قالت إسرائيل إن جرعة رابعة من لقاحات كورونا لا يبدو أنها توفر حماية كافية لمنع الإصابة بعدوى أوميكرون، فيما يبدو أنه تأكيد لرأي الهيئة الأوروبية للأدوية باحتمال تأثير تكرار الجرعات التنشيطية على جهاز المناعة.
كانت إسرائيل قد بدأت منذ آخر ديسمبر/كانون الأول الماضي في إعطاء جرعة رابعة معزّزة للفئات مناعياً بعد الانتهاء من إعطاء جرعة تنشيطية ثالثة لجميع السكان في صيف 2021.
وبعد نحو 3 أسابيع من بداية حملة الجرعة الرابعة، نشر باحثون في إسرائيل نتائج أولية تخص مدى تأثير الجرعة التنشيطية الرابعة، وخلصت الدراسة إلى أن الجرعة توفر "حماية جزئية فقط من أوميكرون"، بحسب تقرير لموقع دويتش فيله الألماني.
وكان توم بيكوك، عالم الفيروسات البريطاني في إمبريال كوليدج لندن، أول من اكتشف متحور أوميكرون، ونشر تفاصيل ما توصل إليه على موقع مخصص لنشر المعلومات المتعلقة بالخريطة الجينية لفيروس كورونا، وقال بيكوك إنه حتى الآن تم اكتشاف أربع سلاسل فقط لانتشار المتحور الجديد؛ لذلك "أنصح بالمراقبة حالياً"، مضيفاً أن وصول المتحور الجديد إلى آسيا يشير إلى أنه قد يكون أكثر انتشاراً مما نعرفه.
وزاد القلق بعد أن أصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيرات مقلقة بشأن أوميكرون، واصفة إياه بأنه قد يكون الأخطر على الإطلاق منذ اكتشاف سلالة دلتا، وهو ما ثبت بالفعل بعد أن أصبح أوميكرون الأكثر انتشاراً على الإطلاق بين سلالات ومتحورات الفيروس منذ ظهوره أواخر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية.
جدل الجرعات التنشيطية يتجدّد
منذ بدأ الحديث عن كون الجرعات التنشيطية من لقاحات كورونا ضرورة حتمية، أضيف عامل جديد من عوامل الجدل إلى كل ما يخص جائحة كورونا منذ ظهورها. وعن ذلك قال داني ألتمان، أستاذ علم المناعة في جامعة كوليدج لندن، لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "أحد الأشياء المروعة في هذا الوباء هو أن الناس لا يصدقون كل ما يقال من العلماء، لأننا نغير آراءنا لأن الهدف متحرك".
والمقصود بالهدف المتحرك هو كون لقاحات كورونا وبرامج التطعيم تنطوي على عمليات معقدة للغاية، إضافة إلى تحور الفيروس، وبالتالي اختلاف تأثير اللقاحات مع مرور الوقت.
وكانت نقطة التحول الكبرى في تعامل العالم مع وباء كورونا يوم الثلاثاء الموافق التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما أصبحت مارغريت كينان البالغة من العمر 91 عاماً، وويليام شكسبير البالغ من العمر 81 عاماً، أول شخصين يتلقيان جرعة أولية من لقاح فيروس كورونا بعيداً عن التجارب السريرية.
واحتفلت إحدى الصحف البريطانية بهذا الحدث قائلة في عنوانها الرئيسي "ترويض الفيروس"، ولم يكن الوباء قد انتهى بعد، لكن ما حدث آنذاك كان بمثابة الخطوة الأولى على طريق التغلب على الوباء.
لكن اليوم أصبح من الواضح أن العالم سيعاني من فيروس كورونا لسنوات قادمة، وبالتالي لم يعد السؤال: هل يكفي حصول الشخص على جرعتين من اللقاح؟ بل هل نحتاج إلى تكرار الجرعات التنشيطية؟
البروفيسور وي شين ليم، رئيس اللجنة المشتركة للتلقيح والتحصين ضد فيروس كورونا في بريطانيا، قال قبل أسبوعين: "تظهر البيانات الحالية أن الجرعة المعززة مستمرة في توفير مستويات عالية من الحماية ضد الأمراض الشديدة، حتى بالنسبة للفئات العمرية الأكبر سناً المعرضة للخطر".
وأضاف: "هذا أمر مشجع للغاية ويؤكد على قيمة الجرعة المعززة. مع استمرار انتشار أوميكرون على نطاق واسع، أشجع الجميع على التقدم للحصول على جرعتهم المعززة، أو في حال لم يتلقوا اللقاح، ليحصلوا على أول جرعتين لزيادة حمايتهم من الأعراض الخطيرة".
هيئة الدواء الأوروبية ورأي مختلف
لكن هيئة الدواء في الاتحاد الأوروبي (إيما) خلصت الثلاثاء 18 يناير/كانون الثاني الجاري إلى نتيجة مختلفة؛ إذ قال ماركو كافاليري، رئيس استراتيجية اللقاحات في الهيئة الأوروبية، خلال ملخص صحفي، إنه لا توجد بيانات تدعم نظرية توفير الجرعة التنشيطية الرابعة لفعالية مرتفعة في مقاومة كورونا أو الوقاية من العدوى. وأضاف كافاليري أن هناك مخاطر من أن يؤدي تكرار الجرعات التنشيطية إلى التقليل من فعالية الجهاز المناعي والتسبب في "إجهاد" المناعة الجماعية في المجتمعات التي تتبع ذلك الأسلوب.
