إمدادات قمح أوكرانيا مهدَّدة بالخطر.. أزمة خبز ستطال العديد من المناطق و4 دول عربية على رأس القائمة!

تم النشر: 2022/02/05 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/07 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش
حصاد القمح في شمال كييف، عاصمة أوكرانيا، أرشيفية/ رويترز

عُرفت أوكرانيا كسلة خبز أوروبا لعدة قرون، إذ تعتبر صادراتها الزراعية سريعة النمو كالقمح والحبوب الأخرى والزيوت النباتية وغيرها، ضرورية لإطعام العديد من الدول من إفريقيا إلى آسيا. حيث يتركز جزء كبير من الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجية في أوكرانيا بمناطقها الشرقية، وهي بالضبط تلك الأجزاء الأكثر عرضة لهجوم روسي محتمل، كما يقول تقرير لمجلة foreign policy الأمريكية.

وبينما تتجمع غيوم الحرب على طول حدود أوكرانيا، فإن أحد المخاوف التي لم يلاحظها أحد نسبياً، هو السؤال عما سيحدث لهذه المناطق، وكيف سينعكس ذلك على العديد من البلدان التي تعتمد على أوكرانيا للحصول على غذائها في ظل حالة من التضخم العالمي وارتفاع الأسعار.

قمح أوكرانيا.. أزمة خبز خطيرة قد تقع في لبنان واليمن وليبيا ومصر ودول أخرى

تعد أوكرانيا أكبر مصدر للذرة والشعير والجاودار، لكن قمح البلد هو الذي له التأثير الأكبر على الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم. في عام 2020، صدّرت أوكرانيا ما يقرب من 18 مليون طن من القمح من إجمالي محصول يبلغ 24 مليون طن، مما يجعلها خامس أكبر مصدر في العالم. 

ومن أبرز العملاء الصين والاتحاد الأوروبي، ولكن العالم النامي هو المكان الذي أصبح فيه القمح الأوكراني من أهم الواردات. على سبيل المثال، جاء حوالي نصف القمح المستهلك في لبنان في عام 2020 من أوكرانيا، وفقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، حيث يعتمد لبنان على الخبز ومنتجات الحبوب الأخرى في 35% من إجمالي غذائه.

ومن بين 14 دولة تعتمد على الواردات الأوكرانية لأكثر من 10% من استهلاكها من القمح، يواجه عدد كبير بالفعل منها انعدام الأمن الغذائي بسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر أو العنف المباشر. على سبيل المثال، يستورد اليمن وليبيا 22% و43% على التوالي من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا. 

بالنسبة لمصر، فهي أكبر مستهلك للقمح الأوكراني، إذ استوردت أكثر من 3 ملايين طن في عام 2020 – حوالي 14% من إجمالي قمحها- وفقاً لبيانات الفاو.

وفي آسيا، تعتمد ماليزيا في استهلاكها للقمح على 28% من أوكرانيا، أما إندونيسيا فتعتمد على القمح الأوكراني بنسبة 28%، فيما تصل حصة القمح الأوكراني في بنغلادش إلى نسبة 21% في عام 2020.

اشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد يؤدي لأزمة غذاء من إفريقيا حتى آسيا/ رويترز

المناطق الشرقية في أوكرانيا الأكثر إنتاجاً للقمح

لسوء الحظ، يأتي جزء كبير من إنتاج القمح في أوكرانيا من سلة خبزها التاريخية شرق البلاد، وهي مقاطعات خاركيف ودنيبروبتروفسك وزابوريزهيا وخيرسون، الواقعة إلى الغرب من دونيتسك ولوهانسك، والتي تسيطر عليها بالفعل القوات المدعومة من روسيا.

وإذا تحول هجوم محتمل على أوكرانيا إلى استيلاء روسي على الأراضي من حيث أسس الانفصاليين المدعومين من روسيا بالفعل ما يسمى بجمهورياتهم، فقد يعني ذلك انخفاضات حادة في إنتاج القمح وهبوطاً حاداً في صادراته، حيث يفر المزارعون من القتال والبنية التحتية المدمرة، واقتصاد المنطقة مشلول. 

