أقراص كورونا أو حبوب كوفيد-19 التي طوَّرتها شركات أمريكية تمثل سلاحاً هاماً في حرب الوباء التي دخلت عامها الثالث، لكن يبدو أن ما حدث مع اللقاحات يتكرر، إذ يسيطر "الغرب المتوحش" على الإنتاج ولا عزاء للفقراء.
صحيفة The Washington Post الأمريكية رصدت قصة تهافت "الغرب المتوحش" على أقراص كورونا، وكيف أن غياب العدالة سيؤثر على العلاج الذي يتوقع أن يُحدث ثورة في مواجهة جائحة كورونا، كما حدث في اللقاحات قبل عام من الآن.
ماذا حدث في توزيع اللقاحات؟
قال وزير الصحة الكولومبي فرناندو رويز: "سمعنا أنه لا تتوفر إمدادات كافية تضمن حصول دول العالم على هذه الأدوية"، وأضاف أنه تنتابه "مخاوف كثيرة" من أن يتكرر ما حدث من نقص في اللقاحات.
ففي أواخر عام 2019 ظهر فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية وتحول مع مطلع 2020 إلى جائحة عالمية، وكان واضحاً للجميع منذ البداية أن الفيروس القاتل سريع الانتشار ولا يفرّق بين غني أو فقير، مما يعني أنه حتى لو نجحت الدول الغنية في القضاء عليه على أراضيها فإنَّ خطره لن ينتهي إلا إذا تمت محاصرته تماماً حول الكرة الأرضية بكاملها.
وعلى أساس تلك الفلسفة تم إطلاق مبادرة كوفاكس تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية منذ أبريل/نيسان عام 2020، بمشاركة أكثر من ثلثي دول العالم وضمت حكومات وشركات قطاع خاص ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية؛ لضمان تنسيق جهود مكافحة الوباء حول العالم من التشخيص إلى العلاج، إلى اللقاحات للتأكد من وجود عدالة بين دول العالم الغنية والفقيرة.
ووُضِعَت خطط "كوفاكس"، منذ يونيو/حزيران عام 2020، بواسطة "تحالف غافي للقاحات"، الذي يهدف إلى زيادة فرص الدول الفقيرة في الحصول على التطعيمات، وتحالف ابتكارات التأهّب للأوبئة، ومنظمة الصحة العالمية. لكن بعد التوصل للقاحات بالفعل شهد العالم احتكار الدول الغنية لجرعات اللقاح لمواطنيها أولاً، مما أدى إلى فجوة هائلة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، لا تزال قائمة.
وبالتالي فإن وزير الصحة الكولومبي رويز يبدو قلقاً من تكرار نفس السيناريو مع العلاجات الفموية لكورونا، ويحذر من سيطرة الأغنياء على إنتاج تلك الأقراص، ويبدو حتى الآن أنه محق في مخاوفه، بحسب تقرير واشنطن بوست.
تعمل حبة علاج كوفيد، التي تم تطويرها بغرض منع العدوى الفيروسية في البشر والحيوانات، كمقوٍّ لجهاز المناعة؛ كي يقاوم العدوى ويغلق مستقبلات الفيروس في خلايا الجسم، حتى لا يتمكن الفيروس من النفاذ إلى الخلايا غير المصابة، أو تقليل حجم الحمل الفيروسي داخل جسم المصاب.
وقالت تيموثي شيهان، خبيرة الفيروسات في جامعة نورث كارولينا الأمريكية، التي لعبت دوراً رئيسياً في فريق تطوير حبة علاج كوفيد، لشبكة CNN إن "مضادات الفيروسات الفموية لديها القدرة ليس فقط على تخفيض الفترة الزمنية التي يعاني خلالها مريض كوفيد من الأعراض، لكنها أيضاً تساعد على الحد من نقل العدوى لأفراد عائلة المريض ومَن يخالطونه".
سيطرة غربية على أقراص كورونا
لكن بعد أن بدأت بعض البلدان في طرح هذه الأدوية التي يترقبها الجميع، أبدى البعض الآخر مخاوفه من أن نقصها وفوضى تصنيعها قد يعيقان إمداداتها العالمية. إذ إن البلدان الغربية بادرت بالفعل بحجز الجزء الأكبر من إمدادات هذه الأدوية التي يتوقع أن تتوفر في النصف الأول من عام 2022.
والاستخدام الفعال لهذه الحبوب– التي تشمل باكسلوفيد Paxlovid من شركة فايزر ومولنوبيرافير Molnupiravir من شركة ميرك، والتي صُنعت بالتعاون مع شركة Ridgeback Biotherapeutics وجامعة إِموري- يتطلب أيضاً توفير فحوصات فيروس كورونا التي لا تزال شحيحة في أماكن كثيرة.
ويُرجح أن يستمر هذا الانعدام في المساواة في توزيع الأدوية خلال المراحل الأولى من توزيعها على الأقل. إذ يحذر تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر مطلع هذا الشهر من "نقص كبير" في عقار باكسلوفيد في البلدان منخفضة الدخل والبلدان ذات الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط حتى تتوفر الأدوية المكافئة على نطاق أوسع، قالت إنه من المرجح أن يكون النصف الثاني من عام 2022.
