أثار الرئيس الأمريكي جو بايدن حالة من الضبابية والتوتر بعد أن قال إن "توغلاً بسيطاً" من جانب روسيا في أوكرانيا قد لا يكون ثمنه باهظاً عكس الموقف من الغزو الشامل، فهل كانت زلة لسان أم ضوءاً أخضر لبوتين؟
خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض مساء الأربعاء 19 يناير/كانون الثاني، توقع بايدن أن تقوم روسيا بتحرك نحو أوكرانيا، وقال إن موسكو ستدفع ثمناً باهظاً إذا أقدمت على غزو شامل لكن "توغلاً بسيطاً" سيكبدها ثمناً أقل.
وقال بايدن: "ظني أنه سيتحرك… لابد أن يقوم بشيء" في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومضى يقول: "روسيا ستحاسب إذا قامت بالغزو، وهذا يعتمد على ما ستفعله. سيكون الأمر مختلفاً لو كان توغلاً بسيطاً. لكن لو فعلوا حقاً ما بمقدورهم فعله… سيكون الأمر كارثة لروسيا إذا غزت أوكرانيا ثانية".
تصريحات الرئيس الأمريكي أثارت ردود فعل متباينة بين "الصدمة" في أوكرانيا و"الغضب" لدى حلفاء واشنطن الأوروبيين، إذ يمكن قراءة ما قاله على إنه "ضوء أخضر" لبوتين كي يكرر ما فعله عام 2014 في إقليم شبه جزيرة القرم، بينما يرجع الغضب الأوروبي إلى ما توحي به تصريحات بايدن من وجود "خلافات" بين الحلفاء بشأن كيفية التعامل مع روسيا.
هل أعطى بايدن ضوءاً أخضر لبوتين؟
لا شك أن توقيت التصريحات التي أدلى بها بايدن لعب دوراً كبيراً في زيادة التوتر ورفع حدة الضبابية في الأزمة الأوكرانية، التي تهدد أوروبا والعالم باندلاع حرب لا أحد يمكنه توقع كيف يمكن أن تنتهي؛ إذ أشارت تقارير من أوكرانيا والولايات المتحدة أن روسيا قد تبدأ "الغزو" في أي لحظة.
وقبيل وصول أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى أوكرانيا الأربعاء، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين ساكي: "نعتقد أننا الآن في مرحلة يمكن أن تشن فيها روسيا بأي وقت هجوماً على أوكرانيا.. أود أن أقول إن هذا أمر جدي أكثر من السابق".
وكان تقرير لشبكة CNN الأمريكية، نقلاً عن وزارة الدفاع الأوكرانية، قد ذكر أن روسيا أوشكت على "إكمال التحضيرات العسكرية التي تمكّنها من شن غزو شامل ضد أوكرانيا"، مضيفةً أن عدد القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية قد أصبح أكثر من 127 ألفاً.
وأضاف تقرير الشبكة الأمريكية أن الأوكرانيين قدموا للأمريكيين تقييماً شاملاً، مفاده أن القوات البرية الروسية عند الحدود بلغت 106 آلاف، فيما توجد آلاف من القوات البحرية والجوية، ليصل المجموع إلى أكثر من 127 ألفاً، استعداداً لغزو شامل قد يقع في أي لحظة.
وبالتالي وقعت تصريحات بايدن وقع الصاعقة على المسؤولين في أوكرانيا، بحسب تقرير لشبكة CNN رصد ردود الفعل الفورية في كييف. وتزامنت تصريحات بايدن مع عقد بلينكن اجتماعات في أوكرانيا، مما تسبب في حالة "صدمة" لدى المسؤولين الأوكرانيين، إذ بدا كما لو أن بايدن أعطى ضوءاً أخضر لبوتين.
وقال مسؤول أوكراني للشبكة الأمريكية إن "حالة من الصدمة سيطرت على الجميع، لأن الرئيس الأمريكي يفرق بين التوغل البسيط والغزو مقترحاً أن توغلاً بسيطاً لن تكون له تداعيات كارثية".
وأضاف المسؤول الأوكراني: "هذه التصريحات تعطي ضوءاً أخضر لبوتين ليدخل أوكرانيا كيفما يشاء"، مؤكداً أنه لم يسمع أبداً مثل هذه التصريحات من الإدارة الأمريكية من قبل. "كييف في حالة ذهول".
وكانت روسيا وبيلاروسيا المجاورة لأوكرانيا قد شرعتا الثلاثاء 18 يناير/كانون الثاني، في مناورات عسكرية مبكرة وقالت وزارة الدفاع البيلاروسية إنها تستضيف التدريبات، بسبب استمرار "تفاقم" التوترات العسكرية، وضمن ذلك على حدودها الغربية والجنوبية. وتقع أوكرانيا جنوب بيلاروسيا.
ولم تكشف موسكو ولا مينسك عن عدد القوات المشاركة، لكن مقطع فيديو نشرته بيلاروسيا، أظهر عربات عسكرية، من ضمنها دبابات. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لـ"بي بي سي": "هذه الأرقام تتجاوز بالطبع ما كنا نتوقعه بشأن ما يتعلق بحجم التدريبات العادية؛ إذ تتطلب التدريبات العادية إخطاراً قبل 42 يوماً".
