الغزو الروسي يعني عقوبات أمريكية.. هل تصب مصائب أوكرانيا في مصلحة إيران؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/02/01 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/01 الساعة 10:09 بتوقيت غرينتش
الرئيس الإيراني ونظيره الروسي/ رويترز

للوهلة الأولى قد تبدو الأزمة الأوكرانية ومفاوضات إحياء الاتفاق النووي الإيراني ملفين منفصلين لا رابط بينهما، لكن التداخل بين الأزمتين يبدو أكثر عمقاً في حقيقة الأمر، وقد تستفيد إيران من غزو روسي يحذر منه الغرب.

وتتمثل الأزمة الأوكرانية في وجود حشود عسكرية روسية على حدود البلدين، وتصف الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تلك الحشود بأنها استعداد للغزو بينما تنفي موسكو ذلك، وتتهم الغرب باستفزازها عن طريق السعي لضم أوكرانيا إلى عضوية حلف الناتو.

أما المفاوضات الهادفة إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني فتجري في فيينا بمشاركة أطراف الاتفاق، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وإيران. الاتفاق تم توقيعه عام 2015، وانسحب منه الرئيس الأمريكي السابق عام 2018، وتسعى إدارة جو بايدن إلى إعادة إحيائه.

أزمة أوكرانيا تسيطر على الأجواء

وعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً، الإثنين 31 يناير/كانون الثاني، بشأن الأزمة الأوكرانية، شهد ملاسنات علنية بين المندوب الروسي والمندوبة الأمريكية، إذ أصر الأول على أن ما يحدث من جانب الغرب هو "هستيريا" غير مبررة.

"نحن لا نفهم ما نناقشه هنا اليوم، ولماذا نحن هنا أصلاً، نشر القوات الروسية في أراضينا يجعل زملاءنا الغربيين والأمريكيين يقولون إننا نحضر لعمل عسكري، وحتى عمل عدواني ضد أوكرانيا، الذين أكدوا لنا جميعاً أنه سيقع في غضون أسابيع قليلة إن لم يكن أياماً قليلة، ومع ذلك لا يوجد دليل يؤكد مثل هذا الاتهام الخطير على الإطلاق"، بنص ما قاله مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا.

 وكان ذلك رداً على المندوبة الأمريكية ليندا توماس غرينفيلد، التي قالت إن بلادها "رصدت تحركات روسية على الحدود مع أوكرانيا، تلقّينا طلباً للمساعدة من أوكرانيا، وقدَّمنا مساعدات بقيمة 200 مليون دولار".

ألمانيا أوكرانيا
جندي أوكراني على الحدود مع روسيا/ getty images

وتتابع وسائل الإعلام حول العالم تفاصيل الأزمة الأوكرانية دقيقة بدقيقة، في وقت بيدو أن جميع الأطراف تستعد للحرب، لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي طالب الغرب بالتوقف عن "نشر الفزع"، وانتقد سحب واشنطن ولندن لبعض دبلوماسييهم قائلاً إن "أوكرانيا ليست تايتانيك!".

وفي هذه الأجواء المتوترة، تتحدث وسائل الإعلام الغربية عن تبعات الغزو الروسي المحتمل، وتفصل العقوبات التي تستعد الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، لفرضها على موسكو، والتي قال بايدن إنها سوف تطال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه.

ونشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تحليلاً توقع فيه أن تكون إيران "فائزاً غير متوقع"، في حالة أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا بالفعل، وفشلت مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

هل تتقارب روسيا وإيران أكثر؟

من المرجح أن يؤدي فرض عقوبات أمريكية وأوروبية صارمة رداً على أي توغل روسي في أوكرانيا إلى جعل روسيا أكثر ميلاً لتجاهل تداعيات انتهاك العقوبات الأمريكية في تعاملاتها مع إيران.

وعلى نفس المنوال، فإنَّ فشل المحادثات بين إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وبريطانيا لإحياء الاتفاقية التي حدّت من البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية من شأنه دفع إيران إلى التقرب من روسيا والصين، في سعيها لتعويض العقوبات الأمريكية المُعرقِلة.

ولا شك أنَّ هذه الفكرة كانت تراود القادة الروس والإيرانيين عندما التقوا الأسبوع الماضي خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو، في أول لقاء بين قادة روسيا وإيران منذ خمس سنوات.

ومن المؤكد أنَّ بداية الطريق إلى زيادة التجارة الروسية والتعاون في مجال الطاقة والمبيعات العسكرية ستكون بالعقوبات الأمريكية القاسية التي فُرِضَت مؤخراً ضد روسيا، حتى لو بقيت القيود على إيران سارية.

لكن هذا لا يعني أنَّ الطريق نحو تعزيز العلاقات الروسية الإيرانية سيكون خالياً من العوائق، إذاً لا يزال على بوتين موازنة العلاقات مع إيران من جهة، والعلاقات مع السعودية والإمارات من جهة أخرى.

الاتفاق النووي
المفاوضات في فيينا هدفها إحياء الاتفاق النووي مجدداً مع إيران – رويترز

بل والحقيقة أنَّ مهمة التوازن الروسي، مثل الصين، صارت أعقد حتى من دون متغيرات أوكرانيا وفيينا؛ فقد وسّع الحوثيون المدعومون من إيران حرب اليمن التي استمرت سبع سنوات من خلال ضربات الطائرات بدون طيار والصواريخ ضد أهداف في الإمارات العربية المتحدة.

