خطة روسيا لا تهدف لغزو كامل لأوكرانيا.. إليك “الطابور الخامس” الذي يراهن عليه بوتين لإخضاع كييف

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/14 الساعة 11:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/14 الساعة 11:22 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/رويترز

تنفيذ غزو كامل لأوكرانيا يحتاج إلى أكثر من المئة ألف جندي الذين تحشدهم روسيا على حدود جارتها الغربية، ولكن يبدو أن بوتين لديه أدوات أخرى قد تحقق له أهدافه في الاستيلاء على كييف بالإضافة لقوة جيشه.

وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 100 ألف جندي روسي يحتشدون بالقرب من حدود أوكرانيا، وترفعهم بعض التقديرات الغربية لنحو 130 ألف جندي.

ومع ذلك، يقول الخبراء الذين يتابعون الأزمة عن كثب إنه من أجل غزو بلد بحجم أوكرانيا، يجب أن يتضاعف هذا العدد تقريباً مرة أخرى، وسيشمل ذلك ضرورة مرور قوات روسية عبر بيلاروسيا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.

روسيا لا تريد تكرار خطأ أمريكا في العراق

وقال الدكتور فريد كاجان، زميل أقدم في معهد أمريكان إنتربرايز: "من المحتمل أن يتطلب هذا غزواً على نطاق لا يختلف عن غزو أمريكا وبريطانيا للعراق عام عام 2003، أي قوة تتراوح بين 150 ألفاً و200 ألف جندي".

وشارك حوالي 175000 من القوات الأمريكية وغيرها من القوات المتحالفة في غزو العراق.

وقال كاجان، الذي شارك في تأليف سلسلة من التقارير التي أدت إلى زيادة القوات الأمريكية في العراق عام 2007، إن التحدي الحقيقي لبوتين هو كيف يمكن أن يسيطر الروس على أوكرانيا المعادية إذا كان هناك تمرد بعد الاستيلاء على كييف.

وقال كاغان في ورقة شارك في كتابتها مع خبراء آخرين من معهد دراسات الحرب في العراق إن قوة مكافحة التمرد المطلوبة يجب أن تكون في حدود 325000 فرد للسيطرة على كييف والمدن الرئيسية في أوكرانيا في الجنوب والشرق.

ويبلغ عدد جيش أوكرانيا 145000، وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، ولكن هناك أيضاً ما يقدر بنحو 300000 من قدامى المحاربين في الصراع المنخفض الحدة في منطقة دونباس في البلاد والذي بدأ في عام 2014.

وبسبب التجربة السوفييتية في أفغانستان، نظرت روسيا بشكل عام إلى محاولات الولايات المتحدة لمحاصرة المتمردين على أنها خطأ. قال كاغان لصحيفة الغارديان: "كان بوتين قد درس ما حدث للولايات المتحدة في العراق بعد عام 2003. إن صعوبات التعامل مع النشاط الحزبي تجعلني منفتحاً على احتمال أن الرئيس الروسي لا ينوي غزو أوكرانيا".

ومع ذلك، تتمتع موسكو بمزايا ساحقة في المراحل الأولى للغزو، وعلى الأخص فيما يتعلق بالصواريخ والقوة الجوية، وبالتالي قد تواجه أوكرانيا عواقب مروعة محتملة، في هجوم شامل، يمكن أن يحطم الروح المعنوية لأي بلد ويدفع الملايين إلى الفرار غرباً، بدلاً من القتال.

قال روب لي، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية وزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية: "تمتلك روسيا القدرة على تدمير الوحدات العسكرية الأوكرانية من بعيد بأسلحة مثل صواريخ إسكندر الباليستية، إن هذا يمنح روسيا القدرة على إسقاط آلاف الضحايا يومياً".

ماذا سيفعل بوتين بالعاصمة الأوكرانية كييف؟

تشير التكهنات حول خطط روسيا- التي تستند جزئياً إلى التسريبات الظاهرة التي نُشرت في صحيفة بيلد الألمانية- إلى أن الكرملين سيحاصر خاركيف ثاني كبرى مدن البلاد، وهي مدينة تقع في شمال شرق البلاد قريبة جداً من الحدود الروسية، وثلث سكانها من الروس وفقاً لإحصاءات عام 2003.

