حلم يوناني لم تتحمس له مصر وعارضته تركيا.. قصة خط غاز شرق المتوسط وأسباب تخلِّي أمريكا عنه

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/12 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/12 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
سفينة الحفر التركية يافوز ترافقها فرقاطة بحرية تركية TCG Gemlik (F-492) في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​قبالة قبرص/رويترز

جاء الإعلان عن تخلي أمريكا عن خط غاز شرق المتوسط، ليمثل ضربة للجهود اليونانية – الإسرائيلية طويلة الأمد لإطلاق المشروع، وليسلط الضوء مجدداً على هذا الخط والإشكالات التي منعت تنفيذه، وهي الإشكالات التي دفعت واشنطن لهذا القرار، كما أن القرار الأمريكي يعيد التساؤلات بشأن جدواه الاقتصادية، وكذلك عقلانية مطالبات الأطراف المتنازعة حول المشروع.

وأفاد موقع Middle east eye نقلاً عن مصادره بأن الحكومة الأمريكية أعلمت اليونان وإسرائيل وتركيا خلال هذا الأسبوع في مراسلات غير رسمية برفع يدها عن المشروع، فيما قالت وسائل إعلام يونانية إن أمريكا ترى أن مشروع إيست ميد "مصدر رئيسي للتوتر" و"يزعزع استقرار" المنطقة من خلال وضع تركيا ودول المنطقة في خلافات. 

وخط غاز شرق المتوسط هو مشروع مشترك لإنشاء خط أنابيب من شرق المتوسط؛ حيث توجد حقول غاز إسرائيلية ويونانية وقبرصية ومصرية لأوروبا، عبر البحر المتوسط، مع تجاهل تركيا، وتدور المفاوضات الأساسية في المشروع بين اليونان وقبرص وإسرائيل، بينما الدور المصري أقل وضوحاً وحماساً للمشروع.

 واتفقت حكومات أوروبية مع إسرائيل عام 2019 على المضي قدماً في المشروع المعروف باسم "إيست ميد" أو مشروع شرق المتوسط، الذي قيل إن تكلفته في ذلك الوقت تبلغ نحو ستة مليارات دولار، ومن المتوقع أن تبلغ طاقته المبدئية عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً. 

وسيمتد الخط من إسرائيل عبر المياه الإقليمية القبرصية مروراً بجزيرة كريت اليونانية إلى البر اليوناني الرئيسي وصولاً لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا. ووقَّع وزراء الطاقة من الدول الثلاث على الاتفاق في يناير/كانون الثاني 2019 وحضر التوقيع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس.

ويفترض أن تستفيد دول في جنوب شرق أوروبا من إمدادات الغاز. وتفيد تقارير بأن أنبوب الغاز "سيكون أطول أنبوب في العالم تحت الماء".

وكانت أمريكا والاتحاد الأوروبي يدعمان المشروع في إطار مساعٍ لتنويع مصادر الطاقة لأوروبا وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي تحديداً، كما أنه كان ينظر لهذا الدعم الأمريكي الأوروبي للمشروع في إطار التوتر المتصاعد بينهما وبين أنقرة.

اعتراضات تركيا على المشروع

تتأسس اعتراضات تركيا على المشروع على أن مسارات الأنابيب المقترحة تمر في مياه تعتبرها تركيا جزءاً من المياه الاقتصادية الخاصة بها وبقبرص التركية، التي تعتبر أنقرة حامية لها، إضافة إلى بعض المناطق التي يتواجد بها الغاز تعتبرها أنقرة مياه اقتصادية وجرفاً قارياً لها ولقبرص التركية.

والخلاف على ترسيم الحدود البحرية بين تركيا واليونان وقبرص يعد أكبر عائق أمام المشروع، فبالإضافة إلى الخلاف على حقوق قبرص التركية التي تعتبر أنقرة نفسها راعية لها، فهناك خلاف حول منهج ترسيم الحدود البحرية بين تركيا واليونان، نظراً للطبيعة الجغرافية للبلدين وتاريخ العلاقات المعقد بينهما.

فاليونان لديها أعداد كبيرة من الجزر الصغيرة والمتوسطة بعضها بعيد جداً عن أراضي اليونان القارية الرئيسية وقريب جداً من السواحل التركية، وكثير من جزر اليونان كانت تابعة لتركيا حتى هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الثانية، حيث نقلت لليونان إما بشكل مباشر، أو عن طريق دولة من الحلفاء احتلتها ثم نقلت ملكيتها لأثينا بطريقة تراها أنقرة غير عادلة وغير قانونية أحياناً.

