كانت المظالم التي تعرَّض لها سنة العراق هي السبب الأول في ظهور تنظيم داعش المتطرف قبل سنوات، واليوم يشعر سنة العراق، بأنهم مهمشون مجدداً كما ظهر في قرار نوابهم الأخير الانسحاب من جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس للبلاد، فما عدد سكان سنة العراق وما وزنهم السياسي والمناصب التي يحوزونها، ولماذا همشوا رغم دورهم التاريخي؟!
ويقصد بمصطلح سنة العراق العراقيون العرب السنة، وليس مجمل العراقيين السنة لأن أغلب الأكراد والتركمان من السُنة، ولكنهم يتم التعامل معهم من وجهة نظر إثنية وليست مذهبية.
كم تبلغ نسبة سنة العراق من إجمالي سكان البلاد؟
يعد السؤال حول عدد سنة العراق أو العرب ونسبتهم من أكثر الأسئلة إثارة للجدل في العراق الحديث، حيث تميل المصادر السنية والعربية للمبالغة في أعدادهم وتقلل المصادر الشيعية منهم، كما أن المصادر الغربية كانت تميل في البداية للتقليل أيضاً من أعدادهم، لأنهم كانوا يشكلون الحاضنة الاجتماعية لنظام صدام حسين والمقاومة العراقية ولتبرير الغزو الأمريكي للعراق الذي قُدم على أنه جاء إنقاذاً للأغلبية الشيعية والأكراد من ظلم النظام المعتمد على السنة.
ويبلغ عدد سكان العراق حالياً نحو 40 مليون نسمة.
وحسب موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي "cfr" يشكل العرب السنة حوالي 15% إلى 20% من سكان العراق ويشكل الشيعة نحو 60% من العراقيين، والأكراد حوالي 18% من السكان، فيما ترفع بعض التقديرات نسبة سنة العراق لربع أو ثلث السكان.
والأعراق الأخرى تشكل ما نسبته 5% ويشملون التركمان (الذين يقولون إنهم وحدهم يمثلون نحو 5% من سكان العراق)، وهناك الأيزيديون، الشبك، الكاكائيون، الغجر، الآشوريون، الشركس، السبأيون المندائيون، الفارسيون.
مناطق تركزهم
قبل الغزو الأمريكي والحروب الأهلية والمذابح الطائفية، كان ما يقرب من نصف سنة العراق أو العرب السنة يعيشون في مناطق حضرية، مثل بغداد والموصل، حيث يشكلون العمود الفقري للطبقة الوسطى المتعلمة في العراق، كما يقول فيبي مار، مؤلف كتاب "التاريخ الحديث للعراق" وزميل سابق في جامعة الدفاع الوطني.
ويعيش الكثير من السنة الباقين في بلدات المحافظات والقرى الريفية فيما يسمى بالمثلث السني شمال وغرب بغداد، حيث كانت تواجه القوات الأمريكية المقاومة الأكثر رسوخاً في هذه المنطقة.
ويقول الخبراء إن العديد من السنة، وخاصة في المناطق الحضرية، هم محامون وبيروقراطيون ومعلمون، ويعتقد أن الكثيرين منهم علمانيون. يقول الخبراء إن السنة في المناطق الإقليمية يميلون إلى أن يكونوا أكثر تحفظاً اجتماعياً ودينياً، وأن الروابط القبلية والعشائرية أقوى منها مما يكون في المدن الكبرى.
ويشكل العرب السنة غالبية السكان في أربع محافظات من بين محافظات البلاد الـ18 وهي نينوى والأنبار وصلاح الدين، إضافة إلى ديالى التي يتواجد بها نسبة كبيرة من الشيعة والأكراد، كما كان يعتقد أن سنة العراق كانوا يشكلون حوالي نصف سكان العاصمة بغداد قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، قبل أن يصبحوا أقل عدداً جراء التطهير الطائفي، كما يمثل السنة نحو ثلث سكان محافظتي البصرة وبابل في الجنوب.
