في ظل تصاعد احتمالات الغزو الروسي لأوكرانيا، نشر الجيش الروسي فوجاً من منظومة إس-400 الصاروخية في جنوب غرب جمهورية بيلاروسيا، بزعم إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع الجيش البيلاروسي هناك.
وقالت وزارة الدفاع الروسية الجمعة 4 فبراير/شباط 2022 إن "فوجاً من منظومة "إس-400 تريومف" الصاروخية التابعة للقوات الجوية الروسية ونظام الدفاع الجوي للمنطقة العسكرية الشرقية، والتي تشارك في اختبار قوات الرد الدولية الاتحادية، وصل إلى ميدان التدريب العسكري في مقاطعة بريست بجمهورية بيلاروسيا.
تقوم الوحدات العسكرية الروسية من قسم الصواريخ المضادة للطائرات بتنفيذ معدات هندسية وتمويه مواقع الإطلاق ومواقع القيادة وصيانة المعدات من أجل التحضير لدخول مهام الدفاع الجوي القتالية كجزء من "نظام الدفاع الجوي الإقليمي الموحد" لبيلاروسيا وروسيا، بحسب بيان وزارة الدفاع.
ماذا يعني نشر روسيا نظام إس-400؟
تقع منطقة "بريست" التي نشرت فيها روسيا منظومتها الصاروخية الدفاعية S-400 على الحدود مع كل من أوكرانيا وبولندا، وتأتي في ظل حشد موسكو عشرات الآلاف من قواتها على الحدود مع أوكرانيا من عدة جهات.
وفقاً لتقرير صادر عن وكالة تاس، ستستخدم القوات الروسية أنظمة الدفاع الجوي إس-400 في وضع قتالي كجزء من نظام الدفاع الجوي الإقليمي المتكامل لكل من روسيا وبيلاروسيا، ومن المقرر أن تنتشر الأطقم وتوفر التمويه لمواقع الإطلاق ومراكز القيادة كجزء من التدريبات.
ومنذ سنوات، روجت موسكو لقدرات منظومة إس-400 العالية، وقالت إنها قادرة على تتبع وضرب الطائرات الشبحية المقاتلة، بما في ذلك الطائرة الشبحية الأمريكية إف-35.
وتم تطوير نظام S-400 بواسطة شركة Almaz-Antey الروسية لتوفير الحماية من الضربات الجوية، بما في ذلك صواريخ كروز وصواريخ المدى المتوسط، كما يمكن أيضاً استخدام إس-400 ضد المنشآت الأرضية.
وصُممت منظومة إس-400، التي يمكنها أيضاً إطلاق صواريخ 40N6، للاشتباك مع أهداف على مسافة تصل إلى 400 كيلومتر وارتفاع يصل إلى 30 كيلومتراً تحت نيران العدو بالإضافة إلى التشويش المكثف على الطائرات وحتى الشبحية منها، وبالتالي يعد نشر روسيا لهذه المنظومة في جنوب غرب بيلاروسيا واحتمالات استخدامه في غزو أوكرانيا تحدياً كبيراً لأوروبا وتهديداً لجبهتها الشرقية.
ما هي منظومة إس-400 الروسية؟
تعد منظومة من المنظومات الصاروخية الأكثر إثارة للجدل عالمياً، بسبب إقبال العديد من الدول الصديقة أو الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية على شرائها من روسيا، مثل تركيا والهند وغيرها من الدول.
وتم تطوير إس-400 عن نسختها السابقة إس-300، لتكون أكثر قوة وقدرة على اعتراض الصواريخ والأسلحة الباليستية بمقدار الضعف تقريباً، إذ إن الرادارات الجديدة المستخدمة في منظومة إس-400 جعلتها بارعةً أمام جميع الأهداف الجوية تقريباً.
ويمكن لمنظومة إس-400 استخدام 4 أنواع من الصواريخ بأوزان مختلفة وقدرات مختلفة، مما يسمح للصواريخ نفسها أن تشكل جزءاً كبيراً من دفاع جوي متعدد الطبقات، وهذا يجعل منظومة إس-400 أكثر مرونة. كذلك يمكنها استخدام الصواريخ المستخدمة في النسخ السابقة من منظومات إس-300 المتعددة.
