كان البعض يتوقع أن تهبّ إسرائيل لنجدة الإمارات وبيعها نظام القبة الحديدية الذي طلبته أبوظبي للتصدي لقصف جماعة الحوثي، لكن تل أبيب لا تزال تدرس الطلب الإماراتي، فما قصة قضية الثقة التي لا تزال مفقودة؟
منذ بدأت جماعة الحوثي اليمنية، المدعومة من إيران، في قصف العمق الإماراتي قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، طلبت أبوظبي من تل أبيب المساعدة في تقوية الدفاعات الجوية للدولة الخليجية، التي أبرمت اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل رسمياً، في سبتمبر/أيلول 2020.
ولم تكن الإمارات الدولة العربية الوحيدة التي وقّعت مع إسرائيل اتفاقيات "أبراهام للسلام" كما سمّتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكن أبوظبي كانت أكثر تلك الدول توقيعاً لاتفاقيات التعاون مع تل أبيب في مجالات الاقتصاد والأمن والتكنولوجيا.
وعلى المستوى السياسي أيضاً استقبلت أبوظبي الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء ووزراء الدفاع والخارجية، ولا يكاد يمر أسبوع دون زيارات رسمية وتوقيع اتفاقيات جديدة، هذا بخلاف رحلات الطيران التجارية بين البلدين، والتي حملت عشرات الآلاف من مواطني البلدين لزيارة البلد الآخر، وجميعها مؤشرات على مدى عمق علاقات البلدين رغم قصر مدة تطبيعها رسمياً.
لماذا تتأخر إسرائيل في بيع أسلحة متقدمة للإمارات؟
في أعقاب الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الأخيرة التي شنتها جماعة الحوثي اليمنية على أبوظبي، لجأ حكام الإمارات العربية المتحدة إلى إسرائيل طلباً للمساعدة العسكرية، إذ يهتم المسؤولون الإماراتيون بشكل خاص بالدفاعات الجوية الإسرائيلية الصنع، مثل القبة الحديدية، ودايفيدز سلينج وأرو، بالإضافة إلى أنظمة الرادار الخاصة بهم، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وفي الآونة الأخيرة، قام وفد إسرائيلي رفيع المستوى يتألف من مسؤولين في وزارة الدفاع ونشطاء الموساد والمسؤولين التنفيذيين لشركات تصنيع الأسلحة الإسرائيلية بزيارة الإمارات. فحتى الآن، جميع الأنظمة الإماراتية والسعودية المضادة للصواريخ من صنع الولايات المتحدة، مثل بطاريات باتريوت.
وقالت مصادر إسرائيلية للموقع البريطاني، إن تل أبيب تدرس الطلب الإماراتي، لكن تلك المصادر أضافت أن "الأمر خطير ويجب التعامل معه بحذر". وأشارت المصادر إلى أنه يتعين على إسرائيل الموازنة بين رغبتها في بيع الأسلحة في جميع أنحاء العالم وبين الحاجة إلى حماية معداتها الحساسة محلية الصنع.
وبحسب تلك المصادر تتمثل المعضلة الإسرائيلية في كيفية الحفاظ على تفوقها التكنولوجي أثناء بيع الأنظمة لشركاء استراتيجيين، لكن إسرائيل باعت بالفعل مكونات جزئية للقبة الحديدية، مثل الرادارات والتحكم الأرضي، إلى سنغافورة وأذربيجان، وإن لم تبع بعد الصواريخ الاعتراضية، التي تصنعها شركة رافائيل المملوكة للدولة.
كما ذكرت المصادر الإسرائيلية أيضاً أن هناك عقبة أخرى تجعل إسرائيل مترددة في تسليم أنظمتها للدفاعات الجوية إلى الإمارات، وهذه العقبة هي الولايات المتحدة. إذ تنظر واشنطن إلى منطقة الخليج على أنها مجال اهتمامها، ولها وجود عسكري وقواعد في قطر والبحرين والإمارات.
وتبيع الولايات المتحدة أسلحة من جميع الأنواع لدول المنطقة، من طائرات F-35 المقاتلة والطائرات بدون طيار وتكنولوجيا الاستخبارات، إلى المعدات البحرية والبطاريات المضادة للطائرات. ولا ترغب الشركات العسكرية والأمنية الأمريكية في رؤية المنافسة الإسرائيلية تدخل ما تعتبره ساحتها الخلفية.
التعاون الأمني بين الإمارات وإسرائيل
لكن ربما تكون المبررات التي ساقتها المصادر الإسرائيلية لتفسير تردد تل أبيب في مساعدة أبوظبي مناقضة إلى حد بعيد مع طبيعة التعاون بين البلدين، وبخاصة في مجالات الأمن والاستخبارات والتكنولوجيا والأسلحة.
فعلى مدى سنوات، تولى جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) إدارة العلاقات السرية بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية، ما أدى إلى تعاون وثيق في تبادل المعلومات الاستخباراتية ضد إيران، فضلاً عن بيع معدات استخباراتية مثل برنامج التجسس بيغاسوس، الذي تكشفت فضائحه مؤخراً.
كما عملت شركات إسرائيلية مثل لوجيك، المملوكة لماتي كوخافي، سراً لسنوات في الإمارات العربية المتحدة. ويوظف كوخافي مسؤولين سابقين في الموساد وجهاز الأمن الداخلي (الشين بيت)، بالإضافة إلى خبراء سابقين من صناعات الفضاء الإسرائيلية.
