قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، هددت الحكومات الغربية روسيا مراراً بحزمةٍ من العقوبات غير المسبوقة التي تستهدف ردع الرئيس فلاديمير بوتين عن غزو أوكرانيا، وكان هناك إجراءٌ بعينه "يُثير الذعر" في الكرملين على ما يبدو، وهو فصل البلاد عن النظام المصرفي العالمي "سويفت"، حيث يصف البعض هذا الإجراء بـ"الخيار النووي". فما هو نظام سويفت؟ وماذا يعني فصل روسيا عنه؟
ما هو نظام سويفت الذي تهدِّد أمريكا روسيا به؟
اتخذت الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا وكندا بالفعل خطوات يوم الأحد 27 فبراير/شباط لاستبعاد روسيا من نظام سويفت للمدفوعات العالمية بين البنوك، في إطار جولة جديدة من العقوبات ضد موسكو التي تواصل هجومها على أوكرانيا. وقالت الدول في بيان مشترك إن الإجراءات التي ستشمل أيضاً قيوداً على الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي الروسي ستنفذ خلال أيام قليلة.
وخلال الشهر الماضي يناير/كانون الثاني، اقترح مشرعون أمريكيون فكرة فصل روسيا عن نظام سويفت، وهو عبارة عن شبكةٍ عالية الأمان تربط بين آلاف المؤسسات المالية حول العالم. بينما رد مشرعون بارزون من روسيا بالقول إنّ شحنات النفط، والغاز، والمعادن إلى أوروبا ستتوقف تماماً في حال اتخاذ هذا الإجراء.
تأسست جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) في عام 1973 لتحل محل نظام التلكس. وهناك أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية تعتمد على نظام سويفت الآن لتبعث رسائل وطلبات الدفع بأمان. وقد أصبح النظام بمثابة جزءٍ أساسي من التمويل العالمي.
وفصل روسيا عن نظام سويفت سيجعل عملية إرسال واستقبال الأموال في البلاد شبه مستحيلة، مما سيصيب الشركات الروسية وعملاءها الأجانب بصدمةٍ مفاجئة- وخاصة مشتري صادرات النفط والغاز التي يهيمن عليها الدولار الأمريكي.
وكتبت ماريا شاغينا، الباحثة في مؤسسة Finnish Institute of International Affairs، في ورقةٍ بحثية لمؤسسة Carnegie Moscow Center العام الماضي قائلة إن "فصل روسيا عن النظام سيقطع كافة المعاملات الدولية، ويُحدث تقلباً في سعر العملة، ويتسبب في تدفقٍ هائل لرؤوس الأموال إلى خارج البلاد". كما سيؤدي فصل روسيا كذلك إلى انكماش اقتصادها بنسبة 5%، وفقاً لتقديرات وزير المالية السابق أليكسي كودرين عام 2014.
ويقع مقر سويفت في بلجيكا، حيث يدير الجمعية مجلس إدارة يتألف من 25 شخصاً برئاسة إيدي أستانين، الذي يشغل كذلك منصب رئيس مستودع التسوية الوطنية في روسيا. وسويفت هي جمعيةٌ، تصف نفسها بـ"الأداة المحايدة"، تأسست بموجب القانون البلجيكي وعليها الامتثال للوائح الاتحاد الأوروبي.
ما الذي سيحدث بعد فصل روسيا عن نظام سويفت؟
هناك سابقةٌ لفصل إحدى الدول عن نظام سويفت. إذ تم فصل البنوك الإيرانية عن نظام سويفت في عام 2012، بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوباته على البلاد بسبب برنامجها النووي. وقد خسرت إيران نحو نصف عائدات الصادرات النفطية و30% من تجارتها الأجنبية عقب فصلها عن النظام، بحسب ماريا.
