ماذا يعني بدء توليد الكهرباء من سد النهضة لمصر والسودان؟ فائدة ضئيلة بالشتاء وكارثة كبيرة بالصيف

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/21 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/21 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد/رويترز

جاء إعلان إثيوبيا عن بدء توليد الطاقة من سد النهضة ليمثل صدمة للمصريين والسودانيين؛ حيث تأكد لهم أن أديس أبابا قد مضت قدماً في المشروع دون أن تأبه لاعتراضاتهم، وأصبح السؤال كيف ستؤثر هذه الخطوة على مياه النيل، وما هي التداعيات قصيرة وبعيدة المدى لها؟

وأعلنت إثيوبيا، أمس الأحد، عن بدء توليد جزئي للطاقة من سد النهضة الواقع على فرع النيل الأزرق أكبر الفروع الموردة للمياه لمجرى النيل الرئيسي الذي يمر عبر السودان ثم يصل لمصر.

وعلى الأرجح، فإنه لن يكون لبدء توليد الطاقة من سد النهضة، تأثيرات سلبية فورية على تدفق مياه النيل لمصر والسودان، بل قد يكون له تأثيرات إيجابية محدودة للبلدين بسبب إطلاق إثيوبيا كميات قليلة من المياه من أجل تحريك وتشغيل توربينات توليد الكهرباء، خلال هذا الشتاء، علماً بأن السودان ومصر تعانيان سنوياً من نقص مياه النيل في الشتاء، بسبب توقف الأمطار في إثيوبيا، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف وصول المياه للأطراف الشمالية للترع المصرية على سبيل المثال.

ولكن في مقابل هذه الفوائد القليلة التي يمكن أن تجنيها البلدان في الشتاء، فقد يواجهان أزمة كبيرة في الصيف، إذا استمرت أديس في خططها لتوليد الطاقة من السد دون تنسيق معهما.

أبي أحمد يقود احتفالَ بدءِ توليد الطاقة من سد النهضة

وبدأت عملية توليد الطاقة من سد النهضة، صباح الأحد، عندما بدأ أحد التوربينات الـ 13 في سد النهضة العمل لتوليد قدرة تبلغ 350 ميغاوات،  في حدث أشرف عليه رئيس الوزراء أبي أحمد، وجرى الاحتفال به بحضور زوجته زيناش تياتشو، وعدد من رؤساء مجالس البرلمان والمحكمة العليا، والأقاليم ووزراء من حكومته.

وقام أبي أحمد، برفقة المسؤولين، بجولة في محطة توليد الطاقة وضغط سلسلة من الأزرار على شاشة إلكترونية، وهي خطوة قال المسؤولون إنها بدأت الإنتاج.

وقالت الخارجية المصرية إن هذه الخطوة هي إمعان من إثيوبيا في خرق التزاماتها.

في المقابل، قال أبي أحمد: "أهنِّئ دول المصب (مصر والسودان) على بدء توليد الطاقة، وأؤكد أن المنفعة ستكون متبادلة.. ستواصل مياه النيل التدفق إلى مصر والسودان، ولن يلحق بهما أي ضرر".

وأضاف أن السد سيفيد مصر والسودان، لأننا نريد تصدير الكهرباء الخالية من التلوث إلى أوروبا عبر السودان ومصر، لذا فإن الطريق إلى الأمام هو التعاون فيما بيننا، وقال إن "إثيوبيا لا تريد ولا تعتزم إيذاء أي شخص آخر".

وتأتي هذه الخطوة الإثيوبية بعد أشهر من تصعيد دبلوماسي تُوِّج بتلميحات مصرية متكررة بالقيام بعمل عسكري ضد السد في حال شرعت أديس أبابا في هذه الخطوة، ولكن القاهرة بدا أنها لم تحاول استغلال نجاحات تمرُّد متمردي تيغراي الذين كادوا يقطعون الطريق الرئيسي بين العاصمة أديس أبابا وبين ميناء جيوبتي.

