انضم رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، يوم الخميس 17 فبراير/شباط 2022 إلى فريق من الزعماء الغربيين الذين يتهمون روسيا بالتآمر لخلق ذريعة للحرب مع أوكرانيا من خلال تنفيذ ما يسمى بعمليات "العلم الزائف"، قائلاً إنَّ الحلفاء "يعرفون أن اتهامات روسيا للجيش الأوكراني بفتح النار على الانفصاليين في دونباس كانت عملية (علم زائف) تهدف إلى تشويه سمعة الأوكرانيين، وخلق ذريعة لاستفزاز رد روسي". فما هو العلم الزائف؟ ومن أين جاء هذا المصطلح، وما الزعماء أو الدول الذين استخدموا هذه الاستراتيجية مع خصومهم؟
ما هو العلم الزائف الذي تستخدمه بعض الدول لخلق ذريعة للحرب؟
يشير مصطلح "العلم الزائف" أو "False Flag" إلى عملية سرية مُصمَّمة لتبدو كما لو كانت قد نفذتها مجموعة أو دولة أخرى، وتُستخدَم مثل هذه العمليات عموماً لخلق ذريعة للحرب.
ويشير أيضاً إلى الأنشطة التي تصدر عن أفراد أو منظمات حكومية لتقويض الخصوم السياسيين والعسكريين. ومن الناحية القانونية، توصف عملية العلم الكاذب أو المزيف عادةً بأنها "عمليات مكائد وخداع".
من أين جاء مصطلح العلم الزائف أو الكاذب؟
صيغت العبارة في الأصل التاريخي لوصف ممارسات سفن القراصنة التي تحمل ألوان دول أخرى لخداع السفن التجارية للاعتقاد بأنها تتعامل مع سفينة صديقة، وفقاً لبحث أجرته شبكة History Channel.
وفي حين أنَّ القراصنة عادةً ما يكشفون عن ألوانهم الحقيقية قبل الهجوم مباشرة، إلا أنَّ العلم الزائف قد يستمر أحياناً في الرفرفة خلال الهجوم، ومن هنا جاء مصطلح "الهجوم تحت علم زائف".
لكن مع مرور الوقت، استُخدِم المصطلح لوصف أية عملية سرية سعت إلى نقل المسؤولية إلى طرف مختلف عن الطرف الذي ينفذها، كما حدث في الماضي.
متى استُخدِمَت هذه الاستراتيجية تاريخياً، ومن أبرز الذين لجأوا إليها؟
يقول تقرير لصحيفة The Independent البريطانية، إنه ربما كانت أشهر الأمثلة على عملية العلم الزائف، هي تلك التي نفذها النازيون الألمان فيما أصبح يعرف باسم "حادثة غلايفيتز"- التي شهدت شن قوات هتلر هجوماً وحشياً على محطة إذاعة ألمانية زاعمين أنهم بولنديون.
ونتج عن هذه الخطوة دعم أقسام من الجمهور الألماني لغزو بولندا؛ مما أدى في النهاية إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. وفي خطاب سيئ السمعة، ألقاه هتلر قبل الغزو مباشرة، قال: "لن يُسأل المنتصر عمّا إذا كان قد قال الحقيقة".
خلال العام نفسه، جرت عملية سرية أخرى، هذه المرة في قرية ماينيلا الروسية التي قصفها طرف مجهول. كانت القرية قريبة من الحدود مع فنلندا، واستُخدِم الهجوم ذريعةً لخرق اتفاقية عدم اعتداء الاتحاد السوفييتي مع الدولة وشن غزو على فنلندا أصبح يعرف فيما بعد باسم "حرب الشتاء".
وخلُص المؤرخون البريطانيون والروس في النهاية إلى أنَّ قصف القرية كان عملية مزيفة نفذها أعضاء من المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية التابعة للاتحاد السوفييتي. ونتيجة للحرب بين السوفييت والفنلنديين، انحازت فنلندا إلى ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.
