العلاقة بين السيسي وثورة يناير.. بدأت بالتودد ثم تحولت للإنكار، فلماذا عاد للإشادة بها؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/25 الساعة 16:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/25 الساعة 16:59 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/رويترز

يبدو موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من ثورة يناير/كانون الثاني متقلباً، ففي الذكرى الحادية عشرة للثورة، أشاد بها ووصف من قاموا بأنهم شباب مخلصون، ولكنه قبل أقل من شهر هاجمها واتهمها بتخريب البلاد، فما سر هذا التقلب في مواقف السيسي من الثورة، وما أسباب إشادته بها مؤخراً؟

في 25 يناير/كانون الثاني 2022، ألقى السيسي كلمة في احتفالية وزارة الداخلية المصرية بعيد الشرطة الـ69، التي تتزامن مع الذكرى الحادية عشرة لثورة يناير/كانون الثاني 2011، قائلاً: "يوافق هذا اليوم ذكرى 25 يناير/كانون الثاني ثورة قادها الشباب المخلصون، ومتطلعون لمستقبل وواقع أفضل، وأقول لشباب مصر إن وطنكم يحتاج لسواعدكم وجهودكم لاستكمال طريق البناء والتنمية وتحقيق آمال المصريين ليوفر فرصاً متساوية في الحياة الكريمة".

وتتناقض هذه الإشادة العابرة بمواقفه الأخيرة التي تهاجم ثورة يناير/كانون الثاني، وآخرها ما قاله في 28 ديسمبر/كانون الأول 2021، عندما هاجمها، قائلاً إنه "لن ينسى 2011، والمفروض يا مصريين متنسوهاش (لا تنسوها) أبداً في كل إجراء بتعملوه وكل خطوة بتتحركوها"، متسائلاً: "عرفتم ليه بلدكم كانت هتتخرب وتضيع في 2011؟".

وأضاف آنذاك مخاطباً المصريين: "اللي أنقذكم ربنا وحده اللي أنقذ البلد من مصاير الخراب والدمار لأجل خاطر الـ100 مليون والبسطاء والغلابة ولحكمة إلهية"، وتساءل: "يبقى إحنا نكرر نفس المسار تاني؟، لا والله ".

وأردف: "هل الكلام ده يزعلكم إني بحاجي عليكم وخايف عليكم من الضياع؟، تزعلوا مني؟ سواء كان مسؤولين أو ناس ماسكين شركات ده كلام؟"، مضيفاً: "متزعلش إلا من نفسك إنك تكون سبب في دمار بلدك وخرابها"، وفق قوله.

السيسي جاء للسلطة بفضل ثورة يناير/كانون الثاني

وعلاقة السيسي بثورة يناير/كانون الثاني، مركبة كما تشير مواقفه منه، فالرجل جاء للحكم بفضل هذه الثورة، التي جعلته طرفاً رئيسياً في الأحداث عندما كان رئيساً للمخابرات الحربية وأصغر عضو سناً في المجلس العسكري الذي حكم البلاد بعد عزل الرئيس الأسبق حسني مبارك.

والرئيس الأسبق محمد مرسي، الذي جاء بالانتخابات التي نظمت بفضل ثورة يناير/كانون الثاني، هو الذي عين السيسي وزيراً للدفاع بعد توليه السلطة، ليتخطى السيسي طابوراً طويلاً من القادة الأكبر منه سناً وخبرة، وليمهد له مرسي الطريق دون أن يقصد للإطاحة به ثم توليه مقاليد الأمور فعلياً في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، قبل أن يتولى السلطة رسمياً في انتخابات مثيرة للجدل عام 2014، لم يواجه فيها منافسين جدداً؛ لدرجة أن الأصوات الباطلة كانت أكثر من المرشح حمدين صباحي الذي حل بعده في التصويت.

