بدأت روسيا مؤخراً تسيير دوريات جوية مشتركة مع طائرات النظام السوري، مما يثير تساؤلات بشأن ما تريده موسكو من الإقدام على تلك الخطوة، وهل الرسالة موجهة إلى إسرائيل؟
كانت روسيا، الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد في سوريا، قد بدأت في اتباع سياسة جديدة منذ الصيف الماضي، تتمثل في تزويد القوات السورية بأنظمة ومهاراتٍ أكثر تطوراً لمواجهة الصواريخ، لتصبح تلك القوات أكثر فاعلية وقدرة على مواجهة الغارات الإسرائيلية. ومكنت السياسة الروسية الجديدة سوريا من إفشال بعض الضربات الإسرائيلية، بحسب تقارير إعلامية.
والأسبوع الماضي، بدأت طائرات حربية سورية وروسية في تسيير دوريات مشتركة بالقرب من الحدود السورية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فهل تكون لتلك الدوريات تداعيات على الضربات الجوية الإسرائيلية داخل سوريا؟ صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية رصدت ما تعنيه تلك الخطوة في تقرير لها تناول ما تعنيه تلك الدوريات لجميع الأطراف.
هل تستمر الدوريات الروسية-السورية المشتركة؟
أشارت تقارير واردة عن وزارة الدفاع الروسية ووكالة أنباء إنترفاكس الروسية المستقلة إلى أن الدوريات الروسية المشتركة مع سوريا قد تصبح إجراءً منتظماً، وهو ما تشير صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية إلى أنه ستكون له عواقب تتأثر بها إسرائيل وتداعيات على عملياتها التي تستهدف نقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله.
وكانت إسرائيل قد أعلنت عن استراتيجية تُسميها "حملة المعارك بين الحروب"؛ لمنع إيران من تمديد تمركزها في سوريا والحدِّ من عمليات نقل الأسلحة إلى حزب الله اللبناني. ويقول جيش الاحتلال الإسرائيلي إن هذا المصطلح يشير إلى "نهج الوقاية والردع الذي يتبعه الجيش الإسرائيلي لإبطال التهديدات دون الاستعانة بمستوى القوة المستخدم في الحروب".
يُفترض أن كثيراً من العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل في إطار تلك الحملة عمليات سرية، لكن غادي آيزنكوت، رئيس هيئة الأركان السابق للجيش الإسرائيلي، صرح لصحيفة The New York Times، في عام 2019، بأن إسرائيل وجَّهت ضربات لآلاف الأهداف في سوريا.
وفي عام 2017، قال عمير إشيل، قائد سلاح الجو الإسرائيلي في ذلك الوقت والمدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية الآن، في معرض تبرير الضربات الإسرائيلية: "عندما تكون لإسرائيل مصلحة ثابتة [بمقتضى ما تراه حقاً لنفسها]، فإنها تتصرف أياً كانت المخاطر".
السؤال المهم الآن هو ما إذا كانت الدوريات الجوية التي شرعت فيها روسيا مجرد مناورات رمزية تُقام خلال النهار لاستعراض القوة، أم أنها إجراءات فعلية اتُخذت لإرسال رسالة إلى إسرائيل، وربما قطع الطريق على ضرباتها في سوريا.
تبعات الضربات الإسرائيلية على سوريا
من المعروف أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت تدعم هجمات إسرائيل في سوريا، ومع ذلك فقد أشار مسؤولون أمريكيون سابقاً إلى مخاوف من أن تقرر إيران ووكلاؤها مهاجمة القوات الأمريكية في العراق رداً على هجمات إسرائيل بسوريا. وفي عام 2018، بدأت الفصائل الموالية لإيران بالعراق في اتهام واشنطن بالعمل مع تل أبيب، ولمَّحت أيضاً إلى أن الميليشيات العراقية قد تستهدف إسرائيل.
وفي عام 2021، هاجم الإيرانيون الحامية الأمريكية في منطقة التنف السورية، وقالت وسائل الإعلام الأمريكية إن الهجمات الإيرانية كانت انتقاماً لضربات جوية شنَّتها إسرائيل. وفي عام 2019، اتهمت الميليشيات العراقية إسرائيل باستهدافها بسلسلة من الغارات الجوية.
وفي مايو/أيار الماضي، أطلقت إيران طائرة مسيرة من العراق باتجاه المجال الجوي الإسرائيلي. وتزعم المصادر الإسرائيلية أن إيران أقامت قاعدة جوية تُسمى قاعدة "الإمام علي" بالقرب من منطقة البوكمال السورية، ونقلت طائرات مسيرة إلى قاعدة تياس الجوية (T-4) السورية، كما سعت طهران لإحضار منظومة الدفاع الجوي "سوم خرداد" إلى قاعدة تياس في أبريل/نيسان 2018.
هذا هو السياق الذي تزعمه إسرائيل لحملة "المعارك بين الحروب" التي تشنها في المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني. على الجانب الآخر، استعاد نظام بشار الأسد في صيف 2018، مناطق في جنوب سوريا من المعارضة السورية، واستقر على حدود هضبة الجولان. وجاءت قوات حفظ السلام السورية إلى المنطقة، وبدأ حزب الله بالتمركز بالقرب من الجولان.