كانوا العمود الفقري للدولة العراقية دوماً
وتاريخياً كان سنة العراق يخرج منهم الطبقة الحاكمة في البلاد في معظم العصور، إلى حين انهيار نظام صدام حسين إثر الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، وتعرضوا بعد ذلك لتهميش، تحول إلى انتقام إثر تبني مناطقهم للمقاومة ضد الاحتلال مقابل تعاون معظم القوى الشيعية مع السلطة الأمريكية، وازدادت الأمور سوءاً مع تنفيذ بعض المجموعات المتطرفة السنية المتطرفة عمليات ضد الشيعة فردت الميليشيات الشيعية بالثأر من الطائفة السنية خاصة في عامي 2006 و2007، حين قامت ميليشيات شيعية بحملة من الاختطافات وأعمال القتل، جعلت البلاد تدخل أسوأ عهودها.
وتعامل السنة أحياناً مع الوضع العراقي باعتبارهم ليسوا أقلية، وكان همهم أحياناً استقلال العراق برمته ووحدته، بينما الطوائف الأخرى تبحث عن مصالحها، حتى إنه خلال مفاوضات صياغة الدستور العراقي الحالي، التي جرت تحت إشراف الأمريكيين رفض سنة العراق بنداً طالب به الأكراد بأنه من حق أي ثلاث محافظات أن تتوحد معاً لتأسيس إقليم، لأنه خشوا من التوجهات الانفصالية بينما هذا كان في صالحهم نسبياً لأنه كان يتيح لهم تأسيس إقليم سني.
والآن، يعانون من الظلم حتى مقارنة بالأكراد الأقل عدداً
ولا تحظى محافظات ومناطق السنة بأي قدر من الحكم الذاتي، في البلد الذي تسيطر عليه الأغلبية الشيعية، بينما يتمتع الأكراد في الشمال بقدر كبير من الحكم الذاتي في إقليم كردستان يجعلهم في حالة قريبة من الاستقلال الفعلي، بينما يحصلون في ذات الوقت على قدر لا بأس به من السلطة في بغداد وكذلك حصة كبيرة من الميزانية الفيدرالية، وإن كانت هذه الحصة موضع خلاف حالياً.
وبموجب عرف سياسي مُتبع في العراق منذ 2006، (يشبه العرف اللبناني)، فإن الأكراد يشغلون منصب رئيس الجمهورية، والسُّنة رئاسة مجلس النواب، والشيعة رئاسة الحكومة، علماً بأن رئاسة البرلمان تعد الأضعف بين الرئاسات الثلاث.
وعلى عكس الأكراد الذين لديهم أحزاب إثنية عرقية، والشيعة الذين لديهم أحزاب طائفية قديمة ومراجع دينية متعددة كان سنة العراق معتمدين على الدولة العراقية ويشكون صلبها، وبالتالي عند احتلال العراق، مع حل حزب البعث، لم يكن هناك زعامة موحدة لهم.
لم يقتصر الأمر على أن السنّة كانوا يفتقرون إلى هيكل قيادي واضح وحسب، بل الأهم من ذلك أنهم كانوا يفتقرون إلى الهوية الطائفية اللازمة للتعبئة السياسية الناجحة في العراق بعد عام 2003. فقد رفضوا دولة المكوّنات الجديدة التي أسسها الاحتلال الأمريكي، ورفض الكثيرون استخدام كلمة "السنّة" أو "المكوّن" علناً، حسب تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.
أما الأكراد والشيعة فلم تكن لديهم مشاكل تُذكر في الإشارة إلى أنفسهم وفق طابع يتمحور حول الطائفة. وفي حين كان بوسعهم استخدام الرموز أو الأساطير الكردية أو الشيعية لتعبئة جماهيرهم، لم تقم الزعامة السنّية بذلك ولا كانت راغبة في اللجوء إلى مثل هذه التكتيكات.
وفي نظام سياسي قائم على الهوية، عنى ذلك تراجع السنّة أمام نظرائهم الذين اكتسبوا شرعيتهم من خلال الطائفية.
