السودان ودعم إدارة بايدن “الشفوي” للديمقراطية.. ما فرص نجاح المبادرة الأممية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/09 الساعة 16:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/10 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش
احتجاجات في السودان للمطالبة بالديمقراطية وحكومة مدنية/ رويترز

تثير دعوة الأمم المتحدة لبدء عملية سياسية جديدة في السودان بمشاركة جميع الأطراف تساؤلات بشأن فرص نجاح "المبادرة" في إخراج البلاد من أزمة الانقلاب من جهة، وحول موقف إدارة جو بايدن مما يجري من جهة أخرى.

الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرثيس أعلن السبت 8 يناير/كانون الثاني في بيان عن إطلاق عملية سياسية جديدة في السودان، مضيفاً: "لم تنجح كل التدابير التي تم اتخاذها حتى الآن في استعادة مسار التحول الذي يحقق تطلعات الشعب السوداني".

ومضى بيرثيس قائلاً: "لم يسهم العنف المتكرر ضد المتظاهرين السلميين عقب الانقلاب إلا في تعميق انعدام الثقة بين كافة الأحزاب السياسية في السودان". وجاء في بيان الأمم المتحدة أنه ستتم دعوة كافة أصحاب المصلحة الرئيسيين من المدنيين والعسكريين، بما في ذلك الحركات المسلحة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمجموعات النسائية ولجان المقاومة، للمشاركة في العملية السياسية.

كان السودانيون والعالم قد استيقظوا، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على حملة اعتقالات شملت رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدداً من وزرائه ومستشاريه وقادة قوى "إعلان الحرية والتغيير"، المكون المدني في السلطة الانتقالية في البلاد، ثم ألقى البرهان بياناً في اليوم نفسه، أعلن خلاله جملة قرارات أنهت عملياً الشراكة بين العسكر والمدنيين في البلاد.

وقرر البرهان إقالة حكومة حمدوك ومديري الولايات في السودان، كما حل مجلس السيادة، وألغى قرار حل المجلس العسكري، وجمّد عدداً من مواد الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/آب 2019، بمثابة دستور للفترة الانتقالية في البلاد، وانفرد البرهان وزملاؤه في المجلس العسكري بالسلطة في البلاد.

لكن المظاهرات الحاشدة رفضاً للانقلاب لم تتوقف ونجحت وساطة الأمم المتحدة على مدى الأسابيع التي أعقبت الانقلاب في إعادة حمدوك إلى منصبه، لكن استقالة حمدوك في الأسبوع الماضي زادت الغموض المحيط بمستقبل السودان السياسي.

ما ردود الفعل على "المبادرة" الأممية؟

المبادرة التي أعلن عنها المبعوث الأممي، إن جاز وصفها على هذا النحو، لاقت ترحيباً من عدة دول بينها الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية، كما رحب بها مجلس السيادة السوداني برئاسة البرهان، فيما قالت قوى إعلان "الحرية والتغيير" إنها "ستتعاطى إيجاباً" مع أي جهد دولي يساعد في تحقيق غايات الشعب السوداني، بينما أعلن "تجمع المهنيين" (قائد الحراك الاحتجاجي)، رفضه للمبادرة.

وأعاد حديث مبعوث الأمم المتحدة عن "الحوار بمشاركة جميع الأطراف" تسليط الضوء على خارطة الطريق التي كان حزب الأمة القومي بالسودان قد أعلنها أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأكد عليها مرة أخرى عقب استقالة حمدوك.

وتباينت الآراء حول تلك الخارطة، إذ اعتبرها البعض نواة تنطلق منها المبادرة الأممية التي أعلنت لحل الأزمة بالبلاد، لا سيما أن الاثنتين تتبنيان الحوار، فيما رأى آخرون أن الخارطة تجاوزها الزمن مع زيادة القتلى بين المتظاهرين، إذ وصل عددهم إلى 61 اليوم الأحد 9 يناير/كانون الثاني.

وبعد ساعات من إعلان الأمم المتحدة عن إطلاقها "مشاورات أولية" لعملية سياسية شاملة بين الأطراف السودانية، جدد حزب الأمة القومي تمسكه بـ"خارطة الطريق لاستعادة الشرعية".

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان مع رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك/رويترز

وبقراءة وتحليل السياقات السابقة، رأى المحلل السياسي عثمان فضل الله، أن مبادرة حزب الأمة القومي التي طرحت "كان يمكن البناء عليها باعتبارها مخرجاً جيداً من الأزمة". واستدرك في حديثه للأناضول: "لكن الآن قد فات الأوان عليها وتجاوزتها الأحداث وأصبح الحديث عن حوار في ظل ارتفاع قتلى الاحتجاجات، ليس ذا جدوى".

