مثّل الهجوم الجوي الذي تبنته جماعة "أنصار الله" الحوثي بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة على الإمارات، تحولاً استراتيجياً في الصراع الدائر في اليمن بين الجماعة المتمردة المدعومة من إيران ودول التحالف التي تحاربها.
وأعلن الحوثيون أنهم استهدفوا مطاري دبي وأبوظبي، ومنشآت "حساسة" في الإمارات بـ5 صواريخ باليستية، وعدد "كبير" من المسيّرات، حيث شهدت أبوظبي، الإثنين 17 يناير/كانون الثاني 2022، انفجار ثلاثة صهاريج نقل محروقات بترولية، ووقوع حريق في منطقة الإنشاءات الجديدة قرب مطار أبوظبي، وأسفر أحدهما عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 6.
ويعد هجوم أبوظبي هو أول هجوم مميت تعترف به الإمارات ويتبناه الحوثيون، فيما أعلنت أبوظبي على الفور عن "احتفاظها بحق الرد" على الهجوم الذي وصفته بـ"التصعيد الإجرامي الشنيع".
ماذا وراء هجمات الحوثيين على الإمارات؟
تجنَّبت الإمارات التي كانت عضواً في التحالف الذي تقوده السعودية مقاتلة الحوثيين، وتدعم رسمياً الحكومة اليمنية، منذ مارس/آذار 2015، إلى حد كبير، خط نيران الحوثيين خلال السنوات الأخيرة. فيما تحمَّلت المملكة العربية السعودية وطأة الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار المرسلة من اليمن، وكان آخر هجوم على الإمارات زعم الحوثيون عن مسؤوليته في عام 2018.
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، خففت الإمارات من تدخلها العسكري المباشر في اليمن، فيما يبدو أيضاً أن هناك استراتيجية نشطة للحوثيين منذ فترة طويلة بعدم استهداف الإمارات، على عكس السعودية التي تشترك بحدود طويلة مع اليمن، وتقول إنها تواجه الأخطار العسكرية بشكل دائم.
وحتى القوات المدعومة من الإمارات، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، والقوات المشتركة، بقيادة ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، تجنبت إلى حد كبير الهجمات ضد الحوثيين. وبدلاً من ذلك اشتبك المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل مباشر مع الحكومة اليمنية، وبدعم عسكري إماراتي، سيطر على العاصمة اليمنية المؤقتة الاستراتيجية، عدن في عام 2019.
مع ذلك، في الأسابيع القليلة الماضية، وجهت القوات المدعومة من الإمارات بنادقها إلى الحوثيين بقوة، حيث قامت "كتائب العمالقة"، وهي قوة مكونة إلى حد كبير من جنوب اليمن، وكانت تقاتل كجزء من القوات المشتركة على ساحل البحر الأحمر، بتحريك وحداتها شرقاً إلى شبوة في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث أجبرت الحوثيين على الخروج من المحافظة في أقل من أسبوعين.
وتندفع كتائب العمالقة إلى جانب القوات الحكومية اليمنية، الآن داخل مناطق الحوثيين في محافظتي البيضاء ومأرب المجاورتين، وتحقق بعض الانتصارات الميدانية عليهم.
مثلت هذه التطورات تحولاً كبيراً في المعركة البرية في اليمن، حيث كان عام 2021 عاماً ناجحاً إلى حد كبير بالنسبة للحوثيين. لقد تغلبوا على القوات الحكومية اليمنية في عدة أجزاء من اليمن، وهددوا بشكل خطير مدينة مأرب، آخر مدينة رئيسية في شمال اليمن تحت سيطرة الحكومة الكاملة، طوال معظم العام. لكن أدى ظهور "كتائب العمالقة" بدعم إماراتي إلى قلب موازين المعركة في مأرب وشبوة بشكل كبير، وهو سبب قيام الحوثيين بتصعيدهم ضد الإمارات.
خيارات الإمارات للرد على الحوثيين.. هل تعود أبوظبي لـ"المستنقع" اليمني؟
يؤكد الهجوم النوعي على أبوظبي، إلى جانب استيلاء الحوثيين على سفينة ترفع علم الإمارات في البحر الأحمر، في 2 يناير/كانون الثاني 2022، على قدرة الحوثيين على تهديد الإمارات العربية المتحدة، بالرغم من انسحاب قواتها من اليمن.
