تقول التقارير الواردة من أوكرانيا والولايات المتحدة إن روسيا قد تبدأ "الغزو" في أي لحظة، فهل تتمكن كييف من الدفاع عن نفسها بعد وصول المسيّرات التركية والأسلحة المضادة للدبابات من بريطانيا؟
وبعد أن اقتربت الحلول الدبلوماسية من الوصول إلى طريق مسدود، بعد فشل محادثات روسيا والولايات المتحدة ثم جولة المباحثات مع حلف الناتو في تقريب وجهات النظر، قالت أوكرانيا إن روسيا "أكملت الاستعدادات العسكرية"، فيما يبدو أنه مؤشر على قرب انطلاق المواجهة العسكرية التي لا تبدو متكافئة.
وتتمثل الأزمة بأوكرانيا في حشد روسيا عشرات الآلاف من جنودها، فيما تصفه تقارير غربية وأمريكية بأنه استعداد للغزو، بينما تنفي موسكو نية الغزو وتتهم الغرب باستفزازها عن طريق نشر قوات لحلف الناتو بالقرب من حدود روسيا، في انتهاك لوعدٍ عمره أكثر من 3 عقود بعدم توسُّع الحلف شرقاً.
وفي ظل هذا الموقف المتأزم الذي يهدد باندلاع حرب لا أحد يمكنه الجزم بمسارها أو تداعياتها، التقى الأمريكيون والروس في جنيف، ثم التقى الروس وممثلو الناتو في بروكسل دون تحقيق أي تقدم.
والقصة تتعلق بمطالب روسيا، التي تشمل حظر توسيع حلف الناتو شرقاً والتعهد بعدم ضم أوكرانيا أبداً ووضع حد لنشاط الحلف العسكري الغربي في دول وسط أوروبا وشرقها التي انضمت إليه بعد 1997. بينما ترجع قصة الخطوط الحمراء بين روسيا والولايات المتحدة إلى نهايات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق -الذي كان يتزعم حلف وارسو- والمعسكر الغربي وحلفه العسكري "الناتو" بزعامة الولايات المتحدة.
روسيا أكملت التحضيرات العسكرية
وقبل أن يصل أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى أوكرانيا الأربعاء 19 يناير/كانون الثاني، قالت الولايات المتحدة إن روسيا يمكن أن تشن هجوماً على أوكرانيا في أي وقت.
وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين ساكي: "نعتقد أننا الآن في مرحلة يمكن أن تشن فيها روسيا بأي وقت هجوماً على أوكرانيا.. أود أن أقول إن هذا أمر جدي أكثر من السابق".
تأتي تلك التحذيرات قبل بدء مهمة بلينكن الدبلوماسية بشأن الأزمة الأوكرانية، والتي تشمل محادثات رباعية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا في برلين، قبل أن يجتمع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في جنيف، الجمعة 21 يناير/كانون الثاني.
وقال بلينكن خلال زيارته لأوكرانيا، إنَّ حشد القوات الروسية بالقرب من حدود أوكرانيا يعني أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمكنه أن يأمر بالهجوم على أوكرانيا خلال وقت قصير، مضيفاً أنه يأمل بشدة، أن تلتزم روسيا بالمسار السلمي والدبلوماسي عندما يذهب لمقابلة لافروف لاستكمال المباحثات لنزع فتيل المواجهة بشأن وأوكرانيا.
وأخبر بلينكن الدبلوماسيين في السفارة الأمريكية في كييف قائلاً: "نعلم أن هناك خططاً قائمة لزيادة أعداد هذه القوات (الروسية) بشكل أكبر خلال وقت قصير، لاتخاذ مزيد من التدابير العدوانية ضد أوكرانيا"، بحسب رويترز.
كان تقرير لشبكة CNN الأمريكية، نقلاً عن وزارة الدفاع الأوكرانية، قد ذكر أن روسيا أوشكت على "إكمال التحضيرات العسكرية التي تمكّنها من شن غزو شامل ضد أوكرانيا"، مضيفةً أن عدد القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية قد أصبح أكثر من 127 ألفاً.
وأضاف تقرير الشبكة الأمريكية أن الأوكرانيين قدموا للأمريكيين تقييماً شاملاً، مفاده أن القوات البرية الروسية عند الحدود بلغت 106 آلاف، فيما توجد آلاف من القوات البحرية والجوية، ليصل المجموع إلى أكثر من 127 ألفاً، استعداداً لغزو شامل قد يقع في أي لحظة.
