أصبحت المخاوف من تدفق موجات من اللاجئين الأوكرانيين إذا غزت روسيا بلادهم تنتاب دول أوروبا الشرقية، وسط انتقادات لتعامل الاتحاد الأوروبي مع هذا الملف.
وبدأت دول شرق أوروبا استعدادات لاستقبال مئات الآلاف أو أكثر من اللاجئين الأوكرانيين الذين قد يفرون إذا تصاعدت الأزمة مع روسيا.
وأوكرانيا، التي تحدها بيلاروسيا من الشمال وروسيا من الشرق، تشترك أيضاً في الحدود مع دول الاتحاد الأوروبي مثل بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا، بالإضافة إلى دولة مولدوفا غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما أنها تشترك مع بلغاريا في كونهما متشاطئتين على البحر الأسود.
ويتعين على المسؤولين الأوروبيين النظر في احتمالية دخول لاجئين من أوكرانيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن ضرورة الأخذ في الاعتبار أن زعزعة الاستقرار في أوكرانيا قد تؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة البحر الأسود بأسرها، حسبما قالت خبيرة أمنية في مركز السياسة الأوروبية المعني بالتكامل الأوروبي لموقع "دويتش فيليه" الألماني.
كم عدد اللاجئين المتوقع أن يفروا من أوكرانيا؟
ومع تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن من احتمال وقوع أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، تتباين السيناريوهات المتوقعة بشأن الأزمة الأوكرانية والتي تصل لذروتها لاجتياح شامل للأراضي الأوكرانية بما في ذلك محاصرة كييف ومحاولة دخولها وإسقاط الحكومة الأوكرانية أو توغل روسي قد يؤدي لضم مناطق من شرق وجنوب أوكرانيا.
السيناريو الأقل تشاؤماً، يشمل تسلل عناصر تُعرف بـ"الرجال الخضر الصغار" وهم جنود روس بدون زي رسمي كما حدث خلال غزو روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 أو تزايد حدة القتال في شرق أوكرانيا، حيث لا يزال الانفصاليون يسيطرون على مناطق بدعم من موسكو منذ 2014.
أما السيناريو الذي ألمح له بوتين حينما تحدث عن خيارات عسكرية أو تقنية فهو شن هجوم إلكتروني يستهدف البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا، وهو خيار لن يؤدي إلى احتلال عسكري، ولكن قد يجعل الحياة في البلاد صعبة وهو ما قد يفتح لموجة هجرة أيضاً حتى لو أقل وأبطأ من احتمال الغزو العسكري الشامل.
ويستعد المسؤولون الإسرائيليون لمساعدة الأوكرانيين اليهود النازحين كما فعلوا في عام 2014 بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
ولا تزال ذكريات الستار الحديدي والنفوذ السوفييتي حاضرة في الأذهان بشكل كبير في الجناح الشرقي من الاتحاد الأوروبي، حيث يشعر الناس بقلق من أي عدم استقرار يمكن أن يؤثر على الاقتصاد ويؤدي إلى موجة من الهجرة التي شوهدت آخر مرة في التسعينات أثناء انهيار يوغوسلافيا السابقة.
كما شهدت المنطقة موجات إبادة ولجوء وتشريد بشعة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية غيرت التركيبة السكانية لبلدان أوروبا الشرقية والوسطى، حيث استولت روسيا على منطقة بروسيا الشرقية الألمانية ومناطق بولندية تم ترحيل سكانها، مقابل استيلاء بولندا على مناطق من ألمانيا طرد منها سكانها أيضاً.
وهناك احتمال لفرار ملايين اللاجئين الأوكرانيين من منطقة حرب إلى أوروبا. وليس هناك شك في أنه إذا شنت روسيا حرباً على أوكرانيا فسيكون في الاتحاد الأوروبي أزمة لاجئين ذات أبعاد لا يمكن تصورها، حسب وصف رئيس أستونيا السابق توماس هندريك إلفيس في مقال نشره بموقع مركز تحليل السياسة الأوروبية (CEPA).
وقال نائب وزير الداخلية البولندي، ماسيج واسيك، إن بلاده تستعد "لموجة تصل إلى مليون شخص"، من المحتمل أن يفروا من أوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لمجلة Forbes.
وبولندا صاحبة أطول حدود بين دول الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا.
وقال رئيس أستونيا السابق إنه إذا أخذنا تجربة بلدي في الحرب العالمية الثانية، فإن حوالي 7% من السكان، وهم يعرفون جيداً أهوال الفظائع وجرائم الحرب السوفييتية، فروا من الغرب قبل تقدم الجيش الأحمر. إذا طبقنا هذه النسبة على أوكرانيا البلد الأكبر في أوروبا الشرقية في السكان بعد روسيا فإن هذا سيعني أن ما بين 3 إلى 4 ملايين أوكراني قد يفرون.
