تسلّمت فرنسا الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي لستة أشهر، وهي فرصةٌ ترى الكاتبة شدا إسلام في مقال بصحيفة The Guardian البريطانية، أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون سيستغلها ضد مسلمي أوروبا من أجل دفع أوروبا نحو هدفه لتحقيق "استقلالٍ استراتيجي" أكبر في العالم، ما يعني المزيد من الإسلاموفوبيا.
لكن البعض في بروكسل قلقون من أنّ الانتخابات الرئاسية شديدة المنافسة، في أبريل/نيسان، قد تتداخل مع رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي، وذلك قبل أن يُحقّق مؤتمر مهم حول مستقبل أوروبا أي نتائج.
لماذا يقلق المسلمون؟
وفي الوقت ذاته أوضحت شدا أنّ العديد من مسلمي أوروبا يشعرون بالقلق إزاء فترة رئاسة فرنسا في مقعد الاتحاد الأوروبي لسببٍ آخر، إذ يخشون أنّ الخطاب السياسي الانقسامي ضد المسلمين في فرنسا سينساب على نحوٍ خطير إلى عملية صنع السياسة في أروقة الاتحاد الأوروبي، ويغذي مشاعر الكراهية ضد المسلمين، والتي لاقت رواجاً في الفترة الأخيرة، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي بسبب عمليات الإغلاق التي تسببت فيها جائحة كورونا.
ووصفت شدا فترة الانتخابات الفرنسية بأنّها موسمٌ مفتوح للهجوم على المسلمين في فرنسا، إذ اختار العديد من الساسة الفرنسيين تبنّي الإسلاموفوبيا المنتشرة لتكون استراتيجيتهم الانتخابية. حيث تزداد بشاعة النقاشات السامة حول الإسلام والمسلمين، ممتزجةً مع ضربات متقاطعة لاذعة للعرق والهجرة.
الإسلاموفوبيا تجتاح النظام التعليمي في أوروبا
ورصد تقرير بعنوان "الإسلاموفوبيا في أوروبا 2020″، "تأثير وباء فيروس كورونا في أوروبا عام 2020 على الإسلاموفوبيا، إذ أدى التراجع القسري لمظاهر الحياة اليومية إلى تراجع الظاهرة جسدياً، مقابل ارتفاع نسبتها على منصات التواصل الاجتماعي".
وأوضح التقرير أن "غالبية الدول الأوروبية لا تسجل حوادث الإسلاموفوبيا كفئة منفصلة عن جرائم الكراهية، رغم أهمية تسجيل الجرائم المعادية للمسلمين كفئة منفصلة عن جرائم الكراهية للكشف عن نسبتها الحقيقية، ووضع استراتيجيات لمكافحتها".
وأضاف أن "12% فقط من المسلمين في الاتحاد الأوروبي، ممن تعرضوا للتمييز الديني، يبلغون السلطات بالحوادث التي يتعرضون لها".
كما نشر التقرير إحصاءات ظاهرة الإسلاموفوبيا في عدة دول أوروبية خلال عام 2020، على النحو التالي، بما فيها فرنسا، التي سجلت 235 جريمة معاداة للإسلام في عام 2020، مقارنة بتسجيل 154 حالة في عام 2019، أي بزيادة بلغت نحو 14%.
حتى المدارس هي الأخرى لم تسلم من هذه الظاهرة، إذ رصد التقرير أن ظاهرة الإسلاموفوبيا بدأت تسري داخل قطاع التعليم لدى دول القارة الأوروبية، إلى جانب اتساع انتشارها في المجالات السياسية والقانونية والاجتماعية، خلال عام 2020، مقارنة بسابقه.
وراقب الأكاديميون معدو التقرير ظاهرة الإسلاموفوبيا في أكثر من 31 دولة، أغلبها في أوروبا.