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي يوسف سراج، أن خارطة الطريق التي قدمها حزب الأمة "قد تكون نواة للمبادرة الأممية التي تبنتها بعثة يونتاميس، ويمكن للبعثة الانطلاق منها".

وأضاف للأناضول: "الخريطة تدعو للعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول؛ أي الشراكة بين العسكر والمدنيين وتعديل الوثيقة الدستورية للعام 2019 (خاصة بترتيبات الحكم في البلاد بعد الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير)، وهذه نقطة التقاء مع العملية الأممية التي تدعو لحوار بين الجميع مدنيين وعسكريين".

لكنه استدرك: "لكن هذا سقف منخفض جداً أمام مطلوبات الشارع التي تدعو لإزاحة المكون العسكري بكامله عن السلطة".

ماذا عن موقف إدارة بايدن من السودان؟

كانت الإدارة الأمريكية قد انتقدت الانقلاب الذي قام به البرهان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأعلنت عن تجميد مساعدات بقيمة 700 مليون دولار للخرطوم، لكنها سارعت بالترحيب بالاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك في نوفمبر/تشرين الثاني، والآن أعلنت ترحيبها بالمبادرة الأممية، فماذا يقول ذلك عن الدور الأمريكي في السودان؟

مجلة Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً يبدو أنه يجيب عن هذا السؤال تحديداً، خلص إلى أن إدارة بايدن، التي أبدت بطئاً في دعم الحركة الديمقراطية بشكل ملموس ولم تقدم سوى ردود فاترة على الاحتجاجات في السودان، تركت على الهامش خلال التطوُّرات الأخيرة.

ورصد تقرير المجلة الأمريكية كيف أن السودانيين، في جهودهم المتجددة لتفكيك الدولة القمعية التي خلَّفها البشير، يتعرَّضون للضرب والاغتصاب والاعتقال غير القانوني والغاز المسيل للدموع. وتشير الأدلة الحديثة إلى أن القوات العسكرية وشبه العسكرية استخدمت حتى الأسلحة المضادة للطائرات ضد حشود من المتظاهرين العُزَّل، مِمَّا دَفَعَ البعض للسير بصدورٍ عارية كما لو كانوا يتحدون قوات الأمن لفعل ما تؤمَر به، أي أن تقتلهم.

إنها الحركة الديمقراطية الأكثر إثارة للأمل في القارة الإفريقية اليوم، وربما في العالم. لكن لم يحظَ تصميم وتضحيات الحركة الديمقراطية المكافحة في السودان بالكثير من الاهتمام في قمة الديمقراطية التي عقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي.

قمة الديمقراطية التي عقدها بايدن/ رويترز

وهذا الإغفال هو بمثابة رمزٍ للفجوة المتزايدة بين الالتزام الخطابي من بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن ومديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، الذين كانوا يتحدَّثون بشاعريةٍ عن دعم الديمقراطية وتعزيزها ودعوا إلى دعم الحركات الديمقراطية، لكنهم يتبنَّون صراحةً نهج الانتظار والترقُّب لتحديد ما إذا كان عقد الصفقات بين السودانيين قد يؤدي إلى نتيجة أكثر ديمقراطية.

لكن يرى محللون ودبلوماسيون أنه من المرجح حدوث المزيد من الاضطراب داخل السودان وعلى حدوده إذا لم يتم إيجاد طريق يقود لانتقال السلطة وإجراء انتخابات نزيهة.

وعبرت رباعية تضم السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة عن دعمها لمبادرة الأمم المتحدة، وقال بيان مشترك للمجموعة "نحن نؤيد بقوة مبادرة الحوار التي تيسرها الأمم المتحدة ويقودها السودانيون.. إننا نحث جميع الفاعلين السياسيين السودانيين على اغتنام هذه الفرصة لإعادة انتقال البلاد إلى الديمقراطية المدنية".

السودان.. التناقض بين ما يقوله بايدن وما يفعله

لم تكن هناك أيَّة جدوى من استمرار واشنطن في الثناء على القادة العسكريين في السودان بينما يعزِّزون قبضتهم على السلطة، بحسب تحليل فورين بوليسي، إذ قام قادة الجيش بانقلابهم على أية حال واعتقلوا، ولا يزالوا يعتقلون، مئات المتظاهرين المؤيِّدين للديمقراطية، ويكرسون السيطرة على المؤسسات الحكومية وإحياء عناصر كامنة في الدولة الأمنية من عهد نظام الرئيس العزول عمر البشير.

