شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلةً من الانتصارات للقوات المتحالفة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وداعميها السعوديين والإماراتيين. وقد اعتمدت مكاسبهم العسكرية بشكلٍ كبير على الدعم القوي من القوات الجوية السعودية.
ففي ديسمبر/كانون الأول، ناشدت السعودية الولايات المتحدة من أجل الحصول على أنظمة دفاعٍ جوي، بحجة الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الصاروخية العابرة للحدود من الحوثيين المدعومين من إيران. وفي الوقت ذاته نجحت إدارة بايدن في تمرير قرار بيع صواريخ جو-جو بقيمة 650 مليون دولار عبر الكونغرس، رغم اعتراضات بعض المشرعين القلقين بشأن الدعم الأمريكي لتدخل المملكة المستمر منذ سبع سنوات في اليمن، وذلك بالتأكيد على أنّ الأسلحة ستستخدم لأغراضٍ "دفاعية" فقط.
تحولات دراماتيكية يشهدها سير المعارك في اليمن
لكن الهجمات الأخيرة المدعومة من السعودية تدحض مزاعم السعوديين بأنهم كانوا بحاجة إلى الذخيرة الأمريكية للدفاع عن أنفسهم، فضلاً عن تبريرات إدارة بايدن لتمرير صفقة الأسلحة الأخيرة، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
فبدلاً من الدفاع انقلبت موازين السيطرة في مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية مرةً أخرى لصالح السعوديين وحلفائهم. بينما قال المبعوث الأممي الخاص لليمن هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن، يوم الأربعاء 12 يناير/كانون الثاني، "إنّه لن يتم التوصل إلى حلٍّ مستدام طويل الأمد في ساحة المعركة"، مضيفاً أن "تصعيد العنف يُقوّض جهود حل النزاع"، حسب تعبيره.
وقبل أسبوعين، كان الحوثيون يسيطرون على ثلاث مناطق في محافظة شبوة الجنوبية التي تحتوي على بنية تحتية نفطية، ولكن منذ وصول ألوية "العمالقة" المتميزة، وهي قوات تابعة للحكومة الشرعية، التي جاءت بعد تغيير محافظ شبوة المناهض للإمارات، فإن القوات الموالية لحكومة اليمن المعترف بها دولياً، تمكنت من الاستيلاء على المحافظة بالكامل.
ونجحت ألوية "العمالقة" بجانب مقاتلين جنوبيين آخرين، بالتقدم نحو محافظة مأرب، وأعادوا فرض السيطرة على غالبية مناطق مديرية حريب. وفي مؤتمر صحفي عقد في شبوة، أعلن تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف العربي في اليمن عن عملية جديدة أطلق عليها "حرية اليمن السعيد"، ما يكشف عن تحولات دراماتيكية في سير المعارك باليمن.
الحوثيون فقدوا المكاسب التي حققوها خلال الأعوام الماضية
في العام الماضي، تسببت الخلافات بين القوات المدعومة من السعودية وتلك المدعومة من الإمارات في تقويض فاعليتهم ضد الحوثيين، ما سمح للحوثيين بتحقيق مكاسب على الأرض في محافظتي البيضاء وشبوة، لكن القوات الموالية للتحالف السعودي نجحت في استرداد تلك المكاسب من بين أيديهم الآن.
حيث موّلت الإمارات بشكلٍ أساسي الميليشيات التي تسعى إلى يمنٍ جنوبي مستقل، بينما تدعم السعودية الحكومة الانتقالية برئاسة عبد ربه منصور هادي، إذ ترى الإمارات في جنوب اليمن المستقل مستقبلاً دولةً انفصالية مفيدة لها، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بينما تخشى السعودية أنّ سيطرة "أنصار الله" الحوثية على الحكومة المركزية ستجعل حدودها الجنوبية عرضةً للوجود والضغط الإيرانيين.
ولسوء الحظ، أصبحت السعودية أكثر عرضةً للهجمات العابرة للحدود على مدار الحرب، وهي النتيجة التي دخلت السعودية الحرب من أجل تجنبها في المقام الأول. وفي يوليو/تموز الماضي، انتقد المعلقون السعوديون علناً دور الإمارات في اليمن، في واقعةٍ نادرة تُشير إلى استياء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من حليفه ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد.
