جاءت التصريحات الفرنسية بأن مفاوضات فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني وصلت لنقطة اللاعودة، ولم يعد أمامها سوى أيام وأن الأمر متروك الآن لطهران لاتخاذ قرار سياسي، لتثير تساؤلات حول مدى اقتراب المفاوضات من الوصول لاتفاق، وما هي نقاط الخلاف المتبقية، أم أن التصريح الفرنسي نوع من الضغط على إيران، خاصة في ضوء مواقفها المتناقضة.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمام البرلمان، أمس الأربعاء، إن لدى الإيرانيين خياراً واضحاً للغاية؛ إما أن يطلقوا العنان لأزمة خطيرة في الأيام القليلة المقبلة، أو يقبلوا اتفاقاً يحترم مصالح جميع الأطراف، متحدثاً عن صيغة اتفاق توصلت إليه الدول الكبرى التي تتفاوض مع طهران.
ويقول دبلوماسيون غربيون إنهم الآن في المرحلة الأخيرة من المحادثات ويعتقدون أن الاتفاق في متناول اليد.
وقال وانغ كون، رئيس الوفد الصيني في مفاوضات فيينا، حيث تجري المحادثات الآن في جولتها الثامنة، للصحفيين: "نحن في المراحل الأخيرة من المفاوضات. آمل أن يتم اتخاذ الخطوات النهائية تجاه بعضنا البعض، لأننا نقترب خطوة واحدة من الاتفاق النهائي".
واستؤنفت مؤخراً المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن إحياء الاتفاقية الممزقة الأسبوع الماضي بعد توقف دام 10 أيام، ويتنقل الوسطاء الأوروبيون لسد الفجوات بين الوفدين الأمريكي والإيراني اللذين يتفاوضان بشكل غير مباشر بسبب خروج واشنطن من الاتفاق، وبالتالي لا تعتبر من الناحية الرسمية طرفاً فيه.
وأشار دبلوماسيون غربيون في السابق إلى أنهم يأملون في تحقيق انفراجة الآن، لكن القضايا الصعبة لا تزال دون حل، وسط مخاوف غربية من وصول إيران إلى نقطة اللاعودة التي تعني أنها سوف تصبح قادرة على صنع قنبلة نووية.
الوزير الفرنسي يهدد الإيرانيين: إما اتفاق خلال أيام أو أزمة كبرى
وقال الوزير الفرنسي: "لقد وصلنا إلى نقطة التحول الآن. إنها ليست مسألة أسابيع، "إنها مسألة أيام"، مضيفاً أن القوى الغربية وروسيا والصين متفقة على الخطوط العريضة للاتفاق.
وأضاف: "القرارات السياسية مطلوبة من الإيرانيين. إما أن يتسببوا في أزمة خطيرة في الأيام المقبلة أو يوافقوا على الاتفاق الذي يحترم مصالح جميع الأطراف".
ونقلت وكالة Reuters عن عدة مصادر أخرى تتابع المحادثات أن اليومين المقبلين سيكونان حاسمين في تحديد ما إذا كانت هناك طريقة لإحياء الاتفاق.
ويقول دبلوماسيون ومحللون إنه كلما طال بقاء إيران خارج الاتفاق، زادت الخبرة النووية التي ستكتسبها، واختصار الوقت الذي قد تحتاجه للسباق لتصنيع قنبلة إذا اختارت ذلك، مما يفسد الهدف الأصلي للاتفاق. في المقابل تنفي طهران أنها سعت على الإطلاق لتطوير أسلحة نووية.
ويقول زعماء غربيون إن الوقت ينفد للتوصل إلى اتفاق قابل للتطبيق ويتهمون إيران بالمماطلة لزيادة نفوذها.
وإيران ترفض المهلة الغربية
قال مسؤول إيراني كبير لوكالة Reuters إن "نحو 30% من القضايا الصعبة ما زالت تنتظر الحل، لكن من الممكن التوصل إلى اتفاق بحلول أوائل مارس/آذار 2022".
بينما قال دبلوماسي غربي: "من الممكن التوصل إلى اتفاق في أوائل مارس إذا سارت الأمور على ما يرام".
وترفض إيران المهلة الغربية، وقد تفسر الحديث عن أن المفاوضات بقى أمامها أيام على أنها محاولة أخرى لإجبارها على قبول اتفاق لا ترضى عنه.
ورد كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي باقري كاني، في تغريدة على كلام الوزير الفرنسي، داعياً القوى الغربية إلى "التحلي بالواقعية وتجنب التعنت والاستماع إلى دروس السنوات الأربع الماضية"، وأردف قائلاً: "لقد حان الوقت لاتخاذهم قرارات جادة".
