دفعت الأزمة الأوكرانية إلى طرح العديد من التساؤلات، إن كانت الجزائر ستلعب دور البديل لغاز روسيا إن تأزم الوضع وقطعت الأخيرة الإمدادات عن القارة الأوروبية، في ظل علاقات جيدة بين البلد العربي وموسكو.
وتتصاعد التوترات في منطقة شمالي البحر الأسود مع زيادة روسيا لأنشطتها العسكرية على الحدود الأوكرانية والدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، التي زادت مؤخراً من شحنات الأسلحة المرسلة لدعم أوكرانيا.
وتستورد أوروبا من روسيا حوالي 40% من الغاز الطبيعي، أي ما يعادل 175 مليار متر مكعب.
فيما تصدِّر روسيا غازها إلى القارة بشكل رئيس عبر خط أنابيب يامال – أوروبا، الذي يمر عبر بيلاروسيا وبولندا، وخطوط أنابيب نورد ستريم (تيار الشمال) الذي يوصل الغاز الروسي إلى منطقة بحر البلطيق عبر أوكرانيا.
ويثير الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا، والعقوبات الأوروبية ضد الغاز الروسي، واحتمال إيقاف روسيا تدفق الغاز إلى أوروبا، مخاوف جديدة حول أمن الطاقة في القارة العجوز، في وقت تشهد فيه المنطقة أزمة حادة في مجال الطاقة.
علاقات متينة بين الجزائر وموسكو
تتميز العلاقات الجزائرية الروسية بكونها متينة منذ استقلال الجزائر عام 1962، في شقيها الدبلوماسي والعسكري.
وتعتبر موسكو أول ممون للجزائر بالأسلحة، وحسب مراقبين فإن مشترياتها بلغت مليارات الدولارات على مدار السنوات الماضية، منها طائرات "سوخوي" و"ميغ" وأخرى لنقل الجند ومروحيات ودبابات إضافة إلى 6 غواصات، وأنظمة دفاع جوية متطورة.
ووقَّعت الجزائر وروسيا في 2001، اتفاقية شراكة استراتيجية للتعاون في العديد من المجالات، على غرار القطاع العسكري والتجاري والطاقة.
كما ترتبط سوناطراك الجزائرية للمحروقات بعلاقات وطيدة مع شركات طاقة روسية على غرار غاز بروم و"لوك أويل" وشركات أخرى.
شرايين غاز من الصحراء الجزائرية إلى أوروبا
ترتبط الجزائر بالقارة الأوروبية عبر ثلاثة أنابيب لنقل الغاز من حقل حاسي الرمل الضخم جنوبي البلاد وأماكن أخرى، أحدها توقف قبل أشهر في حين ما زال أنبوبان قيد الخدمة.
الخط الأول يربط الجزائر بإيطاليا (جزيرة صقلية) مروراً بتونس، وتبلغ طاقته السنوية 30 مليار متر مكعب، وجرى تدشينه عام 1984.
أما الأنبوب الثاني فينطلق من بلدة بني صاف شمال غربي الجزائر، ويصل مدينة ألميريا جنوبي إسبانيا مروراً بالبحر المتوسط، ويعرف بخط "ميدغاز" بطاقة سنوية تقدر بـ8 مليارات متر مكعب، وتجري عمليات توسعة لرفعها إلى 10.6 مليار متر مكعب.
أما الخط الثالث الذي توقف مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فكان يربط الجزائر بإسبانيا مروراً بالمغرب والبحر المتوسط، ويعرف بـ"أنبوب المغرب العربي أوروبا".
وأعلنت الرئاسة الجزائرية في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عدم تجديد عقد هذا الأنبوب، بعد أشهر من قطعها العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، بسبب ما قالت إنها أفعال عدائية من الرباط ضدها.
وتعتبر الجزائر ثاني مورد للغاز إلى إيطاليا بعد روسيا بنسب تصل في بعض السنوات 30%، والأول إلى إسبانيا بحصة من السوق تقارب 50% والبرتغال كذلك، فضلاً عن إمدادات من الغاز المسال إلى فرنسا واليونان وتركيا.
وأنتجت الجزائر نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز السنة الماضية، صدرت منها ما يفوق 45 مليار متر مكعب.
في السياق، يرى رئيس تنفيذي أسبق لشركة سوناطراك الحكومية للمحروقات في حديث لـ"الأناضول" أن الجزائر لا يمكنها تعويض الغاز الروسي لسبب بسيط، وهو فارق الإنتاج بين البلدين.
وأوضح الرئيس التنفيذي الأسبق لسوناطراك الذي فضل عدم ذكر هويته، أن الجزائر تصدر في أحسن الأحوال ما بين 20 إلى 30 مليار متر مكعب إلى إيطاليا، ونحو 12 مليار إلى البرتغال وإسبانيا، وكميات أخرى أقل نحو فرنسا وتركيا واليونان ودول أخرى.
وعلق بالقول: "كميات الغاز التي تصدِّرها الجزائر سنوياً إلى أوروبا تفوق 42 مليار متر مكعب، بينما بإمكان أنبوب روسي واحد أن يضخ هذه الكميات".
لا يكفي لتغطية توقف الإمدادات الروسية
وأضاف: "بكل صراحة وموضوعية، لا يوجد حالياً بلد بإمكانه مواجهة الإنتاج الروسي من الغاز.. هناك محاولات أوروبية لتقليل التبعية للغاز الروسي، من خلال مصادر أخرى على غرار الجزائر وقطر والولايات المتحدة".