وتوصلوا إلى أن النظام التعليمي في أوروبا بات يحوي تطبيقات معادية للمسلمين، فيما لجأت دول إلى التعليم وسيلة لتعزيز التحريض ضدهم.
وأشار التقرير إلى أن الطلاب الأتراك والمغاربة في هولندا لا يزالون يتعرضون للتمييز بسبب انتماءاتهم الدينية والعرقية، وذلك رغم حصولهم على جنسية البلد الأوروبي.
وتطرّق إلى حظر الحكومة البلجيكية ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم العالي، لتنقل بذلك معاداة الإسلام إلى السلك التعليمي أيضاً.
الكراهية باتت عنواناً لأغلب المرشحين
وبالعودة إلى المقال فإن المثير للقلق أكثر، في وجهة نظر شدا، هو أنّ التنكيل بالمسلمين لم يعُد حكراً على المرشحة اليمينية المتشددة والمعادية للهجرة مارين لوبان. ففي مناظرةٍ تلفزيونية أجراها وزير داخلية ماكرون المتشدد جيرالد دارمانان مؤخراً، اتّهم مارين لوبان بأنّها "متساهلةٌ" مع الإسلام. بينما أضاف المحلل التلفزيوني السابق إريك زمور إلى السباق الرئاسي أجندةً أكثر شراسة لمناهضة المسلمين.
وأردفت شدا أنّه حتى ماكرون نفسه، الذي من المتوقع أن يترشح لفترةٍ جديدة، بدأ في تطبيق مجموعة من السياسات المعادية للمسلمين بالفعل، ومن بينها مشروع قانون يهدف نظرياً لمنع "الانفصالية" وظهور "مجتمع مضاد" بين ستة ملايين مواطن مسلم في فرنسا. كما تعرضت حكومة ماكرون هي الأخرى للانتقاد بسبب إغلاقها "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا"، وهو كيانٌ رائد لمناهضة التمييز يقوم بتوثيق جرائم الكراهية المعادية للمسلمين. بينما حذرت الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية من "مطاردة شاملة تتسم بالإسلاموفوبيا" لمسلمي فرنسا. وقالت الشبكة إنّ الحكومة تستخدم "إجراءات إدارية لا تُحصى" من أجل إغلاق الكيانات التي يقودها مسلمون من منظمات، ومساجد، ومدارس، وحتى المطاعم المملوكة للمسلمين بناءً على ادعاءات غير مؤكدة حول صلاتهم بجماعة الإخوان المسلمين.
لكن السبب الأدعى للخوف الآن هو أن فرنسا ستستغل فترة رئاسة الاتحاد الأوروبي للدفع بإجراءات أكثر صرامة على مستوى أوروبا، بحسب شدا.
وترى شدا أنّ هذا الخوف منطقيٌّ في سياق هجوم وزراء فرنسا على المفوضة الأوروبية للمساواة هيلينا دالي، بعد اجتماعها بأعضاء منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة الأوروبية (فيميسو)، وهي شبكةٌ شاركت في حملة لمناهضة التمييز برعاية مجلس أوروبا وكانت تركز على الحجاب. وقد كانت تلك الحملة سبباً في غضبٍ سياسي بفرنسا، التي اعتبرتها هجوماً على "قيمها".
وذكرت شدا أن تقاريرها ومقالاتها التي كتبتها عن فرنسا وأوروبا طوال سنوات تُظهر عدم ارتياحٍ مستمر للإسلام باعتباره عقيدةً غريبة، ونظرةً للمسلمين باعتبارهم أجانب غير مرغوبين، وخوفاً غير منطقي من الحجاب والطعام الحلال.
أشكال الإسلاموفوبيا
ورهاب المسلمين في فرنسا له أوجه شبهٍ في أماكن أخرى بحسب شدا، حيث قالت إنّ المستشار النمساوي السابق سيباستيان كورتز استهدف الصعود المزعوم للإسلام السياسي، بعد إطلاق موقع ويب مثير للجدل بعنوان "خريطة الإسلام Islam map"، وهو موقعٌ يُظهر مواقع أكثر من 600 مسجد، وقد تسبب نشر الخريطة -بحسب الجماعات الحقوقية- في ارتكاب وقائع عنفٍ ضد المسلمين.