وأضاف أنه إذا رأينا بالإضافة إلى الغزو البري أيضاً هجمات بحرية وجوية، فستكون الأرقام أعلى.
إليك الدول التي تستعد لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين
وتستعد الحكومات والمدن الأوروبية القريبة من الحدود الأوكرانية، من الشمال إلى الجنوب، لاستيعاب لاجئين، إذا تطلب الأمر ذلك.
وقالت بولندا، التي يقطنها ما بين مليون ومليوني أوكراني جاء معظمهم إلى بولندا من أجل العمل، إنها تستعد لأسوأ الحالات.
وبولندا التي يبلغ عدد سكانها نحو 38 مليون نسمة، هي أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي على الحدود مع أوكرانيا تستعد لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين في حالة وقوع هجوم روسي آخر على هذا البلد، لكن الحكومة البولندية تأمل في إمكانية تجنب السيناريو الأسوأ.
وعانت بولندا مؤخراً من سيناريو أزمة لاجئين مصغر عندما أطلقت بيلاروسيا حليفة روسيا عشرات اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط وأغلبهم من كردستان العراق على حدودها، واتهمت وارسو والاتحاد الأوروبي مينسك بتشجيع قدوم هؤلاء اللاجئين من بلادهم، وذلك بهدف ابتزاز الاتحاد الأوروبي الذي فرض عقوبات على بيلاروسيا بعد إجبارها طائرة كانت تحلق في أجوائها على الهبوط لاعتقال معارض كان على متنها.
ويجرى تنفيذ استعدادات مماثلة في جميع أنحاء المنطقة، لا سيما في تلك الدول التي تشترك في الحدود مع أوكرانيا.
ورغم قيام دول أخرى بسحب بعثاتها الدبلوماسية في أوكرانيا، تقول بولندا إنها تبقي بعثاتها الدبلوماسية في كييف في حالة الحاجة إليها لتسهيل خروج الأوكرانيين على نطاق واسع.
وقال مارسين برزيداتش، نائب وزير الخارجية، إن بولندا التي استقبلت أعداداً كبيرة من المهاجرين الاقتصاديين الأوكرانيين في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد التوغلات الروسية في أوكرانيا في عام 2014، كانت تضع خططاً لأسابيع لقبول اللاجئين إذا تعلق الأمر بذلك.
في حين أن بولندا لديها سمعة بأنها مناهضة بشدة للاجئين، إلا أن هذه المعارضة تستند إلى حد كبير على عدم الرغبة في استيعاب أعداد كبيرة من الأشخاص من خلفيات دينية وعرقية مختلفة، حسبما ورد في تقرير لموقع ABC News.
وبالتالي يفترض أن الموقف الشعبي سيختلف في تعامله مع اللاجئين الأوكرانيين عن القادمين من الشرق الأوسط.
فالأوكرانيون، مثل البولنديين هم شعب سلافي وله نفس اللغة والعادات، وكلاهما عانى من نير السيطرة الروسية لقرون، وإن كان أغلب الأوكرانيين من المسيحيين الأرثوذكس بينما أغلبية البولنديين من الكاثوليك.
وقام الأوكرانيون بسد الثغرات في سوق العمل وتم الترحيب بهم إلى حد كبير في بولندا في السنوات الأخيرة.
قال برزيداتش في مقابلة إذاعية يوم الإثنين إن بولندا تأمل ألا يتصاعد الوضع في أوكرانيا، لكن البلاد تستعد لأي احتمال، بما في ذلك احتمال وجود أعداد كبيرة من اللاجئين.
وقال برزيداتش في إذاعة راديو بلس: "في هذا السيناريو الأسوأ، لا نتحدث عن مئات أو آلاف، ولكننا نتحدث عن أعداد أكبر بكثير".
وأضاف أن وزارة الداخلية تعد "سيناريوهات داخلية وبنية تحتية وخططاً" منذ أسابيع عديدة.
وستشمل الخطط إسكان اللاجئين في نزل ومهاجع ومنشآت رياضية وأماكن أخرى.
وطُلب من المسؤولين المحليين، بما في ذلك رؤساء البلديات، إعداد تقارير عن التسهيلات التي يمكنهم توفيرها، وفقاً لما ذكره كرزيستوف كوسينسكي، رئيس بلدية سيتشانو، وهي بلدة بولندية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، وسكرتير جمعية المدن البولندية.
ولكن المجر غاضبة من أوكرانيا
وحذر رئيس الوزراء المجري القومي، فيكتور أوربان، السبت الماضي من أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يؤدي إلى فرار مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين عبر الحدود إلى بلاده.
