لا تزال إعادة تشكيل التحالفات تسيطر على المشهد السياسي في ليبيا، فبعد اللقاء الذي جمع وزير الداخلية الليبي السابق فتحي باشاغا، باللواء المتقاعد خليفة حفتر، في مدينة بنغازي، رفقة 5 مرشحين آخرين للانتخابات الرئاسية التي تم تأجيلها نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، جمع لقاء سري كلاً من خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، في المغرب مؤخراً، الأمر الذي يفسره محللون بأنه خطوة نحو عودة الشراكة السياسية بين المجلسين، لإعادة رسم خارطة طريق جديدة لإنهاء المرحلة الانتقالية، لكنه يحمل في طياته أجندة مختلفة لكل طرف.
ما وراء لقاء خالد المشري وعقيلة صالح
كانت تجربة انفراد مجلس النواب الذي يرأسه عقيلة صالح، بوضع قوانين الانتخابات، والإشراف على العملية الانتخابية بالتنسيق مع المفوضية العليا للانتخابات، ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، قد باءت بالفشل، وتجسد ذلك بعد إخفاق إجراء الاقتراع في 24 ديسمبر/كانون الأول المنصرم.
فإجراء الانتخابات بدون إشراك المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، الذي يمثل الشرعية في المنطقة الغربية، أحد الأسباب التي أدت إلى عدم إجراء الانتخابات، وهذه القناعة توصلت إليها ضمنياً اللجنة البرلمانية المعنية بمتابعة تنفيذ العملية الانتخابية.
ومن بين التوصيات التي تقدمت بها اللجنة البرلمانية، دعوتها "لوضع خارطة طريق جديدة قابلة للتنفيذ، مضبوطة بمدد ومراحل وتواريخ في إطار دستوري وتعديل مشروع الدستور عن طريق لجنة فنية يعينها مجلس النواب بإشراك عادل لمجلس الدولة".
ومنذ فشل لجنة الحوار السياسي في إعداد قاعدة دستورية خلال اجتماعها بجنيف الصيف الماضي، تعد المرة الأولى التي يتحدث فيها مجلس النواب عن إشراك المجلس الأعلى للدولة في تعديل مشروع الدستور، دون الإشارة إلى قوانين الانتخابات، التي يطالب الأخير بأن يكون طرفاً أصيلاً فيها بناء على الاتفاق السياسي.
لماذا كان اللقاء سرياً وعُقد خارج ليبيا؟
يأتي اللقاء السري بين المشري وعقيلة، الأسبوع الجاري، والذي كشفت عنه وسائل إعلام محلية ودولية، في سياق البحث عن خارطة طريق جديدة، ومعالجة الإشكالات التي أعاقت إجراء الانتخابات في موعدها.
ورغم أن المشري التقى مع عقيلة، بصفته رئيساً لمجلس النواب، إلا أن الأخير لم يعلن رسمياً عودته لهذا المنصب بعد ترشحه لرئاسة البلاد. وهذا ما يفسر سرية لقاء المغرب، لتفادي الإحراج والالتباس الذي حدث عند زيارة عقيلة للجزائر بصفته رئيساً للبرلمان، قبل أقل من ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، في تناقض مع القانون الذي أصدره بنفسه.
والنائب زياد دغيم (من المنطقة الشرقية)، حذر عقيلة من أن عودته إلى سابق عمله رئيساً للبرلمان "يقصيه من الترشح". فقانون الانتخابات الرئاسية، الذي أصدره عقيلة دون تصويت مجلس النواب، ينص في المادة 12 على ضرورة أن يستقيل الموظف الحكومي من منصبه قبل 3 أشهر من الانتخابات.
لذلك فلقاء المشري وعقيلة ليس رسمياً، ولكنه مبني على ما يمثله الأخير من نفوذ على مجلس النواب، حتى في غيابه، كما أن لديه ثقلاً قبلياً في المناطق الشرقية وخاصة مدينة طبرق، التي تحتضن اجتماعات مجلس النواب.
تحالف جديد لـ"تقاسم السلطة"
لم يكشف عن اجتماع المشري وعقيلة أي تفاصيل، وما إذا تم الاتفاق حول خارطة طريق جديدة، أو تشكيل حكومة أخرى.