 على الرغم من التراجع الأخير في المؤشرات على أن مصر ستتخذ إجراءً عسكريًا ضد السد، فإن البيانات الدبلوماسية المتبادلة بين البلدين لا تزال تشير إلى أن الخلاف لم يُحَل بعد محاولات فاشلة متكررة من جانب الاتحاد الإفريقي للتوسط في صفقة لإنهاء الجمود في المفاوضات. وكانت المحاولة الأخيرة في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، في أبريل/نيسان 2021. وفشلت في التوصل إلى اتفاق بشأن استئناف المفاوضات ودفعت الأطراف إلى تبادل الاتهامات بعرقلة المحادثات، وقبل ذلك فشلت وساطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد رفض إثيوبيا التوقيع على الاتفاق الذي جرى التوصل له بواشنطن؛ مما دفعه إلى فرض عقوبات على أديس أبابا.

موقف مصر والسودان من توليد الطاقة من سد النهضة

أجرت إثيوبيا بالفعل عمليتَي تعبئة للسد خلال الصيف الماضي 2021 والصيف الذي سبقه 2020.

ولا تعترض مصر والسودان على توليد الطاقة من سد النهضة، ولكن اعتراضهما على السرعة التي سيتم ملؤها، وخاصة كمية المياه التي سيتم إطلاقها خلال مواسم الجفاف، لا تزال دون حل.

وتتمسك إثيوبيا بالتوقيع على قواعد لملء السد وتشغيله يمكن تغييرها مستقبلاً بمجرد الإخطار، ودون اشتراط موافقة مصر والسودان، كما ترفض إثيوبيا التقيد بمرور كمية معينة من المياه بعد انتهاء ملء الخزان وتشغيل السد.

وبخصوص فترة ملء الخزان، ترى مصر أنه يجب ألا تقل عن سبع سنوات، ويكون الملء في موسم الفيضانات فقط، في حين تريد إثيوبيا ملء السد خلال أربع سنوات، ويستمر الملء طوال العام.

توليد الطاقة من سد النهضة
احتفال أقيم بسد النهضة عام 2020/رويترز

وتريد القاهرة والخرطوم تقليل كمية المياه التي ستحتجزها إثيوبيا خاصة في أوقات الجفاف، وأن تتم العملية بالتنسيق بين الدول الثلاث. إثيوبيا واصلت التفاوض ثم الانسحاب ثم العودة للتفاوض إلى أن فاجأت الصيف قبل الماضي مصر والسودان بالإعلان عن بدء ملء السد بعد قمة إفريقية افتراضية مصغرة حول الأزمة شارك فيها أبي أحمد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وآنذاك، عزا أبي أحمد ملء السد إلى إرادة الطبيعة، بسبب انهمار الأمطار، فيما كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يؤكد خلال القمة نية بلاده الصادقة لحل الأزمة.

وقالت إثيوبيا إن عمليتي الملء الأولى والثانية قد حققتا أهدافهما، حيث أعلنت أن عملية الملء الأولى التي تمت في يوليو/تموز 2020 احتجزت مياهاً قدرها 4.9 مليار متر مكعب، وكان الهدف لعام 2021 إضافة 13.5 مليار متر مكعب، وتبلغ الطاقة الإجمالية لخزان السد 74 مليار متر مكعب.

بينما  يشكك خبراء المياه المصريون والسودانيون في هذه الأرقام قائلين إن أديس أبابا تمكنت فقط من تخزين 3 مليارات متر مكعب العام الماضي بالإضافة إلى 4.9 مليار متر مكعب من المياه التي تم تخزينها خلال مرحلة التعبئة الأولى في يوليو/تموز 2020.

إلى أين وصلت إثيوبيا في سد النهضة، وما هو مقدار الكهرباء المولدة منه؟

تعثر الجدول الزمني لعملية بدء توليد الطاقة من سد النهضة عدة مرات.

فقبل الإعلان الأخير فشلت أديس أبابا مراراً في البدء في توليد الطاقة من سد النهضة، حيث كان مسؤولو أديس أبابا يأملون في توليد الكهرباء من السد بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2021، لكن ذلك لم يتحقق.

وقال كيفل هورو، مدير مشروع السد: "لقد بدأنا للتو في توليد الطاقة، لكن هذا لا يعني أن المشروع قد اكتمل". "سيستغرق الأمر من سنتين ونصف إلى ثلاث سنوات لإكمالها".

