أطاح التحالف الثلاثي في العراق المكون من الكتلة الصدرية وتحالف "السيادة"، والحزب الديمقراطي الكردستاني، بمعظم تفاهمات المحاصصة السياسية في العراق القائمة منذ 2006 بخصوص توزيع السلطة بين المكونات الأساسية الثلاثة في البلاد: الأكراد والسنة، والشيعة، وتوزيع الموارد على أساس التمثيل السكاني للمكونات القومية والطائفية بينها. فكيف ذلك؟
ما هي المحاصصة السياسية في العراق؟
بنيت المحاصصة السياسية في العراق بموجب تفاهمات رؤساء الكتل السياسية الكبرى من المكونات القومية والطائفية بعد أول انتخابات تشريعية عقدت عام 2006، حيث اتُّفق على أن تكون رئاسة الجمهورية من حصة الأكراد، ورئاستا مجلس النواب من حصة العرب السنة، والوزراء من حصة الشيعة.
وعلى مستوى المكون الكردي الذي يمتلك سلطات تشريعية وتنفيذية ورئاسية في حدود المحافظات الثلاث لإقليم كردستان (شمال)، اتفق الحزبان الكرديان الرئيسان آنذاك، الاتحاد الوطني الكردستاني، والديمقراطي الكردستاني، على أن تكون رئاسة الإقليم وحكومته من حصة الأخير، مقابل منح الأول منصب رئاسة جمهورية العراق.
لكن تحالف الحزب الديمقراطي الكردستاني، ضمنياً مع كل من التيار الصدري وتحالف "السيادة"، ودخول حزب الاتحاد الوطني الكردستاني فيما يشبه التحالف مع قوى تحالف "الإطار التنسيقي" مؤخراً، أطاح بتفاهمات عام 2006.
وبدا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يتجه نحو تفعيل الاستحقاقات الانتخابية بعيداً عن تلك التفاهمات بترشيح هوشيار زيباري لرئاسة الجمهورية، والإصرار على المضي بنفس الاتجاه بعد قرار المحكمة الاتحادية استبعاد ذلك المرشح من المنافسة على المنصب، حيث قام الحزب نفسه، بترشيح ريبر أحمد البارزاني وزير داخلية الإقليم، ليكون مرشحاً عنه لمنافسة مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح.
مقتدى الصدر في مواجهة الضغوط الإيرانية
ومن أبرز ملامح مغادرة سياسة "التفاهمات" بين الكتل السياسية ومبدأ "الحكومة التوافقية"، إصرار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر على رفض هذا المبدأ، والذهاب لتشكيل حكومة "أغلبية وطنية" وفق الاستحقاقات الانتخابية بإسناد من حليفيه، العربي السني تحالف "السيادة"، والكردي، الحزب الديمقراطي الكردستاني.
عملياً يحتاج التحالف الثلاثي لتمرير مجلس النواب عمليتي انتخاب رئيس الجمهورية، وتسمية رئيس وزراء من الكتلة النيابية الأكثر عدداً بعد أن نجح بتمرير عملية انتخاب محمد الحلبوسي من تحالف "السيادة" لرئاسة مجلس النواب في أول جلسة للمجلس الجديد يوم 9 يناير/كانون الثاني الماضي بنحو 208 أصوات من أصل 329 يمثلون جميع أعضاء المجلس.
ويتشكل التحالف الثلاثي من الكتلة الصدرية 74 مقعداً، وتحالف "السيادة" أكثر من 50 مقعداً (تقدم 37 مقعداً وعزم 14 مقعداً) والحزب الديمقراطي الكردستاني 31 مقعداً، وعدد غير معروف من مقاعد المستقلين الذين من المحتمل أن يصوتوا لصالح التحالف الثلاثي، ما يجعل التحالف في وضع مريح للحصول على أصوات "الأغلبية المطلقة" (نصف عدد المقاعد زائد واحد أي 165 مقعداً) اللازمة لتمرير الحكومة الجديدة.
التنافس على منصب الرئيس
وفشل مجلس النواب في عقد جلسة يوم 7 فبراير/شباط الجاري، والتي كانت مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية الذي كان مقرراً أن يتنافس فيها 25 مرشحاً على المنصب أبرزهم الرئيس المنتهية ولايته برهم صالح المنتمي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
إضافة إلى هوشيار زيباري مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أوقفت المحكمة الاتحادية إجراءات ترشيحه قبل انتهاء المدة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية؛ لأسباب تتعلق بسحب ثقة مجلس النواب منه عام 2016 بتهم "الفساد المالي" عندما كان يشغل منصب وزير المالية (2014 إلى 2016) في حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
وفي أعقاب ذلك الفشل أعاد مجلس النواب فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية اعتباراً من يوم 9 فبراير/شباط لمدة ثلاثة أيام. وسيتنافس 60 شخصاً رشحوا أنفسهم لرئاسة الجمهورية.