والثلاثاء 18 يناير/كانون الثاني، شرعت روسيا وبيلاروسيا المجاورة لأوكرانيا في مناورات عسكرية مبكرة، وقالت وزارة الدفاع البيلاروسية إنها تستضيف التدريبات، بسبب استمرار "تفاقم" التوترات العسكرية، وضمن ذلك على حدودها الغربية والجنوبية. وتقع أوكرانيا جنوب بيلاروسيا.
ولم تكشف موسكو ولا مينسك عن عدد القوات المشاركة، لكن مقطع فيديو نشرته بيلاروسيا، أظهر عربات عسكرية، من ضمنها دبابات. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لـ"بي بي سي": "هذه الأرقام تتجاوز بالطبع ما كنا نتوقعه بشأن ما يتعلق بحجم التدريبات العادية. إذ تتطلب التدريبات العادية إخطاراً قبل 42 يوماً".
تسليح بريطاني وتركي لأوكرانيا
وإذا كانت التقارير الغربية تشير إلى أن بوتين قد يصدر "الأمر ببدء العمليات العسكرية" في أي لحظة، فكيف تستعد أوكرانيا؟ وهل تمتلك القوات الأوكرانية فرصة للتصدي للغزو الروسي الوشيك؟
قبل يومين فقط، أعلن بن والاس وزير الدفاع البريطاني، أمام البرلمان، أن لندن "سترسل" أسلحة مضادة للدبابات والمدرعات إلى أوكرانيا؛ لمساعدتها في التصدي لأي عمل عسكري من جانب روسيا.
والأربعاء، قال جيمس هيبي نائب وزير الدفاع البريطاني، إن بلاده قامت بتوريد آلاف الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات إلى أوكرانيا، مضيفاً في حديث لإذاعة LBC، إن "الأوكرانيين على استعداد للدفاع عن كل شبر من أراضي بلادهم"، حسب تقرير لوكالة سبوتنيك الروسية.
وكانت تركيا قد باعت لأوكرانيا مسيَّرات عسكرية من طراز "بيرقدار"، وكشفت تقارير صحفية، مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، تفاصيل صفقة مسيّرات سرية بين تركيا وأوكرانيا.
وذكرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية أن عدد الطائرات المقاتلة بدون طيّار من طراز "بيرقدار تي بي 2″، التي اشترتها أوكرانيا من تركيا، كان أكبر بكثير من الكمية التي تم الإفصاح عنها، ومن المتوقع أن يكون قد تم إبرام صفقات جديدة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وكانت الطائرات المسيَّرة من طراز بيرقدار، والتي استُخدمت لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول لضرب الانفصاليين الموالين لروسيا بمنطقة دونباس، قد تسببت في غضب شديد بروسيا.
هل يعني هذا قدرة أوكرانيا على التصدي لغزو روسي؟
مسارعة حلف الناتو لتقديم أسلحة لأوكرانيا لتتمكن من الدفاع عن نفسها في حالة وقوع الغزو الروسي، تثير المقارنات بين الجيشين الروسي والأوكراني، وهي المقارنة التي لا تبدو في صالح أوكرانيا بالمرَّة.
إذ تمكنت روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، من استعادة إمكاناتها العسكرية وحدَّثت قواتها الجوية والبحرية والبرية، ما سمح لها بسد الفجوة مع منافسيها الأمريكيين، والقدرة على إنتاج جميع أنواع الأسلحة.
وفي المقابل ورثت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي جُلّ قدراتها العسكرية، مع كثير من الفوارق بين قوة البلدين حالياً. وورث الجيش الروسي مجمّعاً صناعياً عسكرياً ضخماً من الاتحاد السوفييتي. وتستثمر الدولة أموالاً طائلة في التصنيع العسكري والتطوير التقني لمخزون الأسلحة الهائل الذي تمتلكه.
ودخلت روسيا ضمن أكبر 5 دول في مجال الإنفاق العسكري بنهاية عام 2019. ووفق تقرير "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام" (SIPRI) -الذي صدر في أبريل/نيسان 2020- تحتل روسيا المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على التسليح، بميزانية سنوية بلغت نحو 64 مليار دولار.
كما تحتل روسيا المرتبة الثانية عالمياً في حجم تصدير الأسلحة إلى الخارج، وبلغت مبيعاتها في العام الحالي 13.7 مليار دولار، وفقاً لبيانات شركة "روس أبورون إكسبورت" (ROSOBORONEXPORT)، المسؤولة عن صادرات الأسلحة الروسية. وفي عام 2021، بلغ عدد أفراد الجيش الروسي نحو 900 ألف عسكري.