خلافات داخل الناتو بشأن روسيا وأوكرانيا
أما في العواصم الأوروبية، فقد تسببت تصريحات بايدن المثيرة للجدل في حالة من الغضب الشديد، إذ لا يمكن لمسؤولي الإدارة الأمريكية وحلف الناتو أن يكونوا سعداء لقيام بايدن بالحديث عن خلافات الناتو بشكل علني وواضح كما فعل، بحسب تحليل لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
فالتصريحات الصادرة عن واشنطن والعواصم الأوروبية وحلف الناتو فيما يخص الأزمة الأوكرانية كانت تشير في السابق إلى وحدة التحالف، لكن الرئيس بايدن كشف التصدعات الموجودة تحت ذلك، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان يمنح بوتين الإذن للقيام بـ"توغل بسيط".
فتصريحات الرئيس الأمريكي كشفت في العلن وبوضوح ما كان يعرفه الجميع في السر، وهو أن حلف الناتو متحد بشأن الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن توغل بسيط قد لا يؤدي لردود عنيفة: "هناك اختلافات فيما ترغب البلدان في القيام به بالنظر إلى ما سيحدث. إذا عبرت القوات الروسية الحدود وقتلت الأوكرانيين، فإن ذلك يغير كل شيء. يتوقف الأمر على ما يفعله، فيما يتعلق بوحدة الناتو".
ولدى سؤال بايدن عن آرائه حول نوايا بوتين، قال الرئيس الأمريكي: "هل أعتقد أنه سيختبر الغرب؟ يختبر الولايات المتحدة والناتو قدر استطاعته؟ نعم، أعتقد أنه سيفعل ذلك ولكنني أعتقد أنه سيدفع غالياً".
"لم ير قط عقوبات مثل تلك التي وعدت بفرضها إذا تحرك"، مضيفاً أن المستوى الدقيق للعقاب سيتوقف على حجم أي غزو. الحرب الوحيدة الأسوأ من تلك المقصودة هي تلك غير المقصودة، وما يقلقني هو أن ذلك يمكن أن يخرج عن السيطرة".
وأضاف بايدن: "آمل أن يفهم فلاديمير بوتين أنه، من دون الذهاب إلى حرب نووية شاملة، هو ليس في وضع جيد للغاية للسيطرة على العالم؛ لذا لا أعتقد أنه يفكر في ذلك، لكن هذا مصدر قلق". وقال أيضاً إنه من "المهم للغاية" بقاء حلفاء الناتو على نفس الموجة في مواجهة هجوم روسي محتمل.
هل تنجح محاولات البيت الأبيض إصلاح ما أفسده بايدن؟
في ظل الصدمة والغضب من تصريحات بايدن، سارع البيت الأبيض لمحاولة توضيح الموقف، وبعد نحو ساعتين من انتهاء المؤتمر الصحفي، أكد البيت الأبيض أن أي تحرك عسكري روسي إلى داخل أوكرانيا سيؤدي إلى رد صارم.
وقالت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض: "إذا عبرت أي قوات روسية الحدود الأوكرانية، سيكون هذا غزواً جديداً، وسيقابله رد سريع وصارم ومتحد من الولايات المتحدة وحلفائنا". وأضافت أن شن روسيا هجمات إلكترونية أو استخدامها أساليب شبه عسكرية، سيقابل "برد حاسم ومماثل وموحد".
ورصد تقرير لمجلة Politico الأمريكية كيف شن أعضاء الكونغرس الجمهوريون هجوماً لاذعاً على بايدن بسبب تصريحاته، معتبرين إياها ضوءاً أخضر لبوتين لعبور الحدود الأوكرانية على نطاق ضيق، خصوصاً أن بايدن نفسه لم يحاول توضيح الموقف خلال المؤتمر الصحفي الممتد.
فقد وجه الصحفيون سؤالاً مباشراً لبايدن بشأن إذا ما كان "يفتح الباب" أمام بوتين كي يقوم "بتوغل بسيط" كمخرج لتفادي العقوبات الأمريكية، وكان رد بايدن: "ظني أنه سيتحرك، لابد أن يقوم بشيء ما"، في إشارة لبوتين.
وفي ضوء تفاصيل المواقف المعقدة وردود الأفعال المختلفة، لا يبدو أن توضيح البيت الأبيض قد نجح في تهدئة خواطر الأوكرانيين أو في التغطية على حقيقة وجود خلافات داخل الناتو بشأن كيفية التعامل مع روسيا والأزمة الأوكرانية.
فألمانيا تعلن رفضها إرسال أسلحة إلى أوكرانيا بينما أرسلت بريطانيا أسلحة مضادة للدبابات، وتركيا تبيع طائرات مسيرة لأوكرانيا وتم الكشف عن المزيد من تلك الصفقات مؤخراً.
والأربعاء أعادت الحكومة الألمانية التأكيد على معارضتها إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وقال المتحدث باسم الحكومة ستيفن سايبرت، في مؤتمر صحفي ببرلين، إنه ليس هناك أي تغير في موقف حكومة البلاد.
وأضاف سايبرت أنه "لن يكون هناك أي شحنة أسلحة فتاكة (إلى أوكرانيا). كان هذا هو الحال من قبل خلال الحكومة السابقة وسيظل نفسه مع الحكومة الحالية"، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
ولطالما انتقدت أوكرانيا وعدة حلفاء في الناتو موقف ألمانيا المعارض لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا لردع روسيا التي حشدت قواتها على الحدود مع أوكرانيا وهناك مخاوف أوروبية من هجوم وشيك ضدها من موسكو.
والإثنين، بدأت المملكة المتحدة إمداد أوكرانيا بـ"أنظمة أسلحة خفيفة ومضادة للدروع ودفاعية"، حيث قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس إن المملكة المتحدة تدعم "بشكل لا لبس فيه" "سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها" داخل حدودها المعترف بها دولياً، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.