أمريكا تقدم “صك البراءة” لإيران في هجمات الحوثي على الإمارات.. هل يسهم ذلك في خفض التصعيد؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/18 الساعة 13:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/18 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش
مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي مع إيران- رويترز

رغم إدانة الخارجية الأمريكية للقصف الحوثي لأهداف في العمق الإماراتي، يبدو أن الولايات المتحدة لا تريد للتصعيد الخطير أن يؤثر على محادثاتها مع إيران بشأن الاتفاق النووي، فرفضت توجيه أصابع الاتهام لطهران.

كانت جماعة الحوثي اليمنية قد وجهت هجمات بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة إلى مطار أبوظبي الدولي ومنطقة مصفح الصناعية في العاصمة الإماراتية صباح الإثنين 17 يناير/كانون الثاني، ما تسبب في مقتل 3 أشخاص وإصابة 6 آخرين نتيجة لاشتعال حرائق في 3 صهاريج لنقل المشتقات البترولية وإصابة منطقة تحت الإنشاء في المطار.

‏‎ولاحقاً أعلن التحالف العربي، الذي يحارب في اليمن بقيادة السعودية، في بيان مقتضب نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) أنه "استجابة للتهديد والضرورة العسكرية، بدأنا ضربات جوية في صنعاء". وأضاف: "استهدفنا قيادات إرهابية شمال العاصمة صنعاء، ‏‎والموقف العملياتي يتطلب استمرار الضربات استجابة للتهديد".

ردود فعل وإدانة للحوثي وتصعيد عسكري

الهجمات الحوثية على أهداف مدنية في الإمارات أثارت ردود فعل واسعة في المنطقة وحول العالم، إذ أدانت غالبية الدول العربية تلك الهجمات وأعلنت تضامنها مع أبوظبي كما أكدت الإمارات على احتفاظها "بحق الرد".

وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات قالت في بيان: "ندين استهداف ميليشيا الحوثي الإرهابية لمناطق ومنشآت مدنية على الأراضي الإماراتية اليوم… هذا الاستهداف الآثم لن يمر دون عقاب"، وأضافت: "دولة الإمارات تحتفظ بحقها في الرد على تلك الهجمات الإرهابية وهذا التصعيد الإجرامي".

وأعلنت الخارجية المصرية، في بيان، أن وزيرها سامح شكري أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، وأكد "إدانة مصر لأي عمل إرهابي تقترفه ميليشيا الحوثي لاستهداف أمن واستقرار وسلامة الإمارات ومواطنيها، ودعمها لكل ما تتخذه أبوظبي من إجراءات للتعامل مع أي عمل إرهابي يستهدفها".

كما أعربت قطر في بيان للخارجية عن "إدانتها واستنكارها الشديدين" للهجمات، معتبرة إياها "عملاً إرهابياً ينافي كل الأعراف والقوانين الدولية"، وعبرت عن تعازي قطر لذوي الضحايا، وتمنياتها للجرحى بالشفاء العاجل، وللإمارات حكومة وشعباً، بالأمان والاستقرار.

الإمارات أبوظبي الحوثي
صور للأقمار الصناعية تظهر خسائر هجوم الحوثي على أبوظبي/أسوشيتد برس

وأدانت خارجية الأردن، في بيان هذا "الاعتداء الإرهابي الجبان"، مشددة على أن "أمن الإمارات جزء لا يتجزأ من أمن المملكة". وأعرب ملك الأردن، عبد الله الثاني، في اتصال هاتفي مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، عن إدانته لـ"الاعتداء الإرهابي الجبان"، مؤكداً وقوف الأردن إلى جانب "الإماراتيين في مواجهة كل ما يهدد أمنهم".

وعدت الخارجية السعودية في بيان الإدانة الاستهداف "هجوماً إرهابياً جباناً"، مؤكدة "وقوفها التام مع الإمارات أمام كل ما يهدد أمنها واستقرارها". وفي اتصال هاتفي، مع ولي عهد أبوظبي، أكد ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، إدانته لـ"الهجوم الإرهابي" مشددين على استمرارهما في "التصدي لتلك الأعمال الإرهابية".

