بعد خطاب طويل كان مليئاً بالتهديدات لـ أوكرانيا والحديث عن إرث روسيا بها، وقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الإثنين 21 فبراير/شباط 2022، مرسوماً بالاعتراف بالمنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، دونيتسك ولوغانسك، المعلنتين من جانب واحد في إقليم دونباس، كدولتين صغيرتين مستقلتين، في تحدٍّ للتحذيرات الغربية، تبع ذلك المرسوم إعلان بوتين بدء قواته بشن هجوم عسكري مباغت على أوكرانيا يوم الخميس 24 فبراير/شباط 2022، على إثره فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات غير مسبوقة على موسكو.
وخلال خطابه الذي أعلن فيه الاعتراف بهذين الإقليمين الانفصاليين، وصف بوتين أوكرانيا غاضباً بأنها جزء لا يتجزأ من تاريخ روسيا، وقال إن شرق أوكرانيا كان أرضاً روسية قديمة، وإنه واثق من أن الشعب الروسي سوف يدعم قراره، الذي ما لبث أن تحول إلى حرب واسعة النطاق على أوكرانيا بعد ساعات من الخطاب.
آخر مناطق انفصالية تابعة لروسيا في قائمة بوتين الطويلة.. ما هما دونيتسك ولوغانسك؟
في أبريل/نيسان من عام 2014، اندلع صراع انفصالي في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا (يطلق عليهما إقليم دونباس)، وذلك بعد أسابيع قليلة من ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش، بسبب انتفاضة شعبية في العاصمة كييف، وهو ما أثار الغضب في المناطق التي كانت تمثل قاعدة يانوكوفتيش الانتخابية في شرق وجنوب وشمال شرقي أوكرانيا ذات الغالبية المتحدثة باللغة الروسية.
ورأى أنصار "العالم الروسي" في دونباس فرصة للاستفادة من المشاعر القومية الروسية بين الأوكرانيين الناطقين بالروسية وحماية المدنيين، حيث صوّروا كييف على أنها يسيطر عليها الفاشيون. وتماشياً مع مفهوم "العالم الروسي"، قاموا ببناء حجة للمطالبات الروسية التاريخية بأجزاء من شرق أوكرانيا، حتى إنهم يشيرون أحياناً إلى هذه الأراضي باسم نوفوروسيا، أو روسيا الجديدة.
وعليه، فقد استولى المتمردون المسلحون في المنطقة الشرقية المدعومون من روسيا على المباني الحكومية في كلتا المقاطعتين، وأعلنوا ما سمّوه "جمهوريتين شعبيتين" في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، وتحرك الجيش الأوكراني والكتائب المتطوعة لإخماد الاضطرابات.
واندمجت ميليشيات جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية، في 16 سبتمبر/أيلول 2014، لتشكيل "القوات المسلحة المتحدة لنوفوروسيا". وأدت أعمال العنف في شرق أوكرانيا بين القوات الانفصالية المدعومة من روسيا والجيش الأوكراني، إلى وفاة ما يتراوح بين 10 آلاف و24 ألفاً منذ 2014، حسب تقديرات متباينة.
يعيش نحو 4 ملايين في الجزء الانفصالي من إقليم دونباس الأوكراني، الذي يشمل أجزاء من مقاطعتي دونيتسك، ولوغانسك بشرق أوكرانيا. ويُعتقد أنه في حين أن غالبية متمردي إقليم دونباس وُلدوا في أوكرانيا، إلا أن هناك أعداداً كبيرة من الروس بينهم. كما وزعت روسيا على مدار السنوات الماضية جوازات سفر لمئات الآلاف في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.
إلى جانب دونيتسك ولوغانسك.. ما المناطق الانفصالية الأخرى التابعة لروسيا في أوروبا؟
لكن دونيتسك ولوغانسك لم تكونا أول مناطق انفصالية موالية لروسيا أو ذات نفوذ روسي في أوروبا، وفيما يلي 6 مناطق انفصالية أخرى في أوروبا مرتبطة بروسيا في الدول الأخرى المجاورة، وبعضها تم ضمها لموسكو أو حظيت باعتراف رسمي من جانب الكرملين، وذلك بهدف إضعاف محيط روسيا الإقليمي وبسط نفوذها داخله، وكذلك من أجل خلق مناطق عازلة وموالية لها في الوقت نفسه، لكبح تقدم حلف الناتو تجاهها.