فبعد الانقلاب، سارع بلينكن للمصادقة على الاتفاق السياسي بين القائد العسكري للبلاد، الجنرال عبد الفتاح البرهان، وحمدوك، رئيس الوزراء السابق الذي أُطيحَ به واعتُقِلَ في الانقلاب قبل إعادته بعد ضغوطٍ دولية- حتى استقالته الأسبوع الماضي.

وجاء دعم الولايات المتحدة للاتفاق العسكري المدني الأخير حتى قبل أن يتمكَّن دعاة الديمقراطية المحاصرون في السودان من تقييم الاتفاق والتعبير عن اعتراضهم. وبسبب قدرة الجيش على العنف، اختارت إدارة بايدن طريق التهدئة بدلاً من حشد القوة المكبوتة للجماعات المؤيِّدة للديمقراطية في البلاد. فهل ستغيِّر واشنطن مسارها الآن بعد رحيل حمدوك، إلى جانب أي تظاهر بأن الانتقال إلى الحكم المدني لا يزال قائماً؟ يبدو أن الإجابة القاطعة عن هذا السؤال تأتي بالنفي، إذ سارعت واشنطن بالترحيب بالمبادرة الأممية وفضلت إصدار بيان مشترك مع لندن والرياض وأبوظبي.

السودان
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن – رويترز

وبينما يناقش المسؤولون الأمريكيون ما إذا كانت خطة المساعدة المُجمَّدة سوف تُستأنَف، وما إذا كانت عملية الإعفاء من الديون سوف تتواصل، فإنهم يواصلون التقليل من شأن مؤيِّدي الديمقراطية في السودان، بحسب تحليل فورين بوليسي، إذ ادَّعَت إدارة بايدن أنها "ستستمر في إظهار التضامن"، لكنها في الوقت نفسه أشارت إلى أن مطالب الحركة الديمقراطية بـ"لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعية للجيش" هي "غير واقعية". 

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن السؤال الآن لا يتعلق بكيفية دعم الديمقراطية في السودان. في المقابل، يتعلَّق الأمر بكيفية التراجع عن دعم واشنطن الضمني للجنرالات السودانيين وجهودهم لتلفيق رواية تدَّعي أنهم يشاركون الأجندة الانتقالية التي يطالب بها الشارع. سيتطلب سد الفجوة بين خطاب الولايات المتحدة وواقع سياساتها جهوداً واضحة لدعم المُستضعَفين وتقويض الأقوياء.

علاوة على ذلك، يبدو أن إدارة بايدن تواصل ممارسة إدارة ترامب المتمثِّلة في توكيل سياسة السودان لحلفاء واشنطن في الخليج. يُعَدُّ البيان المشترك الصادر من الولايات المتحدة والمملكة السعودية والإمارات وبريطانيا، في 16 ديسمبر/كانون الأول 2021 بشأن السودان، نصاً لطيفاً آخر، ولكنه يشيد بالنظام العسكري على جهوده، دون حتى نداء ولو مستتر للإفراج عن المعتقلين المحتجزين بشكلٍ غير قانوني، أو إلغاء حالة الطوارئ.

ويكمن أساس تعبير البيان عن المصالح المشتركة في السودان في نهج السياسة الخارجية الأمريكية الذي يتجه نحو الأمن بشكل متزايد بما يتماشى مع نهج الرياض وأبو ظبي، حيث يُنظر إلى الأسر الحاكمة والأنظمة العسكرية على أنها ضامنةٌ للاستقرار.

هناك أوجه تشابه مزعجة أخرى بين مقاربات أبوظبي والرياض وواشنطن في التعامل مع السودان، مثل الفهم الباهت للحركة الديمقراطية، والخلاف بين الإدارات الحكومية حول كيفية التعامل مع السودان، والتركيز على القضايا الأوسع على حساب القضايا السودانية. ببساطة، ليس لدى أيٍّ من هذه الدول سياسة تجاه السودان تهتم فعلياً بالسودان.

الخلاصة هنا هي أنه مع وجود ثورة غير مكتملة وتحوُّل ديمقراطي يكافح من أجل إيجاد حياة جديدة، فإن نهج واشنطن الانتظار والترقُّب لدعم الديمقراطية في السودان هو العكس من العملية الديناميكية التي وَعَدَ بها فريق بايدن الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الأول. قمة الديمقراطية شيء، والاستراتيجية الفعلية لدعم الديمقراطية شيء آخر تماماً.

تحميل المزيد