بعد الأزمة الكبيرة التي مر بها خلال الفترة الماضية بسبب الجائحة، تسود وجهتا نظر بشأن سوق النفط في العام 2022، إحداها تتوقعه وكالة الطاقة الدولية (IEA) وآخرون، ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن العرض سيتجاوز الطلب والمخزون المتوفر في وقت قريب، وهو ما سيحدُّ أسعار النفط عند مستويات معينة أو يُضعفها. لكن على الجانب الآخر، يتوقع آخرون مثل بنك "غولدمان ساكس" Goldman Sachs زيادة قدرها 3.1% في أسعار النفط، مستنداً في ذلك إلى توقعات بطلب قوي على النفط وألا تتمكن مجموعة "أوبك بلس" من الوفاء بأهدافها الإنتاجية.
ويقول محللو مجلة Forbes الأمريكية إنهم يميلون إلى الرأي الأول، لكن في الوقت نفسه لا يمكن التظاهر بعدم المبالاة بشأن احتمالية اضطراب أسعار النفط والعجز عن كبح جماحها كما يتوقع الرأي الثاني.
ما الذي ينتظر سوق النفط في 2022؟
تقول المجلة الأمريكية إن بعض أسباب هذا الاختلاف في التوقعات ترجع إلى انعدام اليقين بشأن تداعيات متحور أوميكرون كورونا، علاوة على أزمات التوريد المحتملة في بعض البلدان بسبب الصعوبات التي يواجهها العمال في إجراء الصيانات اللازمة على إثر مشكلات في سلاسل التوريد. ومن جهة أخرى، فإن البيئة الجغرافية السياسية (الجيوسياسية) يمكن أن تكون لها تداعيات أشد وطأة، حتى لو لم يبدوا للمُتابع أنها ذات صلة مباشرة بأسعار النفط حتى الآن. والواقع أن الاقتصاد العالمي- وربما إمدادات النفط- يواجه تهديدات كامنة في الخلفية ويتعيَّن النظر فيها بجدية. ويظل مؤشر التقلب ETF vix النفطي عند مستوى 40 نقطة، قريباً من الحد الأقصى للنطاق المعتاد لتقلب الأسعار، لكنه بالتأكيد ليس مرتفعاً.
1- الأزمة مع إيران
أول المخاطر الجيوسياسية هو الوضع المتعلق بإيران؛ إذ يبدو في الوقت الحالي أن المفاوضات الخاصة بخطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران متوقفة، ويتخذ المسؤولون الإيرانيون موقفاً متشدداً بدعوى قدرة البلاد على الحدِّ من أثر العقوبات، ربما عن طريق تهريب النفط وتصدير المزيد من الكميات منه.
وفي هذا السياق، تُطرح تساؤلات حول ما ستؤول إليه الأمور في حالة الانهيار الكامل للمحادثات بين إيران والقوى الغربية، لا سيما من إدارة بايدن أو جيران إيران أو إسرائيل. فمع أنه من غير المرجح أن تتخذ الإدارة الأمريكية والدول المجاورة لإيران تحركات عسكرية علنية، فإنه من المتوقع أن يؤدي انهيار المفاوضات إلى تكثيف الحرب الإلكترونية على إيران وأعمال التخريب الأخرى، لا سيما التي قد يتعرض لها مجمع الوقود النووي الإيراني. وهو ما قد يستدعي رداً إيرانياً يُحتمل أن يسهم في استمرار الفوضى ورفع تكلفة الصراع المستمر في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لضربة عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية أن تسبب اضطرابات عديدة في المنطقة (وأسواق النفط)، ويعتمد اشتعال الأمور وقتها على طبيعة الرد الإيراني. وتشير التقارير العامة إلى أن المنشآت النووية الرئيسية في إيران جيدة التحصين، ومن ثم إذا لم ينجح الهجوم عليها، فمن المرجح أن يكون الرد الإيراني محسوباً.
لكن من ناحية أخرى، إذا تعرضت المنشآت النووية الإيرانية لأضرار جسيمة، فإن ردَّ إيران القوي عليها لن يؤدي إلى زيادة الصراع العسكري في جميع أنحاء المنطقة فحسب، بل قد يشهد أيضاً محاولات لتعطيل إمدادات النفط في محاولة لإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي، الذي تعاني إيران الاستبعاد منه إلى حدٍّ كبير.
ذهبت بعض الآراء إلى أن هجمات الطائرات المسيرة الإيرانية وصواريخ الكروز في عام 2019 على حقول النفط السعودية قد كشفت عن افتقار هذه الهجمات إلى الفاعلية، وأرجعت بعض أسباب ذلك إلى عدم دقة الأسلحة الإيرانية، وأيضاً بسبب قدرة السعودية على تجاوز الأضرار واستعادة العمل في الحقول بسرعة. ومع ذلك، فإن عامين منذ هذه الهجمات هو وقت طويل في مجال تكنولوجيا الأسلحة، وليس هناك ما يضمن أن الهجوم التالي لن يكون أكثر نجاحاً وأشد فاعلية. وغني عن البيان أن كل ذلك سيكون له تأثيرات مباشرة على أسعار النفط.