ووجه الحوثيون ضربتهم الأخيرة فيما بدأت القوات البحرية الروسية والصينية والإيرانية تدريباتها المشتركة الثالثة منذ عام 2019 في شمال المحيط الهندي. ولم يكن الحدثان مرتبطين.

لقد أقنع تردد الولايات المتحدة بشأن التزاماتها الأمنية في الخليج دولاً مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالتحوط في رهاناتها وتنويع طبيعة علاقاتها مع القوى الخارجية الكبرى.

ومع ذلك، فإنَّ روسيا -وربما الصين- التي لم تعد قلقة من تداعيات انتهاك العقوبات الأمريكية ضد إيران يمكن أن تنبه الرياض وأبوظبي إلى أنَّهما قد لا تكونان أكثر موثوقية أو ملتزمتين بضمان الأمن في الخليج. فحتى الآن، لم تبدِ أي من روسيا أو الصين اهتماماً بأن تحلا محل الولايات المتحدة، على الأقل ليس على الطريقة الأمريكية، أي الوجود العسكري على الأرض.

وهذا يترك السعودية والإمارات أمام القليل من الخيارات الجيدة إذا شعرت روسيا أنَّ العقوبات الأمريكية لم تعد عقبة في تعاملاتها مع إيران. ويُعتقَد أنَّ روسيا تريد أن تنجح محادثات فيينا، لكنها في الوقت نفسه أيَّدت المطالب الإيرانية بتقديم ضمانات بأنَّ الولايات المتحدة لن تتراجع عن اتفاق متجدد كما فعلت في 2018.

هل تُغير إيران شعارها السياسي؟

على خلفية الحديث عن اتفاقية تعاون مقترحة مدتها 20 عاماً بين البلدين، يبدو أنَّ روسيا تريد التفاوض على اتفاقية تجارة حرة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، إلى جانب روسيا.

ووقّعت إيران اتفاقية تعاون مماثلة مدتها 25 عاماً مع الصين، تظل إلى حد كبير بيان نوايا في أحسن الأحوال، بدلاً من خطة عمل ينفذها البلدان.

كما في حالة الصين، يبدو أنَّ مسودة الاتفاقية مع روسيا كانت مبادرة إيرانية وليست روسية. وستثبت أنَّ إيران أقل عزلة مما تريده الولايات المتحدة وأنَّ تأثير العقوبات الأمريكية يمكن تخفيفه.

فقد قال الرئيس الإيراني، قبيل محادثاته مع بوتين: "لدينا وثيقة حول التعاون الاستراتيجي الثنائي، التي قد تحدد علاقاتنا المستقبلية على مدى السنوات العشرين المقبلة. على أي حال يمكن أن يفسر ذلك آفاقنا".

خامنئي
المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي – رويترز

وفي الوقت الحالي، يبدو أنَّ مناقشات رئيسي في موسكو قد أسفرت عن آفاق أعلى من الصفقات الملموسة، إذ هناك تكهنات إعلامية بأنَّ روسيا ستكون مستعدة لبيع أسلحة لإيران بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار أمريكي، بما في ذلك مقاتلات "سو-35" وأنظمة الدفاع الصاروخي "إس-400″، لكن لا تزال حتى الآن مجرد تكهنات.

وبالمثل، تحدث مسؤولون إيرانيون، بمن فيهم وزير المالية إحسان خاندوزي ووزير النفط جواد أوجي، عن الاتفاقات الموقعة خلال زيارة موسكو، التي من شأنها إحياء خط ائتمان روسي بقيمة 5 مليارات دولار كان قيد الإعداد منذ سنوات، إضافة إلى إنتاج مشروعات طاقة غير محددة.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في الشؤون الدولية مارك كاتز: "ليس من الواضح ما إذا كانت هذه مشروعات جديدة، أو مشروعات نوقشت مسبقاً وحصلت على الموافقة، مثل المشروع الذي توقفت شركة Lukoil عن العمل فيه في عام 2018 بعد انسحاب الولايات المتحدة… فقد كانت شركة Lukoil قلقة بشأن استهدافها بالعقوبات الأمريكية".

من الناحية النظرية، قد تعني ديناميكيات الأزمة الأوكرانية واحتمالات فشل محادثات فيينا أنَّ اتفاقية تعاون روسية إيرانية طويلة الأمد يمكن أن تحصل على اهتمام أسرع من نظيرتها الصينية الإيرانية.

وقد يؤدي التفاوض مع روسيا التي تفرض عليها الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات شديدة في أزمة متصاعدة في أوكرانيا إلى تمهيد الطريق لكلا الطرفين، وليس إيران فقط، لأنَّ كليهما ستعوقه الإجراءات العقابية الغربية.

وأشار الباحث والمحلل السياسي الإيراني صادق زيباكلام، المقيم في طهران، إلى أنَّ الوقت قد حان لكي يتخلى النظام عن شعار الثورة الإيرانية الذي يعود لـ43 عاماً، وهو: "لا شرق ولا غرب". ويُرفَع الشعار على لوحة في وزارة الخارجية.

وأكد زيباكلام أنَّ إيران لم تلتزم بالشعار منذ فترة طويلة، واقترح إزالة اللوحة وتخزينها في قبو إحدى الصحف المتشددة في طهران. وكتب على تويتر "لم يُستخدَم لفترة طويلة ويجب إزالته".

تحميل المزيد