وبعد أن فقد كوخافي ثقة عائلة آل نهيان الحاكمة في أبوظبي، تم استبداله بديفيد ميدان، وهو ناشط سابق في الموساد، كوسيط بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. وحظيت جميع تلك الصفقات والاتصالات السرية بموافقة وتشجيع وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وبالتالي عندما تم الإعلان عن التطبيع بين الإمارات وإسرائيل رسمياً في صيف عام 2020، وانضمت البحرين والمغرب، ثم السودان لاحقاً، لتلك الاتفاقيات، كانت وتيرة التطبيع والتعاون بين أبوظبي وتل أبيب الأسرع على الإطلاق، وتمكنت إسرائيل من إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية كاملة مع الإمارات، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية.
والأمر نفسه، وإن كان بصورة أقل ينطبق أيضاً على البحرين، إذ زار وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس المنامة، الأسبوع الماضي، والتقى بحكامها ووقع مع نظيره البحريني مذكرة تفاهم للتعاون الأمني، وهي الأولى التي يتم الاتفاق عليها مع دولة عربية.
"الثقة" بين إسرائيل والدول العربية؟
إذا نحّينا قصة التردد الإسرائيلي في بيع أنظمة الدفاع الجوي المتطورة للإمارات، نجد "أزمة أمنية" تتحدث عنها تل أبيب، تتعلق بمطار دبي، ووصلت إلى حد منح مهلة انتهت الثلاثاء، ومددتها إسرائيل لمدة شهر، وإلا أوقفت إسرائيل الرحلات الجوية إلى الإمارات، وتوقيت إثارة هذه الأزمة يدعو للتساؤل.
والمقصود بالتوقيت هو الحالة التي سببتها صواريخ ومسيرات جماعة الحوثي، وأيضاً الهجوم الذي تبنّاه فصيل عراقي مغمور، محسوب على إيران أيضاً، في الأسبوع الماضي، إذ إن بث حالة عدم الاستقرار هو الهدف الأبرز الذي تسعى جماعة الحوثي إلى تحقيقه في الإمارات، استهدافاً للاقتصاد.
وبالتالي فإن الحديث الآن عن وجود "خلاف أو نزاع أمني" بين إسرائيل والإمارات لا يساهم في التخفيف من التداعيات السلبية للقصف الحوثي، خصوصاً أنه لا توجد تفاصيل رسمية عن طبيعة هذا الخلاف أو توقيته. فهذه التفاصيل الغائبة تطرح تساؤلات بديهية بشأن طبيعة الأزمة الأمنية، ولماذا ظهرت فجأة في هذا التوقيت، رغم أن الرحلات الجوية بين البلدين مستمرة منذ أكثر من عام وشهرين.
فحتى إذا كانت الأزمة الأمنية -أيا كانت تفاصيلها المتكتم عليها- تتعلق فقط بمطار دبي ولا تخص مطار أبوظبي، وإذا كانت تخص رفض مسؤولي دبي السماح بوجود ضباط مسلحين على متن الطائرات التجارية الإسرائيلية -كما قالت وسائل إعلام عبرية- لا تزال أزمة "التوقيت" تطرح علامات استفهام لا يجيب عنها مسؤولو البلدين.
وبالعودة إلى الوراء قليلاً نجد أن أحد مكاسب الإمارات الأساسية من التطبيع مع إسرائيل كانت الموافقة التي حصلت عليها من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، على صفقة الطائرات إف 35، باعتبار أنه كان هناك فيتو إسرائيلي على منح هذه الطائرة الشبحية المتطورة لأي دولة عربية.
لكن نتنياهو نفسه كان قد تراجع عن تلك الموافقة، وثار جدل كبير حولها، ورغم مضي إدارة بايدن قدماً في تنفيذها، فإن الإمارات نفسها هددت مؤخراً برفض الصفقة، بسبب ما يمكن وصفها بالشروط التعجيزية التي تفرضها واشنطن، وبالتبعية تل أبيب بالطبع، التي تُعتبر طرفاً أصيلاً في إتمام الصفقة.
"هل يمكن أن توجد الثقة بين إسرائيل والدول العربية؟"، كانت هذه العبارة عنواناً لمقال نشرته صحيفة جيروزاليم بوست العبرية، ويفسر جانباً رئيسياً من قصة العلاقة بين إسرائيل والدول العربية، حتى تلك التي تقيم علاقات رسمية مع تل أبيب كمصر والأردن والسلطة الفلسطينية والإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
فقضية "الثقة في الدول العربية" حاضرة طوال الوقت داخل النقاشات الإسرائيلية، وتتصدرها مسألة الحفاظ على "التفوق العسكري" لصالح تل أبيب، على حساب جميع الدول العربية مجتمعة، وهذا المبدأ لم تغير منه اتفاقيات التطبيع الأخيرة شيئاً، كما هو واضح من المواقف الأخيرة بين تل أبيب وأبوظبي.
وترى إسرائيل في علاقتها المتنامية مع الإمارات تحديداً إضافة لتل أبيب في عدائها المعلن مع إيران، وحتى في حالة قررت الدولة العبرية في نهاية المطاف أن تبيع أنظمة الدفاع الصاروخي الخاصة بها لأبوظبي، فإن الهدف الرئيسي سيكون خدمة المصالح الإسرائيلية بالأساس.
وكان موقع Axios الأمريكي قد نشر تقريراً كشف فيه أن زيارة وفد أمني إسرائيلي إلى أبوظبي مؤخراً كان سببها التباحث حول نقل أنظمة دفاع صاروخي متقدمة إلى الإمارات، في إطار سعي إسرائيل للاستفادة من التصعيد الحالي ضد الإمارات، ونشر نظام دفاع صاروخي إقليمي يمكّن تل أبيب من وجود إنذار مبكر ضد أي تهديد صاروخي مصدره طهران.