يشير محللون عراقيون إلى أن المرشح الجديد للحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد البارزاني الذي يشغل منصب وزير داخلية إقليم كردستان هو المرشح الأوفر حظاً للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية.
ولم يحقق مجلس النواب النصاب القانوني لعقد جلسته التي كانت مقررة في 7 فبراير/شباط؛ لانتخاب رئيس الجمهورية بعد أن أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى في 4 من الشهر نفسه مقاطعة كتلته للجلسة، وهو الموقف الذي أدى لتبني حليفيه بالكتلة، تحالف "السيادة"، والحزب الديمقراطي الكردستاني، قراراً مماثلاً بمقاطعة الجلسة التي كان ينتظر أن تشهد منافسة بين هوشيار زيباري، وبرهم صالح.
كما أن تحالف "الإطار التنسيقي" أعلن هو الآخر في بيان يوم 6 فبراير/شباط، مقاطعته الجلسة نفسها، انطلاقاً من رؤية قوى "الإطار" لحالة الانسداد السياسي التي أنتجتها انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي التشريعية وضرورة "عدم انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية قبل إكمال التفاهمات".
الأزمة مع المحكمة الاتحادية العراقية
يرى مراقبون أن ثمة نفوذاً ما لقوى "الإطار التنسيقي" في قرارات المحكمة الاتحادية التي استبعدت مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري الذي أقيل من منصبه الوزاري بعد استجوابه في مجلس النواب عام 2016، وهي حالة شبيهة بإقالة وزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي بعد جلسة استجواب نيابية عام 2016، لكن المحكمة لم تعترض على عضويته في مجلس النواب الجديد.
العبيدي المتحالف "ضمناً" مع "الإطار التنسيقي"، كان من بين المرشحين لرئاسة مجلس النواب عن تحالف "عزم" السني الذي كان يرأسه خميس الخنجر، قبل أن يعلن العبيدي تنازله لصالح المرشح الآخر، محمود المشهداني الذي هو من بين نحو 12 نائباً من التحالف اتخذوا مواقف مؤيدة لقوى "الإطار التنسيقي" على خلاف موقف قيادة التحالف المؤيدة للتيار الصدري والمتحالفة معه.
وإلى جانب موقف المحكمة الاتحادية من ترشيح زيباري الذي تنظر إليه قيادات في الحزب الديمقراطي الكردستاني على أنه قرار "مسيس"، وجاء استجابة لضغوط من قوى الإطار التنسيقي ومن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، قررت المحكمة نفسها في توقيت أثار الكثير من التساؤلات حكماً يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلاً عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
ضغوط على الحزب الديمقراطي الكردستاني
ويرى محللون أن قراري المحكمة الاتحادية، استبعاد زيباري وعدم دستورية قانون نفط الإقليم، يهدفان للضغط على الحزب الديمقراطي الكردستاني لفك تحالفه "الضمني" مع التيار الصدري الذي يجد في مثل هذا التحالف قوة دافعة باتجاه تحدي إرادة قائد فيلق القدس، وقوى "الإطار التنسيقي" في المضي نحو حكومة أغلبية وطنية تستبعد "ائتلاف دولة القانون" المحسوب على طهران.
وكشفت مواقف التحالف الثلاثي و"الإطار التنسيقي" عن حقيقة فشل مجلس النواب في عقد أي جلسة تخص انتخاب رئيس الجمهورية أو تسمية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لرئاسة الوزراء دون توافق بين "الإطار"، والتحالف الثلاثي، أو على الأقل بين "الإطار" والتيار الصدري الذي يتخذ معظم قراراته دون التنسيق مع شريكيه في التحالف، الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف "السيادة".
ويتمسك التيار الصدري بمواقفه في الذهاب إلى حكومة الأغلبية الوطنية بدعم من شريكيه في التحالف الثلاثي، ومشاركة جزء من قوى "الإطار التنسيقي"، باستثناء مشاركة ائتلاف "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي القوة الأكبر في "الإطار" الذي يتمسك بموقفه من عدم قبول الدخول في حكومة الأغلبية الوطنية دون مشاركة ائتلاف "دولة القانون".
ما يضع مسار العودة لحكومة توافقية ضمن الاحتمالات الضعيفة على الرغم من سعي إيران خلال زيارات ثلاث أجراها قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، التقى خلالها بقيادات "الإطار التنسيقي"، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وزعيم التيار الصدري.