"أنتم تبالغون بشأن احتمالات الحرب، أنا رئيس أوكرانيا وأعرف أكثر منكم"، جاء هذا الانتقاد اللاذع من قبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه بشأن الأزمة الأوكرانية ليثير تساؤلات حول ما إذا كانت أمريكا تبالغ في تصوير خطر الاجتياح الروسي لكييف.
وانتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة الماضية، الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتعاملها مع التعزيزات العسكرية الروسية على حدوده، وهاجم قرارات الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بسحب بعض موظفي السفارة، متهماً القادة الغربيين بالتحريض على "الذعر" بسبب تكرار تلميحات بأن الغزو الروسي لبلاده بات وشيكاً.
كما انتقد زيلينسكي البالغ من العمر 44 عاماً الغرب على ما اعتبره تأخراً في فرض المزيد من العقوبات الضارة على موسكو.
اللافت أنه عقب انتقادات الرئيس الأوكراني، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، أمس"الأحد"، أن الاجتياح العسكري الروسي ضد أوكرانيا "قد يحدث في أي لحظة".
وتأتي هذه الانتقادات بينما يعتمد الرئيس الأوكراني على شركاء بلاده الغربيين في مواجهة احتمالات التحرك الروسي الذي لا يعرف مداه، ولكنه لم يكن الانتقاد الأول حيث سبق أن انتقد انفراد الولايات المتحدة بالتفاوض مع الروس حول مصير بلاده واستبعاد حكومته من المفاوضات.
وقال زيلينسكي للصحفيين خلال مؤتمر صحفي: "لا يمكنني أن أكون مثل السياسيين الآخرين الذين يشعرون بالامتنان للولايات المتحدة لمجرد كونها الولايات المتحدة".
رئيس أوكرانيا يتهم قادة الغرب بمن فيهم بايدن ببث ذعر لا مبرر له
وقالت صحيفة Washington Post الأمريكية إنه بينما تتلقى أوكرانيا مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والعسكرية من الغرب، فقد أعرب زيلينسكي عن إحباطه من التقييمات العامة التي أجرتها الولايات المتحدة وحلفاء آخرون يعتقدون أن التوغل محتمل بشكل متزايد، وبدا أنه ينتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن مباشرة بسبب تصريحاته.
في وقت سابق من هذا الأسبوع أشار بايدن إلى أن القوات الروسية يمكن أن تتقدم نحو أوكرانيا في أقرب وقت في الشهر المقبل.
واستغرب الرئيس الأوكراني هذا الذعر قائلاً لقد جاءت هذه الإشارات حتى من قادة العالم المحترمين، الذين يتحدثون بصراحة وبلغة غير دبلوماسية، (في إشارة لبايدن على ما يبدو)، ويقولون ببساطة: "غداً ستندلع حرب. هذا هو الذعر في حدث ذاته".
وذكرت صحيفة Washington Post أن انتقادات زيلينسكي أثارت حفيظة المسؤولين الأمريكيين، الذين حاولوا إبراز صورة أن الغرب موحد في دعمه لأوكرانيا.
وبينما نشرت روسيا أكثر من 100 ألف جندي إلى جانب الدبابات والمدفعية الثقيلة عبر أجزاء كبيرة من الحدود نافية في الوقت ذاته نيتها لغزو أوكرانيا، قال زيلينسكي إن صور الأقمار الصناعية وحدها ليست كافية لتقييم أهداف الكرملين.
واستدرك الرئيس الأوكراني قائلاً: "نحن ممتنون للولايات المتحدة لدعمها المستمر لسيادتنا وسلامتنا الإقليمية"، "لكن أنا الرئيس الأوكراني. أنا موجود هنا. أعرف.. تفاصيل أعمق من أي رئيس".
بينما قائد الجيش الأمريكي يتوقع كارثة
جاءت مخاوف كييف بشأن التسبب في حالة من الذعر مع استمرار إدارة بايدن في بث نظرة متشائمة حول أوكرانيا، إذ توقع الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية وقوع كارثة إذا نفذت روسيا غزواً كبيراً.
