"لم نتخذ موقفاً رسمياً من تسمية رئيس الحكومة"، تصريح لرئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، يزيد المشهد السياسي غموضاً، بعد أن أصبح للبلاد رئيسان للحكومة يتنازعان الشرعية على غرار ما كان عليه الوضع قبل 2021.
ورغم تشابه الانقسام الحالي مع ما كان عليه الأمر في عهد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً (2016 – 2021)، في المنطقة الغربية، والحكومة المؤقتة (الموازية) في المنطقة الشرقية، فإن خلافات جوهرية بين المرحلتين، من شأنها أن تفرز استنتاجات متباينة.
ففي المرحلة السابقة، كان رئيس المجلس الرئاسي نفسه رئيس حكومة الوفاق، وحالياً المجلس الرئاسي منفصل عن الحكومة، واتخذ موقف الحياد في نزاع الشرعية بين عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة، وفتحي باشاغا رئيس الحكومة الذي اختاره مجلس نواب طبرق في 10 فبراير/شباط الجاري.
أما المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) فكان داعماً قوياً لحكومة الوفاق في العهد السابق، بينما اليوم يبدو موقفه متردداً في دعم حكومة الدبيبة، بل إن المشري والعشرات من أعضائه أقرب إلى موقف مجلس النواب في دعم باشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق.
ويشكل موقف المجلس الرئاسي و"الأعلى الدولة"، من النزاع "الدستوري" حول مَن له الأحقية في رئاسة الحكومة، أهمية خاصة في ترجيح الكفة لأحد الطرفين.
ويعتبر الدبيبة أن المجلس الرئاسي بأعضائه الثلاثة من يحق له إقالة رئيس الحكومة وتعيين رئيس جديد للوزراء، طبقاً للإعلان الدستوري، الذي يحدد مهام رئيس الدولة الذي يقوم المجلس الرئاسي حالياً بمهامه.
غير أن المشري يشدد على أن تعيين رئيس حكومة جديد من صلاحيات مجلسي النواب والدولة، طبقاً للاتفاق السياسي.
وفي ظل تعطيل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، فإن تمسّك كل طرف بموقفه سيدفع نحو مزيد من الانقسام وفرز الصفوف، استعداداً لمواجهات بدأت تخرج من أروقة البرلمان وطاولات الحوار، إلى ساحات التظاهر واستعراض القوة، وقد تصل إلى ميادين القتال، إن لم يتم احتواء الأزمة خلال أسابيع أو أشهر.
ومحاولة اغتيال الدبيبة، عشية اختيار مجلس النواب في طبرق رئيس حكومة جديد، مؤشر على أن الوضع في طرابلس والغرب محتقن، لكن لم يصل بعد إلى درجة مواجهة عسكرية شاملة.
ففي 2017 تسببت محاولة اغتيال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج في اندلاع مواجهات عسكرية بين القوات الموالية له وقوات حكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس، انتهت بإسقاط الأخيرة وطرد قواتها من العاصمة، بعد أشهر من التعايش الصعب في مدينة واحدة بحكومتين.
مجلس الدولة في حرج
في الوقت الذي كان من المنتظر أن تعقد جلسة للمجلس الأعلى للدولة، السبت الماضي، لمناقشة اختيار مجلس النواب في طبرق لرئيس حكومة جديد، تم تأجيل الجلسة "لأسباب أمنية"، وخرج المشري في كلمة مباشرة لتوضيح موقف المجلس.
وأهم ما أكد عليه المشري أن حكومة الوحدة انتهت مهمتها في 24 ديسمبر 2021، وأصبحت منذ ذلك التاريخ حكومة تصريف أعمال إلى غاية اختيار رئيس حكومة جديد أو تجديد الثقة بالدبيبة.
وأقرّ بوجود توافق بين مجلس الدولة ومجلس النواب في طبرق على خريطة طريق، وأكد أحقية المجلسين في تغيير الحكومة، نافياً وجود سند قانوني يعطي الحق للمجلس الرئاسي في تغيير الحكومة.
وأشار المشري إلى أن 52 عضواً في مجلس الدولة (نحو 39%) منحوا تزكياتهم لباشاغا، و26 لخالد البيباص، و5 لمرشح آخر.