ولكن عضو المجلس الأعلى للدولة، عبد القادر حويلي، اعتبر في تصريح لقناة "ليبيا الأحرار" أن التكتم على اجتماع المشري وعقيلة قد يشير إلى أنهما اتفقا على تقاسم السلطة.
لم تتحدث الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للدولة عن اجتماع المشري وعقيلة، ولكنها نشرت، الأربعاء، بياناً لمكتب المجلس، جاء فيه أنه "تم التأكيد على الإسراع في اتخاذ الخطوات العملية لإنجاز العملية الدستورية والانتخابية، من خلال الاستفتاء على الدستور، وإصدار قوانين توافقية، وإنهاء المراحل الانتقالية".
والحديث عن "الإسراع" في اتخاذ "خطوات عملية"، يوحي بوجود اتفاق ما بشأن إعطاء الأولية للاستفتاء، وقبول مجلس النواب بإشراك مجلس الدولة في إصدار قوانين الانتخابات.
لكن ليس واضحاً ما هو المقابل الذي تحصل عليه عقيلة حتى تنازل عن إقصاء مجلس الدولة في إعداد قوانين الانتخابات، وأولوية الاستفتاء على الدستور قبل الذهاب للانتخابات. غير أن عقيلة صالح، من أنصار الإطاحة بحكومة الوحدة والمجلس الرئاسي، ولن يتم ذلك إلا بتوافق مع المشري ومجلس الدولة.
المستشار السياسي السابق للمجلس الأعلى، أشرف الشح، تحدث عن اتصالات بين المشري وصالح، بمبادرة من وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، لتشكيل مجلس رئاسي جديد، يتولّى رئاسته صالح بعضوية المشري، فيما يتولى باشاغا رئاسة الحكومة الجديدة، ويُدعى إلى تأجيل الانتخابات الليبية 24 شهراً إضافياً من أجل ترتيب الأوضاع، ويُضمَّن كل ذلك في الإعلان الدستوري.
ونفى المشري صحة سعيه لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، ولكنه أقرّ بوجود اتصال مع عقيلة، بـ"صفته رئيس مجلس النواب" لإيجاد حل للانسداد الحاصل في العملية الانتخابية، ورجح أن يلتقيه في تركيا أو مصر، قبل أن يجتمعا فيما بعد في المغرب.
اجتماع حفتر وباشاغا
اللافت للنظر أن عقيلة صالح لم يحضر الاجتماع الذي دعا إليه اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في مدينة بنغازي، وجمع عدداً من المرشحين للرئاسة أبرزهم باشاغا، وأحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي السابق، قبل موعد الانتخابات المؤجلة بيومين.
ولم يتضح بعد سبب تغيب عقيلة صالح عن اجتماع المرشحين الرئاسيين في بنغازي، رغم أنه معروف بقربه وتحالفه مع حفتر، ما أثار تساؤلات حول خلاف بين الرجلين.
لكن بحسب تسريبات لجهة ليبية مسؤولة، اطلعت عليها وكالة الأناضول، فإن حفتر اعترض على ترشح عقيلة للانتخابات الرئاسية، لكن الأخير أصرّ على دخولها.
وحتى بعد تدخل مصر للوساطة بين الرجلين، واستقبالهما في القاهرة، ومحاولة المسؤولين المصريين إقناع عقيلة بالانسحاب من السباق الرئاسي، إلا أن الأخير تمسك بموقفه، بحسب المصدر.
ويكشف ذات المصدر أن حفتر حاول عبر ميليشياته عرقلة عملية جمع عقيلة للتوقيعات اللازمة للترشح للرئاسة، والبالغة 5 آلاف توقيع، وأن الأخير واجه صعوبات كبيرة في جمع التوقيعات.
وبناء على هذه التسريبات يتضح أن العلاقة بين الرجلين ليست بالمتانة التي كان يتم الترويج لها، فحفتر يعتقد أن دخول عقيلة الانتخابات الرئاسية يضعف حظوظه في الفوز خاصة بالمنطقة الشرقية، ولا يرغب في دخول أي شخصية وازنة هذه الانتخابات، سواء كان سيف الإسلام القذافي، أو عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة أو حتى عقيلة.
فالتقارب بين حفتر وباشاغا، رد عليه عقيلة بالتقارب مع خصمه اللدود خالد المشري، ما يكشف عن خارطة تحالفات جديدة تتغير بين فينة وأخرى تبعاً لتغير المصالح والمعطيات.