واستُخدِم هذا التكتيك قبل وقت طويل من القرن العشرين أيضاً؛ إذ يُعتقَد أنَّ الجيش السويدي كان من أوائل الذين استخدموا أعلاماً مزيفة عندما هاجموا بومالا- وهي موقع استيطاني سويدي على الحدود الروسية السويدية القديمة – في عام 1788.
وارتدى الجنود زياً روسياً مزيفاً صنعه خياط محلي لشن الهجوم. ثم شنت الجمعية الوطنية السويدية، التي رفضت حتى ذلك الحين الموافقة على الحرب ضد روسيا، هجوماً انتقامياً. وبذلك، استطاع ملك السويد غوستاف الثالث، الذي على عكس الجمعية الوطنية لم يكن لديه السلطة لشن مثل هذا الهجوم، على إشعال الحرب الروسية السويدية – التي استمرت لمدة عامين.
وفي عام 1968، استخدم الاتحاد السوفييتي جهاز مخابراته، الكي جي بي، لإحداث مشاكل وحوادث بواسطة استراتيجية "العلم الزائف" لتبرير التدخل العسكري السوفيتي في التشيك، حيث كان زعيمها الجديد آنذاك، ألكسندر دوبتشيك، يحاول خلق حالة من الانفتاح على العالم والإصلاح الديمقراطي. وعلى إثر ذلك، استخدم "الكي جي بي" أشخاص بعضهم عملاء سوفييت لتلفيق حوادث من أجل تبرير إرسال الجيش الأحمر، وسحق إصلاحات دوبتشيك، وتنصيب شخص موالٍ للكرملين زعيم في تشيكوسلوفاكيا.
ما الخطوة التالية في أوكرانيا؟
تصريحات جونسون جاءت بعد أن أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنَّ القوات الموالية لروسيا قصفت حضانة أطفال في منطقة دونباس الانفصالية بجنوب شرق أوكرانيا، فيما وصفه بـ"الاستفزاز الكبير". وأظهرت لقطات فيديو نشرتها الشرطة الأوكرانية ثقباً في جدار من الطوب في غرفة يتبعثر فيها الحطام ولعب الأطفال. ولم يُصَب أي طفل، لكن ثلاثة بالغين أصيبوا بارتجاج في المخ.
من جهته قال الكرملين إنَّ موسكو "قلقة للغاية" بشأن تقارير عن تصعيد بعدما اتهم الانفصاليون في وقت سابق القوات الحكومية الأوكرانية بفتح النار على أراضيهم أربع مرات خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
في حديثه عن هجوم دونباس الحديث، قال جيمس كليفرلي، وزير الجوار الأوروبي والأمريكتين في المملكة المتحدة، إنها كانت "محاولة سافرة" من موسكو "لتلفيق" ذريعة لغزو أوكرانيا.
وقال في اجتماع طارئ لمجلس الأمن الأمريكي في نيويورك: "لذلك من الواضح أننا أمام منعطف حرج لمنع المزيد من التصعيد"، مضيفاً أنَّ "هجمات العلم الزائف خدعة مباشرة من كتاب قواعد اللعبة في الكرملين".
وشجع كليفرلي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الانخراط في "العملية الدبلوماسية" التي بناها الحلفاء الغربيون "على مدى عدة عقود" وتهدئة توتراتها مع أوكرانيا "بالوسائل السلمية".
يُشار إلى أنه وفقاً لمسؤولين أوكرانيين، حشدت موسكو مؤخراً أكثر من 100 ألف جندي بالقرب من حدود بلادهم، ما أثار مخاوف من احتمالية أن روسيا تخطط لهجوم عسكري ضد جارتها، وتنفي روسيا استعدادها للغزو، وتتهم الدول الغربية بتقويض أمنها من خلال توسع الناتو نحو حدودها.