وجاء ذلك رداً على تساؤلات بشأن بدء دول مثل الدنمارك والمجر وشيلي- بعد إسرائيل- في إعطاء جرعة تنشيطية ثانية لمواطنيها. وكان مدير منظمة الصحة العالمية قد قال في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي إن تعميم سياسة الجرعات التنشيطية يهدد بإطالة أمد الحرب على الوباء وليس العكس، بحسب تقرير لموقع دويتش فيله.
لكن الباحثون الذين يقولون إنه لا توجد بيانات سريرية تثبت فعالية تكرار الجرعات التنشيطية يصرّون على أنه لا توجد أيضاً "أدلة علمية" تؤيد نظرية أن الجرعات التنشيطية قد تسبب "إجهاداً" في نظام المناعة، لأنه لم تجر أية أبحاث في هذا الشأن بعد.
وقالت سارة فورتشن، أستاذة المناعة والأمراض المعدية في هارفارد، لموقع دويتش فيله، إن كافاليري على الأرجح كان يشير إلى "أن تكرار رؤية الأجسام المضادة التي تنتج عن اللقاحات قد يؤدي إلى إجهاد خلية تي المسؤولة عن مكافحة الفيروس داخل الجسم".
لكنها أضافت أنه على الرغم من وجود "أساس علمي للنظرية التي بنى عليها كافاليري رأيه، إلا أن تأكيد النظرية لابد أن يكون عمل الباحثين، لأن الوقت لا يزال غير كاف لتأكيد أو نفي مثل تلك النظريات بشأن الجرعات التنشيطية الخاصة بلقاحات كوفيد-19.
جدال اللقاحات ليس جديداً
ويبدو أن الجدل بين الآراء المتناقضة فيما يخص لقاحات كورونا سيستمر طالما استمرت الجائحة، وتجدد الجدل بشأن الجرعات التنشيطية لا يختلف كثيراً عن الجدل بشأن "اللقاح الإجباري".
الجدل بشأن الجرعات التنشيطية كان قد اشتعل بحدة بعدما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في أغسطس/آب الماضي أن الأمريكيين الذين تلقوا جرعتين من لقاحات كورونا سيكونون مؤهلين للحصول على جرعة ثالثة للتغلب على ضعف المناعة، ومتحور دلتا شديد العدوى وانتشار الإحجام عن تناول اللقاح.
والجدل في تلك المرحلة لم يكن علمياً بالأساس، بل كان جدلاً أخلاقياً يتعلق بالفجوة الهائلة بين الدول الغنية والدول الفقيرة فيما يتعلق بالتطعيم ضد الفيروس القاتل. ففي الوقت الذي أعلن فيه بايدن عن الجرعة الثالثة أو الجرعة التنشيطية الأولى، كانت دولاً في إفريقيا وأمريكا اللاتينية لم تتمكن بعد من توفير الجرعة الأولى لأغلب مواطنيها.
وكانت منظمة الصحة العالمية نفسها قد ركزت على تلك النقطة في رأيها القائل بأنه لا توجد حاجة لجرعات تنشيطية، قبل أن تعود وتغير ذلك الرأي وتقول إن تلك الجرعات التنشيطية وسيلة أساسية للوقاية و"ليست رفاهية"، بعد ظهور سلالة دلتا الهندية ثم متحور أوميكرون.
ومع ظهور أوميكرون، تعالت أصوات الفريق المطالب بإلزامية اللقاحات، في مواجهة فريق آخر يرى ذلك الإجراء "غير مقبول". الفريق المعارض لإجبار الناس على التطعيم ضد فيروس كورونا يضم بالأساس مشرِّعين وقانونيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، يرون في إقدام الحكومات على فرض الإلزامية تدخلاً من جانب المسؤولين يقيد الحرية الشخصية للمواطنين.
وترى ميشيل باشيليت، المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أنه على الدول التي تفكر بجعل التطعيم ضد كورونا إجبارياً ضمان احترام حقوق الإنسان، مشددة على أن فرض اللقاحات "غير مقبول". لكن الغالبية العظمى من خبراء الأوبئة وعلماء الفيروسات يرون أنه لا سبيل للانتصار على الوباء سوى بتطعيم جميع السكان.
كانت قضية احتجاز نوفاك ديوكوفيتش، نجم التنس الصربي في أستراليا، ثم إلغاء تأشيرته وحرمانه من المشاركة في بطولة أستراليا المفتوحة، نموذجاً لتلك المعركة الخاصة بجدل اللقاح الإجباري. فنجم التنس الصربي واحد من مشاهير الرياضة حول العالم يرفضون التطعيم ويشكك بعضهم، دون أساس علمي بالطبع، في اللقاحات.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.