العمالقة الصغار.. قصة سلاح الصين الأحدث في المنافسة مع وادي السيليكون الأمريكي

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/01/31 الساعة 13:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/31 الساعة 16:01 بتوقيت غرينتش
رئيس الصين شي جين بينغ - رويترز

على الرغم من أن الشركات العملاقة Alibaba وTencent قد بدأت تتعرض للتضييق من جانب بكين، فإن الصين تجهز سلاحاً آخر لحسم المنافسة مع الولايات المتحدة لصالحها، خصوصاً في مجال التكنولوجيا.

وكانت الشركات الصينية العملاقة قد أصبحت عرضة لتدخلات الحزب الشيوعي الحاكم، ووصل الأمر حد اعتقال مؤسس شركة Alibaba وأغنى رجل في الصين، جاك ما، واختفائه لعدة أشهر في أعقاب توجيهه انتقادات للسياسات الاقتصادية التي يطبقها الحزب الحاكم.

ورصد تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية طبيعة هذا السلاح الجديد في تقرير بعنوان "العمالقة الصغار.. آخر أسلحة الصين في حربها التقنية ضد الولايات المتحدة"، رصد كيف أنه في الصين اليوم، بدأت الشركات العملاقة مثل Alibaba وTencent تخسر أفضليتها، لتفسح المجال أمام "العمالقة الصغار".

من هم العمالقة الصغار؟

المقصود بالعمالقة الصغار هو تصنيف جيلٍ جديد من الشركات الناشئة التي تم اختيارها بموجب برنامج الحكومة الطموح، الذي يهدف لرعاية صناعة التكنولوجيا في البلاد حتى تتمكن من منافسة وادي السيليكون الأمريكي.

وقد برهنت تلك الشركات -المغمورة عادةً- على أنها تقدم شيئاً مبتكراً وفريداً من نوعه في قطاعات مهمة استراتيجياً مثل الروبوتات، والحوسبة الكمية، وأشباه الموصلات.

إذ قالت كاي فو، المديرة التنفيذية المؤسسة في شركة الاستثمار Sinovation لبلومبرغ: "يُعتبر البرنامج مفيداً للشركات الناشئة من عدة زوايا: فهو منحة، وهبة، وشرف. لقد أصبح بمثابة ختم الجودة".

حيث يمثل البرنامج جزءاً أساسياً من استراتيجية الحزب الشيوعي الطموحة لتقوية صناعة التكنولوجيا في البلاد. فعلى مدار عقدين، كانت الصين تتبع نموذجاً يُشبه وادي السيليكون الأمريكي إلى حدٍّ كبير، حيث سمحت لرواد الأعمال بالسعي لتحقيق طموحاتهم دون إشرافٍ حكومي، ما تمخّض عن نجاحاتٍ هائلة تشمل عملاقة التجارة الإلكترونية الرائدة Alibaba وعمالقة الألعاب والشبكات الاجتماعية Tencent وByteDance، التي ابتكرت تطبيق تيك توك الشهير.

سجلت
جاك ما مؤسس شركة "علي بابا" الصينية – رويترز

لكن بكين اتخذت سلسلةً من الخطوات التنظيمية العام الماضي لتوضح بها أنّ صناعة التكنولوجيا لا بد من إعادة تنظيمها بما يتماشى مع الأولويات الحكومية. حيث أجبرت Alibaba وTencent سريعاً على إلغاء الممارسات المانعة للمنافسة، وألزمت شركات الالعاب بتحديد وقت اللعب المتاح للقاصرين على الإنترنت أسبوعياً إلى ثلاث ساعات.

وتكمن دوافع بكين من وراء تلك الإجراءات في حالة التنافس المحتدم والصراعات الحالية بين الصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، إذ تتجه بكين أكثر وأكثر نحو اتخاذ إجراءات لحماية نفسها، بحسب المحللين، خصوصاً أن القمة الافتراضية التي جمعت بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي جو بايدن خلال العام الماضي لم تخرج بنتيجة حاسمة أو اتفاقيات واضحة.

وتستهدف بكين في المقابل تحويل مواردها إلى التقنيات ذات الأهمية الاستراتيجية الأكبر، مثل الرقائق الإلكترونية وبرامج المؤسسات. وعليه قامت وزارة الصناعة وتقنية المعلومات بمنح تصنيف "العمالقة الصغار" لـ4762 شركة منذ عام 2019، وغالبيتها تعمل في صناعات أشباه الموصلات والآلات والأدوية.

مشروع صيني بمواصفات عالمية

وعادةً ما يأتي هذا التصنيف متبوعاً بحوافز كبيرة من الحكومة المركزية أو سلطات المقاطعات مثل التخفيضات الضريبية، والقروض السخية، وسياسات أفضل للاستحواذ على المواهب.

وقد سبق لحكومات العالم، من الولايات المتحدة وحتى إفريقيا، أن أنشأت برامج مماثلة لدعم المؤسسات الصغيرة. لكن الجهود الصينية تتفوق على تلك البرامج من حيث الحجم، والموارد، والطموحات.