1- ترانسنيستريا
"جمهورية ترانسنيستريا" أو (بريدنيستروفيه)، وهي منطقة انفصلت عن مولدوفا في عام 1992، وعاصمتها تيراسبول، وهي تعتبر من مناطق "النزاع المجمد" بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وتقع ترانسنيستريا في الشريط الضيق بين نهر دنيستر والحدود الأوكرانية، ومعترف بها دولياً في الوقت الحالي كجزء من مولدوفا، وهي ذات نفوذ روسي.
بعد حل الاتحاد السوفييتي، تصاعدت التوترات بين مولدوفا وأراضي ترانسنيستريا الانفصالية إلى صراع عسكري، بدأ في مارس/آذار 1992، وانتهى بوقف إطلاق النار في يوليو/تموز من العام نفسه. وكجزء من ذلك الاتفاق تشرف لجنة مراقبة مشتركة ثلاثية الأطراف (روسيا ومولدوفا وترانسنيستريا) على الترتيبات الأمنية في المنطقة منزوعة السلاح، والتي تضم عشرين منطقة على جانبي النهر.
رغم استمرار وقف إطلاق النار فإن الوضع السياسي للإقليم لا يزال دون حل، فقد أصبحت ترانسنيستريا جمهورية شبه رئاسية غير معترف بها، ولكنها مستقلة بحكم الواقع، ولها حكومتها وبرلمانها وجيشها وشرطتها ونظامها البريدي والعملة وتسجيل المركبات، وقد اعتمدت سلطاتها دستوراً وعَلماً ونشيداً وطنياً.
ويحمل معظم الترانسنيستريين الجنسية المولدوفية، ولكن العديد من الترانسنيستريين يحملون الجنسية الروسية والأوكرانية أيضاً. كانت المجموعات العرقية الرئيسية في عام 2015 من الروس (34%) والمولدوفيين (33%) والأوكرانيين (26.7%) والبلغار (2.8%).
وفي عام 2003 أيدت روسيا طلب ترانسنيستريا الحفاظ على وجود عسكري روسي طويل الأمد في المنطقة، وبعد ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا في مارس/آذار 2014، طلب رئيس برلمان ترانسنيستريا الانضمام إلى الاتحاد الروسي، وهو ما أثار غضباً من قبل مولدوفا وحلف الناتو، حيث دعا الأخير روسيا إلى إنهاء وجودها العسكري هناك.
2- غاغاوزيا
وهي إقليم مولدوفي أيضاً، يعتبر نفسه جمهوريّة مستقلّة ذاتيّاً قرب الحدود الجنوبيّة مع أوكرانيا، وعاصمتها مدينة كومرات. وتشتق كلمة (غاغاوزيا) من الكلمة غاو-أوغوز، التي تعني أبناء أو أحفاد قبائل الأوغوز التركية، التي تنتشر أيضاً في تركيا وأذربيجان وتركمانستان وإيران والعراق، ويشكلون غالبية سكان جنوب جمهورية مولدوفا.
انفصلت "جمهورية غاغاوزيا" عن مولدوفا بعد تدخل الجيش الروسي الذي يعتبر هذه المنطقة جمهورية مستقلة هي وترتنزيستريا، ولكن الغرب والأمم المتحدة تعتبرها جزءاً من مولدوفا.
ومنذ عام 2003 يسعى هذا الإقليم لتنطيم استفتاء لتقرير المصير، ولكنه في كل مرة يؤجل بسبب الخلافات مع مولدوفا. وأبرز نقاط الخلاف هي الاتحاد مع رومانيا والانضمام للاتحاد الأوروبي الذي يرفضه الأوغوز. في سنة 1994 قرر البرلمان المحلي اعتبار غاغاوزيا منطقة ذات حكم ذاتي وقومية منفصلة عن مولدوفا.
وفي فبراير/شباط 2014، صادق البرلمان المحلي على قانون الحماية المشتركة مع روسيا الاتحادية، التي بموجبها يبقى الجيش الروسي هناك، وأيضاً قانون يهدد بتنظيم استفتاء الانفصال عن مولدوفا في حال الانضمام للاتحاد الأوروبي.
