5 عوامل ستحسم النزاع بين الدبيبة وباشاغا على شرعية الحكومة في ليبيا.. والأخير قد يقلب معادلة الصراع

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/12 الساعة 16:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/12 الساعة 17:02 بتوقيت غرينتش
فتحي باشاغا وزير الداخلية الليبي السابق لحظة وصوله لطرابلس، رويترز

أعاد انتخاب مجلس النواب الليبي فتحي باشاغا، رئيساً للحكومة، في 10 فبراير/شباط 2022، البلاد رسمياً إلى مربع الانقسام والاحتراب، بعد أن أضحت ليبيا برئيسي وزراء، يتشاركان نفس المدينة، سواء العاصمة طرابلس كمركز للحكم، أو مصراتة كمسقط رأس. فما العوامل التي ستحسم الصراع بين عبد الحميد الدبيبة ومنافسه باشاغا؟

لم ينتظر باشاغا سوى ساعات قليلة بعد انتخاب النواب له رئيساً لما يسمى "حكومة الاستقرار"، حتى دخل العاصمة من مطار معيتيقة الدولي بطرابلس، في تحدٍّ صريح للدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية.

وكان في انتظار باشاغا مجموعات مسلحة وحتى عناصر شرطة، ليس لاعتقاله بل لتأمينه، بالإضافة إلى عدد من نواب المنطقة الغربية. ولم يكتف باشاغا بالإدلاء بتصريح صحفي بالمطار، بل خرج ليلاً في موكب استعراضي بطرابلس تتقدمه سيارات الشرطة، دون أن يعترضه أحد.

الدبيبة، الذي قال إنه تعرّض قبلها بليلة لمحاولة اغتيال في منطقة "سوق الجمعة" التي يوجد بها مطار معيتيقة، شبَّه دخول باشاغا إلى العاصمة بتلك الطريقة بمحاولة قوات الشرق بقيادة خليفة حفتر اقتحام طرابلس في 2019، وقال في حوار له مع قناة "ليبيا الأحرار"، إنها "محاولة أخرى بشكل آخر وبجلباب آخر للدخول بالقوة إلى طرابلس".

5 أطراف ستحسم الصراع بين الدبيبة وباشاغا

تشهد ليبيا اليوم نزاعاً على هوية الحكومة الشرعية بين عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، تعبيرية/ AA

لم تعد الانتخابات أولوية الأطراف المتصارعة في ليبيا، بل حسم مسألة الشرعية تكتسي أهمية "مصيرية"، فكل من الدبيبة وباشاغا، يؤكد أحقيته في رئاسة الحكومة، لكنّ أياً منهما لا يملك جميع العناصر التي تمكنه من إزاحة الطرف الآخر.

فرغم أن الخلاف في ظاهره دستوري، فإنه مع تعطيل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، فقد لا يمكن حسم الخلاف بين الدبيبة وباشاغا قضائياً. ومن يملك "منح الشرعية" 5 عوامل وأطراف رئيسية؛ نستعرضها في النقاط التالية:

1- مجلس النواب في طبرق

حسم مجلس النواب الليبية موقفه لصالح دعم باشاغا، بعد أن صوّت له بـ"الإجماع"، بحسب زعم رئيس المجلس عقيلة صالح، رغم ما أثير بشأن جلسة التصويت من لغط، إثر زعم انسحاب المنافس الوحيد لباشاغا من سباق رئاسة الحكومة خالد البيباص، والذي نفى فيما بعد انسحابه.

2- المجلس الأعلى للدولة الليبية

يعتبر موقف أعضاء المجلس الأعلى للدولة الليبية متبايناً تجاه هذه المسألة، فمن جهة توافقت لجنة شكلها المجلس من رؤساء اللجان مع خارطة الطريق التابعة لمجلس النواب تتضمن تعديل الإعلان الدستوري بالتزامن مع اختيار رئيس حكومة جديد.

وبحسب عضو مجلس الدولة عادل كرموس، منح 52 عضواً في المجلس "تزكيتهم" لباشاغا "بشكل منفرد". وبدا حينها أن السلطة التشريعية بمجلسيها سحبت الشرعية من تحت أقدام حكومة الدبيبة، قبل أن ينفي عدد من أعضاء مجلس الدولة عدم عقد أي جلسة لهم لمناقشة مسألة "التزكيات".