في غضون ذلك، بدأت موسكو في التعبير عن مزيد من المخاوف بشأن الضربات الجوية الإسرائيلية، وادَّعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أن الطائرات الإسرائيلية قد حلَّقت فوق الأردن في طريقها لشنِّ غارات جوية بسوريا. كما قالت روسيا إنها ستعمل على تحديث الدفاعات الجوية السورية بعد حادث وقع في عام 2018 بالقرب من اللاذقية، وأسقط فيه الدفاع الجوي السوري طائرةً روسية في أثناء محاولته التصدي للضربات الجوية الإسرائيلية.
ثم أصدرت موسكو مزيداً من البيانات التي تنتقد الضربات الجوية الإسرائيلية، قبل أن تتغافل عنها في الأشهر الأخيرة، حتى بعد الضربات الجوية العنيفة التي شنتها إسرائيل باللاذقية في ديسمبر/كانون الأول، والتي جاءت بعد لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ما الذي تغيَّر في موقف روسيا من ضربات إسرائيل؟
أشارت وزارة الدفاع الروسية، في تصريحات واضحة، إلى أن الدوريات النهارية الأخيرة التي أجرتها مع جيش النظام السوري، شملت منطقةً قريبة من مرتفعات الجولان المحتلة. وذكرت وكالة Reuters نقلاً عن مصادر روسية، أن الدوريات "سيستمر إجراؤها بانتظام".
وأضاف البيان الروسي أن "مسار الدورية شمل مرتفعات الجولان والحدود الجنوبية لسوريا ونهر الفرات وشمال سوريا. وقد أقلع الطيارون الروس من قاعدة حميميم الجوية، وأقلعت طائرات النظام السوري من قاعدتي صيقل والضمير قرب دمشق".
وقالت وكالة Reuters إن الدورية الروسية السورية شملت مقاتلات هجومية من طراز "سوخوي سو 34" Sukhoi Su-34، وطائرات متعددة المهام من طراز "سوخوي سو 35 إس" Sukhoi Su-35S، وطائرة سورية من طراز "بيريف إيه 50" A-50 للإنذار المبكر والتحكم، وطائرات "ميغ 23″ MiG-23 و"ميغ 29" MiG-29 تابعة لجيش النظام السوري.
لم يسبق أن اضطرت إسرائيل إلى الاشتباك في قتال جوي بسوريا، ومع ذلك فإن أياً من هذه الطائرات المشارِكة في الدورية الروسية السورية لا تضاهي مقاتلات "إف 35" F-35 الأمريكية وذخائرها المتقدمة.
وقد أسقطت إسرائيل طائرة مقاتلة سورية من طراز سوخوي بالقرب من الجولان في عام 2018، ولم يرد النظام السوري على هذا الاستهداف. وفي معظم الأحيان، نسَّقت إسرائيل مع روسيا؛ للحيلولة دون أي تضارب في سوريا منذ عام 2015، عندما أطلقت روسيا حملتها العسكرية هناك.
تخلص صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية إلى أن الأخبار عن الدوريات الجوية الروسية ليست إلا رسالة تحاول روسيا والنظام السوري من خلالها إبداء نوعٍ من القوة بدعوى عملهما الوثيق معاً لتأمين المجال الجوي السوري، والسعي لإقناع العالم بأن سوريا لها السيادة على أجزاء من البلاد، وذلك رغم أن الولايات المتحدة لها قواعد عسكرية هناك، كما أن تركيا تسيطر على جزء من الشمال السوري.
إضافة إلى ذلك، تريد موسكو ودمشق توجيه رسالة صارمة إلى المعارضين السوريين السابقين في جنوب سوريا. وهو ما يعني أن هذه الرسالة قد لا تكون موجهة إلى إسرائيل، أو أن إسرائيل ليست الطرف الوحيد المعنيّ بها، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
كما أن التقارير تشير إلى أن معظم الغارات الجوية الإسرائيلية تجري ليلاً، ولا يوجد ما يشير حتى الآن إلى أن الطائرات الروسية السورية ستُجري دوريات ليلية. وتشير الصحيفة الإسرائيلية إلى أربعة عوامل أخرى تستند إليها إسرائيل للتهوين من تداعيات هذه الدوريات على الحدِّ من ضرباتها في سوريا، وهي:
1- إسرائيل تحظى بالدعم الأمريكي لعملياتها في سوريا. 2- المصالح الروسية والإيرانية في سوريا ليست مشتركة دائماً. 3- إسرائيل أبلغت روسيا أنها حلَّقت بالفعل فوق الأردن لشنِّ ضربات في سوريا. 4-إسرائيل يمكنها أن تستخدم ذخائر (صواريخ وقنابل) طويلة المدى، ومن ثم لن تكون الدوريات المشتركة عائقاً لها.
علاوة على ذلك، فإن قواعد التنسيق الخاصة بعدم التضارب في التحليق الجوي بين روسيا وإسرائيل تسمح للأخيرة بمعرفة موعد إجراء الدوريات، كما أن الرادارات الإسرائيلية المتقدمة سيسهل عليها اكتشافها.
يظل السؤال الرئيسي من الجانب الإسرائيلي هو ما إذا كانت هذه الدوريات ستمنح النظام السوري والعناصر المدعومة إيرانياً في سوريا نوعاً من التشجيع لاستغلالها كغطاء لمهاجمة إسرائيل.
والخلاصة أن الفترة القادمة ستكشف ما إذا كانت هذه الدوريات جزءاً من عملية روسية متعددة المراحل لتعزيز سيادة النظام السوري، أم أنها إجراءات فعلية قد تفضي إلى احتكاكات محتملة وتداعيات على الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا.