قررت إسرائيل تمديد مهلة كانت قد أعطتها للإمارات بشأن نزاع "أمني" بين البلدين الحليفين يخص الرحلات الجوية بينهما، فما قصة هذا النزاع؟ ومتى تنتهي المهلة الجديدة؟ وما تأثير النزاع على الإمارات الآن؟
المهلة كان من المفترض أن تنتهي الثلاثاء 8 فبراير/شباط ومددتها إسرائيل لمدة "شهر"، بحسب تقرير لوكالة رويترز، وبنهاية المهلة الجديدة يمكن أن تتوقف رحلات شركات الطيران الإسرائيلية إلى الإمارات، والسبب وجود نزاع أمني بشأن الطيران. لكن إسرائيل تحذر من وقوع أزمة محتملة مع الإمارات ما لم يتم حل النزاع.
وتعد الرحلات المباشرة من تل أبيب إلى دبي لشركات الطيران الإسرائيلية، العال وإسراير وأركيا، من بين ثمار اتفاق التطبيع الموقع عام 2020 لإقامة علاقات بين إسرائيل والإمارات، حيث زار مئات الآلاف من الإسرائيليين دبي، المركز التجاري للإمارات، منذ ذلك الحين.
ما سبب أزمة الطيران؟
لا توجد تفاصيل بشأن النزاع أو الخلاف، لكن مصادر إسرائيلية تحدثت لوسائل إعلام محلية مؤكدة أن طبيعة الخلاف "أمنية وليست دبلوماسية"، على الرغم من أن تقريراً لصحيفة Times Of Israel ذكر أن مكتب رئيس الوزراء، نفتالي بينيت، ووزير الخارجية، يائير لابيد، ووزير النقل وجهاز الأمن الداخلي "الشين بيت" يعملون مع الحكومة الإماراتية بغرض التوصل "لحل الخلاف".
ونقلت الصحيفة عن مصدر لم تسمه داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية قوله إن "الخلافات فنية فقط وسوف يتم حلها خلال الأيام القادمة". لكن المهلة التي كانت محددة من الجانب الإسرائيلي للتوصل إلى حل لتلك "النزاعات الفنية" انتهت بالفعل الثلاثاء ومددتها تل أبيب لمدة "شهر" آخر.
لكن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي أبدى مخاوفه، التي لم يعلن أي تفاصيل بشأنها، من ترتيبات في مطار دبي الدولي، وقال إن شركات الطيران الإسرائيلية الثلاث ستوقف رحلاتها إلى هناك ما لم يتم التوصل إلى حل.
وكان مقرراً أن ينتهي العمل بتلك الترتيبات يوم الثلاثاء، لكن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً قال إن وزير النقل ميراف ميخائيل مدَّد المهلة "بنحو شهر" ليكون ممكناً مواصلة المفاوضات بين الجانبين، بحسب رويترز. ولم تعلق السلطات في دبي بعد على الأمر.
وواكب تمديد المهلة زيادة ضغوط إسرائيل على الإمارات لإزالة أسباب مخاوفها، دون أن يتحدث أي من الطرفين عن تفاصيل تلك المخاوف، وما إذا كانت أمراً مستجداً له علاقة بتعرض الإمارات لقصف من جانب الحوثيين خلال الأسابيع القليلة الماضية أم لا. فالرحلات الجوية بين إسرائيل والإمارات كانت قد بدأت منذ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حينما وصلت أول رحلة تجارية من دبي إلى تل أبيب.
وكانت الإمارات قد بدأت التعرض للقصف بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية من جانب جماعة الحوثي اليمنية، والمدعومة من إيران، منذ الإثنين 17 يناير/كانون الثاني الماضي، ومنذ ذلك الوقت تسعى أبوظبي للحصول على مساعدة تل أبيب في التصدي لذلك التهديد الخطير.
هل الأزمة في مطار دبي فقط؟
نعم، هذا ما يبدو عليه الأمر من خلال التصريحات الصادرة عن الجانب الإسرائيلي. إذ كان الشين بيت قد أشار في وقت سابق إلى إمكان تحويل مسار رحلات الطيران الإسرائيلية إلى أبوظبي، لكن مسؤولاً إسرائيلياً استبعد ذلك قائلاً لرويترز إن أبوظبي تجذب مسافرين أقل، مضيفاً: "أبوظبي يمكن أن تكون اختياراً من الناحية الأمنية لكنها ليست اختياراً اقتصادياً".
وقال المسؤول الإسرائيلي الكبير إنه إذا توقفت رحلات شركات الطيران الإسرائيلية في نهاية الأمر، فإن ذلك سيكون انتهاء بحكم الأمر الواقع لعملياتها في الإمارات، وسيكون سبباً في المعاملة بالمثل.
وأضاف المسؤول، الذي تحدث لرويترز شريطة عدم الكشف عنه: "إذا لم يكن بإمكان العال الطيران إلى دبي فإن شركات الطيران الإماراتية لن يكون بإمكانها الهبوط هنا".
وتسيّر شركة الطيران الإماراتية فلاي دبي رحلات مباشرة أيضاً إلى تل أبيب من دبي. وتتطلع شركة طيران الإمارات في دبي وشركة الاتحاد للطيران في أبوظبي إلى تسيير رحلات إلى إسرائيل.