تقول مجلة "فورين بوليسي" إن كل من يسيطر على الأرض سوف يستخرج ثرواتها في نهاية المطاف، ولكن إذا كانت الظروف في الأجزاء الشرقية التي تسيطر عليها روسيا من أوكرانيا بمثابة دليل، فقد يكمن عدم الاستقرار والشلل في المنطقة ويؤثر بشكل خطير على الإنتاج بعد الغزو الأولي.

أزمة غذاء من إفريقيا حتى آسيا وتبعات أخرى

وتعد أسعار الغذاء العالمية آخذة في الارتفاع بالفعل إلى جانب أسعار السلع الأساسية الأخرى، وأي اضطراب يهدد بمزيد من الصدمات في الأسعار مع تدافع البلدان المستوردة للحصول على الإمدادات في ظل تشديد السوق. وسوف يتفاقم انعدام الأمن الغذائي في العديد من البلدان النامية التي تعتمد على أوكرانيا في قوتها. 

في البلدان النامية مثل مصر وليبيا واليمن ولبنان، يمكن أن تؤدي صدمات أسعار الغذاء الإضافية والجوع بسهولة إلى تدهور الوضع السيئ بالفعل. في العديد من البلدان الأخرى أيضاً، يمكن أن يؤدي ارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي إلى اشتعال الصراع، وزيادة التوترات العرقية، وزعزعة استقرار الحكومات، وامتداد العنف عبر الحدود.

وتقول فورين بوليسي إنه لا ينبغي الاستخفاف بهذه السيناريوهات. لم يمض سوى عقد من الزمان على انتفاضات الربيع العربي، حيث كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الثورة في تونس ومصر. في الآونة الأخيرة، يحتاج المرء فقط إلى النظر إلى كازاخستان ليرى مدى السرعة التي يمكن أن يؤدي بها ارتفاع سعر سلعة أساسية إلى الاحتجاجات والعنف. 

قد تكون شكاوى السكان أوسع بكثير وتراكمت على مدى سنوات عديدة، لكنها غالباً ما تكون صدمة الأسعار هي التي تؤدي إلى نشوب الصراع. يمكن أن يزيد الجوع من عدم المساواة الذي ينتج عنه التوترات ويؤدي في نفس الوقت إلى تطرف الحركات الجماهيرية.

تعتمد العديد من الدول النامية على القمح الأوكراني، تعبيرية/ رويترز

"أكبر مشتر للقمح في العالم".. أزمة أوكرانيا تثير قلقاً كبيراً في مصر

وتُعَدُّ مصر أكبر مشترٍ للقمح في العالم، حيث تنوي استيراد أكثر من 13 مليون طن من الحبوب خلال العام الجاري، حيث تعتمد الدولة على مناقصات شراء قمح ضخمة، لدرجة أنها تؤثر على حركة أسعار القمح العالمية، كما يقول تقرير لمجلة The Economist البريطانية.

ويعتمد استقرار مصر على هذه الواردات، حيث تستخدم الحكومة القمح لإنتاج الخبز المدعم، الذي تعتمد عليه الكثير من العائلات بدورها. ويُذكر أنه حين رفع الرئيس الأسبق أنور السادات هذا الدعم في عام 1977؛ اندلعت أحداث الشغب في البلاد قبل أن يتراجع عن قراره سريعاً. بينما كانت مطالب المصريين الثلاثة الرئيسية حين ثاروا عام 2011 هي: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". وربما تبيّن لاحقاً مدى صعوبة تحقيق المطلبين الأخيرين، لكن توفير أرغفة الخبز الرخيصة ما يزال مستمراً. إذ يُباع الرغيف الصغير مقابل خمسة قروش (ثُلث بنس أمريكي)، وهو سعرٌ أقل بكثير من تكلفة إنتاجه.

بينما يُمثّل اضطرابٌ محتمل في أسواق هذه السلعة الآن تهديداً لهذه السلعة الأساسية المصرية، وسبب الاضطراب هو أنّ غالبية واردات القمح المصرية تأتي من روسيا وأوكرانيا الزاحفتين نحو الحرب.

