بعد عدة أيام من القتل، لا تزال أحداث سجن "غويران" أو "الصناعة" في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا مستمرة، وذلك بعدما هاجم عناصر مسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" السجن يوم الخميس 20 يناير/كانون الثاني 2022، وفر المئات من سجناء التنظيم.
وأعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية أنها تمكنت من حسم المشهد والسيطرة على السجن، لكن بعض الأخبار تقول عكس ذلك وإن حالات الكر والفر وإطلاق النار مع عناصر تابعة للتنظيم الجهادي ما زالت مستمرة.
وبعيداً عن مسلحي داعش المعتقلين، فهناك المئات من الأطفال المحتجزين داخل السجن فيما تعرض بعضهم لإطلاق النار في هذه الأحداث لكن الغريب هؤلاء الأطفال لا يسأل عنهم أحد ولا يريد أحد إطلاق سراحهم فمن هم ولماذا هم هناك؟
سلطت سلسلة من الرسائل الصوتية المؤلمة التي أرسلها مراهقٌ أسترالي مُصاب من سجن الحسكة، الضوء على محنة آلاف الصبية المنسيين الذين لا يزالون عالقين في مراكز اعتقال مُكتظَّة في سوريا والعراق.
يُعتقد أن مئات القُصَّر مُحتَجَزون في سجن غويران، الذين كانوا في القلب من مواجهةٍ عنيفة بدأت قبل أسبوع بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة.
قالت القوات التي يقودها الأكراد يوم الأربعاء، 26 يناير/كانون الثاني، إنها سيطرت على القسم الأخير من السجن الذي يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية، وأطلقت سراح عددٍ من الصبية المحتجزين الذين قالت إنهم استُخدِموا كدروعٍ بشرية. وقد أنهى ذلك هجوماً استمر أسبوعاً من قِبَلِ المتطرِّفين على أحد أكبر مراكز الاعتقال في سوريا، لكن مصير مئات الصبية ظلَّ مجهولاً، بحسب تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
قالت جولييت توما، المتحدثة الإقليمية باسم وكالة الأطفال التابعة للأمم المتحدة: "نحن نتحدث عما يقرب من 800 صبي هم على الأرجح من أكثر الصبية استضعافاً في العالم في الوقت الحالي". وأضافت: "العنف الأخير في السجن جعل الأمور بالنسبة لهم أسوأ بكثير".
ويبدو أن القتال أسفر عن مقتل أو إصابة العديد من الصبية المُحتَجَزين، على الرغم من عدم معرفة الأعداد.
وتلقَّت منظمة هيومان رايتس ووتش ووكالة Associated Press الأمريكية سلسلةً من الرسائل الصوتية التي أرسلها الشاب الأسترالي البالغ من العمر 17 عاماً من داخل السجن والتي طَلَبَ فيها المساعدة، قائلاً إنه أصيب في رأسه وكان ينزف. وقال إن أصدقاءه قُتلوا ورأى جثث أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً.
"أشبال الخلافة"
كان بعض الصبية أطفالاً عندما انتزعهم آباؤهم من بلادهم بعد أن قرروا الانضمام إلى ما يسمى بالخلافة الإسلامية التي أُعلنت في عام 2014 على أجزاء من سوريا والعراق. ووُلِدَ آخرون هناك، والتحق العديد منهم بمدارس يديرها تنظيم الدولة، حيث دُرِّبوا على القتال.
وبينما ارتكب تنظيم الدولة الإسلامية مذابح بحق السكان واستعبد العديد من النساء والفتيات، سعى أيضاً إلى إعادة تعليم الصبية الصغار وحاولوا تحويلهم إلى مقاتلين جهاديين. قاموا بتجنيد المراهقين والأطفال باستخدام الهدايا والتهديدات وغسيل الأدمغة، وتحوَّلَ الأولاد إلى قتلة وانتحاريين. وأظهرت مقاطع فيديو لداعش أطفالاً يقطعون رؤوس أشخاصٍ ويطلقون النار على أسرى بدمٍ بارد، بحسب الوكالة الأمريكية.
كان كلُّ ذلك جزءاً من جهد منسق لبناء جيل جديد من المقاتلين، أطلقوا عليهم اسم "أشبال الخلافة".
أُلقِيَ القبض على معظمهم في وقتٍ لاحق من قبل القوات التي يقودها الأكراد خلال الحملة المدعومة من الولايات المتحدة والتي أسقطت تنظيم الدولة الإسلامية قبل ثلاث سنوات، وأُلقِيَ بهم في مراكز اعتقال مزرية ومُكتظَّة حيث ما زالوا يعانون.
وُضع آخرون في مخيماتٍ بائسة في شماليّ شرق سوريا تحتجز عائلات مقاتلي داعش المُشتَبَه بهم، حيث يتعرَّضون للعنف والاستغلال وسوء المعاملة. وبمجرد أن يصبحوا مراهقين يُعتبرون أكبر سناً بما يكفي للانفصال عن أمهاتهم، ويُنقَلون إلى أحد مراكز الاعتقال حيث ينضمون إلى المقاتلين. ليست قواعد الفصل الزمني واضحةً تماماً، وبحسب ما ورد كان البعض لا يتجاوز 12 عاماً في سجن غويران.
تقدِّر ليتا تايلر من هيومان ريتس ووتش أن 600 صبي قاصر، نصفهم تقريباً من العراقيين وغيرهم من غير السوريين، كانوا نزلاء في السجن. وقالت تايلر إن معظمهم تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاماً، على الرغم من أن بعضهم لا تزيد أعمارهم عن 12 عاماً. ليس من الواضح عدد الأولاد في السجن الذين درَّبَهم تنظيم داعش أو ما إذا كان أيٌّ منهم قد ارتكب أيَّ جرائم.
لماذا لا يزالون هناك؟
في الغالب لأن حكوماتهم رفضت إعادتهم إلى أوطانهم.
طلبت السلطات الكردية من الدول إعادة رعاياها، قائلةً إن الاحتفاظ بآلاف المعتقلين في منشآت ضيقة يضغط على قواتها ويخلق جيلاً جديداً من المسلَّحين.
وقالت تيلر: "لم يُعرَض أيٌّ منهم على قاضٍ لتحديد ما إذا كان ينبغي احتجازهم. هؤلاء الأطفال ما كان ينبغي أن يُزَج بهم في هذا السجن المزري، حيث من الواضح أن حياتهم مُعرَّضةٌ للخطر منذ البداية. كان ينبغي على بلدانهم إعادتهم إلى الوطن منذ فترةٍ طويلة لمساعدتهم في إعادة بناء حياتهم".
لكن الحكومات المحلية غالباً ما ترى الأطفال على أنهم يشكلون خطراً وليس أنهم بحاجةٍ إلى الإنقاذ.
سمحت بعض دول الكتلة السوفيتية السابقة لبعض مواطنيها بالعودة، لكن الدول العربية والأوروبية والإفريقية الأخرى أعادت عدداً ضئيلاً فقط أو رفضت.
تدير السلطات الكردية أكثر من عشرين مركز اعتقال منتشرة في جميع أنحاء شماليّ شرق سوريا تضم حوالي 10 آلاف مقاتل من داعش. ومن بين المعتقلين نحو ألفي أجنبي بينهم نحو 800 أوروبي.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حوالي 27,500 طفل من 60 جنسية مختلفة مُعتَقَلين في مخيَّم الهول مترامي الأطراف، والذي يأوي عائلات أعضاء داعش، معظمهم من العراقيين، يليهم السوريون.