أقيم أول مهرجان سينمائي في السعودية، في إطار وضع المملكة على خريطة السينما العالمية، فمن هم الرجال الذين اختارهم ولي العهد محمد بن سلمان لتحقيق رؤيته الهوليوودية؟
صحيفة Intelligence Online الفرنسية نشرت تقريرا عنوان "مستشارو محمد بن سلمان الذين سيجعلونه قطباً من أقطاب السينما"، رصد الخطوات المتسارعة التي يتم اتخاذها بغرض تحويل المملكة العربية السعودية إلى هوليوود الشرق.
ويعتبر الإنتاج السينمائي وفتح أراضي المملكة أمام شركات الإنتاج العالمية وضخ المليارات لإنتاج أفلام سينمائية سعودية، جزءا من استراتيجية تنويع موارد اقتصاد المملكة المعتمد بشكل أساسي على النفط، كون السعودية أكبر منتج للنفط في العالم. وفي هذا السياق، اتخذ ولي العهد عددا من القرارات الهادفة إلى تحويل المملكة لمركز جذي للشركات العالمية.
وعلى الرغم من أن السينما لم يكن لها وجود من الأساس في السعودية حتى عام 2018، أي قبل 3 سنوات فقط، إلا أن المملكة أصبح لديها الآن طموحاتٌ هوليوودية، بحسب تقرير سابق لوكالة Bloomberg الأمريكية عنوانه "المملكة السعودية تلاحق أحلامها الهوليوودية بـ64 مليار دولار".
وأطلقت تلك السلسلة من القرارات منافسة حامية مع الإمارات، التي تمثل مركز الجذب الرئيسي للشركات والاستثمارات العالمية في المنطقة، وهكذا باتت السينما والإنتاج السينمائي والمهرجانات واجتذاب نجوم هوليوود واحدا من أبرز مجالات تلك المنافسة الحامية.
مهرجان البحر الأحمر السينمائي
وبعد انطلاقةٍ حافلة لشهر ديسمبر/كانون الأول، هبط رجل الأعمال السعودي محمد التركي بطائرته في باريس يوم 20 ديسمبر/كانون الأول من أجل الاستراحة لبضعة أيام. وهي راحةٌ مستحقة. إذ إنّ "التركي" الأنيق، الذي يعمل سفيراً على الإنترنت لعلامات فرنسية فاخرة مثل Dior وPiaget، هو الشخص الذي اختاره ولي العهد محمد بن سلمان، ليضع الرياض على خارطة السينما العالمية.
تأتي عودة "التركي" إلى باريس بعد أسابيع قليلة من الانقلاب الإعلامي الكبير الذي أحدثه. إذ نجح في جذب العديد من الأسماء الكبرى في السينما الفرنسية، مثل كاثرين دينوف وفينسنت كاسل، لحضور مهرجان البحر الأحمر السينمائي، الذي يُعتبر الحدثَ الأول من نوعه داخل المملكة. ويأمل القائمون على المهرجان أن يصير واحداً من الأحداث العالمية التي يجب حضورها في صناعة السينما العالمية، كما هو الحال مع مهرجانات "كان" و"البندقية" السينمائية.
ويترأس المهرجان رسمياً وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، الذي تم تكليفه بقيادة مشروعات القوة الناعمة لمحمد بن سلمان بقطاع الثقافة بعد أن كان نشطاً في صناعة النفط داخل الولايات المتحدة. وتحت إشراف الوزير، تأتي المهمة الصعبة لرئيس لجنة المهرجان محمد التركي، الذي يتعيّن عليه إقناع أبرز نجوم السينما العالمية بحضور المهرجان، علاوةً على تشجيع تطوير صناعة السينما المحلية.
الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، في الفترة من 6-15 ديسمبر/كانون الأول 2021، أقيمت فعالياتها في القلب التاريخي لمدينة جدة، المصنف ضمن قائمة مواقع التراث العالمي وفق اليونيسكو. وكرّم المهرجان في حفل الافتتاح جاك لانغ وزير الثقافة الفرنسي الأسبق ورئيس معهد العالم العربي بباريس، وكاترين دينوڤ أيقونة السينما الفرنسية والفنانة المصرية ليلى علوي، والمخرجة والمنتجة السعودية هيفاء المنصور.
ولم يكن من الصعب إقناع النجوم الفرنسيين بالمشاركة، لكن نجوم هوليوود كانوا أكثر تحفظاً. فبخلاف قيود السفر نتيجة كوفيد-19، كانت فكرة دعم المهرجان السعودي قد تُهدد سمعة الفنانين داخل الولايات المتحدة، لأنه تحت رعاية ولي العهد الذي تتهمه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأنّه أمر على الأرجح باغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، كما تقول الصحيفة الفرنسية.
لماذا اختير "التركي" رئيساً للمهرجان السينمائي؟
يُعتبر "التركي" فعلياً أهم منتج أفلام سعودي داخل الولايات المتحدة، وقد كوّن شبكة علاقات كبيرة في كاليفورنيا خلال السنوات العشر الماضية نتيجةً لذلك، حيث كان يعمل بجد على التعرّف على المواد الخام لصناعة السينما (أي نجومها).
وفي السنوات الأخيرة، شارك في تمويل أفلام مثل Crisis عام 2020، وArbitrage عام 2012. واليوم، أصبح نموذجاً لجيلٍ جديد من رجال الأعمال الخليجيين. إذ يضم حسابه على إنستغرام مجموعةً من صور السيلفي التي تجمعه برجال ونساء جذابين من الشباب، وتُثبت صداقته لشخصيات شهيرة مثل ريتشارد غير، وميشيل رودريغيز، وإد ويستويك.