وأصدر الجيش الأمريكي أوامر "الاستعداد للنشر" لـ 8500 فرد، بما في ذلك الوحدات القتالية للجيش ونخبة المظليين، الذين يمكن استدعاؤهم لزيادة قوة الرد السريع لحلف الناتو والمساعدة في تعزيز الأمن في مناطق أوروبا الشرقية التي لا تزال معرضة للخطر.
حتى الجمعة الماضية، لم يتم إرسال أي من هذه القوات إلى الخارج، حيث أعرب مسؤولو الدفاع الأمريكية عن أملهم في التوصل إلى حل دبلوماسي، على الرغم من أن بايدن أشار لاحقاً إلى أنه من المرجح أن يتغير ذلك "على المدى القريب".
هل تبالغ أمريكا في احتمالات الغزو الروسي لأوكرانيا؟
ليس هناك شيء مؤكد في الأزمة الأوكرانية، إلا شيء واحد أن روسيا حشدت قوات ضخمة على حدود هذا البلد، وأن هذه القوات تتضمن وحدات جرى استدعاؤها من كافة أنحاء البلاد بما في ذلك شرق الأقصى الروسي وسيبيريا البعيدين.
أما هل تستطيع هذه القوات غزو أوكرانيا، فتميل التقديرات الرسمية الغربية إلى أن هذه القوات قادرة على اجتياح أوكرانيا بشكل جزئي أو كلي.
ومؤخراً، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية: "بالنظر إلى نوع القوات التي يتم تجميعها -قوات المناورة الأرضية، والمدفعية، والصواريخ البالستية، والقوات الجوية، وكلها مجمعة معاً- إذا أطلقت روسيا العنان لهذه القوات على أوكرانيا، فسيكون ذلك كارثياً.
وأضاف: "سينتج عن ذلك عدد كبير من الضحايا، ويمكنك أن تتخيل ما قد يبدو عليه ذلك في المناطق الحضرية الكثيفة وعلى طول الطرق وما إلى ذلك. سيكون الأمر مروعاً".
هل تستطيع روسيا غزو أوكرانيا بمئة ألف جندي؟
ولكن رغم ذلك لا يمكن أخذ هذه التقديرات الغربية بشكل مسلم به.
فالمئة ألف جندي التي حشدتها روسيا حسب تقديرات الغرب قد لا تكون كافية، لغزو شامل، لبلد شاسع المساحة وعدد سكانه ليس بالقليل كأوكرانيا، فعدد البلاد من دون المناطق المحتلة من قبل روسيا يبلغ نحو 41 مليوناً ومساحتها 600 ألف كيلومتر ما يجعلها ثاني أكبر بلد في أوروبا.
وحسب التقارير الغربية نفسها، فإن قوة كييف العسكرية رغم أنها لا تقارن بموسكو على أي مستوى من المستويات، ولكنها حالياً أقوى كثيراً مما كانت عليه خلال أزمة القرم والدونباس عام 2014، وقد يعني ذلك أن روسيا لكي تخضع أوكرانيا بدون خسائر بشرية كبيرة في صفوف جيشها تحتاج إلى قوة عسكرية أكبر.
فعقب أحداث عام 2014 التي تصفها كييف بـ"العدوان الروسي" على القرم وإقليم دونباس، أعادت كييف الاهتمام بقوات العسكرية ودعمتها، فزادت ميزانيتها المخصصة لهذا الغرض لتبلغ نحو 6% من ميزانية 2021، بقيمة تبلغ نحو 9.4 مليار دولار، بينما لم تتجاوز هذه الميزانية 1% قبل 2014.
كما زادت أوكرانيا قواتها إلى نحو 204 آلاف جندي، أكثر من نصفهم متعاقدون، مع 46 ألف موظف عسكري إداري، بالإضافة إلى قوات داعمة أخرى، كحرس الحدود (نحو 53 ألفاً)، والحرس الوطني (60 ألفاً).
ويبلغ تعداد قوات أوكرانيا البرية نحو 145 ألف جندي، وتمتلك 11.435 مركبة مدرعة، و2430 دبابة، و2815 مدفعاً، و550 راجمة صواريخ.