وكتب على تويتر "بعد أسابيع من المحادثات المكثفة، اقتربنا أكثر من أي وقت مضى من التوصل إلى اتفاق، ولم يتم الاتفاق على أي شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء"، وحث القوى الغربية على التوقف عن "اللعب مع الوقت".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده: "المحادثات ليست في طريق مسدود، اتخذت إيران بالفعل قرارها السياسي بالبقاء في الاتفاق رغم انسحاب الولايات المتحدة".
طهران تبعث برسالتين متناقضتين
وقال وزير خارجية إيران عبد الأمير اللهيان يوم الإثنين إن إيران "في عجلة من أمرها" للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، طالما أن مصالحها الوطنية محمية وأن استعادة الاتفاق تتطلب "قرارات سياسية من الغرب".
في المقابل، شدد علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذي يوصف بأنه متشدد، على الحذر الإيراني بقوله يوم الأربعاء إن اتفاق 2015 أصبح عديم القيمة الاقتصادية لإيران، وألقى باللوم على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية.
وأضاف: "فشلت الولايات المتحدة وأوروبا في الوفاء بالتزاماتهما بموجب (الصفقة). أصبحت الصفقة الآن قذيفة فارغة لإيران في المجال الاقتصادي ورفع العقوبات. لن تكون هناك مفاوضات خارج الاتفاق النووي مع غير- أمريكا التي لم تمتثل للاتفاق وأوروبا السلبية".
هل توصلت الدول الست لصيغة اتفاق كما يقول الوزير الفرنسي؟
وتحدث الوزير الفرنسي عن "أن الدول الست الكبرى توصلت لصيغة اتفاق"، وكأن إيران ليست الطرف المقابل في التفاوض، بل يجب عليها الانصياع للصيغة التي توصلت لها هذه.
وتخوض إيران المفاوضات مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي روسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وأمريكا (التي تشارك بشكل غير مباشر في المفاوضات)، إضافة إلى ألمانيا.
واللافت أن لهجة روسيا بدت مختلفة عن اللهجة الفرنسية، فقد قال السفير الروسي في مفاوضات فيينا، ميخائيل أوليانوف، ببساطة إن المحادثات متواصلة وجارية.
وبدا أن تصريحات السفير الروسي لم تتوافق مع المزاعم الفرنسية بأن روسيا والصين أيدتا نص الاتفاق الذي صاغته القوى الغربية، والمزاعم بأن المحادثات لم يتبق لها سوى أيام.
وعلقت صحيفة the Guardian البريطانية على كلام الوزير الفرنسي قائلة إن ادعاءه بأن النص قد تم الاتفاق عليه الآن، ليس فقط بين القوى الغربية، ولكن أيضاً بين روسيا والصين ، يهدف إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران لقبول محاولة إحياء اتفاقها النووي التاريخي، والذي وافقت بموجبه على تقييد النشاط النووي في المقابل لرفع بعض العقوبات.
باريس تحاول جذب الصين لموقفها، ولكن الأخيرة تشيد بإيران
وبعد خروج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، وفرضه عقوبات مشددة ضد طهران، أعادت الجمهورية الإسلامية بناء مخزوناتها من اليورانيوم المخصب، وصقله إلى درجة نقاء انشطاري أعلى، قريبة من مستوى الأسلحة، وتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة لتسريع التخصيب.
ويبدو أن فرنسا تحاول جذب الصين وروسيا إلى موقفها بضرورة وضع إطار زمني ضيق للمفاوضات. ومؤخراً، أصدر قصر الإليزيه بياناً قال فيه إن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ونظيره الصيني، شي جين بينغ، تحدثا عبر الهاتف واتفقا على أنه "يجب على إيران الامتثال الكامل لمسؤولياتها النووية".
في المقابل، قال مبعوث الصين بالمفاوضات وانغ كون لرويترز، أمس الأربعاء، إن إيران كانت بناءة من خلال طرح كل شيء على الطاولة، رداً على النهج الأمريكي. وأضاف: "لم يتبنوا هذا النهج المباشر فحسب بل اتخذوا أيضا قراراً سياسياً على أساس الأخذ والعطاء".
ما هي النقاط المتبقية التي تعرقل مفاوضات فيينا؟
1- ضمانة أمريكية بعدم الخروج عن الاتفاق لو عاد ترامب
تقول طهران إن هناك "قضايا رئيسية معلقة تتطلب قرارات سياسية من الغرب".