حيث زادت الحرب التجارية مع الولايات المتحدة من عزم الحزب الشيوعي على بناء صناعة تحقق الاكتفاء الذاتي. إذ إنّ قرار إدارة ترامب بإدراج شركات وطنية صينية عملاقة، مثل Huawei Technologies وSemiconductor Manufacturing International Corp، على القائمة السوداء كشف عن نقطة ضعف البلاد، وهذا لأن القرار منع الشركات الصينية من شراء المكونات الأمريكية مثل الرقاقات الإلكترونية والبرامج الصناعية، ما عرقل عملياتها.

ويرجع مفهوم العمالقة الصغار إلى عام 2005 على الأقل، حين أصدرت الحكومة المحلية بمقاطعة هونان سياساتٍ لدعم المؤسسات الصغيرة. وقد روّجت وزارة الصناعة القوية في الحكومة المركزية لحملة مقاطعة هونان، التي تضمنت منح الأراضي والدعم المالي، باعتبارها نموذجاً لتطوير القطاع الخاص. ومن هنا أطلقت حكومات محلية أخرى، في أماكن مثل تيانجين، مبادراتها الخاصة.

أقطاب العقارات في الصين في أزمة خانقة – رويترز

ومع اندلاع الحرب التجارية مع الولايات المتحدة في عام 2018، بدأت الحكومة المركزية في دفع البرنامج بشكلٍ جاد، حيث أعلنت الوزارة عن خطتها لإنشاء 600 من العمالقة الصغار لتطوير تقنيات أساسية. وتم وضع إجراءات الحصول على التصنيف بطريقةٍ تُثري المنافسة وتحدد أكثر الشركات الواعدة.

إذ يتعيّن على الشركات المرشحة التقديم بملء استمارة من ست صفحات تسرد بالتفصيل وضعها المالي، وعدد براءات الاختراع، والإنجازات البحثية. وفي الجولة الأولى من عملية الاختيار، كانت كل مقاطعة تقوم بترشيح ما لا يزيد على 10 شركات.

ومنذ ذلك الحين، عملت الوزارة على توسيع البرنامج ليضم آلاف الشركات، مع تصنيف نحو 1000 من "شركات العمالقة الصغار ذات الأولوية" على رأس الهرم. ويتلقى أعضاء هذا النادي النخبوي تمويلاً مباشراً من الحكومة المركزية.

وقد خصصت وزارة المالية الصينية في يناير/كانون الثاني 2022 10 مليارات يوان (1.5 مليار دولار) على الأقل لتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حتى عام 2025، ويذهب نصيب الأسد من ذلك المبلغ لتمويل أبحاث شركات العمالقة الصغار ذات الأولوية. والهدف هنا هو إنشاء 10 آلاف شركة من العمالقة الصغار بحلول عام 2025.

بينما قال باري نوتون، الأستاذ المتخصص في اقتصاد الصين بجامعة كاليفورنيا، سان دييغو: "من الواضح أننا أمام مجموعة من الشركات المختارة التي تتبع بدرجةٍ كبيرة السياسات والاحتياجات الصناعية المحددة للصين. وأحد أسباب اختيارها هو أنها شركات جيدة، لكن المعيار المساوي في الأهمية هو أن تلك الشركات تلبي الاحتياجات السياسية العاجلة للحكومة حالياً".

وقد صار العمالقة الصغار هدفاً شهيراً لأصحاب رأس المال المخاطر، الذين خسر الكثير منهم أمواله خلال حملة الصين الأخيرة ضد الشركات الكبيرة. إذ قال أحدهم إنّ بعض الشركات الناشئة في برنامج العملاقة الصغار تمكنت من جمع رؤوس أموال كبيرة في الأشهر الست الماضية، ورفعت قيمتها بنسبٍ تتراوح بين 50% و75%. في حين قال آخر إنه يستثمر فقط في الشركات التي تصنفها الحكومة ضمن العمالقة الصغار.

إعادة ضبط التقنية الصينية

وصلت استثمارات رأس المال المخاطر في الصين لمستويات قياسية في العام الماضي رغم حملة الحكومة ضد الشركات الكبرى، حيث ارتفعت قيمة الصفقات بنحو 50% في عام 2021، لتبلغ 130.6 مليار دولار، وفقاً لشركات Preqin للأبحاث.

كما تسهل الحكومة عملية طرح تلك الشركات الناشئة للاكتتاب، وهو حافزٌ آخر لرواد الأعمال ومستثمري رأس المال المخاطر. إذ أنشأت الصين بورصةً خاصة في بكين العام الماضي لمساعدة تلك المؤسسات الصغيرة على جمع رؤوس الأموال.

في حين أشارت غوان ياكسين، رئيسة العمليات في ForwardX Robotics، إلى أنّ مؤسسي الشركات يحتفظون بسيطرتهم على شركاتهم رغم المشاركة في البرامج الحكومية.

إذ تقوم شركتها بصناعة روبوتات محمولة لاستخدامها في الصناعة والخدمات اللوجستية، ولديها أكثر من 400 موظف مع خططٍ للتوسع في اليابان والولايات المتحدة، وهي ترى في الدعم الحكومي ميزةً كبيرة لشركات "العمالقة الصغار" التي تحاول النمو.

وقال باكسين: "غالبية تلك الشركات صغيرةٌ للغاية حالياً عند مقارنتها بالشركات متعددة الجنسيات، لكن الحكومة ترى فيها إمكانية أن تصبح من العمالقة بحق في يومٍ من الأيام".

تحميل المزيد