في حين أُدينت وزيرة الهجرة الدنماركية السابقة إنغر ستويبرغ وحُكِمَ عليها بالسجن مؤخراً لأنها أمرت على نحوٍ غير قانوني بالفصل بين أزواجٍ شباب من طالبي اللجوء من سوريا والعراق، لأن النساء كنّ أصغر من 18 عاماً. وقالت إنغر إنّها أرادت حماية "العرائس الأطفال"، لكن شدا ترى أنّها ربطت في ذلك التصريح ضمنياً بين الإسلام وسياسة اللجوء كما هو الحال في مختلف أنحاء أوروبا.
وكانت إنغر قد أثارت الجدل حين طالبت بإبقاء المسلمين الدنماركيين خارج أماكن العمل في رمضان، لأن الصيام في وضح النهار قد يكون خطراً على السلامة. وربما تمت إدانة إنغر وإبعادها عن السياسة، لكن نهج الدنمارك المتشدد فيما يتعلّق باللاجئين و"الإدماج" لا بد وأن يكون مدفوعاً -ولو جزئياً على الأقل- بالخوف من المسلمين وفقاً لشدا، وهذا يشمل قانوناً صدر في يونيو/حزيران، لنقل طالبي اللجوء إلى خارج الاتحاد الأوروبي أثناء النظر في طلباتهم.
ومن ناحيةٍ أخرى، أشارت شدا إلى تساؤلات مثيرة للقلق طرحها الأكاديمي النمساوي فريد حافظ حول الدوافع وراء إقامة منتدى في فيينا لمكافحة الفصل والتشدد في سياق الإدماج، وهو مؤتمرٌ سنوي أطلقته النمسا بدعمٍ من فرنسا والدنمارك لمكافحة "الإسلام السياسي" و"التشدد اللاعنفي والإسلاموية اللاعنفية" المزعومين. وأضافت شدا أنّ تلك المبادرات تُمثل خطوةً خطيرة لفرض حكمٍ مسبق على المسلمين، باعتبارهم تهديداً محتملاً على المجتمعات الليبرالية، إن لم تكن مكارثيةً صريحةً في جوهرها، على حد وصف حافظ.
فرنسا رأس حربة التحريض على المسلمين
وقد امتد تركيز فرنسا على المسلمين إلى جميع أركان الساحات السياسية الأوروبية، بعد أن كان حكراً على الجماعات اليمينية المتشددة فقط في الاتحاد الأوروبي. حيث بات يُنظر إلى الإسلام بزاويةٍ من اثنين وفقاً لشدا: إما تهديد للتقاليد العلمانية القومية، أو تهديد لـ"أوروبا المسيحية". ولطالما أثار المجري فيكتور أوربان وحلفاؤه في الاتحاد الأوروبي القلاقل ضد الإسلام، لكن نباح المتشددين المعادين للمسلمين صار النمط القياسي للعديد من المحافظين المعروفين في الاتحاد الأوروبي.
ورغم أنّ الأحزاب اليمينية المتشددة لم تحقق انتصارات انتخابية كبيرة (حتى الآن)، لكن شدا على قناعة بأنّها نجحت في نشر خطابها المعادي للمسلمين والهجرة. إذ استشهدت شدا بنسخة 2020 من التقرير الأوروبي السنوي عن الإسلاموفوبيا، الذي شارك حافظ في تحريره مع باحثين وخبراء ونشطاء مجتمع مدني من أكثر من 30 دولة أوروبية، حيث خلص التقرير إلى أنّ العنصرية المعادية للمسلمين تزداد سوءاً في جميع أنحاء القارة.