وتضم القوات النووية الاستراتيجية الروسية 517 مركبة إيصال استراتيجي لنشر الأسلحة النووية، وصواريخ باليستية عابرة للقارات وغواصات وقاذفات ثقيلة مزودة بـ1420 رأساً نووياً.
كما تمتلك روسيا 12 غواصة نووية تحمل صواريخ استراتيجية، و7 غواصات محملة بصواريخ كروز، و10 غواصات ذرية متعددة الاستخدامات، و21 غواصة تعمل على طوربيدات الديزل، وحاملة طائرات، و4 طرادات، و15 فرقاطة، و125 سفينة للدوريات وخفر السواحل، و11 مدمرة، و48 سفينة إنزال، بعدد أفراد يبلغ تعدادهم 150 ألفاً.
ويبلغ عدد أفراد القوات الجوية الروسية نحو 170 ألفاً، وتشغل هذه أكثر من 3600 وحدة من المعدات العسكرية، إضافة إلى 833 وحدة تخزين، وفق معطيات العام 2019. ويمتلك سلاح الجو الروسي نحو 4500 طائرة، بينها 789 مقاتلة، و742 طائرة هجومية، و429 طائرة للشحن العسكري، و520 طائرة تدريب، و130 طائرة مهام خاصة، و1540 مروحية، من بينها 538 مروحية هجومية.
أما القوات البرية الروسية، فتضم 13 ألف دبابة ونحو 27 ألف مدرعة، و6540 مدفعاً ذاتي الحركة، و4465 مدفعاً ميدانياً، و3860 راجمة صواريخ، و450 كاسحة ألغام، ويبلغ تعداد أفرادها 350 ألفاً.
وعلى الجانب الآخر، كانت أوكرانيا قد ورثت عن الاتحاد السوفييتي معظم قواعدها وقواتها الحالية، وكان قوام الجيش الأوكراني يبلغ نحو 455 ألف جندي في عام الاستقلال 1991، ثم تراجع شيئاً فشيئاً إلى نحو 120 ألفاً عام 2013.
لكن أحداث عام 2014 التي تصفها كييف بـ"العدوان الروسي" على القرم وإقليم دونباس، أعادت الاهتمام بالقوات الأوكرانية ودعمها، فزادت ميزانيتها المخصصة لهذا الغرض لتبلغ نحو 6% من ميزانية 2021، بنحو 9.4 مليار دولار، بينما لم تتجاوز هذه الميزانية 1% قبل 2014.
وزادت أوكرانيا قواتها إلى نحو 204 آلاف جندي، أكثر من نصفهم متعاقدون، مع 46 ألف موظف عسكري إداري، إضافة إلى قوات داعمة أخرى، كحرس الحدود (نحو 53 ألفاً)، والحرس الوطني (60 ألفاً).
وتتألف القوات الأوكرانية اليوم من 6 أفرع، هي: القوات البرية والبحرية والجوية، وكذلك قوات الهجوم (المحمولة جواً)، والقوات الخاصة، التي لا تُعرف أعدادها. واستحدثت أوكرانيا في 2016 "القوات الموحدة"، التي تشارك فيها عدة وحدات عسكرية وأمنية، لقتال المسلحين الروس والانفصاليين في شرق البلاد.
ويبلغ تعداد قوات أوكرانيا البرية نحو 145 ألف جندي، وتمتلك 11.435 مركبة مدرعة، و2430 دبابة، و2815 مدفعاً، و550 راجمة صواريخ.
أما قوات أوكرانيا الجوية فيبلغ تعدادها نحو 45 ألفاً، ولديها 285 طائرة، منها 42 مقاتلة، و111 طائرة مروحية متعددة الأغراض، و34 طائرة مروحية هجومية. ويعتبر البحر من أبرز نقاط ضعف أوكرانيا العسكرية، وأكبر الفروقات التي تميز روسيا عنها، فقواتها البحرية تضم 25 قطعة بحرية، منها فرقاطة واحدة فقط، والباقية عبارة عن سفن مراقبة واستطلاع.
ولسدّ هذه الفجوة في ميزان القوة بينها وبين روسيا، تعتمد أوكرانيا على مساعدات الغرب العسكرية، لاسيما مساعدات الولايات المتحدة، التي خصصت لأوكرانيا أكثر من 4 مليارات دولار منذ 2014. وتوجه كييف جزءاً كبيراً من ميزانية الدفاع وخططه لشراء سفن من فرنسا وبريطانيا، ولإجراء مناورات في البحر الأسود.