وفي عام 2019، وقّعت القوات المدعومة من السعودية والإمارات على اتفاقية الرياض، التي سعت لإقامة شراكة وظيفية بينهم. لكن الجانبين والميليشيات الانفصالية الأخرى استمروا في التصارع على السلطة داخل عدن، ليُقوّضوا أمنها وخدماتها الأساسية، ويتسببوا في احتجاجات مدنية وعمليات قمع عنيفة، خلال سبتمبر/أيلول الماضي.
على الجانب الآخر، أدّى الأمن المادي والاقتصادي النسبي في المناطق التي تسيطر عليها حركة أنصار الله إلى جذب اليمنيين لمناطق صنعاء وإب وذمار. وفي الخريف الماضي، بدأ المراقبون في اليمن في التساؤل عما إذا كانت حركة أنصار الله ستعزز سيطرتها على شمال اليمن عن طريق الإحاطة أخيراً بالموالين لحكومة هادي في مأرب. كما أعرب الكثيرون عن مخاوفهم إزاء التداعيات الإنسانية لحدوث ذلك، بالنظر إلى العدد الكبير من اليمنيين الذين لجأوا إليها، ولكن بعد التعاون الظاهري بين القوات المدعومة من السعودية والإمارات، يبدو أن حركة أنصار الله ستُطرد من مأرب وتُحرم من الوصول إلى الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية في المنطقة.
ضغط أمريكي لصالح التحالف السعودي لإجبار الحوثيين على وقف إطلاق النار
يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إن إدارة بايدن ربما تشعر بأنّ النجاحات العسكرية الأخيرة ستبرر قرارها بزيادة الدعم المقدم للسعودية، عن طريق الضغط المحتمل على الحوثيين للموافقة على وقف إطلاق النار حتى لا يخسروا المزيد من الأراضي. وهذه واحدةٌ من النتائج المحتملة، رغم أنّ وزير خارجية الحوثيين هشام شرف أكّد في 18 ديسمبر/كانون الأول أنّ حكومته منفتحةٌ على فكرة وقف إطلاق النار بشرط أن ترفع السعودية حصارها أولاً عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي.
إذ استمر السعوديون في فرض الحصار بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي يُبرر الدور السعودي في منع تهريب الأسلحة للمعارضة. وهو نفس القرار الذي يُلزم بإعادة تنصيب الرئيس هادي، الذي يعيش في المنفى بالرياض فعلياً منذ عام 2015. وتُشير التقارير الأخيرة إلى أنّ بريطانيا قد تُقدم مشروع قرارٍ جديد لمجلس الأمن يسمح باستبدال هادي. وقد يوجد البديل في سياسيٍ أقل تلوثاً بالفساد، مثل رئيس وزرائه معين عبد الملك سعيد، إذ وُلِد سعيد في تعز بوسط اليمن، ويُعتبر شخصيةً تكنوقراطية ومتفاهمة، كما يقول الموقع الأمريكي.
وهذا القرار الجديد لمجلس الأمن سيمنح المجتمع الدولي فرصةً لتقديم إطارٍ أكثر واقعية لحل نزاع اليمن الطويل. إذ يُلزم قرار مجلس الأمن رقم 2216 حركة أنصار الله بتسليم أسلحتها وكافة الأراضي التي استولت عليها منذ عام 2014، وهي الشروط التي لطالما رفضوها ولن يقبلوا بها مطلقاً تقريباً. ولسوء الحظ فإنّ المكاسب الأخيرة للتحالف الذي تقوده السعودية قد تشجعهم في الإصرار على تلك الشروط كما فعلوا على مدار السنوات السبع الماضية، بدلاً من القبول بفكرة أنّ الحرب في اليمن ستستمر حتى تعثر كافة الأطراف على أسبابٍ مقنعة للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وفي فبراير/شباط الماضي، كان بايدن قد تعهّد بإنهاء الدعم الأمريكي للسعوديين في اليمن، "شاملاً مبيعات الأسلحة المرتبطة"، لكن يبدو أن تصرفات إدارته حتى الآن قد أدت إلى استمرار الصراع، والإضرار بالمصالح الأمريكية وحياة ومستقبل اليمنيين على حدٍّ سواء، كما يقول الموقع.