وتطالب اليونان بتنفيذ اتفاقية البحار الدولية التي وقَّعت عليها في عملية ترسيم الحدود البحرية بينها وبين تركيا، وهي ما سيعطي أثينا مياهاً إقليمية واقتصادية وجرفاً قارياً واسعاً ويقزم أملاك تركيا، وذلك لأن هذه الاتفاقية تعطي للجزر الصغيرة مياهاً إقليمية واقتصادية واسعة مماثلة للبر الرئيسي.

وترفض تركيا ذلك لأنها غير موقَّعة على الاتفاقية، وعلماً بأن الولايات المتحدة غير موقَّعة عليها أيضاً، مع ملاحظة أن القانون الدولي لا يلزم أي دولة بأي اتفاقية دولية إلا إذا عضوا بها، وبالتالي تركيا غير ملزمة بالاتفاقية، وهي تريد تطبيق القواعد الدولية التي كانت السائدة قبل الاتفاقية والتي تعطيها مياهاً اقتصادية وجرفاً قارياً أكبر، لأنها لا تساوي بين الجُزر والبر الرئيسي.

وفي إطار سعي تركيا لتأكيد مطالباتها وقَّعت اتفاقاً عام 2019 مع حكومة الوفاق الليبية لترسيم الحدود البحرية أغضب اليونان، لأنه نقض مطالباتها في مياه واسعة في شرق المتوسط، كما قامت تركيا مرات عدة بالتنقيب عن النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها بما فيها المياه الاقتصادية لقبرص التركية، ولكنها أوقفت ذلك في إطار تهدئة مع اليونان بوساطة أوروبية ألمانية بالأساس.

اليونان تلجأ لحلف شرق المتوسط

في مواجهة القدرات العسكرية التركية المتفوقة خاصة بحرياً على اليونان، لجأت الأخيرة لمحاولة استغلال الخلافات السياسية بين تركيا مع مصر وإسرائيل.

في الواقع لا يوجد خلاف مباشر حول ترسيم الحدود بين أنقرة والقاهرة وتل أبيب، ولكن يوجد خلافات سياسية وأيديولوجية.

فالقاهرة كانت صديقاً لأنقرة خلال عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وكان لديهما علاقات اقتصادية وثيقة إضافة إلى تعاون عسكري تمثل في صادرات أسلحة تركيا ضخمة لمصر شملت طائرات إف 16 الأمريكية المصنعة في تركيا، وكادت القاهرة وأنقرة تصبحان حليفين في عهد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي القصير.

ولكن الأمور تغيرت بعد 3 يوليو/تموز 2013، حينما تم عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، فلقد كان موقف تركيا وخاصة رئيسها رجب طيب أردوغان الأشد في رفض ما اعتبره الكثيرون انقلاباً سرعان ما تم التغاضي عنه، وخلق هذا في المنطقة محوران أحدهما يضم تركيا وقطر، والآخر يضم مصر والإمارات والسعودية.

بالتزامن مع ذلك توترت العلاقات التركية – الإسرائيلية نتيجة أسباب عدة، منها التأييد التركي للحقوق الفلسطينية، الذي وصل لمداه في إرسال سفن لكسر الحصار على غزة، واستضافة قمم إسلامية مؤيدة للشعب الفلسطيني وتوثيق العلاقة مع حركة حماس.

خلق ذلك الظروف المواتية لخلق ما يُعرف بحلف شرق المتوسط، في مواجهة تركيا والذي ضم اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر والإمارات، التي لا تنتمي للمنطقة، ولكنها تدخلت بحكم حالة الخصومة مع الديمقراطية والإسلام السياسي المعتدل التي تمثلها تركيا، كما انضمت فرنسا بشكل أو بآخر لهذا الحلف في ظل تحالفها مع دول الخليج ومصر وتسعير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حالة العداء للتدين والإسلام السياسي في فرنسا ودخوله في مشادات عدة مع نظيره التركي.

تخلي أمريكا عن خط غاز شرق المتوسط
سفينة الحفر التركية يافوز شوهدت ترافقها فرقاطة تابعة للبحرية التركية في شرق البحر المتوسط ​​قبالة قبرص/رويترز

تضمن هذا الحلف مناورات مشتركة بين دول عدة منها الإمارات وفرنسا التي أرسلت سفناً حربية وطائرات للمنطقة، كما قدمت إسرائيل دعماً فنياً لتدريب الطيارين اليونانيين.