وخاركيف كانت متأثرة بروسيا تاريخياً، وكادت تسقط في يد المتمردين الموالين لروسيا خلال حرب 2014، ولكن يتلاشى التعاطف مع روسيا مع اقتراب الحرب، حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.

ووفقاً للتقديرات الغربية في نهاية المطاف سيحاصر الروس العاصمة كييف، ويقطعون الإمدادات عنها، على أمل أن تستسلم بطريقة العصور الوسطى. 

روسيا تخشى حرب المدن 

يقول محللون غربيون إن تطويق كييف ليس بالأمر السهل. تقع النقاط الرئيسية للمدينة، بما في ذلك القصر الرئاسي، إلى الغرب من نهر دنيبر الذي يسهل الدفاع عنه. تبعد الجسور الأولى جنوب المدينة 60 ميلاً. سد أربعة أميال شمالاً حول امتداد النهر الذي يمتد إلى الحدود مع بيلاروسيا إلى بحيرة.

يتعين على روسيا أيضاً أن تقرر كيفية التعامل مع المدن الأوكرانية، وخاصة كييف، التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، ولكن أيضاً مع خاركيف في الشمال الشرقي، ويبلغ عدد سكانها حوالي 1.5 مليون نسمة.

وقال كاغان، مستشهداً بتدخل بوتين في الحرب الأهلية السورية: "حرب المدن صعبة، روسيا تخشى التضرر منها وقد كافحت مع هذا الشكل في الحروب في حلب".

في سوريا اعتمدت على وحشية قوات الأسد وطائفية الميليشيات الشيعية

ولكن في سوريا كان حلفاء الروس على الأرض جيش النظام السوري المعروف بوحشيته، وأنه لا يأبه في الخسائر لا بين المدنيين ولا بين صفوفه، إضافة إلى الميليشيات الشيعية الموالية لإيران المعروفة بتعصبها الطائفي، ويقودها حزب الله الذي يعد أفضل ميليشيات في العالم.

في كثير من الأحيان خضعت المدن السنية السورية للقوات السورية ليس فقط لتجنب القصف العنيف للطائرات الروسية، ولكن ببساطة لأن السكان والمعارضين السوريين وجدوا التعامل مع الجنود الروس أقل خطورة على حياتهم وممتلكاتهم من خضوعهم لسيطرة قوات الأسد والميليشيات الإيرانية. 

الغرب يقول إن الأوكرانيين مستعدون للمقاومة 

منذ أن غزت روسيا أوكرانيا قبل ثماني سنوات واحتلت ما يقرب من 7% من أراضيها، استفادت أوكرانيا من مليارات الدولارات من المساعدات الدفاعية الأمريكية وهي مستعدة بشكل أفضل للهجوم الروسي عما كانت عليه في عام 2014،

ويعتقد أن  الأوكرانيين مستعدون لمقاومة الغزو الروسي، حسبما ورد في تقرير للمجلس الأطلسي "Atlantic Council".

وأظهر استطلاع للرأي أن ثلث مواطني أوكرانيا سيكونون على استعداد لخوض "المقاومة المسلحة ضد الغزو الروسي".

ولكن بوتين قد يحاول الاعتماد على طابور خامس

وبسبب كل ما سبق تعتقد بريطانيا أن بوتين لن يعتمد على غزو شامل لأوكرانيا، بل الخطة البديلة أن وكالة التجسس الروسية FSB قد أوكلت إليها مهمة محاولة هندسة الانقلابات في المدن الأوكرانية الكبرى في أعقاب أي غزو شنه الكرملين، حسب صحيفة The Guardian

السيناريو الذي يتوقعه المسؤولون البريطانيون هو أن الهجوم الروسي سيشهد قيام الجيش الروسي بضرب أهداف عسكرية أولاً، ثم تطويق العاصمة، كييف، وربما مدن رئيسية أخرى، مع توقع قيام مخربين من FSB بمحاولة تثبيت قيادات موالية لروسيا داخلها.

وأصدرت كل من أمريكا وبريطانيا سلسلة من التحذيرات التي تقودها المعلومات الاستخباراتية حول نوايا روسيا تجاه أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك أن الكرملين يخطط لعمليات "علم كاذب" كذريعة للغزو، وأن مجموعة من خمسة سياسيين أوكرانيين سابقين كانوا تم تجنيدهم للمشاركة في انقلاب.

