رغم قوة علاقتها مع كييف.. لماذا تحاول إسرائيل عدم استعداء روسيا في الأزمة الأوكرانية؟

تم النشر: 2022/02/02 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/02 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ خلال استقباله رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي في تل أبيب، أرشيفية/ (الرئيس الأوكراني، تويتر)

على مدار الأشهر والأسابيع الماضية التي ضج العالم خلالها بـ الأزمة الأوكرانية بعد حشد روسيا عشرات الآلاف من قواتها على الحدود مع جارتها الغربية، أبدى العديد من الدول وخصيصاً تلك الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية موقفها من الأزمة واحتمالات الغزو الروسي لكييف. لكن بالنسبة لـ إسرائيل، أهم وأبرز الحلفاء لواشنطن في المنطقة، فقد حاولت اتخاذ موقف "حيادي وغير واضح"، كما تصف ذلك الصحف الإسرائيلية. فماذا يعني ذلك، وما أهميته؟

ما موقف إسرائيل من الأزمة بين روسيا وأوكرانيا؟

لكسب الدعم السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي في صراعهم مع روسيا، غالباً ما يقارن المسؤولون الأوكرانيون المواقف الجيوسياسية للبلدين بقول شيء مثل: "كلانا لديه مشاكل مع جيرانه وكلانا يريد أن يفهمنا العالم". وفي مؤتمر عقد في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، بمناسبة الذكرى الثلاثين للعلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وأوكرانيا، ذهب الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، وهو يهودي، إلى حد القول: "كلانا يعرف ما يعنيه الدفاع عن دولته وأرضه بالسلاح"، على حد وصفه. ولم يذكر زيلينسكي التوتر الحالي مع روسيا لكن السياق كان واضحاً، كما تقول صحيفة Times of israel.

رئيس أوكرانيا فلودومير زيلينسكي أمام "حائط المبكى" في القدس المحتلة خلال زيارة سابقة لإسرائيل، يناير 2020/ Flash90

وليس الزعيم الأوكراني هو الشخص الوحيد الذي يقارن بين إسرائيل والنزاع الروسي الأوكراني، لاستمالة تل أبيب. ففي مقابلته السنوية المتلفزة الصيف الماضي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن "الأوكرانيين والروس هم نفس الأشخاص، ويجب أن يتحدوا مثلما يفعل اليهود القادمون من قارات مختلفة في إسرائيل"، حسب تعبيره.

لكن يبدو أن رياح الحرب على الحدود الروسية الأوكرانية تعقد التوازن المعقد الذي تحاول إسرائيل الحفاظ عليه كصديق لكل من كييف وموسكو. وحاولت تل أبيب تجاوز ذلك الخط في عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، أعرب سفير أوكرانيا لدى إسرائيل عن أسفه لصمت إسرائيل بشأن الصراع ووصفه بأنه "جاحد للجميل".

وقال السفير إن "إسرائيل كانت مترددة في الانحياز إلى أي طرف على الرغم من حقيقة أن أوكرانيا كانت واحدة من 18 دولة فقط صوتت ضد تأييد تقرير غولدستون الذي حقق في عملية "الرصاص المصبوب" في غزة عام 2009.

ويقول موقع MEE البريطاني إنه على مدار السنوات السبع الماضية، شهدت العلاقات بين أوكرانيا وإسرائيل بعض التغييرات، ففي عام 2019، وقع الطرفان اتفاقية تجارية كبيرة، وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، زار وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إسرائيل.

لم تتم مشاركة تفاصيل الاجتماعات أو تسريبها للصحافة، لكن العلاقات العسكرية بين الطرفين نمت على مر السنين، وأشارت العديد من التقارير الإخبارية إلى أن كييف كانت تتطلع لشراء أسلحة إسرائيلية متطورة، أبرزها نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "القبة الحديدية"، كما يقول تقرير لصحيفة Politico الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2021.

هل تستطيع إسرائيل دعم أوكرانيا دون استعداء روسيا؟

يمكن أن يؤدي رفع مستوى القدرات الدفاعية لأوكرانيا بالطبع، إلى إثارة عداء روسيا. لكن السفير الإسرائيلي السابق لدى كل من روسيا وأوكرانيا، زفي ماجن،  قال إن إسرائيل واصلت محادثاتها مع أوكرانيا بالرغم من ذلك.

وأضاف ماغن، الذي يشغل منصب رئيس قسم روسيا في "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب لموقع MEE البريطاني: "الأمر معقد، لكن إسرائيل تمكنت من المناورة في هذا التعقيد دون الإضرار بالمصالح الروسية".

ويقول السفير السابق إنه خلف الكواليس، عقد مؤخراً عدة اجتماعات مع المسؤولين الأوكرانيين، وقال إنه أوضح حساسية الوضع الإسرائيلي وضرورة عدم لفت الأنظار إلى الصراع الحالي، مضيفاً أن "الأوكرانيين يتفهمون ذلك".

رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت خلال لقائه الرئيس الروسي بوتين في موسكو. أكتوبر 2021/ رويترز

لكن ما زالت "معاداة روسيا" هي علامة التحذير التي تخيم على سياسة إسرائيل شديدة الحذر تجاه هذا الوضع المعقد. ولأكثر من ست سنوات نسقت إسرائيل بعناية نشاط سلاحها الجوي فوق سوريا مع روسيا، حيث يسمح هذا التفاهم المستمر مع روسيا لإسرائيل باستهداف القوات الإيرانية المتمركزة في سوريا بينما تسيطر روسيا على المجال الجوي. ومن الواضح أن هذا يمثل رصيداً استراتيجياً لإسرائيل، وهو يخدم أيضاً المصالح الاستراتيجية والسياسية الروسية في منطقة تريد فيها موسكو النفوذ.

إسرائيل والسير على حبل مشدود من الولاءات والمصالح

اعتاد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو أن يشير إلى بوتين بـ"صديقي"، حيث كان الدافع وراء "صداقة" بوتين هو المصالح فقط بالنسبة لنتنياهو، التي من الأفضل أن تظل إسرائيل حريصة على عدم تقويضها، كما تنادي العديد من الأصوات الإسرائيلية. ومن وجهة النظر هذه، تمشي إسرائيل على حبل مشدود الآن بين الولاءات والمصالح المتضاربة للبيت الأبيض والكرملين فيما يتعلق بأوكرانيا.

وتقول صحيفة معاريف العبرية إن أي موقف تتخذه إسرائيل في القضايا الدولية يمكن أن يتسبب لها في أضرار مباشرة أو عرضية، ولذلك على إسرائيل أن تبدي حيادية واضحة حيال الأزمة الأوكرانية، لأن هذا الوضع قد يخلق معضلة دبلوماسية لها، "حتى لو لم تكن شراكتها الاستراتيجية مع أمريكا موضع شك"، وهذه المعضلة في كل تفاصيلها هي الآن في الموضوع الإيراني.

ويقول يعقوب كيدمي، الدبلوماسي الروسي الإسرائيلي والرئيس السابق لمنظمة "ناتيف" الحكومية، التي ساعدت اليهود على الخروج من الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة وما زالت موجودة حتى اليوم: "أفضل ما يمكننا القيام به هو التزام الصمت".

وبعد أن مُنع من دخول روسيا لعدة سنوات، أصبح كيدمي الآن مسافراً متكرراً إلى موسكو ومعلقاً سياسياً مرحباً به في القنوات التلفزيونية الروسية. وقال: "هناك دائماً ضغوط للانحياز، لكن على إسرائيل أن تحرص على عدم إلحاق الضرر بنفسها من خلال القيام بذلك". مضيفاً أن "المشكلة الحقيقية هي أن الجهل الإسرائيلي في فهم روسيا وتلك المنطقة يأتي في المرتبة الثانية بعد الجهل الأمريكي فقط".

قضية المهاجرين اليهود في الحسبان

لكن المصالح السياسية والدبلوماسية ليست مصدر القلق الوحيد الذي يفرض مزيداً من الحذر على تل أبيب في هذه الأزمة، إذ تعتبر إسرائيل "موطناً" لأكثر من نصف مليون مهاجر أوكراني، وأكثر من 400 ألف مهاجر روسي، وبالتالي، فإن أي احتمال لوقوع حرب بين البلدين سيصبح أيضاً قضية سياسية داخلية لإسرائيل، بحسب موقع MEE.

وفي عام 2014، مزق ضم روسيا لشبه جزيرة القرم المهاجرين والوافدين من كلا البلدين، على عكس أي قضية محلية إسرائيلية من قبل. كان معظم الوافدين الجدد من أوكرانيا يدعمون وطنهم وتظاهروا أمام السفارة الروسية في تل أبيب، بينما كان معظم الذين هاجروا من روسيا موالين لموقف روسيا في القرم، الأمر الذي أدى لمزيد من التمزقات للمجتمع الإسرائيلي الذي يعاني بالأساس.

والآن، لا يزال لدى الكثير من المهاجرين من روسيا وأوكرانيا عائلات في كلا البلدين، ويجب على إسرائيل أن تأخذ مخاوفهم العميقة في الاعتبار، وهذه غالباً ما يكون لها ثمن سياسي في إسرائيل.

مهاجرون من أوكرانيا يصلون إلى إسرائيل في 25 فبراير، 2019/ timesofisrael

وفي 24 يناير/كانون الثاني المنصرم، قالت صحيفة Times of israel العبرية، إن الحكومة الإسرائيلية تستعد لاحتمال إجلاء آلاف اليهود الأوكرانيين الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل، في حالة الغزو الروسي لأوكرانيا.

وبحسب الصحيفة عقدت حكومة نفتالي بينيت اجتماعات حول ذلك، ضمت ممثلين عن مكتب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزارة الدفاع ووزارة شؤون الشتات والوكالة اليهودية، لمناقشة مثل هذا الاحتمال.

وقال التقرير إن حوالي 75 ألف شخص يعيشون في شرق أوكرانيا، يعتقد أنهم مؤهلون للحصول على الجنسية الإسرائيلية. مشيراً إلى أن إسرائيل لديها خطط منذ فترة طويلة للإجلاء الجماعي لليهود من عدة دول إذا دعت الحاجة، وقامت بتحديث تلك الخطط الخاصة بأوكرانيا بسبب التوترات المتزايدة.

تحميل المزيد