"دوره في معركة الجمل".. علاقة السيسي بالثوار بدأت بالتهديد ثم الوعود

ومنذ اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني، بدأت العلاقة المعقدة بين السيسي وشباب الثورة وكل القوى الثورية والسياسية في البلاد، إذ أصبح السيسي باعتباره رئيس المخابرات الحربية الجهاز الأكثر تسييساً في الجيش المحاور الرئيسي للقوى السياسية والشبابية، قبل حتى رحيل مبارك، وفي الوقت ذاته يعتقد أنه له دور في تحركات الثورة المضادة التي بدأت حتى قبل نجاح ثورة يناير/كانون الثاني، مثلما ظهر من تصريح للقيادي الإخواني محمد البلتاجي، الذي قال إن السيسي أنذره "بضرورة إخلاء ميدان التحرير إبان الثورة وإلا ستكون هناك عاقبة لأن أنصار حسني مبارك قادمون للميدان ولهم حق في الميدان مثلكم، ولذا وفروا إراقة الدماء وأخلوا الميدان".

وبالفعل، أعقب ذلك التهديد وفود البلطجية الذين حشدهم أنصار الحزب الوطني المنحل على ميدان التحرير فيما يعرف باسم معركة الجمل، فيما وقفت قوات الجيش تشاهد بلا رد فعل حشود البلطجية وهي تحاول اقتحام الميدان وهي تمتطي الجمال والخيول، ومسلحة بقنابل مولوتوف.

وبعد نجاح ثورة يناير/كانون الثاني، ازداد دور السيسي خاصة في الحوارات التي كانت تطلق مع القوى السياسية والشبابية لحل الخلافات التي نشأت في ذلك الوقت.

وعندما أقال الرئيس المنتخب محمد مرسي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري المشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش، عيَّن السيسي وزيراً للدفاع، ليصبح أرفع ضابط في الجيش المصري منصباً، وازدادت علاقته تعقيداً بثورة يناير/كانون الثاني والقوى السياسية والشبابية، خاصة مع تصاعد الخلافات بين القوى السياسية والشبابية فلول النظام وبين الإخوان المسلمين الذين كانوا يحكمون البلاد في ذلك الوقت.

فقد آثر السيسي الصمت بشكل كبير في ذلك الوقت، خاصة في أزمة الإعلان الدستوري المكمل المثير للجدل الذي أصدره مرسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وأعقبته اشتباكات بين مؤيدي مرسي ومعارضيه، حاول فيه معارضو مرسي اقتحام مقر الرئاسة في قصر الاتحادية.

يعتقد أن السيسي كان علم بالتحضيرات لما عرف بمعركة الجمل/رويترز

أدى غموض مواقف السيسي في ذلك الوقت إلى أن كل طرف كان يشعر بأنه أقرب إليه، فنظر إليه مؤيدو مرسي بأنه ضابط متدين مؤمن بالديمقراطية ويرفض عزل الرئيس المنتخب بلا ديمقراطية.

في المقابل، راهنت القوى السياسية وبعض شباب الثورة وفلول النظام على أن السيسي سيعزل مرسي ويقدم لهم السلطة على طبق من فضة، ولكن السيسي بدا أنه أحبطهم عندما أعلن رفضه نزول الجيش إلى الشارع ليقوم بانقلاب على الرئيس محمد مرسي، كما تدعو بعض الأطراف السياسية في ذلك الوقت، داعياً إياها إلى التفاهم ومحذراً من اللعب مع القوات المسلحة.

وقال السيسي في كلمة ألقاها أثناء حضوره "تفتيش حرب" في الفرقة التاسعة مدرعات بالمنطقة المركزية  في 11 مايو/آيار 2013 وهو يقف على مدرعة أنه "البديل في منتهى الخطورة ومع كل التقدير لكل من يقول للجيش ينزل الشارع.. لو حدث ذلك لن نتكلم عن مصر لمدة 30 أو 40 سنة للأمام".

وأكد أن الجيش لن ينقلب على الرئيس قائلاً إن "مفيش حد هيشيل (سيستبدل) حد، ولا يجب أن يفكر أحد أن الحل بالجيش، وعليكم ألا تغضبوا، الوقوف 10 أو 15 ساعة أمام صناديق الانتخابات أفضل من تدمير البلد".

