لم يكن أكثر المتشائمين داخل أمريكا أو خارجها ليتصور أن يكون عام جو بايدن الأول في البيت الأبيض مخيباً للآمال بهذا الشكل، فالرئيس الذي وضع حقوق الإنسان في القلب من سياسته الخارجية حقق فشلاً ذريعاً في طرفي معادلة المبادئ والمصالح معاً.
لكن إذا كان عام 2021 صعباً بالنسبة لبايدن، فإن المعطيات داخلياً وخارجياً تشير إلى أن عام 2022 ربما يكون أكثر صعوبة بكثير للرئيس الأمريكي، الذي يجد نفسه غارقاً في رمال متحركة أينما وجه بصره. من الشرق الأوسط حيث ماراثون مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي يعتبره بايدن "درة التاج" في رئاسته، إلى أوروبا حيث "خطوط بوتين الحمراء" في أوكرانيا، إلى الصين حيث التهديد بغزو تايوان يقترب من أن يصبح واقعاً فعلياً.
"سنكتب معاً قصة أمريكية عن الأمل وليس الخوف، عن الوحدة وليس الانقسام، عن النور وليس الظلام.. قصة عن الحب والتعافي والاحترام والكرامة.. لتكن هذه القصة مرشدنا ودليلنا".. بهذه الكلمات قص بايدن في يوم تنصيبه شريط حكاية الرئيس رقم 46 في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
(الاستعانة بجزء من الفيديو.. من الدقيقة 2 و10 ثوان حتى الدقيقة 2 و44 ثانية)
لكن شتان بين ما وعد به الرئيس الأكبر سناً على الإطلاق في تاريخ أمريكا، وبين ما تحقق فعلاً بنهاية العام الأول من رئاسته، وبصفة خاصة في السياسة الخارجية. ولنبدأ بالوعد الأبرز والعنوان الأعرض وهو "أمريكا عادت"، وهو الشعار الذي رفعه بايدن فخوراً ومصمماً ومعلناً عن عودة الولايات المتحدة لتتبوأ موقع القيادة على المسرح العالمي، فماذا شهد عام 2021 بالنسبة لتلك "العودة الأمريكية"؟
ظروف استثنائية، فهل كان الرئيس استثنائياً؟
شهدت الفترة الرئاسية لدونالد ترامب، الرئيس السابق الصاخب، تغييرات ضخمة على المستويين الداخلي والخارجي بالنسبة للولايات المتحدة وحول العالم أيضاً. وكانت حادثة اقتحام أنصار ترامب الكونغرس الأمريكي لتعطيل جلسة التصديق على فوز بايدن يوم 6 يناير/كانون الثاني مؤشراً على مدى صعوبة مهمة الرئيس الجديد على المستوى الداخلي والخارجي أيضاً.
ففي الوقت الذي كان يستعد فيه بايدن إلى العودة للبيت الأبيض مرة أخرى، بعد أن قضى فيه 8 سنوات نائباً لباراك أوباما، كانت الولايات المتحدة تواجه تحديات ضخمة تتمثل في حالة استقطاب وانقسام حادة وأزمة جائحة كورونا التي تعصف بالبلاد وتسببت في انكماش اقتصادي حاد وقضية الهجرة والحدود وغيرها من الملفات الداخلية، بينما كانت علاقات واشنطن مع العالم -حلفاء وخصوماً- تواجه تحديات لا تقل خطورة عن الوضع الداخلي.
وهكذا بدأ جو بايدن رئاسته يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021 رافعاً شعار "عودة أمريكا إلى مقعد القيادة"، وفي سبيل تحقيق تلك الغاية، قدم الرئيس حزمة ضخمة من الوعود للأمريكيين وللعالم، فما هي أبرز تلك الوعود، وماذا تحقق منها، وماذا لم يتحقق؟
وعد بايدن بعودة واشنطن إلى المنظمات والهيئات والاتفاقيات الدولية التي كان ترامب قد انسحب منها، وحقق هذا الوعد بالفعل؛ إذ أعاد الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية، بعد أن كان ترامب قد أرسل قراره بالانسحاب منها على خلفية الاتهامات للمنظمة بالتواطؤ مع الصين في التستر على أصل وتوقيت تفشي فيروس كورونا. فأرسل بايدن خطاباً يلغي قرار ترامب وأعاد واشنطن لمنظمة الصحة العالمية.
وفيما يتعلق باتفاقية باريس للمناخ الموقعة عام 2015، والهادفة إلى اتخاذ الدول الكبرى إجراءات للتخفيف من الانبعاثات الكربونية للتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، أعاد بايدن التزام الولايات المتحدة بالاتفاقية بعد أن كان ترامب قد أعلن الانسحاب منها. كما نفذ بايدن وعده بإلغاء قرار ترامب حظر سفر مواطني بعض الدول الإسلامية إلى الولايات المتحدة.
لكن بايدن قدم وعوداً أخرى كثيرة لم يتحقق منها شيء بعد مرور العام الأول من رئاسته، كوعده بتأسيس هيئة تكنولوجية مكونة من حلفاء واشنطن لتسهيل الانتقال إلى تقنية 5G أو الجيل الخامس بهدف محاصرة الشركات الصينية التي تستحوذ على نصيب الأسد عالمياً في هذا المجال، ولكي يصبح أمام حلفاء واشنطن بديل عن الصين في ذلك القطاع الحيوي.
وقدم بايدن وعوداً ضخمة للأمريكيين، منها خلق مليون فرصة عمل في مجال صناعة السيارات الكهربائية خلال العام الأول من رئاسته وتأسيس هيئة طوارئ صحية جديدة لتحسين استعداد الحكومة الفيدرالية للتعامل مع الأوبئة والأزمات الصحية وتغيير قوانين الضرائب على شركات الأدوية حتى يجبرها على نقل مصانع الإنتاج من الخارج إلى الداخل، وغيرها من الوعود التي لم يتحقق منها أي شيء بينما عامه الأول في البيت الأبيض يوشك على الرحيل.