وخلال العام الماضي، بلغت أسعار القمح أعلى مستوياتها منذ نحو عقد. ويرجع ذلك لعددٍ من العوامل التي تتضمن ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة، وسوء الطقس، وتراكم الشحنات في الموانئ بسبب الجائحة. كما جاءت الضريبة التي فرضتها روسيا على الصادرات، بغرض إبقاء الفائض في البلاد، لتزيد الطين بلة. حيث دفعت مصر 350 دولاراً للطن في آخر مناقصةٍ أجرتها بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني، وهذا أكثر من المبلغ المخصص في الميزانية بـ100 دولار. وبهذا ستدفع مصر 1.5 مليار دولار إضافية للقمح في العام الجاري (0.4% من الناتج المحلي الإجمالي).

الخبز المدعوم في مصر، جيتي

وستزداد الأمور سوءاً على الأرجح بحسب الإيكونومست، إذ ارتفعت أسعار القمح بشدة حين استولت روسيا على شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014. وقد تحولت أوكرانيا إلى قوةٍ مؤثرة في مجال الحبوب منذ ذلك الحين. حيث نمت مبيعات القمح الأوكراني العام الماضي بنسبة 28%، مما جعلها رابع أكبر دولة مصدرة للقمح في العالم، بينما تحل روسيا في المركز الأول. 

وتشكل أوكرانيا مع روسيا 30% من إجمالي صادرات القمح العالمية، أي ضعف حصتهما المشتركة في عام 2014. في حين قال أحد التجار المصريين: "التوترات في أوكرانيا ستقفز بأسعار القمح أكثر، إذ سيتجاوز سعر الطن الـ400 دولار بسهولة".

ووافقت الحكومة المصرية على رفع الدعم عن البنزين، والكهرباء، والزيوت النباتية بموجب الاتفاق الذي وقعته مع صندوق النقد الدولي عام 2016. لكنها لم تأتِ على ذكر الخبز. ومع ذلك بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي يُعيد النظر في الموضوع العام الماضي، مع ارتفاع أسعار السلعة. حيث حذر من أن التموين سيصبح مقصوراً على فردين فقط في العائلة قريباً، كما لن يحصل المتزوجون حديثاً على أي حصةٍ تموينية. بينما تدرس الحكومة إلغاء نظام التموين واستبداله بنظام مدفوعات نقدية. ولا تزال الخطط ضبابية، لكن الأمر الواضح هو أن مصر لا يمكنها دفع هذا السعر المرتفع للقمح مع الاستمرار في توفير أرغفة الخبز الرخيصة للجموع.

لروسيا حكاية قديمة مع الزراعة الأوكرانية 

أخيراً، يعد التدخل الروسي وتهديده للزراعة الأوكرانية ليس بالأمر الجديد، إذ أدت المجاعة المروعة التي ارتكبتها السياسات السوفييتية في أوكرانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، المعروفة باسم هولودومور، والتي اعتبرها العديد من المؤرخين إبادة جماعية، إلى مقتل ما بين 4 ملايين و7 ملايين أوكراني. 

في حين لعبت أسباب مختلفة دوراً في المجاعة، فإن الروابط بين حصص تسليم الحبوب القاسية التي فرضتها موسكو على المزارعين الأوكرانيين، والتجمع القسري، وترحيل وقتل المزارعين، والمجاعة العرقية الأوكرانية يصعب استبعادها.

هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى وقف الغزو الروسي لأوكرانيا قبل حدوثه، إذ يجب أن يكون تعطيل إمدادات القمح والغذاء لواحدة من أهم سلال الخبز في العالم على رأس تلك القائمة. وإذا كان الغزو أمراً لا مفر منه، فيجب على الحكومات في جميع أنحاء العالم أن تكون مستعدة للرد بسرعة لتجنب انعدام الأمن الغذائي والمجاعة المحتملة، بما في ذلك عن طريق إرسال المساعدات الغذائية إلى البلدان المحتاجة وتسريع تحولات سلسلة التوريد لإعادة توجيه الصادرات إلى عملاء أوكرانيا الحاليين، كما تقول المجلة الأمريكية.

تحميل المزيد