أعضاء فاعلون في حلف شرق المتوسط كان لهم دور في ليبيا عبر دعم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر في حين أن أنقرة كانت تدعم حكومة الوفاق في طرابلس، وانتهت هذه المواجهة بهزيمة حفتر على أبواب العاصمة الليبية، واضطراره للانخراط في العملية السياسية التي كان قد انقلب عليها.

ويمكن القول إن ليبيا فاجأت أعضاء حلف شرق المتوسط، وكانت أول هزيمة له، فلقد فوجئوا بجرأة التدخل التركي في ليبيا، وفعاليته عبر الطائرات المسيرة التي هزمت قوات حفتر المدعومة من مصر والإمارات وروسيا وفرنسا إضافة إلى دعم معنوي من اليونان.

ولم ينتهِ حلف شرق المتوسط تماماً، ولكن يمكن القول إنه تضعضع، فالعلاقات بين تركيا وإسرائيل تشهد تهدئة، ورجل الإمارات القوي الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي زار تركيا مؤخراً، منهياً حالة العداء المستحكمة بين البلدين، كما أن مصر وتركيا أطلقتا مفاوضات للتسوية بينهما، وهي إن كانت قد تباطأت ولكنها لم تفشل.

كما أن أوروبا مشغولة بأزمة أوكرانيا وفرنسا مشغولة بانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام.

إضافة إلى أنه من الواضح أن إيطاليا وهي دولة مهمة في البحر المتوسط غير متحمسة لمشروع خط غاز شرق المتوسط سواء لأسباب فنية أو بسبب علاقاتها السياسية والتجارية الوثيقة مع تركيا، حتى إن البلدين كانا يدعمان حكومة الوفاق الليبية.

تحالف عسكري بلا محتوى

يجب ملاحظة أنه سواء إسرائيل أو مصر أو الإمارات أو فرنسا رغم قيامهم أحياناً بمظاهرات عسكرية دعماً لليونان في مواجهة تركيا، فإن الواقع أن أياً من الدول الثلاث لن تدعم اليونان في مواجهة عسكرية مباشرة مع تركيا أو حتى احتكاك محدود، ولن تقدم حتى مساعدات عسكرية، ففرنسا لم تبِع الرافال لليونان مثلاً عبر قرض حسن بل بشروط تجارية عادية.

فتركيا هي أكبر قوة عسكرية بحرية في الشرق المتوسط وواحدة من أهم القوى العسكرية في الشرق الأوسط والناتو، كما أن أسلوبها في ليبيا في مواجهة حفتر، وحلفائه وفي إدلب في حرب عام 2020 تحديداً، في مواجهة نظام الأسد المدعوم من روسيا القوى العظمى، يجعل مثل هذه المظاهرات العسكرية عديمة الجدوى، لأن أنقرة بدت في كثير من الساحات لديها الجرأة في رفع السقف والاقتراب من حافة المواجهة، وقد خلقت الطائرات التركية المسيرة تحديداً أداة عسكرية فعالة لأنقرة للقيام بأدوار عسكرية منخفضة دون التورط في حرب واسعة.

ومن هنا، فإن الدور العسكري لحلف المتوسط بدا شكلياً، ولن يؤدي هدفه في مناوئة تركيا التي يصعب بناء خط غاز الشرق المتوسط بدون موافقتها، في المقابل، فلقد اقترحت أنقرة مراراً التفاوض حول ترسيم الحدود مع اليونان، واقتسام الثروات في المنطقة.

ولكن الضربة القاضية التي جاءت لحلف شرق المتوسط كانت من تحسن علاقات تركيا مع الإمارات ومصر وإسرائيل، وتراجع حدة الخلافات حول ليبيا تحديداً، واتجاه الدول الثلاث لأشكال متفاوتة من التهدئة والحوار مع تركيا، إضافة إلى المشكلات الفنية والمالية لخط غاز شرق المتوسط.

ثم جاء انشغال فرنسا مع أوروبا في الخلاف مع روسيا، ليقلل من زخم الحلف.

 الموقف المصري

يبدو الموقف المصري من خط غاز شرق المتوسط الأكثر غموضاً، ومن الواضح أنه رغم دور مصر النشط في الحراك السياسي والعسكري حول شرق المتوسط، إلا أنها ليست طرفاً في الاتفاقات الأخيرة حول تأسيس الخط.