وأبرز مطالب إيران الحصول على ضمانة بعدم تخلي أمريكا عن الاتفاق مجدداً، كما تشمل نقاط الخلاف الرئيسية مطالبة إيران بضمان الولايات المتحدة بعدم فرض المزيد من العقوبات أو أي خطوات عقابية أخرى في المستقبل، خاصة لو عاد ترامب أو الجمهوريون للبيت الأبيض.
وتقول الإدارة الأمريكية إنها لا تمتلك القوة القانونية لإلزام أي إدارة قادمة بالاتفاق أو عدم الخروج منه.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن إدارة بايدن ستلتزم بأي اتفاق يجرى التوصل له، ولكن لا يمكنها ضمان أن الاتفاقية مصنفة على أنها تفاهم سياسي غير ملزم، وليست معاهدة ملزمة قانوناً.
وفي إشارة إلى عدم اكتفائها بتعهدات الإدارة الأمريكية الحالية بالالتزام هي فقط بالاتفاق المحتمل، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في مقابلة مع صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية، إن الشعب الإيراني لا يمكنه ببساطة الاكتفاء بقبول تصريح من الرئيس الأمريكي بأنه لا ينوي الانسحاب من الصفقة، وهو أمر قاله جو بايدن رسمياً بالفعل.
إيران تريد بياناً سياسياً من الكونغرس
اللافت أن إيران تقدمت بطلب جديد في هذا السياق؛ إذ تمسك مفاوضو طهران بضرورة صدور شكل من أشكال البيان السياسي الصادر عن الكونغرس الأمريكي بأنه لن ينسحب من الاتفاق كما فعل في عام 2018، بعد ثلاث سنوات فقط من دخوله حيز التنفيذ.
وقال أمير عبد اللهيان إنه على الكونغرس الأمريكي وربما البرلمانات الأخرى إصدار بيان سياسي بشأن التزامات واشنطن تجاه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والعودة إلى الاتفاق النووي.
وأضاف: "على الأقل نوابهم أو رؤساؤهم البرلمانيون، بما في ذلك الكونغرس الأمريكي، يصدرون بياناً سياسياً يعلنون فيه التزامهم بالاتفاقية والعودة إلى التنفيذ".
لن يكون لمثل هذا البيان أي قوة قانونية، لكن له قيمة رمزية لإيران حيث تحاول الترويج للصفقة داخلياً، ومع ذلك، فإن مقاومة الصفقة داخل الحزب الجمهوري الأمريكي عميقة.
2- رفع واسع النطاق للعقوبات الأمريكية على إيران
كما تريد إيران رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على نطاق واسع، حيث ترغب في إزالة حوالي 300 عقوبة إضافية على الكيانات والأفراد الإيرانيين غير المرتبطين بالاتفاق النووي.
بينما قالت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إنها سترفع القيود التي تتعارض مع اتفاق 2015 إذا استأنفت إيران الامتثال لها، مما يعني ضمنياً أن واشنطن ستترك العقوبات المفروضة بموجب الإرهاب أو تدابير حقوق الإنسان.
وقال وزير خارجية إيران: "نحن نريد أن تؤدي هذه المحادثات إلى الرفع الكامل للعقوبات، لكن إدارة بايدن تريد فقط رفع العقوبات الاقتصادية التي (فُرضت) على إيران في عهد ترامب"، واصفاً الاختلاف بين الجانبين بأنه "تحدٍ".
3- هل تحتفظ إيران بمعداتها النووية، أم ترسلها للخارج؟
إحدى نقاط الخلاف في مفاوضات فيينا، هي كيف ومتى يتم استعادة القيود التي يمكن التحقق منها على النشاط النووي الإيراني.
وقال مسؤول إيراني ثان إن طهران تصر أيضاً على أن تكون قادرة على إغلاق وتخزين أجهزة الطرد المركزي المتطورة داخل إيران، بدلاً من تفكيكها وإرسالها إلى الخارج، كما دعت القوى الغربية.
وبدأ الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم عام 2015 في الانهيار في عام 2018 عندما سحب دونالد ترامب الولايات المتحدة وأعاد فرض العقوبات على إيران، التي بدأت بعد ذلك في انتهاك قيود الاتفاقية على تخصيب اليورانيوم، ثم قررت إدارة بايدن العمل على العودة للاتفاق وإحيائه وسط مخاوف من أن انتهاكات إيران قد جعلتها أقرب من أي وقت مضى من القنبلة النووية، كما أن قدرتها على التكيف مع العقوبات الأمريكية القاسية قد زادت.