خفّت حدّة الحرب الأهلية في إثيوبيا بشكل كبير بعدما نجح رئيس الوزراء آبي أحمد بقلب موازين المعركة لصالحه، وردع قوات التيغراي عن العاصمة أديس أبابا في أواخر 2021، التي كان المتمردون يقفون على أبوابها. وكان آبي أحمد قد أعلن حالة الطوارئ ودعا المواطنين للقتال، فيما قامت السفارات بإجلاء موظَّفيها وحثَّت مواطنيها على المغادرة، لكن في غضون أسابيع دفع الجيش الإثيوبي المتمرِّدين إلى التراجع، فيما طالب حزب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بوقف إطلاق النار، ورغم استمرار القتال على عدة جبهات أعلن آبي أحمد النصر.
ما الذي يسعى له آبي أحمد الآن؟
قبل الحرب كان آبي أحمد معروفاً بأنه صانع سلام، حصل على جائزة نوبل في عام 2019 لإنهاء الأعمال العدائية مع إريتريا المجاورة، وأُشيدَ به لمساعدته في التوسط في اتفاقٍ لتقاسم السلطة في السودان. وقد أضرَّت الحرب الأهلية، التي استمرَّت لمدة عام، والتي ارتكب خلالها الجيش وحلفاؤه جرائم حرب بهذه السمعة.
والآن يأمل آبي أحمد في إصلاح سمعته، حيث أعلنت حكومته أولاً أن الجيش لن يسعى لإعادة احتلال تيغراي. وفي المقابل حثَّ سكَّان تيغراي على محاربة جبهة تحرير تيغراي، وبعد ذلك، في فترة عيد الميلاد، أطلق سراح العديد من قادة المعارضة من السجن، بمن في ذلك جوار محمد، منافسه الرئيسي من جماعة الأورومو العرقية، وستة مسؤولين آخرين من جبهة تحرير تيغراي.
ووصف رئيس الوزراء الخطوة بأنها عملٌ من أعمال "رحمة المنتصر"، قائلاً إنه كان من الضروري لإثيوبيا أن تكسر دائرة الحرب. وتريد الحكومة أن يشارك زعماء المعارضة المحررون فيما يسمى بـ"الحوار الوطني".
لكن من غير المُرجَّح أن يفعلوا ذلك حتى الآن. تقول ميريرا جودينا، حليفة جوار لمجلة The Economist البريطانية: "لا يمكن للحوار الوطني المقصود أن يكون شاملاً أو محايداً". ولا تزال شخصياتٌ معارضة قوية أخرى من الأورومو، مثل داوود إبسا، زعيم جبهة تحرير الأورومو، رهن الاحتجاز. وتعتبر الحكومة الجناح العسكري لجبهة تحرير الأورومو جماعةً إرهابية، وبالتالي تستبعدها من المحادثات أيضاً.
حصار تيغراي أم الحوار معها؟
أما التحدي الأكبر فهو جبهة تحرير تيغراي، التي تصفها الحكومة بأنها جماعةٌ إرهابية كذلك. رسمياً لن تُدعَى الجبهة للحوار، لكن من المُحتَمَل أن ترغب الحكومة في بدء محادثات سلامٍ منفصلة معها. ولم تستبعِد وثيقةٌ داخلية أعدَّها الحزب الحاكم، واطلعت عليها مجلة The Economist البريطانية. يقول مسؤول كبير في الحزب الحاكم حضر الاجتماع الذي نوقشت فيه الوثيقة: "كان هناك اقتراح واضح بضرورة التحدُّث معهم".
ستكون تلك خطوةً مثيرةً للجدل. أثار إطلاق سراح مسؤولين من السجن ضجةً كبيرة، لا سيَّما بين حلفاء آبي أحمد في أمهرة، ثاني أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان، والتي كانت محور القتال في الأشهر الأخيرة. ووصفت الحركة الوطنية لأمهرة، وهي حزب معارض، الإفراج عن هؤلاء المسؤولين بأنه "خطأٌ تاريخي". ومن المُحتَمَل أن تثير المفاوضات مع جبهة تحرير تيغراي المزيد من الغضب. وتساءل أحد أعضاء البرلمان من الحزب الحاكم، قائلاً: "كيف نتحدث مع الناس الذين لا يزالون يشنون الحرب؟". يفضِّل الكثيرون أن تفرض الحكومة حصاراً على تيغراي حتى يستسلم قادتها.
ويبدو أن هذه تظلُّ هي الخطة. لم تدخل أي مساعدة من أي نوع إلى تيغراي منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول، ولم يُسمح بدخول أي دواء تقريباً منذ يونيو/حزيران. يقول طبيب في أكبر مستشفى في تيغراي للمجلة البريطانية: "نفدت الإمدادات في مستشفانا".