ويمتد مدى صواريخ منظومة إس-400 لنحو 400 كيلومتر، في قفزة هائلة عن النسخ السابقة منها. كما تبلغ سرعة الصاروخ 4.8 كم في الثانية وقادر على الوصول لأهداف على ارتفاع 30 كم والتصدي للطائرات والصواريخ الباليستية والصواريخ المتوسطة المدى والطائرات المسيرة وغيرها من أنظمة الاستطلاع الجوية.
يقول مسؤولون عسكريون أمريكيون إن منظومتي إس-400 وإس 300 الروسيتين فعالتان جداً في التصدي لكل الطائرات والمقاتلات من الجيل الرابع مثل إف 15 وإف 16 وإف 18. كما أن المنظومة الروسية إس-400 المتكاملة قد تشكل خطراً كبيراً على طائرات الشبح مثل إف-35 وإف 22 والقاذفة بي 2 التي صممت كي لا تكشفها أجهزة الرادار.
وأشعل شراء تركيا منظومة إس-400 من روسيا أزمة كبيرة بين واشنطن وحليفتها في الناتو أنقرة، خلال السنوات الأخيرة، مما دفع الإدارة الأمريكية لإخراج تركيا من برنامج تطوير مقاتلات إف-35 وفرض عقوبات عليها.
تقول واشنطن إن شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي S-400 يأتي بمشكلات تقنية هائلة تمنع تشغيل العتاد العسكري الموالي لحلف الناتو، مثل المقاتلات الجوية إف-35 (F-35 Joint Strike Fighter) في المجال الجوي التركي.
هل تتواجه منظومة إس-400 وطائرة الشبح إف-35 في حرب أوكرانيا؟
نشرت روسيا نظام الدفاع الجوي الخاص بها في بيلاروسيا في أعقاب قرار الناتو بنقل طائرات مقاتلة إلى بولندا، التي قد يكون من بينها طائرات إف-35، وذلك لـ"تعزيز الردع والدفاع في أوروبا الشرقية".
وتتواصل الإمدادات العسكرية الأمريكية والأوروبية لأوكرانيا، من الأسلحة الخفيفة إلى الصواريخ المحمولة المضادة للدروع وحتى الطائرات المسيرة. لكن يمكن لهذه الأسلحة إبطاء الغزو الروسي لأوكرانيا وليس إيقافه بالكامل، وذلك بالنظر إلى ضخامة الحشود الروسية من المشاة إلى المدرعات، وعدم تكافؤ ميزان القوى العسكرية بين موسكو وكييف.
لكن السلاح الذي تمتلكه أيضاً بعض الدول الحليفة لواشنطن في أوروبا، والذي يمكنه أن يجعل روسيا تفكّر مرتين قبل أن تقرر غزو أوكرانيا، هو مقاتلات الشبح إف-35، كما يقول تقرير لمجلة national interest الأمريكية.
وإذا تم حشد أو تجميع أي نوع من مقاتلات إف-35 لدى القوات الأمريكية وحلفائها، في أوروبا الشرقية، لدعم أوكرانيا، فقد يقود ذلك الاستراتيجيين العسكريين الروس إلى "التوقف" عند التفكير في ثمن الغزو، بحسب "ناشيونال إنترست".
وفي حين أن الناتو والولايات المتحدة قد يحجمان عن استخدام طائرات F-35 للاشتباك مع القوات الروسية أو مهاجمتها نظراً للمخاوف بشأن التصعيد المحتمل، إلا أن احتمال استخدامها لمواجهة الغزو الروسي، من المرجح أن يؤثر بشكل كبير على معادلة الردع الاستراتيجية.
لا يقتصر الأمر على امتلاك الولايات المتحدة الآن لأسراب F-35 العاملة في أوروبا، ولكن الدنمارك قد تسلمت أول طائرة لها منها؛ فيما تشغل النرويج والمملكة المتحدة حالياً طائرات F-35، كما بدأت كل من بولندا وسويسرا وفنلندا بدعم قواتها بطائرات F-35، وتعتبر كل من إيطاليا وهولندا أيضاً شريكين في برنامج F-35.