في استطلاع رأي أجري في عام 2015، عبّر 13% فقط من السكان العرب السنَّة في العراق عن اعتقادهم بأن الحكومة المركزية في بغداد تسير في الاتجاه الصحيح. بيد أن هذا الرأي غير المفاجئ ليس مجرّد نتيجة للاضطهاد على يد حكومة مركزية يهيمن عليها الشيعة، أو مجرّد نتيجة لفكّ ارتباط السنَّة بالدولة وبالعملية السياسية.
فكلتا العمليتين متقاطعتان وكان لهما تأثيرهما. علاوة على ذلك، فإن غياب المؤسّسات التمثيلية القوية-الأحزاب السياسية أو القيادة المتّسقة-جنباً إلى جنب مع صراع داخلي سنّي، هو الذي خلق أزمة التمثيل في الجماعة السنّية، وبالتالي سهّل بروز داعش حسب تقرير كارنيغي.
الأمريكيون هم السبب
منذ بداية الاحتلال الأمريكي هُمِّش السنة من قبل واشنطن، خاصة أن المقاومة للاحتلال، تركزت في مناطقهم وكانوا شبه مقاطعين في المفاوضات حول وضع دستور البلاد تحت رعاية أمريكا، وحتى من شارك منهم جرى تهميشه من قبل الأمريكيين والسياسيين الشيعة والأكراد.
وبعد بدء تشكيل حكومات عراقية منتخبة، واصلت الأحزاب الشيعية والكردية تهميش العرب السنة، لأنهم مثلوا بالنسبة للأكراد والشيعة الطائفة الحاكمة السابقة التي يجب الثأر منها، كما أن موقع سنة العراق في وسط البلاد، جعلهم على تماس مع الأكراد والشيعة معاً وهما الطائفتان اللتان تقتسمان حكم العراق فعلياً، وتحاولان السيطرة على المناطق المختلطة، التي غالباً ما كانت تجمع بين العرب السنة والشيعة أو العرب السنة والأكراد السنة مثل مدينة كركوك التي يحاول الأكراد ضمها لإقليم كردستان.
في ظل هذه الحقائق الجديدة، كان الأكراد والشيعة سريعين وفعّالين في تعبئة أنفسهم سياسياً: فالأكراد يملكون قومية إثنية تقود حركة انفصالية يطالب بموجبها 95% من القواعد الشعبية بالانفصال عن العراق؛ كما يملك الشيعة مؤسّسة دينية مركزية يحرّكها شعور بالمظلومية أو الاضطهاد ولطالما كانت تنتظر لتقوم بالتعبئة السياسية داخل البلاد.
غير أن الأقلّية العربية السنّية في العراق التي تشكّل نحو 20% من السكان، تحوّلت بين عشية وضحاها من كونها حاكمة إلى كونها محكومة.
ومن حيث القوة العسكرية، غالباً ما يتساءل السنّة لماذا يُسمح للشيعة بأن تكون لهم قوات شبه عسكرية مرخّصة من الدولة، في شكل قوات الحشد الشعبي، ويُسمح للأكراد بأن تكون لهم قوات البشمركة المرخّصة من الدولة، فيما ترفض الحكومة طلبات العشائر السنّية للحصول على التمويل والأسلحة.
وداخلياً، ليس هناك سلطة موحّدة، أو قضية، أو هوّية تقود الحركة السنّية، ما يصعّب على سُنّة العراق الانخراط مع الدولة والتأقلم مع الظروف المتغيّرة.
وغالباً ما يكون مختلف القادة الذين يزعمون النطق باسم السكان العرب السنّة، على خلاف مع بعضهم البعض ومع غيرهم من الفعاليّات الاجتماعية، أي شيوخ العشائر وعلماء الدين ورجال الأعمال. كما أنهم يفتقرون إلى وجود حزب سياسي يُعتدّ به، يستطيع حشد مصالحهم في العملية السياسية.