وليس من قبيل المصادفة أن آخر هجمات أعلن عنها الحوثيون على الإمارات كانت في عام 2018، وهو العام الذي تقدمت فيه القوات المدعومة من الإمارات بسرعة ضد الحوثيين على ساحل البحر الأحمر اليمني، وكانت على وشك الاستيلاء على مدينة الحديدة الساحلية، قبل أن تتوقف فجأة وتتدخل الأمم المتحدة لوقف الهجوم.
منذ ذلك الحين، غيرت الإمارات تكتيكاتها في اليمن، حيث أصبحت الحرب مستنقعاً للتحالف، وأكثر من ذلك تحولت إلى كارثة علاقات عامة، مع تحركات داخل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعزل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ووقف توريد الأسلحة لهما بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الحرب المدمرة.
بالتالي، فإن الهجوم على الإمارات رغم كونه "مقامرة" من جانب الحوثيين، فإنه لن يدفع الإماراتيين إلى الرجوع مرة أخرى للمستنقع اليمني، ولن ترغب أبوظبي في التعرض لأي أضرار اقتصادية نتيجة استمرار هجمات الحوثيين كما يحصل مع جارتها السعودية، التي تستطيع تحمل تكلفة ذلك أكثر من أبوظبي.
مع ذلك، قد ترى الإمارات أن عام 2022 يختلف عن عام 2018، إذ لم يعد وجود كبير لقواتها على الأرض، وبدلاً من ذلك تعتمد على حلفائها الذين صنعتهم مثل لواء العمالقة والمجلس الانتقالي الجنوبي وغيرهم، الذين يمكن دعمهم تكتيكياً ومالياً، إلى جانب الغارات الجوية ضمن قوات التحالف.
وشنت قوات التحالف غارات جوية شديدة أسفرت عن مقتل نحو 20 شخصاً في العاصمة اليمنية صنعاء، الثلاثاء 18 يناير/كانون الثاني 2022، بحسب الحوثيين، كردّ على مهاجمة أبوظبي يوم الإثنين.
هل تستطيع الإمارات تحمل تكلفة "السيناريو المثالي" الذي أرادته باليمن؟
على نفس القدر من الأهمية، نجحت الإمارات بإضعاف خصومها داخل التحالف المناهض للحوثيين في اليمن، حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين، بشكل كبير. وكان يُنظر إلى الإصلاح إلى حد كبير على أنه القوة المهيمنة داخل القوات الحكومية اليمنية العاملة في مأرب وشبوة وأجزاء أخرى من اليمن، وقد سمح الأداء الضعيف لهذه القوات خلال عام 2021، والخسائر التي تكبدتها، للإمارات وحلفائها بالتدخل وإضعاف دور الإصلاح في القتال ضد الحوثيين والسيطرة على المناطق التي كانوا ينتشرون فيها.
بالتالي، سيكون السيناريو الذي يمكن فيه إضعاف كل من الحوثيين والإصلاح مثالياً للإمارات، لكن هل سيتمكن الحوثيون من مواصلة الهجمات ضد الإمارات؟ وهل تتحمل أبوظبي بدورها تكلفة الدعم المستمر للقوات الموالية لها في اليمن في معركتهم ضد الحوثيين؟
يقول أحد قادة الحوثيين في صنعاء، الذي تحدث لموقع MEE البريطاني دون الكشف عن هويته، إنهم يستهدفون الإمارات الآن "لأنها عادت إلى خط المواجهة في الصراع اليمني مرة أخرى لقتالنا، بينما كنا على وشك تولي زمام الأمور في مأرب".
وأشار القيادي الحوثي إلى أن التطورات الأخيرة في مأرب والتقدم الذي أحرزته قوات العمالقة المدعومة إماراتياً كانت أسباب هجوم الحوثيين الأخير على أبوظبي، مضيفاً أن الحوثيين يريدون إرسال رسالة إلى الإمارات مفادها أنهم يستطيعون استهداف أراضيهم، قائلاً: "لدينا أسلحة يمكنها الوصول إلى الإمارات، وهم لا يستطيعون تحمل هجماتنا. إذا استمروا في دعم خصومنا لقتالنا فإننا نعدهم بشن هجمات مثل تلك التي نشنها ضد المملكة العربية السعودية".
وعقب هجمات أبوظبي، غرّد المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام قائلاً إن "الإمارات زعمت أنها نأت بنفسها عن اليمن، لكنها تعرضت لها مؤخراً على عكس ما زعمت"، مشيراً إلى أن أمام أبوظبي خيارين: إما التوقف عن التدخل في اليمن أو مواجهة عواقب الحوثيين، حسب تعبيره.