كييف
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحدث عن حدوث محاولة إنقلاب/رويترز

وقد تم التعامل مع البعض منهم بشكل حاسم في كييف وأماكن أخرى. يوجد الآن أربعة من هؤلاء السياسيين الخمسة في موسكو، مما يجعل علاقاتهم مع روسيا مسألة علنية، بينما قال الخامس، النائب الأوكراني السابق يفين موراييف، إنه مُنع من دخول روسيا وليس هناك "دليل علني" على تورطه.

في المقابل، تتشك بعض المصادر الأوكرانية في قدرة روسيا على تنصيب أي قيادة موالية لها في كييف ومدنها الكبرى الأخرى، حتى في سياق التوغل العسكري، بالنظر إلى العداء الشعبي الواسع لموسكو في البلاد حالياً.

لكن مصادر غربية تخشى أن يكون فلاديمير بوتين لم يقدِّر عمق عداء الرأي العام في أوكرانيا لموسكو حالياً. وقال أحد المسؤولين: "تتم تغذية الكثير من التقييمات المفرطة في التفاؤل حتى قمة الكرملين".

برلمان مؤيد لبوتين

وسلطت صحيفة بيلد الألمانية الضوء على خطة مماثلة متعددة الخطوات في وقت سابق من هذا الشهر، بناء على مصدر بمخابرات أجنبية. ومضت الصحيفة قائلة إن روسيا ستسعى بعد ذلك إلى تعيين برلمان مؤيد للكرملين واعتقال النشطاء الأوكرانيين وزعماء المعارضة.

 وكشفت وكالة المخابرات الأوكرانية SBU وجهات أخرى مراراً وتكراراً عن أدلة على تدخل FSB في البلاد منذ بدء الحرب مع روسيا في عام 2014. وفي أواخر العام الماضي، قالت وحدة الاستخبارات المالية إنها اكتشفت مؤامرة لتهريب متفجرات إلى البلاد من شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إنه تم اكتشاف مؤامرة انقلابية، وذكر المسؤولون الأوكرانيون أنه جرى التخطيط لها من قبل وكالة التجسس الروسية والمنشقين عن وزارة الداخلية الأوكرانية الذين انتقلوا إلى القرم.

تقع المسؤولية عن أوكرانيا داخل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي على عاتق خدمتها الخامسة، المسؤولة عن العمليات الاستخباراتية في دول الاتحاد السوفييتي السابق. زعيمها هو سيرجي بيسيدا، الذي تم وضعه على قوائم عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في عام 2014.

كان بيسيدا مطلوباً من قبل أوكرانيا لاستجوابه في أعقاب ثورة ميدان المناهضة لروسيا في فبراير/شباط 2014، معتقداً أنه كان جزءاً من محاولة فاشلة للسيطرة على الجهود العنيفة لقمع الاحتجاجات الشعبية. وقالت موسكو إنه كان حاضراً للمساعدة في ضمان حماية السفارة الروسية خلال فترة عدم اليقين.

هل ينحاز جزء من الشعب الأوكراني لقوات الغزو الروسي؟

رغم حالة العداء لروسيا داخل أوكرانيا، حالياً، فإن هذا العداء قد يخفي حجم المتعاطفين مع موسكو داخل البلاد.

وقد تستغل روسيا  الانقسام الداخلي العميق في أوكرانيا، فالبلاد مقسمة بين المتحدثين باللغة الأوكرانية في الغرب والوسط المتحدثين بالروسية في المناطق الشرقية والجنوبية، وكل منطقة لها ذاكرة جماعية مختلفة نسبياً لعلاقاتها الثقافية مع إمبراطوريات هابسبورغ وبولندا أو الإمبراطوريات الروسية.

وهناك ما يقرب من ثمانية ملايين من أصل روسي يعيشون في أوكرانيا، وفقاً لتعداد عام 2001، معظمهم في الجنوب والشرق، حيث تشير تقديرات إلى أن الروس يمثلون نحو 17% من السكان، وزعمت موسكو أن من واجبها حماية هؤلاء الأشخاص كذريعة لأفعالها في أوكرانيا.