الصحوات السنية قضت على الإرهاب، ولكن المالكي حاربها
كانت المرحلة الرئيسة للانخراط السني في العملية السياسية والأمنية، ظهرت في دور ما يُسمى أبناء العراق أو الصحوة السنّية التي بدأت من أواخر العام 2007 حتى العام 2010.
خلال مرحلة الصحوة، قاتلت العشائر والمجتمعات المحلية السنّية، بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها، تنظيم القاعدة في العراق، الذي كان قد ملأ فراغ السلطة الناجم عن انحسار الحكومة المركزية خلال الحرب الأهلية. وقد عبّأ شيوخ العشائر وعلماء الدين قواعدهم للتخلّي عن مقاومتهم، والنأي بأنفسهم عن تنظيم القاعدة، والمشاركة مع الحكومة المركزية في العملية السياسية.
واتّسمت تلك الفترة بتحقيق نجاحات عسكرية أدّت إلى تهميش تنظيم القاعدة في العراق، كما حقّقت أيضاً نجاحات في انتخابات مجالس المحافظات في العام 2009 وانتخابات 2010 البرلمانية الوطنية.
ففي العام 2010، فاز ائتلاف "العراقية" المفضّل لدى العرب السنّة (تم حلّه بعد ذلك)، برئاسة العلماني إياد علاوي، بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، حيث حصد 91 مقعداً، وهزم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، الذي حصل على 89 مقعداً. ولأول مرة بعد العام 2003، تم تكليف من اختاره السنّة ليصبح رئيساً للوزراء. كان ذلك مؤشّراً واضحاً على مزايا الانخراط مع الحكومة المركزية، وسابقة تدلّ على أن تحقيق النجاح السياسي ممكن حتى بالنسبة إلى الأقلّيات.
ولكن فك الارتباط بين الصحوات والحكومة المركزية أدى إلى فراغ سياسي وأمني، ما يسهّل ظهور الجماعات السلفية الجهادية، مثل داعش ومختلف تجلّياتها السابقة، على غرار تنظيم القاعدة.
وبلغت ذروة تهميش السنة في عهد رئيس الوزراء الطائفي السابق نوري المالكي، الذي قمع اعتصام للسنة بقسوة وحارب الصحوات السنية، مما أدى إلى غضب سني وفراغ أمني انتهى بسيطرة داعش على مناطقهم بما فيها مدينة الموصل العريقة كبرى المدن ذات الغالبية العربية السنية، ووصل الأمر لتهديد داعش لبغداد نفسها.
وبعد سقوط داعش، ظل السنة مهمَّشين
بعد سقوط الموصل في عام 2014، في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، تبدّل مسار معظم القادة السنّة وسعوا إلى استقلال محلّي أوسع.
وبعد القضاء على داعش، لم يُقنع رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي العديد من سُنّة العراق بأنه يستطيع أن يقدّم شيئاً مختلفاً عن سالفه، نوري المالكي، الذي ساهمت سياساته في إقصاء وتهميش السنّة من الدولة ومن العملية السياسية.
وخاب أمل سُنة العراق في احتكار بعض النُّخب الشيعية السلطة، وفي عدم معاقبة الميليشيات الشيعية ذات الاعتبارات الطائفية، وهي جزء من قوّات الحشد الشعبي الذي تم ضمه للقوات الحكومية.
الاستقطاب الطائفي يتراجع بعد الاحتجاجات، فالكل غاضب من أحزاب إيران
في السنوات الماضية خفت حدة الاستقطاب الطائفي قليلاً مع محاولات إقليم كردستان الاستقلال، والتي رفضها السنة والشيعة معاً، واندلاع الاحتجاجات ضد الأحزاب الشيعية الحاكمة الموالية لإيران، والمتهمة بالفساد وسوء الإدارة والاستقواء بالسلاح عبر ميليشيات الحشد الشعبي التي تشكل جزءاً من القوات الحكومية ولكن غير خاضعة فعلياً لسيطرة الحكومة.