من جهته، رد الخبير والمحلل السياسي حسين بوقارة، على سؤال إن كانت الجزائر ستخاطر بعلاقاتها مع روسيا لتعويض أي نقص في إمدادات الغاز لأوروبا، بالتأكيد على أن تعامل بلاده كان دوماً اقتصادياً وبراغماتياً، ولطالما وضعت الحسابات السياسية جانباً.
وأوضح حسين بوقارة الذي شغل سابقاً أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، في حديث لـ"الأناضول" أن الجزائر لا يمكنها تعويض الغاز الروسي من منطلق أن الإنتاج لا يكفي لتغطية الإمدادات الروسية.
واعتبر أن الأنابيب الروسية التي تزود أوروبا بالغاز، تتمتع بطاقة نقل أكبر من الحقول الروسية التي لها إنتاج كبير مقارنة بما تنتجه الجزائر.
واستبعد المحلل حسين بوقارة وصول الأزمة بين الغرب وروسيا حد المواجهة العسكرية، وبذلك استحالة قطع الإمدادات الروسية عن أوروبا، بالنظر لكون أوروبا تدرك التبعات الوخيمة لمواجهة مسلحة مع موسكو على العالم ككل.
من أين يمكن أن تأتي إمدادات الغاز الطارئة إلى أوروبا إذ قطعت روسيا صادراتها عنها؟
يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، إن ليبيا قد تكون أيضاً قادرةً على المساعدة في ضوء إنتاجها القوي من الغاز وقربها من أوروبا. لكن من المرجَّح أن يتركَّز الحديث على قطر، أحد أكبر مُنتِجي الغاز في العالم وثاني أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي المُسال بعد أستراليا. تُعَدُّ قطر حليفاً غربياً قوياً في الشرق الأوسط، وقد زوَّدَت المملكة المتحدة ودولاً أوروبية أخرى بالغاز الطبيعي المُسال لسنوات.
ويمكن للولايات المتحدة نفسها أن تلعب دوراً مباشراً في تعزيز إمدادات الغاز في أوروبا أيضاً. غادرت شحناتٌ قياسية من الغاز الطبيعي المُسال الولايات المتحدة مُتَّجِهةً إلى الموانئ الأوروبية خلال الشهر الماضي، ولدى الولايات المتحدة حافزٌ قويٌّ طويل الأجل لتشجيع أوروبا على التخلِّي عن اعتمادها على روسيا- ومشروع خط أنابيب نورد ستريم 2- لصالح احتياطيات الغاز الصخري الخاصة بها.
2- ما كمية الغاز في حالات الطوارئ التي تحتاجها أوروبا؟
ترسل روسيا ما يقدَّر بنحو 230 مليون متر مكعب من الغاز إلى أوروبا كلَّ يوم، يسافر حوالي ثُلُثها غرباً عبر أوكرانيا. لكن خبراء السوق منقسمون حول ما إذا كان من المرجَّح أن تعطِّل روسيا جميع صادرات الغاز إلى أوروبا، أو تلك التي تعتمد فقط على أنابيب الغاز الأوكرانية. ويشكِّك آخرون فيما إذا كان الكرملين سيشدِّد الخناق على الإطلاق على صنابير الغاز الروسية.
3- هل يوجد غاز احتياطي كافٍ لسدِّ الفجوة؟
وفقاً للمُحلِّل شي نان من شركة Rystad Energy لأبحاث الطاقة، فإن أزمة إمدادات الغاز العالمية التي ظهرت مع بدء الاقتصادات في الانتعاش في أعقاب ركود كوفيد-19 تعني أن هناك القليل فقط من الغاز الطبيعي.
4- كيف يمكن أن تصل إمدادات الغاز الطارئ إلى أوروبا؟
تتم إمدادات الغاز في العالم عبر طريقتين:
الأولى: خطوط الأنابيب، كما هو الحال مع تغذية روسيا دول الاتحاد الأوروبي عبر خطي نورد ستريم.
وتعتبر خطوط الأنابيب من أهم الطرق لنقل الغاز والبترول من أماكن الإنتاج إلى محطات التكرير وأيضاً لمحطات المعالجة وذلك لعدة أسباب، على رأسها أنها تعد الأكثر أمناً وأقل في التكلفة، كما أنه يصعب سرقتها، حيث تكون تلك الأنابيب مجهزة بالصمامات، والمضخات، وأجهزة التحكم.
الثانية: الغاز الطبيعي المسال (LNG)، وهو الذي يتم نقله بواسطة ناقلات متخصصة ثم يُعاد تحويلها إلى غاز في محطات متخصصة.
والغاز المسال هو غاز طبيعي تم تحويله من حالته الغازية- التي يوجد عليها في الطبيعة- إلى الحالة السائلة، عن طريق تبريده إلى 162 درجة مئوية تحت الصفر. ويكون على شكل سائل عديم اللون والرائحة، ولهذا تضاف إليه كميات من مركب كيميائي (يشبه الكبريت في رائحته) قبل الشروع في توزيعه، من أجل إعطائه رائحة مميزة كعنصر أمان يسمح بالتعرف على وجوده في الهواء إذا وقع أي تسرب.