ولكن اللغة الروسية أكثر انتشاراً في أوكرانيا من الروس، إذ يعتقد أنه في عام 2001 كان نحو 30% من السكان يتكلمون الروسية، كلغة أولى، كما كانت اللغة الروسية هي اللغة المهيمنة فعلياً خلال العهد السوفييتي رغم أن الأوكرانية اللغة الرسمية.

 وتصل نسبة المتكلمين باللغة الروسية 2001 إلى نحو 74.9% و68.8% في إقليمين من أقاليم شرق البلاد المتاخمة لروسيا، وبصفة عامة تنتشر الروسية في جنوبي وشرقي البلاد وبصورة أقل الشمال، فيما تسود الأوكرانية في وسط وغربي البلاد.

توزيع المتحدثين باللغة الروسية في أوكرانيا/ويكبيديا

ويمكن القول إن تركيبة الشعب الأوكراني الإثنية والسياسية تنقسم لثلاثة أقسام:

الجزء الأول في غرب البلاد وهو الأكثر تأثراً بأوروبا خاصة بولندا والنمسا وأكثر عداءً لروسيا، خاصة أن موسكو لم تسيطر على هذه المنطقة سوى في القرن العشرين، وتزيد بغرب البلاد نسبة الكاثوليك حيث يمثلون أقلية كبيرة، مقارنة بهيمنة أكبر للكنيسة الأرثوذكسية على بقية البلاد، وهذه المنطقة تقليدياً هي معقل القومية الأوكرانية المعادية لروسيا والمطالبة بالاقتراب من الغرب.

الجزء الثاني وهو الأهم هو وسط البلاد، وهي منطقة وسط بين الشرق والغرب، ليست موالية لروسيا أو متماهية معها كأجزاء من الشرق، ولم تكن قبل حرب عام 2014 معادية لموسكو كالغرب.

ولكن يمكن القول إن ثورة الميدان الأوروبي ضد الرئيس الموالي لروسيا والابتلاع الروسي للقرم عام 2014، قد حولت مواقف هذا الجزء بالكامل ضد روسيا.

الجزء الثالث وهو قريب لروسيا جداً إثنيا ولغوياً، وسياسياً، ويتركز في الشرق والجنوب، والموالون لروسيا في هذه المناطق انكفأوا منذ أزمة عام 2014، بعد ابتلاع موسكو للقرم ودعمها لانفصال إقليم الدونباس، وبصفة عامة فإن قطاعاً من الشعب الأوكراني في هذه المناطق، كان ينظر لنفسه باعتباره أوكرانياً وروسياً في الوقت ذاته.

ويجب ملاحظة أن هذه المنطقة كان لها تأثير كبير في السياسة الأوكرانية، ظهر في أنها أوصلت عبر الانتخابات الرئيس السابق فيكتور يانكوفيتش الموالي لموسكو الذي أطيح به عام 2014 من قبل المتظاهرين المؤيدين للغرب، وهي الأزمة التي انتهت بالتدخل الروسي لضم القرم ودعم انفصال إقليم الدونباس.

هل ينحاز الأوكرانيون الروس لبوتين؟

لا يعرف إلى أي مدى سيتعاطف سكان المناطق الشرقية والجنوبية مع أي غزو روسي، مع وجوب ملاحظة ضرورة التفريق بين الموقف المحتمل للأوكرانيين المتحدثين بالروسية وبين الأوكرانيين المنتمين للإثنية الروسية، وقد يكون موقف المجموعة الأخيرة أقرب لموسكو، خاصة أن كييف اتخذت إجراءات ضد اللغة الروسية في البلاد اعتبرها الكثيرون اضطهاداً للأقلية الروسية.

وفي الأغلب فإن موقف الروس والأوكرانيين المتحدثين بالروسية سيكون مرتبطاً بشكل كبير، بتطور الأحداث.

فلو انهارت المقاومة الأوكرانية بسرعة، فإن ذلك قد يؤدي إلى ظهور طبقة موالية لروسيا في أوكرانيا لا سيما شرقها وجنوبها، والعكس لو أظهر الجيش والحكومة الأوكرانية مقاومة صلبة، ولو ظهر أن التوغل الروسي مسألة مؤقتة أو محدودة، فإن هذا سيخيف أي موالين محتملين لموسكو من إظهار موقفهم المؤيد للغزو. 

تحميل المزيد