وتحرص الدول الغنية على شراء جميع الدُّفعات الأولى من الحبوب من شركتي فايزر وميرك. فحتى الآن، أبرمت عشرات الدول صفقات لشراء باكسلوفيد، وفقاً لبحث تجريه جامعة ديوك عن الطلبيات المبكرة.
وهذه الصفقات تشمل بيع أكثر من 26 مليون برنامج علاجي، منها 20 مليون برنامج علاجي مخصص للولايات المتحدة، التي دفعت أكثر من 10 مليارات دولار مقابل هذه الأدوية.
ولا يختلف هذا السياق عما حدث في لقاحات كورونا، إذ كانت إدارة الرئيس جو بايدن قد قامت بتخزين مئات الملايين من الجرعات، وبدأت منذ أغسطس/آب الماضي بتوفير الجرعات التنشيطية لمواطنيها على نطاق واسع، في وقت لم توفر عشرات الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية جرعات تكفي نصف مواطنيها فقط.
وتتوقع شركة فايزر أن تنتج 30 مليون برنامج علاجي فقط في المجمل بحلول الربع الثاني من عام 2022 و120 مليوناً بحلول نهاية العام، وفقاً لمديرة العلاقات الإعلامية في الشركة كيت لونغلي. وقالت كيت إن الولايات المتحدة ستتلقى 10 ملايين برنامج علاجي بحلول يونيو/حزيران وعشرة ملايين برنامج آخر بحلول سبتمبر/أيلول.
لكن شركة ميرك تلقت عدداً أقل من الطلبات- حوالي 8.6 مليون برنامج علاجي من 15 دولة- منها 12 دولة مرتفعة الدخل وثلاث دول متوسطة الدخل. وتهدف الشركة إلى إنتاج 30 مليون برنامج علاجي فقط بحلول نهاية العام.
ماذا عن الدول الفقيرة إذاً؟
النسخ المكافئة من العقارين تتوفر بالفعل في جنوب آسيا، حيث تعمل بعض الشركات المصنعة خارج برنامج Medicines Patent Pool أو MPP المدعوم من الأمم المتحدة. وتلقى ما لا يقل عن 13 شركة أدوية في الهند الموافقة على إنتاج نسختها من عقار مولنوبيرافير، وكمية كبيرة منه تتوفر في السوق بالفعل، فيما تنتج شركتان في بنغلادش حتى الآن نسختهما من باكسلوفيد.
ويتوفر في كلا البلدين قطاعات دوائية قوية غالباً ما تنتج الأدوية المكافئة. وفي الوقت الحالي، قد تكون الأسعار باهظة: فالبرنامج العلاجي الواحد من نسخة مكافئة من مولنوبيرافير في الهند قد يكلف أقل من 30 دولاراً، لكن نسختي باكسلوفيد المتوفرين في بنغلادش أغلى بكثير، حيث يقترب سعرهما من 200 دولار.
وتدخلت هيئات متعددة لضمان حصول البلدان منخفضة الدخل على أدوية كوفيد. وأعلنت مؤسسة غيتس العام الماضي أنها خصصت حوالي 120 مليون دولار لتوفير مولنوبيرافير في البلدان منخفضة الدخل.
وقال الاتحاد الإفريقي هذا الأسبوع إنه يجري محادثات مع شركة فايزر للحصول على باكسلوفيد. وتقدمت أيضاً مجموعات صيادلة ومنظمات غير ربحية بدعاوى قضائية لإجبار الحكومة على إصدار ترخيص إلزامي لعقار فايزر في تشيلي.
يقول جون ماكغراث، رئيس التصنيع والإمداد الخارجي في شركة ميرك، إن الشركة حريصة على طرح الدواء على مستوى العالم. وقال ماكغراث: "نحاول أن نتجنب ما حدث مع اللقاحات، ونحرص أشد الحرص على توفير إمدادات الدواء بأسرع ما يمكن على مستوى العالم".
على أن شركتي الأدوية فايزر وميرك ستحتفظان بسيطرتهما على إمدادات الأدوية للبلدان ذات الدخل المرتفع وفوق المتوسط التي لا تشملها تراخيص برنامج MPP، ومن ضمنها العديد من بلدان أمريكا اللاتينية.
وينبّه الخبراء أيضاً إلى أن نقص الفحوصات في بعض البلدان قد يكون له تأثير كبير على طرح هذه الأدوية، إذ قدَّرت الدراسات التي أجرتها منظمة الصحة العالمية أن 6 من أصل 7 حالات كوفيد -19 في إفريقيا لا تُكتشف، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى نقص العرض والطلب على الفحوصات.
وتختبر شركتا فايزر وميرك الآن إن كان يمكن تناول عقاريهما وقائياً بعد التعرض المحتمل للفيروس. وإذا نجح الأمر، فقد تساهم هذه الحبوب بدور مهم في منع الإصابة المصحوبة بأعراض. ويقول الخبراء إن ذلك من شأنه أن يقلل الحاجة إلى الفحوصات. وسيزيد الطلب على هذه العلاجات.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.