وحتى الجلسة التي كانت مقررة السبت 12 فبراير/شباط 2022، أُجلت "لأسباب أمنية"، ما يعكس حالة الاحتقان في المنطقة الغربية بسبب موقف مجلس الدولة من تغيير السلطة التنفيذية.

وواضح أن مجلس النواب ساوم مجلس الدولة، بتغيير الحكومة مقابل تعديل الإعلان الدستوري، وهذا ما يفسّر تعديل الإعلان الدستوري بأغلبية 126 نائباً من إجمالي 147، حسبما أعلن عنه عبد الله بليحق، المتحدث باسم مجلس النواب.

والمرجح بحسب مصادر "عربي بوست"، أنه تم التوافق على خارطة الطريق الأولية، خلال لقاء خالد المشري، وعقيلة صالح، بالمغرب، في يناير/كانون الثاني الماضي، وتلاها بعد ذلك لقاءات أعضاء لجنتان من المجلسين لتثبيت هذا التوافق، رغم أن المشري راسل مجلس النواب، ودعاه لتأجيل جلسة اختيار رئيس الحكومة، لكن لم يستجب لطلبه، ما يوضح أن مجلس الدولة لم يحسم بعد موقفه.

فمن جانب، تدعم كتلة الحزب الديمقراطي، في مجلس الدولة، اختيار باشاغا، رئيساً للحكومة، يرفض أعضاء بارزون هذا الأمر وعلى رأسهم عبد الرحمان السويحلي، رئيس المجلس السابق، وعبد القادر الحويلي، والشاطر.

وهناك تيار ثالث لا يمانع من تغيير الحكومة، لكنه يشترط أن يتم ذلك بعد الاستفتاء على الدستور، وليس بعد تعديل الإعلان الدستوري، لأن ذلك لا يُعد ضمانة لاستكمال المسار الدستوري، خاصة وأن المواد الخلافية المتعلقة بترشح العسكريين للرئاسة ومسألة الجنسية المزدوجة للمترشح للرئاسة، يرفض كل طرف التنازل عن وجهة نظره.

وهذا الخلاف قد يحسم بالتصويت، أو أن المشري سيضطر للتراجع عن موقفه بسبب ضغط أعيان وقادة المنطقة الغربية الداعمين للدبيبة أو الرافضين لأي تنسيق مع حفتر. إلا أن تثبيت مجلس الدولة اتفاقه مع مجلس النواب، سيمنح باشاغا شرعية داخلية، سيضطر بعدها المجتمع الدولي آجلاً أو عاجلاً الاعتراف بحكومة الأمر الواقع.

3- المجتمع الدولي وأطراف الصراع الخارجية

حتى الآن ما زالت الأمم المتحدة تعترف بشرعية حكومة الدبيبة، وهذا ما أعلنه المتحدث باسمها ستيفان دوجاريك. كما أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تعليقه على اختيار مجلس النواب لباشاغا رئيساً للحكومة، دعا "جميع الأطراف والمؤسسات إلى مواصلة ضمان أن يتم اتخاذ مثل هذه القرارات الحاسمة بطريقة شفافة وتوافقية".

هذه الجملة تعكس تشكيكاً أممياً في الطريقة التي تم فيها اختيار باشاغا رئيساً للحكومة "بالإجماع"، رغم أن العديد من النواب انتقدوا طريقة إجراء التصويت الذي تم دون "إجماع"، ناهيك عن حرمان البيباص من الترشح.

غوتيريش ذكّر مجلسي النواب والدولة أيضاً "بالهدف الأساسي المتمثل في إجراء الانتخابات الوطنية في أسرع وقت"، في إشارة إلى أن تغيير الحكومة والدخول في مرحلة انتقالية من 14 شهراً على الأقل، لا يخدم مسار إجراء الانتخابات.

وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها لموقف غوتيريش، ما يعطي الدبيبة شرعيةً دولية، وقدرةً على تمثيل البلاد في الخارج، وتعيين السفراء والبعثات الدبلوماسية في الخارج.

والأهم من ذلك فإن الاعتراف الدولي يمكّن حكومة الدبيبة من صرف ميزانية الدولة بالبنك المركزي، والتي يمثل النفط مصدرها الرئيسي. وأي حكومة بدون اعتراف دولي ستلقى نفس مصير حكومة الإنقاذ السابقة في طرابلس والحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق).

وباستثناء مصر، التي أعلنت اعترافها بحكومة باشاغا، فإن بقية دول العالم ما زالت تراقب الوضع عن كثب، ولم تتخذ موقفاً حاسماً، خاصة وأن الأزمة الأوكرانية تحبس أنفاس العالم وتغطي على جميع ملفات المنطقة.