تحركات عسكرية في طرابلس لخلق مشهد جديد
وتشهد العاصمة الليبية طرابلس، منذ 30 ديسمبر/كانون الأول 2021، تحركات عسكرية تُوصف بالمريبة، في ظل الوضع السياسي المتخبّط الذي تعيشه ليبيا، بعد تأجيل الانتخابات التي كان مزمعاً إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول.
وتثير هذه التحركات تساؤلات عديدة حول خلفيات إرسال هذه القوات الكبيرة، وهو ما يوحي وكأن طرابلس تستعد لمعركة حاسمة عقب تأجيل الانتخابات وتداعياتها.
تأتي هذه التحركات وسط مشاكل رافقت عملية الإعداد للانتخابات، التي انتهت بالفشل، سواء على مستوى القاعدة التشريعية أو الإجراءات التي اتُّخذت في مراكز الاقتراع وغيرها، وكانت سبباً رئيسياً في دخول بعض التشكيلات العسكرية إلى العاصمة، وخروجها عن مرحلة السلم.
ووصل الأمر إلى تلويح بعض هذه التشكيلات باستعمال القوة، حيث أصبح بعض منها مؤيداً لاستمرار الحكومة، والبعض الآخر رافضاً لوجود حكومة عبد الحميد الدبيبة، التي يعتبرونها منتهية الصلاحية.
وما حصل في مدينة سبها جنوب ليبيا كان له الأثر الأكبر في تحرك هذه القوات. فظهور سيف الإسلام القذافي، وتقديم أوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية في مدينة سبها، وما تبعه من قبول مفوضية الانتخابات لأوراق ترشحه، تسبب في تباين بالمنطقة بين مؤيد ومعارض.
أضِف إلى هذا التخبط في المواقف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمفوضية العليا للانتخابات، كل هذه المعطيات جعلت القوى العسكرية في المنطقة الغربية تتخذ موقفاً شبه موحد -رغم تباينها- وهو الدخول إلى العاصمة وأخذ مكانها، تجهيزاً للمرحلة المقبلة غير واضحة المعالم حتى الآن.
ما هي القوات التي دخلت العاصمة؟
ومن أجل فهم ما يحدث في المنطقة الغربية وسر تحرك هذه القوات، فعلينا النظر عن كثب لهذه التشكيلات العسكرية وطبيعتها الجغرافية.
وفق مصادر إعلامية محلية لـ"عربي بوست"، فقد وصلت إلى مدينة طرابلس تعزيزات عسكرية من "قوة مكافحة الإرهاب" بمنطقة تاجوراء شرقي طرابلس، وتشكلت هذه القوة إبان حكومة السراج بعد حرب البنيان المرصوص.
ووحدات عسكرية بينها "كتيبة المحجوب" و"لواء الحلبوص" التي تعد من أشهر كتائب مصراته عدداً وتسليحاً، وهذه الأولية تشكلت إبان حرب فجر ليبيا، وكان باشاغا أحد أكبر داعميها.
ويوضح "المركز الإعلامي لمحور قوة مكافحة الإرهاب" أن هذا التعزيزات العسكرية جاءت "تطبيقاً للترتيبات الأمنية الموضوعة للمساهمة في الحفاظ على أمن العاصمة وسلامة مواطنيها".
ليست وحدها كتائب مصراته من تحركت نحو طرابلس، بل أيضاً كتائب من الزنتان، بقيادة اللواء أسامة الجويلي، الذي عيّنه رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، مطلع ديسمبر/كانون الأول المنصرم، "مديراً لإدارة الاستخبارات العسكرية".
ومن المرتقب أن تنضم كتائب الزاوية، التي يعد خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، أبرز عرّابيها السياسيين، والتي تحمل اسم قوة مكافحة الإرهاب، بينما توجد قوة أخرى في مدينة الزاوية، مناهضة لقوة مكافحة الإرهاب التي يدعمها المشري، وهي بقيادة شخص يدعى حسن بوزريبة.
وتأتي هذه التحركات العسكرية المثيرة للجدل بعد أيام قليلة من تأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، وفي ظل إعلان عدة أطراف بينها نواب في البرلمان رغبتهم في تغيير الحكومة، ومحاصرة مسلحين لمؤسسات رسمية في طرابلس.