ولدى أوكرانيا قوات هجوم (محمولة جواً)، وقوات خاصة، لا تُعرف أعدادها. واستحدثت أوكرانيا في 2016 "القوات الموحدة"، التي تشارك فيها عدة وحدات عسكرية وأمنية، لقتال المسلحين الروس والانفصاليين في شرق البلاد.
أما قوات أوكرانيا الجوية فيبلغ تعدادها نحو 45 ألفاً، ولديها 285 طائرة، منها 42 مقاتلة، و111 طائرة مروحية متعددة الأغراض، و34 طائرة مروحية هجومية، والقوات الجوية من نقاط ضعف الجيش الأوكراني.
كما تعتبر القوات البحرية من أبرز نقاط ضعف أوكرانيا العسكرية، وأكبر الفروق التي تميز روسيا عنها، فقواتها البحرية تضم 25 قطعة بحرية، منها فرقاطة واحدة فقط، والباقي عبارة عن سفن مراقبة واستطلاع.
ويمكن القول إن حجم الجيش الأوكراني والقوات المساعدة له في الوقت الحالي قد زاد بما يقرب من الضعف منذ عام 2013 حينما كان يبلغ عدده نحو 120 ألفاً، منخفضاً عن عن نحو 455 ألف جندي في عام الاستقلال 1991.
بالطبع لا يقارن كل ذلك بالقوة العسكرية الروسية الجبارة، التي تبدأ بترسانة نووية هي الأضخم في العالم مع الولايات المتحدة.
ويقارب عدد القوات الجوية الروسية وحدها البالغة حوالي 170 ألفاً، إجمالي عدد الجيش الأوكراني والوحدات المساعدة.
ويمتلك سلاح الجو الروسي نحو 4500 طائرة، بينها 789 مقاتلة، و742 طائرة هجومية، و429 طائرة للشحن العسكري، و520 طائرة تدريب، و130 طائرة مهام خاصة، و1540 مروحية، من بينها 538 مروحية هجومية.
أما القوات البرية الروسية، فتضم 13 ألف دبابة ونحو 27 ألف مدرعة، و6540 مدفعاً ذاتي الحركة، و4465 مدفعاً ميدانياً، و3860 راجمة صواريخ، و450 كاسحة ألغام، ويبلغ تعداد أفرادها 350 ألفاً.
وتحتل روسيا المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على التسليح، بعد أمريكا والصين، بميزانية سنوية بلغت نحو 64 مليار دولار.
ولكن يجب ملاحظة أن إحدى قواعد الحروب أن المهاجم يجب أن تكون قوته أكبر من المُدافع عدة مرات، وخاصة أنه في حال توغل الجيش الروسي داخل المدن الأوكرانية غير الموالية لموسكو، (كما تتوقع بعض السيناريوهات الغربية) ستفقد روسيا بعض ميزات التفوق العددي والنوعي، حيث إنه من المعروف أن المدن تحارب مع سكانها وكذلك تحابي الجيوش الخفيفة أكثر من الثقيلة المعتمدة على المدرعات، علماً بأن الجيش الروسي ركز اهتمامه خلال العقود الماضية على تطوير عقيدة عسكرية ومعدات مخصصة لحروب المدن بعد خسائره الفادحة في معركة غروزني عاصمة الشيشان خلال عامي 1994 و1995.
كما أن اللافت أنه ليس هناك تقارير عن استدعاء واسع النطاق من قبل روسيا لاحتياطي جيشها وهي سمة رئيسية لأي أعداد عملية عسكرية واسعة النطاق.
روسيا تفرض شروطاً دون الكشف عن خطتها البديلة
ولكن اللافت في الأزمة الحالية أن روسيا لم تعلن بشكل مباشر عن نيتها تنفيذ غزو عسكري لأوكرانيا، وفي أسوأ الأحوال كما هدد بوتين، بأنه سيكون هناك إجراء تقني عسكري من قبل موسكو تجاه كييف وهو ما قد يشير إلى عمليات هجينة بين التدخل العسكري غير الصريح والقرصنة الإلكترونية.
بل في كثير من الأحيان، تنفي موسكو نيتها غزو أوكرانيا، مؤكدة أن هذا الحشد العسكري يتم على أراضيها، علماً بأن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال في وقت سابق إن موسكو "سترد" إذا لم تتم تلبية مطالبها بوقف توسع الناتو. وأضاف أن القرار في هذا الشأن سيتخذه بوتين، دون أن يوضح ماهية القرار.