3- شبه جزيرة القرم
تقع "جمهورية القرم"، وهي دولياً لم تزل جزءاً من أوكرانيا، في شبه جزيرة القرم، تمتد من جنوبي أوكرانيا بين البحر الأسود وبحر آزوف، ويفصلها عن روسيا من الشرق مضيق كيرش.
في مارس/آذار من عام 2014، أصبحت شبه جزيرة القرم محور أخطر أزمة بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة، وذلك بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، باحتجاجات شابها العنف في العاصمة كييف.
عند ذاك، قامت قوات موالية لروسيا بالسيطرة على القرم، وبعد ذلك صوت سكان المنطقة -وغالبيتهم من ذوي الأصول الروسية- في استفتاء عام للانضمام إلى روسيا الاتحادية، ولكن أوكرانيا والدول الغربية قررت أن الاستفتاء كان غير شرعي.
كانت الإمبراطورية الروسية سيطرت على القرم وضمتها إبان حكم "كاثرين العظيمة" في عام 1783، وظلت جزءاً من روسيا حتى عام 1954 عندما قام الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف بإهدائها إلى جمهورية أوكرانيا السوفييتية آنذاك "من أجل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين".
ويشكل الروس أغلبية السكان في القرم، ولكن تسكن في المنطقة أيضاً أقليات لا بأس بها من الأوكرانيين والتتار. كانت شبه جزيرة القرم تقع تحت سيطرة اليونانيين والرومان لعدة قرون، ولكن في عام 1443 أصبحت مركز دولة تتارية سيطر عليها لاحقاً العثمانيون.
وأدى التنافس بين الدول الكبرى في أواسط القرن التاسع عشر إلى اندلاع حرب القرم التي حاربت فيها بريطانيا وفرنسا -اللتان كانتا متخوفتين من الطموحات الروسية في بلاد البلقان- روسيا، للاستحواذ على إرث الدولة العثمانية التي كانت في أواخر عهدها.
منحت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، عقب ثورة أكتوبر (تشرين الأول) البلشفية عام 1917، واحتلها النازيون في أوائل عام 1940 قبل أن يطردوا منها. اتهم الزعيم السوفييتي جوزف ستالين تتار القرم بالتواطؤ مع المحتل النازي، ولذا قام بتسفيرهم إلى آسيا الوسطى وسيبيريا في عام 1944، في عملية كلفت أرواح الكثيرين منهم.
ولم يسمح لهؤلاء التتار بالعودة إلى موطنهم الأصلي في القرم إلا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وعندما عادوا -وكان عددهم يناهز الربع مليون- في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وجدوا أنفسهم في دولة مستقلة جديدة هي أوكرانيا، حيث واجهوا نسبة بطالة عالية جداً، وظروف سكن رديئة للغاية.
ووفقاً للإحصائيات الأوكرانية لعام 2001، بلغ عدد سكان القرم 2,033,700 نسمة. تتكون التركيبة السكانية من عدة مجموعات عرقية: روس: 58.32%، أوكرانيون: 24.32%، تتار القرم: 12.1%، بيلاروس: 1.44%، تتار: 0.54%، أرمن: 0.43%، يهود: 0.22%، يونانيون: 0.15%.
4- أبخازيا
يعتبر إقليم أبخازيا وعاصمته سوخومي من مناطق "النزاع المجمد" التي تحدثنا عنها في هذا التقرير، وهي منطقة تقع على الساحل الشرقي للبحر الأسود، وأعلنت استقلالها عن جورجيا عام 1991 بدعم روسي.
وتعتبر أبخازيا نفسها جمهورية مستقلة عن جورجيا، إلا أنها لا تحظى باعتراف دولي سوى من روسيا ونيكاراغوا وفنزويلا وناورو وسوريا. في عام 1993 أجبرت الجيوش الجورجية على الانسحاب من المنطقة بعد حرب دامت لمدة عام مع الثوار الانفصاليين.
وكانت أبخازيا من قبل جمهورية تابعة لجورجيا منذ عام 1931، وقد طالبت الحركة الوطنية الأبخازية "إيدجيلارا"، وتعني الوحدة، عام 1989 بالانفصال عن جمهورية جورجيا.