4- الكتائب العسكرية

لا يعني دخول باشاغا إلى طرابلس بسلام دلالة على أن الوضع قد لا يصل إلى مواجهة عسكرية في طرابلس. فنفس المشهد حدث في 31 مارس/آذار 2016، عندما دخل رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج إلى طرابلس دون قتال، رغم تهديد حكومة الغويل، المسيطرة على العاصمة باعتقاله.

وبقي الوضع على هذا الحال حتى وقوع اشتباكات بين قوات الطرفين في طرابلس عام 2017.

وزعم الدبيبة بتعرضه لمحاولة اغتيال ليلة 9 فبراير/شباط، قد لا ينبئ بأن العاصمة ستحتمل رئيسيْ حكومتين لفترة طويلة، وإن كان التداخل القبلي والعشائري يمنع انحدار طرابلس ومصراتة إلى قتال شامل.

فباشاغا يحظى بدعم بعض الكتائب الموزعة على مناطق مختلفة من الغرب الليبي بما فيها طرابلس، خاصة بعد البيان الذي صدر من قادة 25 كتيبة، أشيع بأن أختام بعضها مزورة. فيما تقف قوات حفتر في الشرق خلف باشاغا لدعمه في أي مواجهات محتملة.

ويخشى قادة الكتائب العسكرية في الغرب أن يستغل خليفة حفتر باشاغا كـ"حصان طروادة" لدخول العاصمة بعد أخفق في اقتحامها عنوة في 2019.

أما الدبيبة فلا يزال يملك ولاء الفريق محمد الحداد، قائد أركان الجيش الليبي، وعدد من الكتائب المناهضة لحفتر، أو حتى تلك التي سبق لها وأن اصطدمت بباشاغا عندما كان وزيراً للداخلية (2018-2021)، خاصة كتائب طرابلس. 

والآن قد يبدو الوضع العسكري شبه متوازنٍ في المنطقة الغربية، لكن قوات حفتر في الشرق ترجح كفة باشاغا.

5- أخيراً.. الشعب الذي قد يغير المعادلة

باستثناء الدعم الدولي "المؤقت"، فإن موازين القوى الأخرى ليست في صالح الدبيبة، الذي خسر بالكامل دعم المنطقة الشرقية ممثلة في مجلس النواب وقوات حفتر، وليس مستبعداً أن ينسحب قريباً وزراء ومسؤولو المنطقة الشرقية من حكومة الوحدة.

وفي المنطقة الغربية، يتجه مجلس الدولة للتخلي عن الدبيبة، رغم أن 52 عضواً فقط منح باشاغا تزكياته، من إجمالي 134 عضواً. وإذ خسر الدبيبة دعم مجلس الدولة فسيكون من الصعب عليه الاستمرار كرئيس للحكومة، ولن يكفي الاعتراف الدولي للبقاء في هذا المنصب طويلاً.

أما عسكرياً، فدخول باشاغا إلى طرابلس، بشكل علني واستعراضي في أول يوم بعد اختياره رئيساً للحكومة، يكشف عن اختلال ميزان القوى العسكري لصالح الأخير.

غير أن هناك عاملاً خامساً لم يؤخذ في الحسبان، لكن بإمكانه أن يقلب الطاولة على الجميع ويغير ميزان القوى لصالح الدبيبة. فالشعب الليبي بدأ يتحرك في الميادين وشبكات التواصل الاجتماعي، رفضاً لتوافق مجلسي النواب والدولة على الدخول في مرحلة الانتقالية وبالتالي بقاؤهما في المشهد لعام ونصف أو أكثر، وتأجيل موعد الانتخابات رغم الزخم الذي شهدت البلاد طيلة عام 2021.

فخروج أعيان وقادة مصراتة ببيان رافض لتشكيل حكومة جديدة، وكذلك الأمر بالنسبة لأعيان مدينة الزاوية (غرب) والمظاهرات التي شهدتها طرابلس ومصراتة (على محدوديتها) والداعمة للدبيبة، تمهّد لتصاعد غضب شعبي قد يتصاعد في الأيام المقبلة.

ولذا، ليس من المستبعد أن يتكرر سيناريو مظاهرات 2013، التي أجبرت المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي) على إجراء انتخابات برلمانية في 2014، جاءت بالبرلمان الحالي. 

تحميل المزيد