كانت الإمارات بمثابة واحة للاستقرار والثراء والتجارة في منطقة مشهورة بالاضطرابات، وكانت أبوظبي تشارك في المعارك والصراعات دون أن تنتقل آثارها لأراضيها، ولكن هذه الأيام ولت وانتقل التوتر إلى قلب الإمارات، وأصبحت البلاد محاصرة من ثلاث جهات من قبل طهران وحلفائها الامر الذي يشكل ضغطاً على دفاعاتها الجوية.
منذ بداية يناير/كانون الثاني، شنَّ الحوثيون المدعومون من إيران عدة هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على الإمارات، وأطلقت القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة الظفرة الجوية في أبوظبي مرتين صواريخ باتريوت من منظوماتها الدفاعية للمساعدة في اعتراض تلك الهجمات.
كان إطلاق القوات الأمريكية لصواريخ باتريوت في هاتين المرتين هو الواقعة الأولى التي تطلق فيها الولايات المتحدة صواريخ باتريوت في قتال على مدى 20 عاماً، وبالتحديد منذ عام 2003، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
الركن الآمن في الشرق الأوسط يتعرض للخطر
لطالما كانت الإمارات منذ تأسيسها في عام 1971 ركناً آمناً في الشرق الأوسط، فخلال حرب الثمانينيات بين إيران والعراق، كان "ميناء جبل علي" الضخم في الإمارات هو الموقع الذي أُصلحت فيه السفن التي تضررت فيما يُسمى بحرب الناقلات. وفي حرب الخليج الثانية عام 1991، كانت الإمارات ملاذاً للكويتيين الفارين، وتولَّدت عن تلك الحرب العلاقات العسكرية الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة اليوم.
شهدت الحروب التي أعقبت ذلك في أفغانستان والعراق استحواذاً من دبي على أموال المهاجرين الأثرياء وعائلاتهم، ومع ذلك فقد بدت الإمارات دائماً معزولة خارج الحدود عن حروب جيرانها. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو السياسة الخارجية المعتدلة لمؤسِّسيها، على رأسهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة الراحل، والسبب البارز الآخر هو أهميتها الاقتصادية.
لكن في ظل حكم الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للبلاد منذ عام 2014، اتَّبعت الإمارات نهجاً أشد إظهاراً للقوة، وتجلى ذلك بوضوح في اليمن، حيث انضمت إلى تحالف تقوده السعودية في عام 2015 لدعم حكومة المنفى اليمنية ضد الحوثيين.
في عام 2019، أعلنت الإمارات عن انسحاب معظم قواتها البرية من الصراع في اليمن مع التراجع في وتيرة الحرب والانتقادات الدولية واسعة النطاق التي واجهها التحالف السعودي الإماراتي بسبب ضرباته الجوية وضحاياها من اليمنيين.
نشرة أخبار الصواريخ من دبي
الآن، باتت تقارير الصباح المفعمة عادةً بالتفاؤل وأخبار الطقس على إذاعة دبي الحوارية المملوكة للدولة تتخللها نشرات الأخبار الواردة عن آخر الهجمات. وتتداول القطاعات التجارية رسائل تحث الجمهور على عدم ترويج "الشائعات"، في نوعٍ من التذكير الجديد بمدى السيطرة التي تفرضها هذه الدولة السلطوية على مواطنيها، فهي لا تحظر أي معارضة لها أو نيلاً بالكلام منها فحسب، بل وتجرِّم مشاركة أي مقاطع فيديو تُظهر هجوماً أو اعتراضاً صاروخياً في أراضيها.
حثَّت وزارة الخارجية الأمريكية رعاياها على "إعادة النظر في السفر إلى الإمارات بسبب مخاطر الهجمات الصاروخية أو الطائرات المسيرة"، كما حذرت وزارة الخارجية البريطانية بشدة يوم الأربعاء 2 فبراير/شباط من "احتمال وقوع هجمات أخرى". وفي غضون ذلك، قال السفير الفرنسي كزافييه شاتيل إن فرنسا سترسل طائرات مقاتلة من طراز رافال تتمركز في الإمارات للاضطلاع بـ"مهمات المراقبة والرصد والاعتراض إذا لزم الأمر".
هل تستطيع دفاعات الإمارات القوية حماية سمائها؟
استثمرت الإمارات بكثافة في منظوماتها الدفاعية، إذ تمتلك مزيجاً فتاكاً من منظومات الدفاع الجوي المتوسطة إلى عالية الارتفاع؛ حيث تُشغِّل صواريخ الدفاع الجوي باتريوت MIM-104 Patriot PAC-3 طويلة المدى أمريكية الصنع، ومنظومة الدفاع الجوي في المناطق عالية الارتفاع "THAAD" (ثاد) المضادة للصواريخ الباليستية، فضلاً عن منظومات Pantsir-S1 متوسطة المدى روسية الصنع.
وقال الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي، إن الإمارات استخدمت منظومة ثاد الدفاعية في اعتراض الهجمات، وهي المرة الأولى التي تطلق فيها هذه المنظومة صواريخها في غمار معركة قتالية. ثم أعلنت الولايات المتحدة يوم الخميس 3 فبراير/شباط عن بيع قطع غيار لأنظمة الدفاع الصاروخية "هوك"، و"باتريوت"، و"ثاد" إلى الإمارات، بقيمة 65 مليون دولار.
ونظام ثاد الذي يعد درة تاج الصناعات الدفاعية الأمريكية مخصص حصرياً لإسقاط الصواريخ الباليستية وليس صواريخ كروز أو الطائرات المسيرة أو الطائرات النفاثة، وهذا قد يفسر عدم إسقاطه للطائرات المسيرة وصواريخ كروز التي أودت بحياة ثلاثة عمال أجانب في الهجمة الأولى التي وقعت في 17 يناير/كانون الثاني.