وفي المقابل، نظمت حملات من قبل بعض المعارضين لصياغة توكيلات رسمية في الشهر العقاري لتكليف السيسي بتولي السلطة، وإقالة مرسي، كما بدأت تحركات لجمع توقيعات على استمارات حملة "تمرد" المناهضة لمرسي، والتي بدت في ذلك الوقت حملة شبابية عفوية، ولكن مراجعة تطوراتها والقائمين عليها تظهر أنها ليست كذلك.

وحتى قبل أيام من موعد المظاهرات التي دعت إليها المعارضة ضد مرسي في 30 يونيو/حزيران 2013، كان مؤيدو مرسي مقتنعين بأن السيسي لن يستجيب لدعوات الإطاحة بالرئيس المنتخب كما قال هو نفسه، ولكن مع اندلاع المظاهرات ضد مرسي، تزايدت المؤشرات ليست على استجابة السيسي لطلبات المتظاهرين بل إنه محور عملية التنسيق، لها، كما بدا واضحاً من الأزمات المختقة للوقود التي سرعان ما تم حلها فور إقالة مرسي، إضافة إلى منع مؤيدي من التظاهر مقابل السماح لمعارضيه وأخيراً تعهده بحماية النظام الدستوري، مما جعل مرسي لا يعتمد على مؤيديه لحمايته، كما حدث في أزمة الإعلان الدستوري، ثم استغلال عزلة مرسي عن مؤيديه لاعتقاله وعزله في 3 يوليو/تموز 2013.

بعد 30 يونيو السيسي يعين شباب يناير في مناصب سياسية

ومنذ ذلك التاريخ بدأت العلاقة الإشكالية بين السيسي وشباب ثورة يناير/كانون الثاني، تظهر للعيان.

فالاجتماع الذي عقد بين عدد من الشخصيات العامة برئاسة السيسي في 3 يوليو/تموز 2013 والذي أصدر قراراً بعزل مرسي، ضم محمود بدر مسؤول حملة تمرد الذي قدم على أنه ممثل لشباب ثورة يناير/كانون الثاني، إضافة إلى شيخ الأزهر والأنبا تواضروس بطريرك الكنيسة القبطية مع شخصيات عامة من بينهم عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا.

وبعد ذلك بدأ خطاب يظهر مفاده أن الإطاحة بمرسي، هي بمثابة الموجة الثانية لثورة يناير/كانون الثاني، وتبنى هذا الخطاب، القوى السياسية والشبابية، ولكن في المقابل، بدأ فلول النظام السابق، وأجهزة الدولة تتبنى خطاباً ينظر سلباً لثورة يناير/كانون الثاني، ولكن ظل السيسي في هذه المرحلة يتبنى خطاباً إيجابياً، تجاه يناير/كانون الثاني وشبابها دون تركيز كبير عليها، حيث كان السيسي في بداية توليه السلطة في 2014 كان يتحدث عن ثورة يناير/كانون الثاني بإيجابية بل إنه هدد من يصفها بالمؤامرة أو من يتحدث عنها بسوء.

وتضمنت هذه المرحلة تعيين عدد من الشباب الذي يوصفون بأنهم ثوار أو من شباب ثورة يناير/كانون الثاني في مناصب مثل نواب وزراء أو نواب محافظين، كما تم تعيين بعض القيادات الناصرية في مناصب قيادية صحفية، وبعض الوزراء من القوى السياسية والذين كانوا يصنفون كمعارضين في عهد مبارك مثل الوزير منير فخري عبد النور المنتمي لحزب الوفد الذي عين وزيراً للصناعة لفترة، وعصام حجي الذي يوصف بأنه محسوب على الجناح الثوري مستشاراً علمياً لرئيس الجمهورية.

ولكن تدريجياً بدا أن هذه مجرد حراك شكلي على هامش عملية ترسيخ السيسي لسلطته التي تبين تدريجياً أنها تعتمد بشكل أساسي على العسكريين، وليس شباب الثورة أو الأحزاب السياسية التي شاركت في 30 يونيو/حزيران أو حتى فلول النظام السابق.