كما قالت وكالة أنباء الإمارات (وام) إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ندد بالهجوم في اتصال هاتفي مع نظيره الإماراتي. وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن واشنطن ستعمل على محاسبة الحوثيين.

وشنَّ التحالف العربي ضربات جوية على العاصمة اليمنية صنعاء، وأصابت إحدى الضربات الجوية منزل مسؤول عسكري سابق وقتلته هو وابنه البالغ من العمر 25 عاماً، بحسب ما ذكره مصدر طبي واثنان من الجيران لرويترز.

مطالب إماراتية بإدراج الحوثي على قائمة الإرهاب

رد الفعل الأمريكي تحديداً نال الجانب الأكبر من التغطية الإعلامية والتحليلات في ضوء عدد من المعطيات أبرزها على الإطلاق هو قيام الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن بإلغاء قرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إدراج جماعة الحوثي على لائحة الإرهاب.

وبحسب تقرير لموقع Axios الأمريكي نقلاً عن مصدر إماراتي، طالب عبد الله بن زايد وزير الخارجية نظيره الأمريكي بلينكن بإعادة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة "إرهابية"، في ضوء اعتراف الجماعة باستهداف مطاري أبوظبي ودبي ومنشآت مدنية أخرى.

وبحسب ما قاله الوزير الإماراتي لنظيره الأمريكي، فإن "اختطاف الحوثيين لسفينة تحمل العلم الإماراتي ثم إطلاق صواريخ ومسيّرات نحو أهداف مدنية إماراتية هو التعريف الفج للأعمال الإرهابية". لكن لم يتضح بعد إذا ما كانت إدارة بايدن سوف تقدم على اتخاذ تلك الخطوة أم لا.

رغم انسحابها العسكري منذ 3 أعوام، أكدت الإمارات احتفاظها بـ"حق الرد" على الحوثيين في اليمن، تعبيرية/ تويتر

الحوثيون من جانبهم برروا قصف الإمارات بأنه رد على ما وصفوه بتصعيد "العدوان" على اليمن؛ إذ قال بيان للحوثي نقلته قناة المسيرة التابعة للجماعة إنه "تم تنفيذ عملية إعصار اليمن رداً على تصعيد العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي (التحالف)"، وأوضح أن العملية "استهدفت مطاري دبي وأبوظبي ومصفاة النفط في المصفح (بأبوظبي) وعدداً من المواقع والمنشآت الإماراتية الهامة والحساسة".

"العملية تمت بخمسة صواريخ باليستية ومجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيرة (لم يذكر العدد)"، ودعا البيان الشركات الأجنبية والمواطنين والمقيمين في الإمارات إلى الابتعاد عن "المواقع والمنشآت الحيوية" متوعداً بـ" توسيع بنك الأهداف ليشمل مواقع ومنشآت أكثر أهمية الفترة المقبلة".

واشنطن تقول إن طهران "بريئة" هذه المرة!

أما فيما يخص الدور الإيراني، إن وُجد، بشأن الهجمات الحوثية غير المسبوقة في العمق الإماراتي، فلم يصدر أي تعليق رسمي من أبوظبي في هذا الشأن، لكن تلك الزاوية من الأحداث لا يمكن تجاهلها بطبيعة الحال.

وقال المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إنه من المحتمل أن تفسد ضربة الحوثيين الحوار الإماراتي والخليجي الأوسع مع إيران، مضيفاً أن الإمارات لن تأخذ هذا الأمر باستخفاف، ومشيراً إلى أن الوقت لا يزال مبكراً لتقييم رد أبوظبي، بحسب رويترز.

كما نقلت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية عن مسؤول إماراتي قوله إن "الحوثيين لا يشنون أي هجوم ضد دول أخرى بطائرات مسيرة أو بصواريخ باليستية أو صواريخ كروز دون إذن أو تعليمات مباشرة من إيران"، مضيفاً أن أبوظبي لا تزال تدرس وتحقق في احتمال وجود أي دور إيراني في تلك الهجمات من عدمه.