ونظاما باتريوت وثاد لهما أدوار تكميلية، حيث تم تصميم الأول لإسقاط الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى في مرحلتها النهائية على ارتفاعات منخفضة، بينما تم تحسين نظام ثاد لإسقاط الصواريخ متوسطة المدى والصواريخ فوق المتوسطة من حيث المدى في نهاية مسارها الأوسط ومراحل الرحلة النهائية، على ارتفاعات أعلى مما تستطيع صواريخ باتريوت الوصول إليه.
وقد ظهرت عيوب باتريوت الواضحة أمام الطائرات المسيرة الخاصة بإيران والحوثيين وحماس والتي تتهرب من الرادارات، كما حدث مع إسرائيل، والسعودية وأخيراً الإمارات، ومع أنه اكتسب شهرته الأساسية من تصديه لهجمات صواريخ سكود العراقية في عام 1991، فإن أداءه لم يكن مثالياً.
وبصفة عامة فإن الطائرات المسيرة وصواريخ كروز أصعب في التعقب والإسقاط من الصواريخ الباليستية.
والسبب أن الطائرات المسيرة مصنوعة غالباً من مواد غير معدنية تكون مركبة عادة ويصعب رصدها بالرادارات، كما أن محركاتها كثيراً ما تكون كهربائية، وبالتالي فإن بصمتها الحرارية ضئيلة، والبصمة الحرارية إحدى وسائل رصد الأهداف الجوية.
أما صواريخ كروز فهي لا تطير في مسار بيضاوي باليستي يمكن التنبؤ به كالصواريخ الباليستية، كما أن مسارها يكون قريباً من سطح الأرض، مما يصعب رصدها.
ووقعت الإمارات وكوريا الجنوبية صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار مؤخراً، تتضمن شراء أبوظبي لصواريخ كورية دفاعية من طراز تشونغونغ 2 أرض-جو متوسطة المدى، وهي صواريخ تقوم على تكنولوجيا نظامي إس 350 وإس 400 الروسيين الشهيرين.
أبوظبي مهددة بصواريخ إيران وحلفائها من كل اتجاه
ورغم أن صواريخ باتريوت التي يمكن رؤيتها في ضواحي دبي لطالما كانت موجهة لسنوات شمالاً نحو إيران، التي يعتبرها محمد بن زايد أكبر تهديد لبلاده، فإن هجمات الحوثيين جاءت من الجنوب الغربي.
ولكن الخطر لم يعد يقتصر على اليمن، ففي يوم الأربعاء 2 فبراير/شباط، أقر الجيش الإماراتي باعتراض طائرات مسيرة زُعم أن ميليشيا عراقية غير معروفة أطلقتها بعد أن شنَّت في وقت سابق هجوماً استهدف قصراً حكومياً في السعودية.
كلُّ ذلك يؤدي إلى توسيع المنطقة التي تحتاج إلى الحماية بالدفاعات الجوية في الإمارات، وهو ما يضع عبئاً إضافياً على منظومات الدفاع الجوي ويزيد من مخاطر الاختراق التي تنطوي عليها الهجمات المعقَّدة (التي تشمل هجوماً مشتركاً للطائرات المسيرة والصواريخ من جهات متعددة، على سبيل المثال).
والواقع أن الحوثيين وصفوا بالفعل قاعدة الظفرة الجوية، التي تتمركز فيها القوات الأمريكية، بأنها هدف مشروع.
وسبق أن نُفذت هجمات يعتقد أن إيران تقف وراءها على أهداف بحرية إماراتية، ففي مايو/أيار 2019، تعرضت أربع سفن تجارية "لعمليات تخريبية" في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات قرب إمارة الفجيرة، وهي واحد من أكبر مراكز تزويد السفن بالوقود في العالم، وتطل على مضيق هرمز.
كما أن الهجوم على منشأة آرامكو السعودية الذي نفذ في سبتمبر/أيلول 2019، والذي لا يعرف يقيناً هل جاء من إيران أم العراق، قد يتكرر ضد الإمارات.
الحوثيون يحاول استغلال أكبر نقاط ضعف الإمارات.. النجاح
إذا تحولت الهجمات الحوثية لعمل عسكري دائم ومتواصل مثلما يحدث مع السعودية، فإنه هذا من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً على الاقتصاد الإماراتي.
فبينما يعتمد الاقتصاد السعودي على النفط بشكل أساسي فإن اقتصاد الإمارات يعتمد بشكل كبير على السياحة والخدمات المالية.
ومع تكرار الحوثيين لهجماتهم، فإن السيناريو الذي يخشاه المحللون الاقتصاديون يقترب.
فقد يؤدي توالي الهجمات إلى تقويض سُمعة الإمارات العربية المتحدة كمركز تجاري آمن في وسط منطقة مضطربة، ويؤدي إلى تفاقم خسائر الإمارات من هجمات الحوثيين.
ويعتقد أن هدف الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين من هذا الهجوم هو استغلال أكبر نقاط ضعف الإمارات، فرغم أنها تمتلك واحداً من أكفأ جيوش منطقة الخليج، وتواصل مراكمة السلاح مثلما بدا من صفقتها لشراء طائرات رافال الفرنسية وقبلها مساعيها لشراء إف 35 الأمريكية، وأخيراً شراء صواريخ مضادة للطائرات والصواريخ من كوريا الجنوبية، فإن نقطة ضعف الإمارات هي أنها أكثر بلدان المنطقة انفتاحاً خاصة في مجالات السياحة والعقارات والتجارة والصناعة ذات البعد الدولي.