وكان الشبان الشيعة هم القوام الأساسي لهذه الاحتجاجات التي كان مركزها ميدان التحرير ببغداد، ويعتقد أن العرب السنة لم يشاركوا فيها خوفاً من استغلال الأحزاب الموالية لإيران لأي مشاركة سنية لإعادة الاستقطاب الطائفي.
ونتيجة هذه الاحتجاجات عقدت انتخابات برلمانية مبكرة، ولكن هذه الانتخابات شهدت أكبر نسبة مقاطعة منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لم يكن مشهد التنافس في المحافظات ذات الغالبية السنية مختلفاً بشكل كبير عما جرى في المحافظات ذات الغالبية الشيعية، إذ شهدت المدن السنية هي الأخرى عزوفاً كبيراً عن الاشتراك.
المشهد السياسي السني بعد الانتخابات الأخيرة
يبلغ عدد مقاعد المكون السني في البرلمان العراقي نحو 71 مقعداً، من بين 329 مقعداً، أي بنسبة تبلغ 21.2 %، وهي النسبة الأكبر التي تحصل عليها الكتل السنية في الانتخابات العراقية منذ 2003، ولكنها تظل "مخيبة" بالنسبة للسنة كما ينقل موقع "إندنبندت عربية" عن الكاتب والصحافي، محمود النجار، الذي يلفت إلى أن كتلاً شيعية وكردية تمكنت من "تحقيق العديد من المقاعد في المحافظات السنية".
ويجب ملاحظة أن هناك أعداداً كبيرة من السنة الموجودين في مناطق ذات غالبية شيعة مثل بغداد ومحافظة البصرة وبعض المحافظات الجنوبية الأخرى، مما يقلل فرصتهم في إيصال نواب سنة للبرلمان.
وحصل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على أكثر من 14 مقعداً في المحافظات السنية، يليه "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي بثمانية مقاعد، ثم تحالف "الفتح" بمقعدين، و"العقد الوطني" بمقعد واحد، بالإضافة إلى مقاعد الأقليات والمستقلين.
ويرى المتخصص في الشأن الأمني والسياسي، غانم العيفان، أن "المقاعد التي حصدتها القوى السنية في الانتخابات الأخيرة لا تعبر بشكل حقيقي عن إرادة المجتمع السني في البلاد، إذ كانت نسب المقاطعة واسعة وكان للمال السياسي واستغلال السلطة الدور الأكبر في حسم نتائجها".
وبدا مشهد التنافس الانتخابي في المحافظات ذات الغالبية السنية محصوراً بين تحالفي "تقدم" الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، وتحالف "عزم" الذي يرأسه خميس الخنجر، إذ لم تشهد الخريطة السنية أي متغيرات كبيرة في تلك الانتخابات، ويكاد المشهد يخلو من أي قوى جديدة منافسة.
وعلى الرغم من انحسار المنافسة بين هاتين القائمتين فإن التفاوت كان واضحاً، إذ حصد تحالف رئيس البرلمان نحو ثلثي مقاعد المحافظات السنية، أي نحو 40 مقعداً، وحل تحالف "عزم" بقيادة الخنجر في المرتبة الثانية بنحو 17 مقعداً.
ويعزو مراقبون ذلك إلى عوامل عدة من بينها أن منصب رئاسة البرلمان يمثل منصة رئيسة للسيطرة على الأجواء السياسية السنية.
ويقول المراقبون إن السبب في استحواذ هذين التحالفين على أصوات المكون السني يتمثل في اعتبارات عدة أهمها "القدرة المالية، والماكينة الإعلامية والتأييد العشائري لهذين التحالفين".
وتنافست خمس كتل رئيسة في الشارع السني، منها تحالفا "تقدم" و"عزم"، ويُعتقد أن "عدم دخول الكتل الثلاث الأخرى في تحالف واحد لمنافسة الخنجر والحلبوسي أسهم بشكل كبير في تشتيت أصواتها".