2- أزمة روسيا مع أوكرانيا
على جبهة أخرى، لا يزال الصراع الروسي-الأوكراني مندلعاً، وإن على نار هادئة وليس في حالة غليان، وقد أشار خبراء كثيرون إلى رغبة فلاديمير بوتين الواضحة في ضم أوكرانيا مرة أخرى إلى روسيا، واعتقاده الراسخ بأنها جزء لا يتجزأ من بلاده. وبلا شك، تستطيع القوات الروسية غزو أوكرانيا، لكن ذلك لن يأتي بدون تكلفة، وربما يتسبب في صراع طويل المدى منخفض المستوى. ويكفي أن نتذكر أن الحرب التي شنَّها السوفييت على أفغانستان كانت باهظة الثمن إلى درجة كونها عاملاً مهماً في انهيار الاتحاد السوفييتي.
والأشد تأثيراً هنا على أسواق النفط هو رد فعل الغرب إن أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا. فأوروبا بحاجة ماسة حالياً إلى مزيد من إمدادات الغاز الطبيعي، وحتى وإن كانت هذه الحاجة تخف وطأتها في الصيف، فإنه من المستبعد أن تتبنى الدول الغربية عقوبات قد تقلل من إمدادات الطاقة- خاصة النفط- القادمة من روسيا؛ لأن ذلك قد يُلحق بالدول الفارضة للعقوبات أضراراً لا تقل فداحة عن تلك التي ستتعرض لها روسيا.
ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين بشأن احتمالات إقدام الدول الغربية على هذه الخطوة قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، ولو لفترة وجيزة، قبل استقرار الوضع السياسي. كان لإقالة الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش وقرار روسيا بضم القرم تأثير طفيف ومؤقت في أسعار النفط، لكن إرسال قوات عسكرية على نحو واسع النطاق إلى غرب أوكرانيا سيُنظر إليه نظرةً مختلفة تماماً عن التدخل محدود النطاق لروسيا حينما استولت على منطقة القرم.
3- غزو تايوان
يُتوقع أن تكون أسواق النقط قلقة أيضاً بشأن احتمالات إقدام الصين على عمل عسكري في تايوان. وهنا كذلك لا أحد يعرف على وجه التحديد ما الذي يدور في عقل الرئيس الصيني شي جين بينغ، ولكن كما هو الحال مع بوتين، فإن هناك اعتقاداً بأن الزعيم الصيني يرغب في تحقيق إنجاز سياسي كبير (مثل ضم تايوان رسمياً) لصقل مكانته في التاريخ الصيني.
وفي هذا السياق، ربما تكون أي حرب كبرى في مضيق تايوان وما وراءه قصيرة، لكن تداعياتها ستكون شديدة الوطأة. وكما هو الحال مع إمدادات الطاقة الروسية، فإن اعتماد الاقتصاد العالمي على الصادرات الصينية يشير إلى أن أي عقوبات واسعة النطاق ستعاني آثارها الدول التي تفرضها أيضاً. ولا شك في أن شركات أمريكية عديدة من تلك التي تعتمد على سلع صينية، مثل شركة آبل (تعتمد على سلع صينية بنسبة 1.3%) وشركة "وول مارت" (تعتمد عليها بنسبة 1.3%)، ستضغط على الحكومة الأمريكية لكي تكون عقوباتها محدودة ومركَّزة، غير أنه من المرجح أن تكون خطوات كهذه ذات تداعيات سلبية على أسعار النفط، لأن من شأنها أن تحدَّ الطلب العالمي.
4- أوبك بلس
ولا ينبغي أن نتجاهل أزمات أخرى مرتبطة بنطاق أصغر، مثل احتمالات أن تؤدي اضطرابات جديدة في ليبيا إلى تقليص أو حتى حرمان السوق النفطية من 1 مليون برميل يومياً من صادرات البلاد الحالية، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وقد أثبتت الاضطرابات الأخيرة في أسعار النفط أن السعودية- التي عادة ما كانت تتدخل لموازنة إمدادات النفط- باتت متحفظة بشأن تغيير مستويات إنتاجها خوفاً من تشجيع المنتجين الآخرين على زيادة إنتاجهم، وهو ما قد يتسبب في فقدان "أوبك بلس" للسيطرة على المعروض النفطي.
في المقابل، قد تحدث زيادات طفيفة في الصادرات من إيران وليبيا وفنزويلا، ما قد يضيف كمية إجمالية تساوي 1 مليون برميل يومياً إلى السوق بحلول الصيف. ومع ذلك، فإن ليبيا وفنزويلا يواجهان تحديات فنية في استعادة الإمدادات الطبيعية، بسبب نقص الصيانة الناجم عن الاضطرابات السياسية المستمرة في البلدين. ومن الممكن أيضاً أن توقع إيران اتفاقية نووية جديدة ويُسمح لها بالاستئناف الكامل للإنتاج النفطي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً في تخفيف الفجوة بين العرض والطلب.
في الختام، فإن التوقعات بشأن المسار المحتمل لأسعار النفط هذا العام تشهد حالة كبيرة من الارتباك تحت وطأة الاحتمالات المتعلقة بعدم وقوع أيٍ من هذه العوامل أو وقوع بعضها أو جميعها. ومع ذلك، تشير مخزونات النفط المنخفضة إلى أن السعر الحالي يعكس القواعد الأساسية التي تحكم العلاقة مع العرض والطلب، وليس هناك ما يدعم التوقعات بتراجع الطلب وزيادة المعروض في الأشهر المقبلة أو ضعف السوق النفطية عموماً، سواء بسبب اضطراب في المعروض الروسي من النفط أو الطلب الصيني أو حتى إجراءات عسكرية حيال إيران.