ويفترض أن الطاقة الإجمالية التي سيولدها السد في نهاية المطاف ستتراوح بين 5000 ميغاوات إلى 6500 ميغاوات، أي أكثر من ضعف إنتاج الكهرباء في إثيوبيا، وبتكلفة تتراوح بين 4 إلى 5 مليارات دولار، وفقاً لتقارير عدة.

وقال مسؤولون حكوميون، الشهر الماضي، إن إثيوبيا التي أكملت بناء أكثر من 80٪ من السد، تسعى إلى إنتاج 700 ميغاوات من خلال تشغيل أول توربينين، وبالتالي تغطية 20٪ من احتياجاتها الخاصة، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-monitor الأمريكي.

وذكرت وسائل إعلام إثيوبية رسمية أن السد بدأ يوم الأحد بتوليد 375 ميغاوات من الكهرباء من أحد توربيناته.

ويعني ذلك أن ما تم توليده هو نسبة ضئيلة تبلغ أقل من 5% من المخطط له، وأن الأمر ما زال في بدايته، ولكن قد يكون هناك كمية إضافية قريبة؛ إذ تم تشغيل التوربين الثاني، فيما يتشكك بعض الخبراء المصريين في أنه تم توليد الطاقة من سد النهضة من الأساس بالنظر إلى عدم تصوير النافورة التي تولد من تشغيل التوربين، ومعتبرين أن الهدف من الاحتفال رفع معنويات الشعب الإثيوبي.

توليد الكهرباء يتطلب تمرير إثيوبيا بعض المياه لمصر والسودان

المفارقة أن بدء توليد الطاقة من سد النهضة يتطلب أن تقوم إثيوبيا بتمرير 3 مليارات متر مكعب من المياه المخزنة العام الماضي والتي ستنتهي في مصر والسودان، حسب ما قال عباس شراكي، الأستاذ المصري للجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، لموقع "Al-monitor" الأمريكي.

ولكنه استدرك قائلاً: "إن إصرار إثيوبيا على تشغيل التوربينات وتوليد الكهرباء دون التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان يثبت تعنتها المستمر، وهذا يعقد المفاوضات. فالبنسبة لمصر والسودان فإن أخطر ما في هذه الخطوة أن إثيوبيا تحاول من خلالها فرض أمر واقع".

كيف ستؤثر هذه الخطوة على كهرباء السد العالي؟

 عادة ما تملأ محطات الطاقة الكهرومائية الكبيرة، مثل سد النهضة، في موسم الأمطار وتفرغ في موسم الجفاف.

وميزة مثل هذه السدود المفترضة أنها تطلق المياه بطريقة منظمة على مدار العام لضمان توليد الكهرباء طوال السنة، ولكن هذا يتطلب تنسيقاً بين دول المنبع ودول المصب، وهو ما ترفضه أديس أبابا حتى الآن.

سيكون لهذا التغيير في مواعيد الفيضان وتدفق المياه (جراء حجز المياه في الصيف وإطلاقها في الشتاء) آثار على تشغيل السد العالي بجنوب مصر، والذي تستخدمه البلاد لتنظيم تدفق النيل الخاص بها، وتوليد الطاقة، وقد تنشأ فترات خلافية يتنافس فيها كلا السدين على ملء كل سد، حسبما ورد في تقرير the Conversation.

وتوقع تقرير حكومي مصري حديث أن ملء سد النهضة وتشغيله بناءً على الخطط الإثيوبية دون التوصل إلى اتفاق سيؤثر سلباً على إنتاج الطاقة الكهرومائية التي يولدها السد العالي، والتي تمثل حوالي 6٪ من إنتاج الكهرباء في مصر.

آثار بعيدة المدى أكثر خطورة

قد لا يمثل بدء توليد الطاقة من سد النهضة تهديداً فورياً بتقليل مياه النيل؛ لأن عملية التوليد تستلزم إطلاق جزء من المياه المخزنة في السد لتحريك توربينات توليد الطاقة، كما سبق الإشارة.