يضاف إلى هذا الاحتمال حقيقة أن الدول الأوروبية على مقربة من بعضها البعض، ما يجعل من الممكن تماماً لمقاتلات F-35 الوصول إلى أوكرانيا من بولندا أو دول أوروبا الشرقية الأخرى بسهولة.
وأسباب ذلك واضحة، حيث من المحتمل أن يتسبب أي نوع من القوة الدفاعية من طراز F-35 في مشاكل حقيقية للجيش البري الروسي، حيث ستجعل طائرات F-35 من الصعب جداً على روسيا العمل مع أي نوع من التفوق الجوي، وليس من الواضح على الإطلاق أن الطائرات المقاتلة الروسية Su-57 يمكن أن تنافس مقاتلات F-35 أو حتى تتواجد بأعداد كافية لتقديم الدعم الجوي لها، كما تقول المجلة الأمريكية.
لكن هل تستطيع المنظومة الروسية إس-400 إسقاط الطائرة الشبحية الأمريكية إف-35؟
صمتت المقاتلة إف-35 بعديد من التجهيزات المختلفة، لتنفيذ مجموعة واسعة من المهام. إذ يحتوي تجهيز "الشبح" على أربعة صواريخ إيه آي إم-120 (أمرام) لمهمات الجو-جو، أو مزيج من أربع "قنابل ذكية" أمرام، وذخائر الهجوم المباشر المشترك (جدام) للمهمات الجو-أرض، وجميعها محمَّلة داخل مخزن التسليح الداخلي للمقاتلات؛ من أجل تقليل ظهورها على الرادار.
ويُعتقد عادةً أن مقاتلات إف-35 تكون أكثر تخفّياً من مقاتلات إف-22 رابتور- التي يُمكن القول إنها المعيار الذهبي لأداء التخفي في الجيل الخامس- ما يُولّد مقطعاً عرضياً منخفضاً للغاية على شاشات الرادار، وهذا يجعل الـ"إف-35″ الخيار المناسب لمهمات الاختراق في عمق المجال الجوي للعدو.
لكن هزيمة تكنولوجيا التخفي هي إحدى الأولويات القصوى لموسكو، التي تزعم أنها تستطيع بواسطة منظومتها الصاروخية التي تتهافت دول عدة على شرائها، إسقاط طائرة الشبح الأمريكية الفتاكة.
وقال مايك كوفمان، عالم الأبحاث المتخصص في الشؤون العسكرية الروسية في شركة CNA Corporation خلال مقابلة سابقة مع مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إن الدفاعات الجوية الروسية المتقدمة مثل S-400 وحتى S-500 القادمة تأتي مع أنظمة مصممة لاكتشاف وتتبع وجود طائرات منخفضة يمكن ملاحظتها مثل F-22 و F- 35، كما تزعم موسكو.
لكن بحسب كوفمان، من المشكوك فيه أن تكون موسكو قد حلت مشكلة التخفي، ويخبرنا استثمار روسيا القوي في طبقات من الدفاعات الجوية أن الكرملين يعتقد أن التهديد الأساسي لقواته البرية يأتي من القوة الجوية الأمريكية. على هذا النحو، فإن هزيمة تكنولوجيا التخفي هي إحدى الأولويات القصوى لموسكو، كما يشير كوفمان، وقد خصص الكرملين الكثير من الموارد لتحقيق هذه الغاية.
في النهاية، يشكل نشر روسيا لمنظومات إس-400 بالقرب من حدود بولندا وأوكرانيا خطراً كبيراً على مقاتلة إف-35 الشبحية، وإذا ما وقع الغزو الروسي لكييف وقرر الغرب نشر الطائرات الشبحية أو استخدامها لصد العدوان الروسي، فإننا سنشهد أول مواجهة مباشرة بين منظومة إس-400 الروسية وطائرة إف-35 الشبحية الأمريكية، وحينها سيكون ذلك الاختبار الحقيقي لمدى فاعلية كلا السلاحين.