لماذا قرر السنة مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس؟
يؤشر احتجاج الأحزاب السنية على جلسة انتخاب الرئيس إلى إمكانية عودة الاستقطاب السني الشيعي الذي خفت قليلاً إثر احتجاجات 2019، رغم أن سبب الخلاف حول الجلسة ليس طائفياً.
فلقد قرر تحالف "السيادة" السُّني في البرلمان العراقي الذي يضم 71 نائباً من أصل 329، الأحد 6 فبراير/شباط 2022، مقاطعة جلسة برلمانية كان مقرراً أن تعقد اليوم الإثنين لانتخاب رئيس الجمهورية، مبرراً قراره بأنه لدعم الجهود الرامية الوصول إلى حلول مشتركة والتوافق مع شركائنا في الأغلبية الوطنية، (في إشارة للتيار الصدري على ما يبدو).
و"السيادة" هو ثاني تحالف سياسي يعلن مقاطعته هذه الجلسة، بعد تحالف "سائرون" الشيعي (73 نائباً)، بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
ويدعم كل من تحالف "السيادة" السني والتيار الصدري الشيعي، تولي هوشيار زيباري (68 عاماً)، مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني لمنصب رئيس العراق.
ولكن في وقت سابق، الأحد، قررت المحكمة الاتحادية، وهي أعلى سلطة قضائية، إيقاف إجراءات ترشيح زيباري مؤقتاً؛ لحين الفصل في دعوى قضائية رفعت ضده، تتهمه بأنه "لا يتمتع بالشروط الدستورية المطلوبة لشغل المنصب، وعلى رأسها النزاهة"، لأن البرلمان سحب الثقة منه عندما كان وزيراً للمالية عام 2016 بسبب اتهامات فساد.
وإجمالاً، تقدم 25 مرشحاً لمنصب رئيس الجمهورية الذي يتم اختياره عن طريق البرلمان، بينهم الرئيس الحالي برهم صالح، مرشح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (17 نائباً)، وهي خطوة مهمة لانتخاب رئيس الحكومة السلطة الأعلى في البلاد.
ومن المرجح ألا يكون بإمكان مجلس النواب عقد الجلسة بسبب عدد النواب الذين أعلنوا مقاطعة التصويت، الأمر الذي يطيل أمد صراع على الرئاسة وتشكيل الحكومة الجديدة يخوضه أساساً التيار الصدري مع التحالف الموالي لإيران.
هل تحاول أحزاب إيران والحشد إعادة الخلاف السني الشيعي للواجهة؟
إضافة للتوتر بسبب الخلاف حول جلسة انتخاب الرئيس، حدث توتر جراء الحشد الشعبي مؤخراً، فلقد دخلت قوات مدججة بالأسلحة من ميليشيا كتائب حزب الله الشيعية إلى محافظة الأنبار السنية غربي البلاد أمس الأحد، في خطوة حذرت صحوة عشائر المحافظة من أنها "تبيت لأمر خفي"، ومؤكدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي تصرف يمس أمنها.
وأكد مصدر في "كتائب حزب الله" المنخرطة ضمن قوات الحشد الشعبي أن قوة من الميليشيات دخلت إلى محافظة الأنبار، وأن الهدف من دخولها يتعلق بإيصال "رسالة سياسية".
من جانبه، قال الجيش العراقي إن رتل الحشد الشعبي المتجه لمحافظة الأنبار غربي البلاد، تحرك وفق أوامر عسكرية للالتحاق بمقارهم قرب الحدود السورية.
وتثير هذه التحركات ذات البعد الطائفي، تساؤلات جدية حول ما إذا كانت الأحزاب الموالية لإيران والحشد الشعبي، يسعيان إلى إعادة الاستقطاب السني الشيعي للواجهة بهدف حصد تحقيق مكاسب سياسية، من خلال تعبئة المشاعر الطائفية للشيعة، بعد أن أظهرت الانتخابات الأخيرة سخط الناخبين الشيعة على هذه الأحزاب التي تراجعت مكانتها لصالح مقتدى الصدر الأكثر استقلالية عن طهران.