ويرجع غموض الموقف المصري لعدة أسباب، أولها أن القاهرة أقل استفادة من ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، من استفادتها إذا فعلت ذلك مع تركيا، وهذا ما يظهر في الاتفاق الأخير لترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا الذي اعترضت عليه أنقرة بشدة.

ويقول الأتراك إن ما يعرضونه في اتفاق مقترح لترسيم الحدود البحرية مع مصر أفضل مما ستناله الأخيرة من الاتفاق مع اليونان رغم ما قدمته أثينا من تنازلات، لأن النقطة الأساس في ترسيم الحدود بين مصر وتركيا تقع إلى الشمال من النقطة الأساس في حال الاتفاق مع اليونان الذي يبدأ من الجزر اليونانية الواقعة للجنوب من الساحل التركي الذي سيكون أساس اقتسام الحدود بين أنقرة والقاهرة.

وأفادت تقارير بأن بعض الجهات المعنية الرسمية في مصر لم تكن راضية عن الاتفاق، وترى أن طبائع الجغرافيا والتاريخ تحتم أن يكون الاتفاق لترسيم الحدود مع تركيا، وكان لافتاً أن البرلمان المصري لم يصدق على اتفاق ترسيم الحدود مع اليونان، علماً بأن القاهرة كانت اعترضت بشدة على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية، لكن وزير الخارجية المصري سامح شكري أقر آنذاك بأن الاتفاق لا يضر المصالح المصرية، بعد أن قالت أنقرة إن الاتفاق في صالح مصر.

وبصفة عامة هناك حالة من التهدئة بين تركيا ومصر، بعد أن وصلت العلاقات لدرجة حادة من التوتر في شرق المتوسط وليبيا، ولكن البلدين فتحا مفاوضات لتسوية الخلافات، ورغم تباطؤ هذه المفاوضات فإنها أثمرت تهدئة فعلية بين الجانبين في مناحٍ عدة، كما أنه من الواضح أن مسار التسوية بينهما مستمر رغم أن الطرفين كل منهما يحاول تقوية موقفه، وكان لافتاً في هذا الصدد أن الرئيس التركي قال بعد زيارة ولي عهد أبوظبي إلى تركيا إنه سيكون هناك تحرك إيجابي تجاه مصر وإسرائيل.

العامل الثاني المحرك للموقف المصري من خط أنابيب شرق المتوسط، هو أمر لا تفصح عنه القاهرة بشكل صريح، وهو أن خط غاز شرق المتوسط ليس في صالح أهداف القاهرة الاقتصادية.

ويرجع ذلك إلى أنه رغم الشائع إعلامياً، فإن مصر لا تمتلك كثيراً من احتياطات الغاز، مقارنة بإسرائيل وقبرص، ولكن ما تمتلكه مصر هي قدرات استثنائية في تسييل ونقل الغاز خاصة عبر المنشآت الموجودة في شمال شرق دلتا النيل، وفي هذه الحالة فإن القاهرة تفضل أن تكون مركزاً لتسييل وتوزيع الغاز، ومن هنا فإن خط غاز شرق المتوسط هو منافس لهذا الدور الذي تراه مصر لنفسها.

الصعوبات الفنية والمالية أمام خط غاز شرق المتوسط

يواجه خط غاز شرق المتوسط صعوبات مالية وفنية، أبرزها التمويل، حيث تصاعدت التقديرات لتكلفة الخط من 5 مليارات إلى 10 وحتى 15 مليار دولار، كما أنه يستلزم بناء أنابيب في مياه المتوسط العميقة سوف تمر في مياه متنازع عليها بين تركيا واليونان وقبرص.

ويشكك خبير يوناني مردود خط غاز شرق المتوسط، إذ يقول أليكس لاغاكوس، نائب مدير "منتدى الطاقة اليوناني" لموقع "دويتشه فيله" الألماني، في المقام الأول تبقى التكاليف عالية: على الأقل عشرة مليارات يورو. وحقيقة أن توافق اليونان وإسرائيل وقبرص على المشروع لا يعني ضرورة أن تملك البلدان الثلاثة رأس المال الضروري لتنفيذه.

ويضيف أنه من غير المتوقع الحصول على مساعدات أوروبية، لأن أوروبا انسحبت من موارد الطاقة الأحفورية وتراهن على مشاريع طاقة خضراء. فهناك أجندة جديدة في بروكسل والخلاصة هي أنه "يجب تمويل أنبوب إيست ميد من جهات خاصة، وهذا سيكون صعباً".