بينما قالت الجمعية في بيانٍ لها يوم 2 فبراير/شباط 2022: "نظام سويفت هو عبارة عن جمعية تعاونية عالمية محايدة، تأسست ويجري تشغيلها من أجل تحقيق المنفعة الجماعية لمجتمعها. وأي قرار بفرض عقوبات على الدول أو الكيانات الفردية يقع بالكامل على عاتق الهيئات الحكومية المختصة والجهات التشريعية المعنية".
كيف سينعكس فصل روسيا عن نظام سويفت على أمريكا وأوروبا؟
تقول شبكة CNN الأمريكية إن حلفاء الولايات المتحدة كانوا مترددين كثيراً في اتخاذ إجراءٍ مماثل ضد روسيا. حيث ستتكبد الولايات المتحدة وألمانيا أكبر الخسائر، لأن بنوكها هي أكثر البنوك التي تتواصل مع البنوك الروسية بين مستخدمي سويفت وفقاً لماريا.
وقد حذر البنك المركزي الأوروبي المقرضين أصحاب التعاملات الكبيرة مع روسيا، حتى يستعدوا للعقوبات التي ستفرض على موسكو بحسب صحيفة Financial Times البريطانية. كما طلب البنك المركزي الأوروبي من البنوك توضيح الكيفية التي سيتعاملون بها مع مختلف السيناريوهات، ومنها منع وصول البنوك الروسية إلى نظام سويفت.
بينما قال وزير الخارجية الدنماركي يبي كوفود في 31 يناير/كانون الثاني، إنّ الاتحاد الأوروبي جاهزٌ للرد على الغزو الروسي لأوكرانيا بـ"عقوبات شاملة لم يسبق لها مثيل". في حين قال كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يوم الثلاثاء، 1 من فبراير/شباط، إنّ العقوبات ستكون "وسيلة الضغط الأكثر تأثيراً من بين الوسائل المتاحة للغرب، أو الاتحاد الأوروبي على الأقل".
كما قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للمشرعين حينها إنّ حكومته تناقش بالفعل مع الولايات المتحدة احتمالية حظر روسيا من نظام سويفت.
ما التدابير الروسية المضادة بعد فرض هذه العقوبات؟
اتخذت روسيا بعض الخطوات في السنوات الأخيرة لتخفيف الصدمة في حال فصلها عن نظام سويفت. إذ أنشأت روسيا نظام المدفوعات الخاص بها المعروف باسم نظام SPFS، أو نظام تحويل الرسائل المالية، في عام 2014. حيث اتخذت تلك الخطوة بعد العقوبات الغربية التي فُرِضَت عليها بسبب ضم شبه جزيرة القرم مطلع ذلك العام.
ويمتلك نظام SPFS حالياً نحو 400 عميل بحسب البنك المركزي الروسي. وتقول تقارير إنّ 20% من التحويلات المالية المحلية تجري عبر النظام المحلي، لكن حجم الرسائل محدود، كما أنّ عمليات النظام مقصورةٌ على أيام العمل الأسبوعية.
بينما يمكن أن يمثل نظام المدفوعات البنكية العابر للحدود (نظام CIPS) الصيني بديلاً آخر لنظام سويفت. فضلاً عن احتمالية أن تضطر موسكو للجوء إلى استخدام العملات المشفرة.
لكن هذه البدائل ليست محبذة. إذ قال نيكولاي زورافليف، نائب رئيس مجلس الشيوخ الروسي لـCNN، إن "سويفت هي بمثابة شركة أوروبية، أو جمعية بين عددٍ من الدول المشاركة. واتخاذ قرارٍ بفصل دولةٍ ما يتطلب قراراً موحداً من جميع الدول المشاركة. ولهذا فإنّ قرارات الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى لن تكون كافيةً بالتأكيد. ولا أظن أن الدول الأخرى ستدعم القرار، خاصةً تلك التي تتمتع بحصةٍ تجارية كبيرة مع روسيا".
لكن هذا الأمر يحدث بالفعل الآن، فما الذي ستفعله روسيا؟ وماذا ينتظر اقتصادها خلال الأيام والأسابيع المقبلة؟