ومع بداية اتجاه جورجيا إلى الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي، تنامى الشعور لدى الأبخاز بخطر فقدان الهوية والذوبان في الجمهورية المستقلة، لتبدأ أولى جولات الصدام والعنف بين الجانبين، في يوليو/تموز 1989 في سوخومي.
وفي الوقت الذي رفضت جورجيا التصويت سنة 1991 لصالح البقاء ضمن الاتحاد السوفييتي، صوّت الأبخاز بنسبة عالية للبقاء ضمن الاتحاد الروسي. وأعلنت أبخازيا استقلالها عن جورجيا، يوم 23 يوليو/تموز 1992، وقامت على إثرها جورجيا بإرسال قواتها إلى المنطقة لحفظ النظام.
واستمرت الحرب بين الطرفين مدة عام، تكبّد الجانبان فيها خسائر كبيرة، واستطاع الجورجيون السيطرة على المنطقة لفترة محدودة. ونتيجة للدعم الذي تلقاه الأبخاز من الروس، أجبرت الجيوش الجورجية على الانسحاب من أبخازيا.
واتهم الرئيس الجورجي آنذاك إدوارد شفرنادزه روسيا بدعم الثوار الأبخاز، لتنتهي المواجهات العسكرية سنة 1993 بسيطرة الثوار على العاصمة سوخومي. وقد خلفت تلك الحرب حسب التقديرات ما بين عشرة آلاف إلى ثلاثين ألف قتيل من الجورجيين، وحوالي ثلاثة آلاف قتيل من الأبخاز.
على إثر حرب أوسيتيا الجنوبية عام 2008، التي دعمت فيها روسيا الانفصاليين الأوسيت في جورجيا، تصاعد النزاع ليصبح حرباً شملت الاتحاد الروسي وجمهورية جورجيا، حيث دخلت آلاف القوات الروسية لأقليم أبخازيا، ونجحت في طرد القوات الجورجية والمدنيين الجورجيين من آخر قسم أبخازي كان واقعاً تحت السيطرة الجورجية.
واعترفت روسيا باستقلال أبخازيا، في 26 أغسطس/آب 2008، وعلاوة على ذلك، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، صدق البرلمان الأبخازي على مشروع قانون يخول روسيا لإنشاء قاعدة عسكرية لها في أبخازيا في عام 2009. كما قامت عدة اتفاقيات مثيرة للجدل بين الطرفين، أدت إلى بيع أو تأجير عدد من المناطق الحدودية بين أبخازيا وروسيا.
5- أوسيتيا الجنوبية
وهي أيضاً مقاطعة جورجية انفصالية، تعتبر نفسها جمهورية مستقلة وعاصمتها تسخينفالي، حيث انفصلت أوسيتيا الجنوبية عن جورجيا عام 2008 بعد معارك طاحنة بدعم روسي.
تقع أوسيتيا الجنوبية وسط جورجيا من ناحية الشمال، على الجانب الجنوبي من القوقاز، تفصلها الجبال عن أوسيتيا الشمالية، وتمتد جنوباً إلى قرب نهر متكفاري في جورجيا.
وتذكر تقديرات في عام 2012، أن عدد سكان أوسيتيا الجنوبية يبلغ 50.572 نسمة، وينتمي معظم سكانها إلى العرقية الأوسيتية، ويدين معظهم بالمسيحية، وهناك مسلمون وأقليات دينية أخرى.
يعترف بأوسيتيا الجنوبية فقط روسيا الاتحادية وفنزويلا ونيكاراغوا وسوريا. يبلغ عدد سكان أوسيتيا الجنوبية 72,000 نسمة، ومساحتها 3900 كيلومتر مربع، وعملتها الرسمية اليوم هي الروبل الروسي.
كانت أوسيتيا الجنوبية خلال الحقبة السوفييتية تقع ضمن إقليم أوسيتيا الجنوبية ذاتي الحكم في جمهورية جورجيا الاشتراكية السوفييتية. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي أعلنت أوسيتيا الجنوبية استقلالها عن جورجيا عام 1990، وأطلقت على نفسها اسم "جمهورية أوسيتيا الجنوبية".