وبدأ خطاب الإعلام التابع للدولة في ذلك الوقت يتحول من الاكتفاء بالهجوم على الإخوان إلى توسيع الهجوم ليشمل ثورة يناير/كانون الثاني والسعي لمسح هذا الحدث من ذاكرة المصريين، وربط الثورة بـ"الخراب والدمار"، حتى لا يفكر أحد في تكرار هذا الحراك من جديد.

وعلى أرض الواقع، ازدادت الشقة بين السيسي وبين شباب ثورة يناير/كانون الثاني، مع قمع أعداد كبيرة منهم في فترة لاحقة على فترات وخاصة بعد المذبحة التي وقعت في في ذكرى ثورة يناير/كانون الثاني 2014، والتي استهدفت قوى يسارية وليبرالية بعدم تم إجهاض المعارضة الإسلامية.

ومن الواضح في ذلك الوقت، أن السيسي هادن ثورة يناير/كانون الثاني خطابياً بينما كان يزيل إرثها فعلياً، كما أنه يقوم بعملية تقسيم للقوى السياسية بين تلك التي اضطهادها وتلك التي بدأت عملية استيعابها وتدجينها أحياناً.

فلقد دخلت بعض القوى المحسوبة على ثورة يناير/كانون الثاني وعلى اليسار والناصريين تحديداً للبرلمان، ولكن تدريجياً إما دجنت أو همشت، كما عملت السلطة على إضعاف الأحزاب التي تنتمي لمجموعات كان لها دور في مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، حتى لو لم تكن أحزاب معارضة، مثل حزب المصريين الأحرار التي أنهت السلطة فيه دور مؤسسه الملياردير نجيب ساويرس.

السيسي يعلن عن عدائه لثورة يناير/كانون الثاني

في السنوات الأولى بعد إقالة مرسي، كان تغير خطاب السيسي تجاه ثورة يناير/كانون الثاني وشبابها أبطأ من تحركاته في النكوص عن مبادئ الثورة، وكذلك أبطأ من تهميشه للقوى السياسية والشبابية التي تدافع عنها.

ولكن سرعان ما لاحق خطاب السيسي التطورات التي ينفذها على الأرض فبدأ يهاجم ثورة يناير/كانون الثاني.

ففي 2015 أصدر السيسي "قانون التصالح" الذي أتاح تبرئة رموز نظام مبارك المتهمين في قضايا فساد مالي وإداري بعد دفع مبالغ مالية، وبالمقابل أصدر قانون "الكيانات الإرهابية"، الذي وضع الكثير من الشخصيات العامة ونشطاء ثورة 25 يناير/كانون الثاني ضمن قوائم الإرهاب.

في يناير/كانون الثاني 2017، قال السيسي في الذكرى السادسة لثورة يناير/كانون الثاني إنها استهدفت إيقاع الفرقة بين الشرطة والجيش من جهة، والشعب من جهة أخرى.

وفي يناير/كانون الأول 2018، قال إن ما حدث منذ سبع أو ثماني سنوات (في إشارة إلى ثورة يناير/كانون الثاني) لن يتكرر ثانية في مصر، وبلهجة تهديد قال: من الواضح أنكم لا تعرفونني جيداً، ولوح باستخدام الجيش قائلاً "إن أمن واستقرار مصر ثمنه حياتي وحياة الجيش".

وأضاف قائلاً "إنه إذا تكرر ذلك فإنني سأقول للمصريين أن ينزلوا ثانية، ليعطوني تفويضاً، في في إشارة لمظاهرات التفويض، التي حدثت بعد عزل محمد مرسي ويعتبرها الكثيرون كانت وفرت الذريعة لمذبحة ميدان رابعة العدوية التي استهدفت أنصار مرسي".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، هاجم السيسي ثورة يناير/كانون الثاني، قائلاً: "ما حدث في 2011 هو علاج خاطئ لتشخيص خاطئ، فالبعض قدم للناس صورة عن أن التغيير من الممكن أن يحدث بهذه الطريقة، وأن هناك عصا سحرية سوف تحل المشكلات".

وفي سبتمبر/أيلول 2019، وصف السيسي ثورة يناير/كانون الثاني بأنها مؤامرة ضد وزارة الداخلية والدفاع، قائلاً: "المؤامرة التي حدثت في 2011 كانت على وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، لأن من يريد ضرب مصر لا بد أن يبدأ بهما".