لكن النقطة اللافتة في تقرير وول ستريت جورنال هي أن الصحيفة نقلت عن مسؤول أمريكي، دون أن تسميه، قوله إن إيران ليست متهمة بالتورط المباشر في هجوم الإثنين (قصف العمق الإماراتي)، دون أن تذكر الصحيفة تفاصيل بشأن كيفية توصل المسؤول الأمريكي لتلك النتيجة. فهذه هي المرة الأولى التي يسارع فيها مسؤول أمريكي إلى "تبرئة" إيران في هجوم مماثل.

ولم يصدر تعليق حتى الآن من مسؤولين إيرانيين، لكن وكالة أنباء تسنيم الإيرانية ذكرت أن هذا الهجوم "عملية مهمة". وكانت الرياض وأبوظبي قد اتجهتا للحوار مباشرة مع إيران في الأشهر الماضية لتجنب أي صراع أوسع قد يضر بالطموحات الاقتصادية في المنطقة. ويرى كثيرون أن حرب اليمن حرب بالوكالة بين السعودية وإيران.

السودان
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن – رويترز

كانت الحرب في اليمن قد بدأت مع انقلاب جماعة أنصار الله (الحوثيين) على الحكومة اليمنية في سبتمبر/أيلول 2014، ثم قادت السعودية والإمارات تحالفاً لدعم الشرعية في اليمن منذ مارس/آذار 2015 بهدف القضاء على الحوثيين وإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الحكم.

لكن الحرب، التي تقترب من نهاية عامها السابع، قد تسببت في نزوح ما يزيد على أربعة ملايين شخص، بينما يعتمد نحو ثلثي سكان اليمن، أي أكثر من 20 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية العاجلة، منهم نحو خمسة ملايين يعانون من مجاعة، إضافة لمقتل نحو 13 ألف مدني وإصابة 112 ألفاً آخرين تقول منظمات حقوقية دولية إنهم ليسوا طرفاً في الحرب.

المفاوضات النووية مع إيران والتصعيد في اليمن

توربيورن سولتفيد كبير محللي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى شركة فيريسك مابلكروفت لمعلومات المخاطر قال لرويترز إنه "مع نفاد الوقت أمام المفاوضين (النوويين)، يتزايد خطر تدهور المناخ الأمني ​​في المنطقة".

هذا الرأي هو السائد بين أغلب المحللين شأن ما يحدث في المنطقة، خصوصاً في الدول العربية التي توجد فيها ما يوصفون بأنهم "أذرع إيران"، مثل حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق وكذلك الحوثيون في اليمن، مع الاعتراف باختلاف درجات النفوذ الإيراني على قرار تلك الحركات، بحسب محللين.

هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها العمق الإماراتي لهجمات الحوثيين منذ بدء الإمارات انسحابها من الحرب في اليمن، والمرة الأولى على الإطلاق التي يتبنى فيها الحوثيون الهجمات وتعترف أبوظبي بوقوعها.

"ألوية العمالقة" المدعومة من الإمارات في اليمن/ تويتر

ويرى فريق من المحللين أن توقيت التصعيد من جانب الحوثيين ضد الإمارات قد يكون مرتبطاً بالأساس بالهزائم التي حاقت بهم في محافظة شبوة على يد "ألوية العمالقة" التي تمولها وتسلحها الإمارات، وهو ما ساقه المتحدث باسم الجماعة الشيعية بالفعل في حديثه عن تفاصيل قصف الإثنين، والتوعد بالمزيد في حال لم توقف الإمارات "تصعيدها" ضدهم.

وبالتالي فربما تريد واشنطن ألا تضيف مزيداً من الوقود على النيران المشتعلة بالفعل من خلال اتهام طهران مباشرة بالتورط في الهجوم الحوثي على أبوظبي، خصوصاً أن المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي بدأت جولة جديدة، رغم أن الأجواء لا توحي بحدوث انفراجة قريباً.

والواضح أن السعي نحو تفادي مزيد من التصعيد هو رغبة الأطراف الدولية، إذ قال متحدث باسم أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إنه ندَّد بالهجوم ضد الإمارات، لكنه دعا "جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ومنع أي تصعيد في ظل التوتر المتزايد في المنطقة".

تحميل المزيد