في حين تم الاتفاق على أن المرشح لرئاسة الحكومة لا بد أن يحصل على 30 تزكية على الأقل من مجلس الدولة و40 من مجلس النواب، ولم يستوفِ هذا الشرط سوى باشاغا.
وخلاصة كلمة المشري، أن مجلس الدولة يعترف بباشاغا رئيساً للحكومة بدلاً من الدبيبة، لكنه ترك خط الرجعة يتيح له مجالاً للمناورة، عندما قال: "لن نقبل أن يكون هناك رئيس وزراء عليه طعن أو شكوك في طريقة الاختيار".
إذ إن عدداً ليس بالقليل من أعضاء مجلس الدولة اعترضوا على خريطة الطريق التي أقرها مجلس النواب، وطالبوا بأن يكون تغيير الحكومة بعد الاستفتاء على الدستور وليس بالتزامن مع تعديل الإعلان الدستوري.
وفي هذا الصدد أوضح رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الدولة بلقاسم دبرز، أنه "حسب تعديلات الإعلان الدستوري المعتمد من البرلمان، يجب تأجيل النظر في تغيير الحكومة إلى ثلاثة أشهر أخرى، حتى تنتهي لجنة الـ24 من عملها، وإجراء الاستفتاء على الدستور، إذا تم التوافق داخل اللجنة، واعتمد مجلس النواب ما توصلت إليه".
وقال دبرز، في تصريح صحفي لقناة "فبراير" (محلية)، إنه "لا معنى لقرارات مجلس النواب في اعتماد التعديل الدستوري وتغيير الحكومة، ولا أثر قانونياً لها دون موافقة المجلس الأعلى للدولة".
ويتفق معه زميله عبد القادر حويلي، في تصريح لقناة "ليبيا الأحرار"، بالقول إن "مجلس الدولة لم يجتمع بعد بخصوص قرار تزكية أحد المترشحين"، بينما يرى المشري أن التصويت على تغيير رئيس الحكومة من صلاحيات مجلس النواب في طبرق.
فالدبيبة، قبل جلسة مجلس النواب، اجتمع مع أعضاء من المجلس الأعلى للدولة في 8 فبراير الجاري، وقال إن "الحكومة والمجلس الأعلى للدولة يرفضان أي قرار أحادي الجانب، يُتَّخذ دون استشارة جميع الأطراف".
لكن تبين فيما بعد أن هذا الموقف لا يشترك فيه جميع أعضاء المجلس الأعلى للدولة، بدليل أن 83 من إجمالي 134 منحوا تزكياتهم لثلاثة مرشحين لرئاسة الحكومة، أي أن نحو 62% من أعضاء المجلس يؤيدون تغيير الحكومة.
فموقف المجلس الأعلى للدولة بغالبية أعضائه يتماهى مع موقف مجلس النواب في اعتبار باشاغا، رئيس الحكومة الشرعي، لكنه بالمقابل يتعرض لضغط شديد من الرأي العام في المنطقة الغربية، والكتائب المسلحة الداعمة للدبيبة، التي حشدت قواتها في طرابلس رفضاً لتولي باشاغا رئاسة الحكومة.
وهذا الضغط الشعبي وحتى العسكري، يدفع المجلس الأعلى للدولة، للتريث قبل إعلان موقفه النهائي والرسمي في هذه المسألة.
وأصدر الأحد بياناً، أكد فيه أن "التعديل الدستور الـ12 الصادر عن مجلس النواب، وكذلك تغيير رئيس الوزراء قرارات غير نهائية".
ما يرجح أن المجلس الأعلى للدولة قد يتراجع عن دعم باشاغا، مع استمرار الضغط الشعبي والعسكري لأنصار الدبيبة، الذي دعاهم للخروج إلى الميادين في 17 فبراير، ذكرى الثورة على نظام معمر القذافي لرفض التمديد الذي يسعى إليه مجلس النواب في طبرق.
فمجلس الدولة، وإن كان أغلبية أعضائه يؤيدون باشاغا، وعلى رأسهم الموالون للحزب الديمقراطي (إسلامي)، فإنه لن يخوض مواجهة خاسرة مع حاضنته الشعبية، إذ تمكّن الدبيبة من حشد الرأي العام في المنطقة الغربية والجزء الأكبر من كتائبها المسلحة ضد تغيير الحكومة والتمديد لمجلس النواب والدولة 14 شهراً.