ولكن هذه العملية تعني أن مشروع السد بدأ ينجح وأن إثيوبيا تمضي قدماً فيه دون أن أي تنسيق مع مصر والسودان، بما في ذلك احتمال قيامها بزيادة كميات المياه التي ستحتجزها خلف السد دون مراعاة لظروف البلدين أو خطر الجفاف، وهو أمر اختبره السودان الصيف الماضي، عندما قلَّت كميات المياه أمام محطات تنقية المياه وسدود توليد الكهرباء بشكل مفاجئ ودون إبلاغه من الجانب الإثيوبي.

كما أن إطلاق المياه جراء عملية توليد الطاقة رغم أنه خبر إيجابي على المدى القصير، فإن من شأنه إرباك مصر والسودان، خاصة إذا لم يتم إبلاغ البلدين رسمياً، لأنهما تعودتا على أن مياه النيل في الشتاء تكون قليلة.

ولكن الأسوأ أن المياه التي تم إطلاقها خلال بدء عملية توليد الطاقة من سد النهضة سيتم تعويضها من خلال حجز كمية مماثلة من مياه الفيضان في الصيف القادم، إضافة للمياه التي سيتم احتجازها من أجل التعليات القادمة للسد والتوسعات الجديدة في توليد الطاقة والتي ستكون توسعات كبيرة بالنظر إلى أن نسبة الطاقة المولدة حالياً تبلغ أقل من 5% من إجمالي المستهدف من السد.

 وقد يعني ذلك أن إثيوبيا على مدار سنوات عملية استكمال السد سوف تحتجز  نحو 20 ضعفاً المياه التي أطلقتها يوم الأحد لتدشين عملية توليد الطاقة من سد النهضة.

توليد الطاقة من سد النهضة
الزراعة في مصر والسودان ستتأثر بسد النهضة/رويترز

وفي هذا الإطار، قال الدكتور محمد نصر علام، وزير الري المصري الأسبق، إن إجمالي الطاقة الناتجة "إذا صح تشغيل التوربين" لن يزيد على 50 ميغاوات، لافتاً إلى احتمالية القيام بهذا الإعلان من أجل التجهيز لمرحلة الملء الثالث.

ولكي يتحقق الغرض منه تحتاج إثيوبيا لملء خزان السد بـ 74 مليار متر مكعب من المياه، ويمكن القول إن أديس أبابا احتجزت نحو ربعها، وهذا يعني أن عملية الملء المتبقية قد تكون نحو ثلاثة أضعاف عمليتي الملء السابقتين.

وإذا تحققت تصريحات مدير المشروع بأن أديس أبابا تهدف إلى الوصول إلى ذروة إنتاج الطاقة للسد (أي استكمال الملء والتوليد) خلال فترة من عامين لثلاثة وليس سبع سنوات، كما كانت تريد مصر والسودان، فإن ذلك يعني أن إثيوبيا سوف تشرع في عمليات ملء أكبر حجماً وعلى مدى زمني أقصر، بالتالي سيكون تأثيرها على كميات المياه المتدفقة لمصر والسودان أخطر.

ويعني ذلك أن مصر والسودان سوف تعانيان من تراجع إيراداتهما من مياه النيل بشكل قد يكون خطيراً إذا استمر هذا السيناريو، وقد يكون العامل الوحيد الذي يقلل من ثقل الأزمة عليهما تعثر إثيوبيا في سرعة تنفيذ السد بنفس الجدول الزمني الطموح الذي وضعته لنفسها.

في المقابل، مما قد يفاقم أزمات دولتَي المصب احتمال حدوث جفاف في مياه النيل خلال الأعوام المقبلة، إلى جانب التغيرات المناخية والتي تؤدي إلى زيادة في استهلاك المياه وتسرب المياه المالحة إلى بطن الدلتا المصرية.

ولذا لم يكن غريباً أن يلوِّح وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لأوروبا بهذا الخطر قائلاً: "إن أي نقص في المياه القادمة إلى مصر سيؤثر على العاملين في القطاع الزراعي؛ مما قد يتسبب في عدم استقرار أمني واجتماعي في المنطقة مع زيادة الهجرة غير الشرعية".

تحميل المزيد