وعارض أوربان- الذي يوصف في الغرب بالمستبد- بشدة الترحيب باللاجئين القادمين من الشرق الأوسط، ووضع قانوناً في 2018، قال إن أي محامين أو ناشطين "يسهلون الهجرة غير الشرعية" سيواجهون عقوبات.
والمجر لديها موقف سلبي من حكومة كييف بسبب الأقلية المجرية في أوكرانيا، ومؤخراً، كما ينظر لها أنها أقرب دولة عضو في الناتو لروسيا.
واستخدمت بوادبست حق الفيتو مؤخراً ضد بيان مشترك لحلف شمال الأطلسي بشأن أوكرانيا لأنه لم يذكر "حرمان حقوق" الأقلية المجرية في الدولة المجاورة.
في الوقت نفسه، رفض وزير الخارجية المجري بيتر زيجارتو الانتقادات القائلة بأن المجر لديها علاقة قوية بروسيا أكثر مما ينبغي قائلاً إن المجر تدعو إلى "علاقات براغماتية مع روسيا، ولسنا جواسيس روساً".
سلوفاكيا تستعد لأسوأ أزمة لاجئين بأوروبا منذ الحرب العالمية
في غضون ذلك، تستعد سلوفاكيا التي لديها حدود قصيرة مع أوكرانيا أيضاً لموجة من اللاجئين في حالة نشوب صراع. وقد أعدت الحكومة خطة لما يجب القيام به في مثل هذا السيناريو، لكنها سرية.
وقال وزير الدفاع السلوفاكي ياروسلاف ناد: "وفقاً للدراسات والتحليلات الموجودة، يمكنني القول إنه حتى هجوم عسكري روسي محدود على الأراضي الأوكرانية سيعني عبور عشرات الآلاف من اللاجئين لحدودنا".
وقال ناد إن الفارين من الحرب سيحصلون على وضع اللاجئ.
وقال ناد: "من منظور القارة الأوروبية، فإن الوضع الحالي هو الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية".
وعرض وزير الداخلية التشيكي فيت راكوسان إرسال ضباط شرطة لمساعدة سلوفاكيا في حالة وقوع مثل هذا الصراع.
انتقادات للاتحاد الأوروبي
لم يذكر بيان البيت الأبيض حول المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس جو بايدن مؤخراً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أزمة اللاجئين المحتملة.
لم ترد وزارة الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض على الفور على استفسار مجلة فوربس عما إذا كانت الولايات المتحدة قد حذت حذوها مع دول أخرى من خلال الاستعداد لتدفق اللاجئين.
كما أنه من غير الواضح كيف سيستجيب الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنه في يناير/كانون الثاني، طُلب من مفوض الاتحاد الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية ومفوض الميزانية والإدارة تقديم خطة ملموسة للتحضير لتدفق اللاجئين الأوكرانيين "حتى يتمكن الاتحاد الأوروبي من التعامل معها".
وانتقد رئيس أستونيا السابق في مقاله المنشور بمركز تحليل السياسة الأوروبية (CEPA)، موقف الاتحاد الأوروبي من أزمة اللاجئين الأوكرانيين المحتملة.
وقال إنه بدلاً من الشكوى من استبعاده من المحادثات الأمريكية الروسية (في إشارة لانتقادات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستبعاد الأوروبيين من المحادثات الأمريكية الروسية حول أوكرانيا)، يجب على الاتحاد الأوروبي الاستعداد لموجات اللاجئين الأوكرانيين، وهو ملف يستطيع الاتحاد أن يكون فاعلاً فيه.
وقال: "في الواقع، تم تجاهل أوكرانيا من جانب الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير، وخلال السنوات الخمس التي أمضتها كممثلة عليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد، زارت فريدريكا موغيريني أوكرانيا مرتين فقط، كما أنها لم تزر قط جبهة القتال بين أوكرانيا والأراضي التي تحتلها روسيا".
وأشار إلى أن الأزمة الأمنية في أوكرانيا لا ينطبق عليها تعبير رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين الشائن في عام 1938، عندما وصف تهديد ألمانيا لضم إقليم السوديت التشيكسلوفاكي بأنه "شجار في بلد بعيد، بين أناس لا نعرف عنهم شيئاً"، وهو الموقف الذي شجع الزعيم النازي أدولف هتلر على ضم تشيكسلوفاكيا وإشعال الحرب العالمية الثانية.
واتهم رئيس أستونيا الاتحاد الأوروبي بمعاملة أعضائه من دول أوروبا الشرقية الذين كانوا جزءاً من الكتلة الشيوعية كأعضاء من الدرجة الثانية قائلاً: "صحيح أن الدول الأوروبية الملاصقة لأوكرانيا تنتمي لأوروبا الوسطى والشرقية في الاتحاد الأوروبي، لكن مخاوفها الأمنية ليست أقل إلحاحاً".