ويلاحظ أن تجارب أنابيب الغاز الناجحة مثل الغاز الروسي والجزائر تعتمد بشكل كبير على دولة كبيرة ولديها موارد ولديها استعداد للاستثمار طويل الأمد في مثل هذه المشروعات المكلفة، مثل روسيا، وكذلك زبون ثري لديه سوق ضخم متنامي مثل ألمانيا.

ومع ذلك حتى خط أنابيب الغاز الروسي المار عبر أوكرانيا كان أولى ضحايا الخلافات بين البلدين.

ويرى الخبير اليوناني أن "عدداً متزايداً من الزبائن يركز على استيراد الغاز السائل عبر الموانئ البحرية. فلماذا سيرتبط مشتري بإمدادات أنبوب على المدى الطويل، إذا كان بإمكانه الحصول بمرونة في كل لحظة على الغاز السائل بأسعار معقولة".

وبصفة عامة تميل السياسات الأوروبية في الطاقة حالياً إلى التركيز على سوق الغاز التنافسية التي يتم تحديد الأسعار فيها فورياً، وهو أمر أكثر ارتباطاً بالغاز المسال وليس أنابيب الغاز التي تتطلب عقوداً طويلة الأمد تكون فيها الأسعار الثابتة.

وفي الأغلب فإن إسرائيل واليونان وقبرص كانت تراهن على تمويل أمريكي سواء مباشر، أو عن طريق شركات طاقة أمريكية، ولكن مع تخلي أمريكا عن خط غاز شرق المتوسط، والغموض حول احتمالات التمويل الأوروبية، فإن مسألة التمويل أصبحت عائقاً أساسياً إضافة للرفض التركي.

وبصفة عامة يلاحظ أن مشروع غاز المتوسط يبدو مشروعاً إسرائيلياً يونانياً بالأساس، وبشكل أدق هو حلم يوناني موجه ضد تركيا، حتى إن التليفزيونات اليونانية الحكومية تصفه بأنه "حصن ضد استفزازات تركيا"، فأثينا تنظر لكل القضايا من منظور المناكفة من تركيا وليس المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة أو مصالح أوروبا.

هل هناك علاقة بين تخلي أمريكا عن خط غاز شرق المتوسط والأزمة الأوكرانية؟

ولا يمكن استبعاد أن تخلي أمريكا عن خط غاز شرق المتوسط أحد أسبابه رغبتها في إنهاء الخلاف التركي – الأوروبي والأمريكي – الأوروبي في ظل إعطاء الأولوية لمواجهة التصعيد الروسي في الأزمة الأوكرانية، وهي مسألة تحظى فيها تركيا بوضع خاص، باعتبارها المتحكمة في المضائق المؤدية للبحر الأسود، وعلاقتها الوثيقة اقتصادياً وعسكرياً مع أوكرانيا، وتعلم أوروبا وأمريكا أن تركيا رغم علاقتها الواسعة مع روسيا، فإنها تظل من أكثر الدول قُدرة على تحقيق قدر من التوازن مع روسيا في كثير من الساحات، بل إن التفاهمات التركية – الروسية في ليبيا وسوريا وأذربيجان بمثابة نموذج يحتذى لأوكرانيا، والناتو.

وفي كل الأحوال فإن تخلي أمريكا عن خط غاز شرق المتوسط قد يعني أن حلف شرق المتوسط قد فقد سبب وجوده.

أما الأمر الذي يحتاج إلى تبيان في الوقت الحالي، فهو هل هذا القرار الأمريكي يعني أن واشنطن ستسعى لإيجاد خط بديل يتم عبر التوافق مع تركيا، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف سيتم حل خلافات ترسيم الحدود البحرية العصية بين تركيا واليونان؟

أما أن الولايات المتحدة قد فقدت الحماس لفكرة إنشاء خط أنابيب في المنطقة على الإطلاق، فهو ما يعني شكلاً من أشكال الاستسلام لحقيقة اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.

بالنسبة للقاهرة فقد يكون تخلِّي أمريكا عن خط غاز شرق المتوسط، حتى لو لم تعلن مصر ذلك، يعني أن دول شرق المتوسط، وتحديداً إسرائيل واليونان وقبرص، ستكون مضطرة للاعتماد أكثر على مراكز الطاقة المصرية لتسييل وتصدير الغاز إلى أوروبا.

تحميل المزيد