ويعترف المسؤولون الغربيون أنهم لا يعلمون نية الرئيس بوتين، وأن الاستخبارات الأمريكية فشلت في اختراق الدائرة المقربة له للوصول لمعلومات حول خططه، وأحياناً يقولون إنه لم يتخذ قراراً.
وبالتالي قيامهم بإجلاء رعاياهم في أوكرانيا وتحذيراتهم المتصاعدة من الغزو الروسي الوشيك نابعة من حجم القوات الروسية واستعداداتها مثل الحديث عن تجهيزها لأكياس الدم للمصابين، وغير ذلك من الإجراءات.
ولكن اللافت هنا أن أمريكا (ومعها بريطانيا) تحديداً، هي من تتوقع غزواً روسيا لأوكرانيا وليس الدول الأوروبية الرئيسية، وأحياناً يبدو أن واشنطن تشجع روسيا على تنفيذ مثل هذا الغزو على أن يكون محدوداً، وتحديداً عندما قال الرئيس جو بايدن قال إن "توغلاً بسيطاً" من جانب روسيا في أوكرانيا قد لا يكون ثمنه باهظاً عكس الموقف الذي ستتخذه أمريكا من الغزو الشامل، الأمر الذي أثار تساؤلاً هل كان هذا التصريح زلة لسان من الرئيس المسن أم ضوءاً أخضر لبوتين لتحرك محدود؟.
فلماذا تروج واشنطن لاحتمالات حدوث غزو روسي لأوكرانيا، رغم اعترافها بأنها ليس لديها معلومات أكيدة عن نية بوتين، وهل تعزيز هذه التكهنات التشاؤمية في صالح أوكرانيا أم أنه يحقق مصلحة أمريكية؟
قبل كل شيء.. لماذا قام قادة كييف بتغيير روايتهم عن احتمال الغزو؟
رغم أن المسؤولين الأوكرانيين كانوا يشاركون في حملة التحذير من الغزو الروسي الوشيك، ولكن من الواضح أنه بعد انتقادات الرئيس الأوكراني الأخيرة، أنهم وجدوا أن الأمر قد يكون له تأثير سلبي على اقتصاد البلاد، ومعنويات السكان، وفي الوقت ذاته فإن حجم الدعم الغربي والعسكري لكييف لم يستحق الخسائر الناجمة من الترويج لهذا السيناريو.
الأخطر أن أوكرانيا قد يكون قد بدأ يتبين لها أن الترويج لهذا السيناريو قد يشجع روسيا على تنفيذه أكثر من كونه سيؤدي إلى موجة تعاطف غربي مؤثر معها تفضي لحمايتها، وهو ما ظهر في البرودة التي تتعامل معها معظم دول أوروبا الغربية مع الأزمة باستثناء بريطانيا وانقسام دول أوروبا الشرقية بين داعم قوي لأوكرانيا مثل دول البلطيق وبولندا وبشكل أقل رومانيا وبين شبه مؤيد لروسيا مثل المجر وصربيا ورئيس كرواتيا.
وتبدو فاعلية الحملة الدعائية والسياسية المحذرة من الغزو الروسي ليست كبيرة، وهو ما يظهر في تحفظ الدول الأوروبية على فرض عقوبات صارمة على موسكو، كما تطالب واشنطن، كما أن البورصات الغربية لا تعكس أي حالة من الذعر الذي يظهر أن دوائر الاقتصاد والسياسة الغربية تتعامل مع الأزمة باعتبارها أخطر غزو عسكري في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كما تقول الإدارة الأمريكية بنفسها.
الأسباب المحتملة لترويج الأمريكيين سيناريو الغزو الروسي لأوكرانيا
من الواضح أن الأمريكيين لا يعلمون هل يغزو بوتين أوكرانيا، أم لا، ولكنهم كنوع من الإجراء الاحتياطي يفترضون بموجبه أن الغزو سيحدث ويسعون من وراء هذا الافتراض لتحقيق جملة من الأهداف.