ذروة قلقه تظهر بعد اتهامات المقاول محمد علي

ولكن أكثر المواقف التي بدا فيها الرئيس المصري قلقاً من ثورة يناير/كانون الثاني، وكارهاً لها عندما علق على اتهامات المقاول السابق مع الجيش محمد علي المقيم في إسبانيا، التي زعم وجود فساد في مشروعات ينفذها أو يشرف عليها الجيش، بل دعا في ذلك الوقت للتظاهر ضد السيسي، وصدمت السلطة بحدوث استجابة لهذه الدعوة رغم الإجراءات الأمنية المشددة.

فرد على دعوات محمد علي  حذر السيسي في سبتمبر/أيلول 2019 المصريين من تكرار ما حدث في يناير/كانون الثاني عام 2011، قائلاً: "لا تكرروا ذلك ثانية"، معتبراً ما حدث في عام 2011 سبباً مباشراً في تراجع عائدات السياحة، خلال السنوات التالية للثورة، وسبب بناء إثيوبيا لسد النهضة، الذي يؤثر سلباً على حصة مصر من مياه النيل.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قال السيسي خلال حلقة نقاشية لـ"الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، إن "ثورة 25 كانون الثاني/يناير كانت بمثابة إعلان شهادة وفاة الدولة المصرية"، ووصف السيسي ثورة يناير/كانون الثاني وقتها بأنها أهملت التحديات الحقيقية التي تواجه المصريين وركزت فقط على ما يواجهه 20- 30 مليون مصري فقط.

لماذا تغير موقفه من الثورة في حديثه الأخير؟

قد يكون لهذا التغيير في موقف السيسي من ثورة يناير/كانون الثاني علاقة بتطورات عدة شهدتها مصر مؤخراً، وهي تطورات من المحتمل أنها تعبر عن تفكير لم يحسم للعدول عن بعض توجهات النظام.

فهناك مؤشرات على محاولة النظام لتحسين صورته ولو شكلياً في مجال حقوق الإنسان عبر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان على سبيل المثال، وقد يكون لذلك علاقة بقلق القاهرة من ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في هذا الملف، وكذلك رغبتها في تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

كما أن هناك تقارير تفيد بأن توجيهات من السلطة صدرت في الذكرى الأخيرة لمظاهرات 30 يونيو/حزيران في الصيف الماضي، بعدم المبالغة في الاحتفالات بها باعتبار أنها حدث خلافي بات يرفضه كثيرون في مصر ويرتبط بإراقة الدماء.

وهناك بعض الإجراءات التخفيفية مثل إلغاء حالة الطوارئ، كما سبق ذكرى ثورة يناير/كانون الثاني 2022، أيضاً عن بعض الإجراءات الاقتصادية لصالح المواطنين.

لا يعني ذلك على الأرجح أن مصر مقبلة على مرحلة انفتاحية، بل يمكن القول إن النظام بعد أن تخلص من أغلب خصومه، يريد تخفيف الاحتقان قليلاً خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية على المواطنين، كما أنه لا يمكن استبعاد أن إشادة السيسي الأخيرة بثورة يناير جزء من استراتيجيته التقليدية في توجيه خطابات متناقضة لأغراض مختلفة أو لجمهور متباين.

فبصرف النظر عن خطاب السيسي من ثورة يناير/كانون الثاني، وبصرف النظر عن أن السيسي جاء للسلطة بفضل الثورة بالأساس، ولكن تركيبة الرجل المؤمنة بفكرة الدولة القوية دون إعطاء أي اهتمام لفكرة الانتخابات والحريات وسيادة القانون وقبول الآخر هي تمثل نقيضاً لمشروع يناير/كانون الثاني تماماً، كما أن تكرار الثورة هو الشبح الذي يطارده كما يبدو من حديثه شخصياً، وذلك ما جعل الرجل ساخطاً دوماً عليها حتى لو كان أكبر المستفيدين منها.

تحميل المزيد