وبدأ "التركي" مسيرته في عالم السينما من قاعدة رأس مال ثابتة. فهو ابن عبد العزيز علي التركي الذي يمتلك، مع شقيقه صالح علي التركي، اثنين من أكبر تكتلات الشركات في المملكة: روابي القابضة، ونسما القابضة. لكن أعمال العائلة تجري إدارتها حالياً بواسطة شقيقته نوف التركي على نحوٍ متزايد، رغم أنّ ثروة العائلة قد تضخمت على مر السنوات، بفضل دورها كشريكٍ محلي للشركات العالمية الباحثة عن الفوز بعقود القطاع العام السعودية المربحة، خاصةً في مجالات الإنشاءات والنفط والأسلحة.
ومنذ عام 2012، دخلت "نسما" في مشروع مشترك مع مجموعة Raytheon الأمريكية لتطوير قدرات "القيادة والتحكم والاتصالات والاستخبارات" الخاصة بوزارة الدفاع السعودية. وحينها وقَّع على العقد الأمير سلمان بن عبد العزيز، الذي صار الملك الحالي للمملكة العربية السعودية.
وعيّن صالح التركي أميناً لمدينة جدة، التي تشهد إقامة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، في يوليو/تموز عام 2020. كما اختيرت نسما القابضة مع المجموعات الفرنسية Accor وEgis للمشاركة في بناء أحد أكبر مشروعات بن سلمان الثقافية في مدينة العلا القديمة.
وكما هو الحال مع كافة مشروعات القوة الناعمة السعودية، يرأس وزير الثقافة بدر بن عبد الله الهيئة الملكية لمحافظة العلا -التي تشمل قائمة مستشاريها مدير معهد العالم العربي جاك لانغ ومستشارين بارزين آخرين مثل الفرنسي جاك أتالي -الذي صار نقطة الاتصال الرئيسية بين السعودية وفرنسا في المجال الثقافي.
دعم فرنسي للطموحات السعودية
اعتمد محمد التركي، الساعي إلى جعل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الأكثر جذباً للنجوم العالميين، على العديد من أصدقائه القدامى؛ للمساعدة في جذب أفضل نجوم السينما العالمية إلى السعودية، ومن بينهم منتج الأفلام التونسي الفرنسي طارق بن عمار. وقد شغل بن عمار لفترةٍ طويلة، منصب مدير في مجموعة Vivendi الإعلامية، وكان مقرباً لرئيسها فينسنت بولور، الذي يعمل مستشاراً لبدر بن عبد الله في مهرجان البحر الأحمر.
ويحظى بولور بمساعدة زميلٍ آخر من Vivendi داخل السعودية، وهو الصحفي السابق وعضو المجلس الاستشاري للمجموعة، دومينيك ديلبورت. إذ يعمل ديلبورت من خلال شركته، Arduina Partners، على مساعدة الهيئة الملكية لمدينة الرياض حتى تصير قوةً في الصناعات الإبداعية.
ويُعتبر "التركي" معروفاً في باريس، فهو من عشاق عروض الأزياء، وعادةً ما يتناول العشاء مع شخصيات مؤثرة في عالم الموضة هناك مثل ناتاليا فوديانوفا، عارضة الأزياء الروسية السابقة وزوجة أحد ورثة إمبراطورية LVMH للمنتجات الفاخرة أنطوان أرنولت.
ولتعزيز قائمة معارفه، يعتمد "التركي" على علاقاته بأثرياء العالم ونجوم المجتمع من أمثال عفاف جنيفان، مقدمة البرامج التونسية الإيطالية السابقة. وفي إحدى المناسبات ساعد سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، على الانضمام لأثرياء العالم الذين يركبون الطائرات النفاثة عبر صفقةٍ مع Airbus Group.
يبدو أن مهرجان البحر الأحمر السينمائي هو الجزء الظاهر فقط من استراتيجية محمد بن سلمان الكبرى. فعلاوةً على الترويج للحدث المرموق، يمنح الأمير كذلك دفعةً قوية لمنظومة السينما المحلية.
وسيأتي الاستثمار في صناعة السينما على الأرجح، من خلال مجموعة MBC Group العملاقة، التي استحوذت الرياض على حصة الأغلبية فيها من مالكها السابق وليد بن إبراهيم الإبراهيم عام 2018. إذ كانت المجموعة هي الراعي الرئيسي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الذي شهد إعلان هيئة الأفلام السعودية -المشكَّلة حديثاً- عن تقديم خصم بنسبة 40% على تكاليف تصوير الأفلام داخل المملكة؛ في محاولةٍ لجذب شركات صناعة الأفلام العالمية.
كما يتمتع فريق محمد بن سلمان بوجودٍ قوي في لوس أنجلوس. إذ يستخدم مستشاره الفرنسي جوناثان غراي، الذي التقى ولي العهد حين كان يعمل في إدارة الفعاليات بالريفيرا الفرنسية، أموال السعودية لتطوير شركة إنتاج في كاليفورنيا تحمل اسم The Hideaway.
وبعد إنتاجها أفلام Men in Black، وMiles 22 مع مارك والبيرغ، وBloodshot مع فان ديزل؛ قامت الشركة في عام 2020 بإنتاج Cherry، وهو أول فيلمٍ يتم تصويره في العلا.
والفيلم الذي صدر في أبريل/نيسان، من إخراج الأخوين جو وأنتوني روسو. ووفقاً لمجلة Variety الأمريكية، فقد تلقت شركة الأخوين AGBO عشرات الملايين من الدولارات من بنكٍ سعودي في العام نفسه. كما يعمل غراي من خلال شركة The Hideaway، على إنتاج مسلسل قصير مبنيٍّ على رواية For Those I Loved التي كتبها والدها عن سيرته الذاتية.