فلو حدث وأصدر بوتين قراراً بغزو جزئي أو كلي لأوكرانيا، فإن واشنطن لن يبدو عليها أنها قد فوجئت مما يقلل الحرج على الإدارة الأمريكية، ولن تبدو أنها خدعت مرة ثانية مثلما حدث للغرب برمته في عام 2014، عندما ضم بوتين القرم ودعم انفصال إقليم الدونباس.
كما أن خطاب إدارة بايدن الحالي، حسم خيارات واشنطن في حال حدوث غزو، بأنه ستكون هناك عقوبات على موسكو، إضافة لتقديم دعم فني لأوكرانيا وتصدير أسلحة، ولكن ليس أي تحرك عسكري أمريكي، وبالتالي لو حدث الغزو الذي حذرت منه واشنطن فلن تكون مطالبة بالتورط في حرب مع روسيا من أجل كييف التي لم يكن يعرف أغلب الأمريكيين موقفها قبل استقلالها عن الاتحاد السوفييتي.
أما لو جاءت العملية الروسية محدودة، سواء عبر تدخل عسكري على الحدود أو تنشيط للميليشيات الموالية لموسكو في الدونباس أو تفجيرات أو تخريب إلكتروني، فستقدم واشنطن نفسها على أنها قد ساهمت في تجنيب أوكرانيا مصير الغزو الشامل.
وفي حال عدم وقوع غزو أو عمل عسكري روسي على الإطلاق، فسيكون هناك سيناريوهان على الأرجح بالنسبة لأمريكا.
الأول: أن يتم تجنب العمل العسكري عبر صفقة مع بوتين، تتضمن تقديم بعض التنازلات له، مثل تخفيف العقوبات الأمريكية الحالية على موسكو أو تقديم ضمانات غير رسمية بعدم ضم أوكرانيا للناتو أو تجديد لاتفاقات قيود التسلح في أوروبا، وفي كل الأحوال فإن أي تنازلات أوكرانية أو غربية أو أمريكية لموسكو سينظر لها على أنها ثمن بخس بدلاً من السيناريو الأكبر الذي تحدثت عنه واشنطن (ولا أحد غيرها وحلفائها الأنجلو ساكسون مثل بريطانيا)، وهو الغزو.
وبالتالي لن تقابل التنازلات بانتقادات حادة من الرأي العام الغربي.
السيناريو الثاني: هو انتهاء أو تبدد الأزمة تدريجياً دون غزو روسي وبدون تنازلات غربية لموسكو، وستكون أمريكا في هذه الحالة قد استفادت من تخويف أوروبا من موسكو ودق إسفين بين الجانبين، وستعزز التوجهات الداعية لتعزيز استقلال أوروبا في مجال الطاقة عن روسيا، وإظهار أهمية أمريكا والناتو لأوروبا ودفع الأعضاء الأوروبيين للحلف وخاصة ألمانيا، لزيادة ميزانياتهم العسكرية والابتعاد عن موسكو.
مكاسب وخسائر أمريكا المحتملة من الأزمة الأوكرانية
ففي كل الأحوال حتى لو كان موقف أوروبا ضعيفاً ومنقسماً ومثيراً للإحباط، إلا أنها ستخرج من الأزمة الأوكرانية أقرب وأحوج لأمريكا وأبعد عن روسيا.
ويعني أن هذا خسائر أمريكا من الأزمة الأوكرانية ستكون محدودة في الأغلب، حتى لو وصلت الأزمة لأسوأ سيناريوهاتها.
نعم، لقد صرفت هذه الأزمة انتباه أمريكا عن خطتها لاحتواء الصين، واستنزفت بعض الموارد المالية والسياسية والعسكرية، ولكن واشنطن ستكون مستفيدة سياسياً من الأزمة، عبر تأكيد زعامتها للغرب، وإبعاد أوروبا عن روسيا، بينما مكاسب الأخيرة ما زالت غير مؤكدة، بالنظر إلى أن العقوبات الغربية المحتملة على موسكو قد يكون تأثيرها على المدى البعيد أكبر من أية غنائم تسلبها من أراضي أوكرانيا أو ضمانات بعدم توسع الناتو.