ردت الحكومة الجورجية بإلغاء الحكم الذاتي في المنطقة وحاولت إعادة ضم المنطقة بالقوة، ما أدى لاندلاع حربين بين عامي 1991-1992، والثانية بين عامي 2004 و2008 -حيث كانت جورجيا حينها تستعد للانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي- وأدى النزاع الأخير إلى حصول الانفصاليين والقوات الروسية على السيطرة الكاملة بحكم الأمر الواقع، على كامل إقليم أوسيتيا الجنوبية، حيث تتواجد فيها قوات روسية حتى اليوم.
6- أرتساخ (مرتفعات قرة باغ)
"مرتفعات قرة باغ" أو "أرتساخ" بالأرمنية، وهو إقليم انفصالي جبلي في جنوب القوقاز، أعلن نفسه مستقلاً تحت اسم "جمهورية أرتساخ"، تدعمه أرمينيا وروسيا، وأراضيه معترف بها دولياً كجزء من أذربيجان.
وتعتمد أرتساخ التي تعتبر نفسها ديمقراطية رئاسية مع مجلس تشريعي واحد على أرمينيا، وتتكامل معها بشكل وثيق، وتعمل بحكم الواقع في نواحٍ كثيرة كجزء من أرمينيا.
ويقع إقليم أرتساخ في قلب الأراضي الأذربيجانية وعاصمته سيتباناكيرت -نسبة للزعيم الأرميني البلشفي ستيبان شوماهان- وتبلغ مساحة الإقليم 4800 كم2 ويبعد عن باكو عاصمة أذربيجان حوالي 270 كم غرباً.
كان يقطن في الإقليم حوالي 145 ألفاً يمثل الأرمن (الأغلبيّة الساحقة منهم تتبع كنيسة الأرمن الأرثوذكس)، فيهم حوالي 95% من السكان، وقد كان الإقليم نقطة التقاء عدة إمبراطوريات كالإمبراطورية الروسية والعثمانية والفارسية، نشبت بينها العديد من الحروب التي كان مسرحها الإقليم. ما جعل الإقليم مسرحاً لعدة تغيرات في تركيبته السكانية. وقبل النزاع على الإقليم في عام 1992 كان الأرمن يقطنون مدينة ستيباناكيرت، ويقطن الأذريون مدينة شوشا، عاصمة الإقليم قبل العهد السوفييتي.
أسفرت الحرب التي اندلعت بين أرمينيا وأذربيجان، والتي اتُّهمت روسيا بتأجيجها في إقليم مرتفعات قرة باغ في الفترة من 1992-1994 عن مقتل ما بين 30 إلى 35 ألفاً من الأذريين والأرمن، وتشريد حوالي مليون إنسان، وقد دعمت روسيا الأرمن في الإقليم بالسلاح بشكل كبير.
وفي عام 2020، اندلعت حرب مرتفعات قرة باغ بين أذربيجان بدعم من تركيا، وأرمينيا المدعومة من روسيا، ونجح الطرف الأول في الاستيلاء على شوشا، ثاني أكبر مدينة في ناغورني قرة باغ، وهو ما أدى إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين رئيس أذربيجان إلهام علييف، ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لوقف جميع الأعمال العدائية في المنطقة.
كما وافق رئيس أرتساخ أرايك هاروتيونيان على تلك المعاهدة. وبموجب الاتفاقية ستعيد أرمينيا الأراضي المحيطة التي احتلتها سنة 1994 إلى أذربيجان. ستحصل أذربيجان أيضاً على منفذ بري إلى أراضيها، ناخيتشيفان المتاخم لتركيا وإيران. وسيتم نشر حوالي 2000 جندي روسي لتكون قوات حفظ سلام على طول ممر لاتشين بين أرمينيا وناغورني قرة باغ لفترة لا تقل عن خمس سنوات.
اليوم، تسيطر أرتساخ على جزء صغير من إقليم ناغورني قرة باغ المستقل السابق، بما في ذلك العاصمة ستيباناكيرت، ولديها طريق بري وحيد مؤدٍ إلى أرمينيا يسمى "ممر لاتشين"، حيث يبلغ عرضه 5 كيلومترات (3.1 ميل) والذي يخضع لسيطرة قوات عسكرية روسية تتواجد تحت مسمى "حفظ السلام".