران.
لكن بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنَّ القاعدة الأمريكية في بولندا، وقاعدة أخرى في رومانيا، هما دليل على ما يراه على أنه التهديد الذي يمثله توسع الناتو باتجاه الشرق- وجزء من تبريره لتطويقه العسكري لأوكرانيا.
بينما تصف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) الموقعين بأنهما دفاعيان ولا علاقة لهما بروسيا، لكن الكرملين يعتقد أنه يمكن استخدامهما لإسقاط الصواريخ أو إطلاق صواريخ كروز هجومية على موسكو.
وبينما يهدد الرئيس الروسي أوكرانيا، يطالب بوتين الناتو بتقليص تواجده العسكري في شرق أوروبا ووسطها، وهو ما رفضته واشنطن والقادة الأوروبيون رفضاً قاطعاً.
وتعد بولندا من أبرز داعمي كييف ضد روسيا، وهي بمثابة مثل أعلى لأوكرانيا وزعيمة اللوبي الأوكراني في الغرب الذي يطالب بضم كييف للاتحاد الأوروبي والناتو.
وتعلم بولندا تعلم أنه إذ تمكنت موسكو من فعل ما تريد مع أوكرانيا فقد تتجه إليها، إذ يقول مثل بولندي قديم: "لا يمكن أن تكون هنالك بولندا حرة دون أوكرانيا حرة، ولا أوكرانيا حرة دون بولندا حرة".
ماذا الذي يوجد في القاعدة الأمريكية في بولندا ويجعل بوتين يستشيط غضباً
كان بوتين غاضباً من الصواريخ الأمريكية بالقرب من الحدود الروسية منذ دخلت القاعدة الرومانية حيز التشغيل في عام 2016.
لكن القاعدة الأمريكية في بولندا الواقعة بالقرب من قرية ريدزيكوفو، تبعد نحو 100 ميل (161 كيلومتراً تقريباً) عن الأراضي الروسية وبالكاد 800 ميل (1287 كيلومتراً) عن موسكو نفسها، قد تمثل سبباً أكبر لغضبه.
وتحتوي القاعدة، التي تقوم على نظام أيجيس المضاد للصواريخ الباليستية، على رادارات متطورة قادرة على تتبع الصواريخ المعادية وتوجيه الصواريخ الاعتراضية لإخراجها من السماء. وهي مجهزة أيضاً بقاذفات صواريخ من طراز "إم كيه-41″، التي يخشى الروس من إمكانية إعادة استخدامها بسهولة لإطلاق صواريخ هجومية مثل توماهوك.
السكان قلقون والبعض ألغى فكرة شراء شقة بالقرية
وبالنسبة للقرويين في ريدزيكوفو، تسببت فكرة أنهم يعيشون على جبهة تثير مخاوف أمنية ملحة لدى بوتين في حدوث توترات.
يقول ريزارد كوياتكوفسكي، وهو مهندس مدني يعمل في مجال البناء، إنَّ أحد عملائه قرر مؤخراً إلغاء حجز شقة في مبنى جديد تبنيه شركته بسبب مخاوف من أن تضرب روسيا منشأة الدفاع الصاروخي في ريدزيكوفو؛ وبالتالي تنهار أسعار الممتلكات.
ويرى كوياتكوفسكي أنَّ روسيا أثارت القلق من خلال المبالغة في التهديد الذي يشكله الناتو. لكنه يضيف أنَّ كلا الجانبين قد أوجد "آلة خوف ذاتية الدفع" يغذيها عدم اليقين المثير للأعصاب بشأن نوايا الآخر.
روسيا تريد إضعاف الوجود الأمريكي ببولندا وباقي دول أوروبا الشرقية
من جانبه، يقول توماس غراهام، الذي شغل منصب كبير مديري شؤون روسيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال عهد الرئيس جورج دبليو بوش، إنَّ موسكو لم تصدق قط تأكيدات واشنطن بأنَّ نظام دفاعها الصاروخي يستهدف إيران، وليس روسيا.
يقول غراهام: "الأزمة الحالية هي في الحقيقة أوسع بكثير من أوكرانيا. صحيح أنَّ كييف هي نقطة ضغط، لكن المسألة تتعلق أكثر ببولندا ورومانيا ودول البلطيق. يعتقد الروس أنَّ الوقت قد حان لمراجعة تسوية ما بعد الحرب الباردة في أوروبا لصالحهم".
في اجتماع مع بوتين يوم الإثنين 14 فبراير/شباط، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أنَّ روسيا تريد أن ترى "تغييرات جذرية في مجال الأمن الأوروبي"- تغييرات بعيدة المدى تتجاوز أوكرانيا لتشمل انسحاب قوات الناتو المتمركزة حالياً في شرق أوروبا، وفرض قيود على نشر الأسلحة الهجومية والصواريخ متوسطة المدى.
وفي هذا السياق، يقول توماس سمورا، مدير الأبحاث في مؤسسة Casimir Pulaski البحثية في وارسو: "هذه قضية ضخمة بالنسبة لروسيا".
لكن القاعدة خط أحمر بالنسبة لأمريكا
لكن إغلاق موقع ريدزيكوفو، كما تريد موسكو، هو "خط أحمر" لن تتخطاه الولايات المتحدة وبولندا، على الرغم من أنَّ الناتو عرض مؤخراً إجراء مناقشة حول "آلية شفافية" غير محددة على أمل تهدئة المخاوف الروسية بشأن المواقع البولندية والرومانية، رداً على قائمة المطالب التي قدمتها موسكو في ديسمبر/كانون الأول.
ومع ذلك، واجهت تأكيدات الولايات المتحدة بأنَّ إيران وحدها هي التي تحتاج إلى القلق، تقويضاً خلال إدارة ترامب عندما صرح الرئيس بأنَّ أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية سوف "تكشف وتدمر أي صاروخ يُطلَق ضد الولايات المتحدة في أي مكان وفي أي وقت".
وكافحت واشنطن أيضاً لإقناع بوتين بأنَّ موقعي الدفاع الصاروخي في أوروبا الشرقية لا يمتلكان قدرة هجومية يمكن توجيهها بسهولة ضد الأهداف الروسية.
تقول بياتا جوريس، رئيسة قرية ريدزيكوفو المنتخبة، إنه بغض النظر عمّن يقول الحقيقة، فإنَّ تبادل الاتهامات بين موسكو وواشنطن يجعل القرية هدفاً محتملاً في حالة الحرب.
وأضافت: "إذا حدث شيء ما، فسنكون نحن أول من يعلم، للأسف".