بعد أكثر من عامٍ من الحرب يتضور حوالي 400 ألف شخص جوعاً، وقد نفد الطعام لدى ملايين. وفي غضون ذلك قصفت طائراتٌ مُسيَّرة وأخرى مقاتلة تيغراي من الجو. وفي الثامن من يناير/كانون الثاني 2022، قُتِلَ ما لا يقل عن 56 شخصاً في غارةٍ جوية على معسكرٍ للنازحين داخلياً، مِمَّا دفع وكالات الإغاثة إلى تعليق عملها.
ضغوط دولية وأمريكية
في خلفيّات قرار فتح باب المصالحة مع المتمردين، تبدو الضغوط الدولية والأمريكية، بوقف الحرب، حاضرة بقوة بعد أن أدّت حرب تيغراي إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة.
على الرغم من الرفض المشدد لحكومة آبي أحمد للوساطات حتى من قبل الاتحاد الإفريقي؛ فإنها قبلت وساطة المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي، والتي اصطدمت بشروط كل من أديس أبابا وجبهة تيغراي للجلوس على طاولة المفاوضات.
دفع ذلك مراقبين للتساؤل عن الذي حرَّك المصالحة الآن، على الرغم من أن مسؤولاً حكومياً إثيوبياً صرح- عند إطلاقها في ديسمبر/كانون الأول الماضي- بأنها لن تشمل المجموعات المصنفة إرهابية من قبل البرلمان، وكان يشير إلى جبهة تحرير أروما وقواتها المعروفة باسم شن قبي وجبهة تحرير تيغراي.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين الأسبوع الماضي، بأن المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان، الذي استقال مطلع الشهر الجاري من منصبه، أجرى "مناقشات غنية وبناءة" مع آبي في أديس أبابا. وأضاف أن الولايات المتحدة ستعمل من أجل "أن يتحقق أي زخم إيجابي مستمد من هذه المناقشات". ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على موقع تويتر بهذا العفو. وقال: "ما زلت ملتزماً بجد مساعدة إثيوبيا على إنهاء القتال واستعادة السلام والاستقرار".
الطائرات المسيرة حسمت المعركة لصالح آبي أحمد
يذكر أن آبي أحمد نجح في ديسمبر/كانون الثاني الماضي بتحويل مسار المعركة مع المتمردين في إثيوبيا، بالاستعمال المكثف للطائرات المسيرة التي جلبها من الصين وتركيا، بعدما كادت قوات المعارضة دخول العاصمة أديس أبابا وإسقاط حكومة آبي أحمد.
ويقول تقرير لمجلة Africa Intelligence، المتخصصة بالشؤون الاستراتيجية للقارة الإفريقية، إن آبي أحمد أدرك أن السيطرة على السماء هي كلمة السر لحسم المعركة مع جبهات المتمردين، لذلك اشترت الحكومة الإثيوبية خلال الأشهر الثلاثة الماضية طائرات بدون طيار من موردين مختلفين (هما تركيا والصين)، وكذلك قامت على عجل بتجديد طائراتها الهجومية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قالت أربعة مصادر مطلعة لوكالة رويترز، إن تركيا وسَّعت نطاق صادراتها من الطائرات المسيرة المسلحة، من خلال التفاوض على صفقات مع إثيوبيا بعد استخدامها الناجح في الصراعات الدولية.
ولم تعلن تركيا وإثيوبيا رسمياً عن أي اتفاق بخصوص طائرات مسيرة مسلحة، لكن عدة مصادر مطلعة على الترتيبات أطلعت رويترز على التفاصيل. في حين قال مسؤول تركي إن إثيوبيا طلبت خلال الأشهر الماضية بالفعل شراء طائرات مسيرة من طراز "بيرقدار تي بي2″، في اتفاقات شملت كذلك ضمانات قطع الغيار والتدريب.
وتُظهر بيانات رسمية أن صادرات تركيا بمجالات الدفاع والطيران ارتفعت بشدّة لدول عدة أبرزها إثيوبيا في الشهرين الماضيين، لكنها لا توفر تفاصيل عن مبيعات الطائرات المسيرة.
وفي السياق ذاته، قال موقع "oryxspioenkop" المتخصص بالشؤون الأمنية والدفاعية، الشهر الماضي، إن الإمارات تدخلت بقوة في الحرب الجارية بإثيوبيا لصالح آبي أحمد مؤخراً، عبر دعمه بطائرات بدون طيار من طراز وينج لونج 1 الصينية.
وأضاف الموقع، أنه بدلاً من العمل انطلاقاً من إريتريا المجاورة، يبدو أن الإمارات قد نشرت ما لا يقل عن ست طائرات بدون طيار، من طراز Wing Loong I، في قاعدة Harar Media الجوية، الواقعة بالقرب من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وفي النهاية، نجحت الطائرات المسيرة المختلفة هذه بوقف تهديد قوات تيغراي للعاصمة أديس أبابا، بل وأجبرت قوات المعارضة على التراجع من مختلف المناطق إلى إقليم التيغراي الذي يتم محاصرته الآن من قبل القوات الحكومية.