ما طبيعة الأزمة "الأمنية" إذاً؟
لا توجد إجابات رسمية من أي من الجانبين حول هذا السؤال، لكن المسؤول الإسرائيلي قال لرويترز إن "الأزمة يمكن أن تكون إقليمية، وليست ثنائية فقط" مشيراً إلى دور الإمارات المحوري في اتفاقات إبراهيم التي أُبرمت برعاية الولايات المتحدة بهدف تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. وأضاف المسؤول: "من الممكن أن يكون لها (الأزمة) أثر ضخم".
ولم يرد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان بعد على طلب بالبريد الإلكتروني للتعليق. ونادراً ما تنشر إسرائيل إجراءاتها الأمنية في مجال الطيران.
ومع ذلك فإنه من الممكن أن يكون من بين تلك الإجراءات استخدام أماكن خاصة في المطارات أو حتى ممرات منفصلة وإيقاف الطائرات الإسرائيلية في حراسة إسرائيليين، وربما وجود حراس مسلحين على الطائرات، بحسب رويترز.
كانت صحيفة Haaretz الإسرائيلية قد أكدت أيضاً نفس التفاصيل في تقرير لها قبل أيام بعنوان "نزاع البروتوكولات الأمنية قد يوقف الرحلات الجوية بين إسرائيل ودبي الأسبوع المقبل"، في إشارة إلى المهلة الأولى التي انتهت بالفعل الثلاثاء، قبل أن يتم تمديدها لمدة "شهر"، وهو ما يعد مؤشراً على مدى عمق الأزمة بغض النظر عن طبيعتها.
فهذه التفاصيل الغائبة تطرح تساؤلات بديهية بشأن طبيعة الأزمة الأمنية ولماذا ظهرت فجأة في هذا التوقيت، رغم أن الرحلات الجوية بين البلدين مستمرة منذ أكثر من عام وشهرين، ولماذا توجد الأزمة في دبي فقط ولا توجد في أبوظبي. امتناع الإمارات وإسرائيل عن إصدار تقارير رسمية حول تفاصيل الخلاف يفتح الباب أمام التكهنات والتحليلات.
هل للأزمة علاقة بالوضع الأمني في الإمارات؟
المقصود بالوضع الأمني في الإمارات هو الحالة التي سببتها صواريخ ومسيرات جماعة الحوثي، وأيضاً الهجوم الذي تبناه فصيل عراقي مغمور، محسوب على إيران أيضا، في الأسبوع الماضي. فحالة عدم الاستقرار هي الهدف الأبرز الذي تسعى جماعة الحوثي إلى تحقيقه في الإمارات استهدافاً للاقتصاد.
والمؤكد أن الحديث الآن عن وجود "خلاف أو نزاع أمني" بين إسرائيل والإمارات لا يساهم في التخفيف من التداعيات السلبية للقصف الحوثي، خصوصاً أنه لا توجد تفاصيل رسمية عن طبيعة هذا الخلاف أو توقيته، فهل السبب هو أن تل أبيب لا تعلن عن ترتيباتها الأمنية في المطارات بشكل عام، أم أن هناك طلبات خاصة يعترض عليها المسؤولون عن مطار دبي؟
وإذا كان الأمر يتعلق بمطار دبي تحديداً، فلماذا تفاقم الخلاف في هذا التوقيت إلى حد التهديد بوقف الرحلات، على الرغم من أن ذلك يمثل خسائر تجارية ضخمة للطرفين؟ وهل يكون تمديد المهلة هذه المرة مفتاحاً للوصول إلى تفاهمات لحل أزمة؟
إذ إنه بعيداً عن التصريحات الرسمية الخاصة بالتصعيد الحوثي تجاه الإمارات، هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين والمحللين على أن استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني قد يصيب اقتصاد الدولة الخليجية بأضرار على المدى الطويل ربما لا يكون من السهل التعافي منها.
وعلى سبيل المثال، سيطرت فرق هيئة أبوظبي للدفاع المدني على حريق ناتج عن انفجار اسطوانة غاز في مبنى في وقت مبكر من صباح الأربعاء 02/09، بينما نبهت السفارة الأمريكية إلى وجود "تقارير عن ضربة محتملة بصاروخ أو طائرة مسيرة"، بحسب تقرير لموقع إذاعة مونت كارلو الدولية.
فالاستقرار الذي تتمتع به الإمارات يمثل أحد أهم عناصر كونها الجاذب الأكبر للاستثمارات العالمية وكونها مقراً رئيسياً لكبرى الشركات متعددة الجنسيات في منطقة الشرق الأوسط، هذا بخلاف كون إمارة دبي تحديداً مركزاً للجذب السياحي والاستثماري في المنطقة.
الخلاصة هنا هي أنه من الصعب أن يستمر عنصر الاستقرار طويلاً إذا ما استمر ارتباط الإمارات بتقارير تتعلق بأزمات أمنية، مرة من صواريخ الحوثي ومرة من خلافات مع إسرائيل لا يعرف طبيعتها على وجه التحديد.